كتاب الحج (للشاهرودي) المجلد 2

اشارة

نام كتاب: كتاب الحج

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى

تاريخ وفات مؤلف: 1394 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 5

ناشر: مؤسسه انصاريان

تاريخ نشر: ه ق

نوبت چاپ: دوم

مكان چاپ: قم- ايران

مقرر: شاهرودى، ابراهيم جناتى

تاريخ وفات مقرر: ه ق

ملاحظات: اين كتاب از روى نسخه اى كه در سال 1381 ه ق در چاپخانه قضاء در نجف اشرف به چاپ رسيده افست شده است

الجزء الثاني

تتمة [شرح] كتاب الحج [من العروة الوثقى]

[الفصل الرابع في النّيابة للحج]

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة و السّلام على خير خلقه محمّد و آله الطيّبين الطّاهرين المعصومين و لعنة اللّه على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدّين فصل في النّيابة

قوله قده: (لا إشكال في صحة النّيابة عن الميت في الحج الواجب و المندوب و عن الحي في المندوب مطلقا و في الواجب في بعض الصور.)

قد تقدم في الجزء الأول من الكتاب في مبحث الاستنابة كون النيابة على خلاف الأصل، لأن إطلاق الصيغة في جميع الواجبات الشرعية يقتضي المباشرية، كما يقتضي العينية، و التعيينية و النفسية و التوصلية، لما قد حقق في الأصول مفصلا، و ذلك لعدم كون فعل النائب مصداقا لفعل المنوب عنه، كما هو واضح، و لو بنحو المسبب التوليدي، لعدم انطباق ضابطه عليه، فجعل النّيابة عدلا لفعل المكلف يحتاج إلى مؤنة زائدة ثبوتا و إثباتا. و (من هنا): ظهر أن النّيابة على خلاف الأصل، فتشريعها في مورد منوط بقيام دليل خاصّ عليه- كما قام ذلك في النّيابة عن الميت ندبا و واجبا، و عن الحيّ في الحجّ المندوب- و بدون الدليل على تشريعها يكون مقتضى الأصل عدم صحتها و عدم فراغ ذمة المنوب عنه بفعل النائب

كما لا يخفى.

ثم ان ما أفاده المصنّف (قده) في ذيل المسألة بقوله: (و في الواجب في بعض الصور) انما يكون فيما إذا كان الحيّ ممنوعا عن المباشرة لعذر يعذره اللّه تعالى فيه، و قد تقدّم الكلام في هذه المسألة مفصلا في مبحث الاستنابة و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 9

[المسألة الأولى يشترط في النائب أمور]
[أحدها البلوغ على المشهور]

قوله قده: (يشترط في النائب أمور: أحدها البلوغ على المشهور، فلا يصح نيابة الصبي عندهم و ان كان مميّزا، و هو الأحوط، لا لما قيل من عدم صحة عباداته، لكونها تمرينية، لان لأقوى كونها شرعية، و لا لعدم الوثوق به، لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه، لأنه أخص من المدعى، بل لأصالة عدم فراغ ذمة المنوب عنه بعد دعوى انصراف الأدلة، خصوصا مع اشتمال جملة من الاخبار على لفظ الرجل. إلخ)

اعلم ان الدليل على اشتراط لبلوغ في صحة النّيابة منحصر في أمور ثلاثة:

(الأول)- ما نقله المصنف (قده) من عدم صحة عباداته. و جوابه ما أفاده:

من أن الأقوى شرعية عباداته لا تمرينيتها.

(الثاني)- دعوى عدم الوثوق به اما لما ذكره المصنف (قده) من عدم الرادع له من جهة عدم تكليفه، و اما لجهله بعد بالمسائل و الأحكام، فلا يوثق بإيمانه بالحج على الوجه لصحيح. و جوابه ما أفاده أيضا: من أنه أخص من المدعي الذي هو عدم قابلية الصّبي في نفسه للنيابة و لا ربط له بالوثوق و عدمه، ضرورة: أن الوثوق طريق لإحراز صحة لعمل بعد فرض تشريع النيابة فيه سواء كان النائب بالغا أم صبيا.

(الثالث)- ان الأصل عدم فراغ ذمة المنوب عنه بفعل النائب، لأن إطلاق الصيغة في كل واجب كما ذكرنا يقتضي صدور الفعل من المأمور مباشرة، فاجزاء

فعل الغير عنه سواء أتى به بعنوانه نيابة أو بعنوان آخر يكون على خلاف الأصل، و خرجنا عن مقتضى هذا لأصل في نيابة البالغ العارف بالأحكام بالدليل و بقي غير البالغ تحت الأصل، لعدم شمول أدلة النيابة له، لأحد وجهين: (الأول): ما ذكره المصنّف (قده) في المتن: من انصراف الأدلة عن الصبي. و (فيه): ان دعوى انصراف الأدلة مما لا وجه له، لكونه ناشئا من نس الذهن بالفتاوى أوّلا، و على فرض ثبوته مع قطع النظر عن الفتاوى فبدوى ثانيا، لا عبرة به في تقييد الإطلاقات، لعدم كونه كالقرينة الحافّة بالكلام الّذي هو الضّابط

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 10

في الانصراف الصّالح للتقييد. و تأييده (قده): باشتمال جملة من الاخبار على لفظ (الرجل) ايضا قابل للمناقشة، لإمكان صدق هذا العنوان على الصّبي المميّز القريب بالبلوغ، أ فهل يفرّق العرف بين من بلغ و بين من بقي إلى بلوغه خمس دقائق مثلا في صدق عنوان (الرجل) عليه فيمكن التمسّك في إثبات عدم اعتبار البلوغ في صحة النيابة بإطلاق نفس الاخبار المشتملة على لفظ (الرجل). و لكنه لا يخلو من تأمل (الثاني): دعوى عدم كون الاخبار في مقام بيان الشرائط حتى يستفاد من إطلاقها و عدم ذكرها لاعتبار البلوغ عدم اشتراطه في صحة النّيابة. فيبقى الشك حينئذ بحاله، فيتعين الرجوع الى مقتضى الأصل- و هو بطلان الاستنابة- فإن الأخبار الواردة في الاستنابة في الحج عن الميت أو عن الحي في بعض الموارد الخاصة انما هي في مقام تشريع أصل الاستنابة التي هي على خلاف الأصل الاولى، لا في مقام بيان شرائطها كي يدفع الشك بها. و لكن يمكن المناقشة في ذلك بأنه و ان كانت طائفة

من الأخبار في مقام بيان أصل تشريع النيابة، لكن هنا طوائف أخر واردة في مقام بيان الخصوصيات دون أصل التشريع و هي خالية عن ذكر البلوغ فنتمسك بإطلاقها لدفع الشك.

(الاولى) منها: ما ورد في صحة حج الرجل عن المرأة و بالعكس، كصحيح معاوية بن عمار قال: قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرّجل يحجّ عن المرأة و المرأة تحجّ عن الرجل؟ قال: لا بأس «1» و حديث حكم بن الحكيم عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال:

يحج الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و المرأة عن المرأة «2» و حديث بشير النبّال قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ان والدتي توفيت و لم تحج؟ قال: يحج عنها رجل أو امرأة، قال: قلت: أيهما أحب إليك؟ قال: رجل أحبّ الىّ «3».

(الثانية): بعض الأخبار الواردة في تشريع الاستنابة في الحج المشتملة على لفظ

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 8

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 6

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 11

(الرجل) أو (الصرورة)، كمرسلة أبي بصير عمن سأله قال: قلت: له رجل أوصى بعشرين دينارا في حجة؟ فقال: يحج له رجل من حيث يبلغه «1» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)، و كالنصوص المتقدّمة في مبحث الاستنابة، و فيها قوله:

عليه السلام: (يجهّز رجلا) و قوله عليه السلام: (عليه أن يحج عنه من ماله صرورة) و في بعضها: (صرورة لا مال له) و دعوى انصراف الرجل عن غير المكلف مع كونه مثلا بالغ أربعة عشر سنة مع صدقه على المكلف و ان كان عمره

أقل من ذلك- كما إذا كان بلوغه الى حد التكليف بغير السن- غير مسموعة، لعدم الانصراف أولا، و بدويته على فرض ثبوته ثانيا، فلا عبرة به.

(الثالثة): موثق عمار بن موسى الساباطي و هو ما عن الصادق (عليه السلام) في الرجل عليه صلاة أو صوم هل يجوز ان يقضيه غير عارف؟ قال: لا يقضيه الا مسلم عارف «2» بناء على عدم الخصوصية لمورد السؤال- و هو الصلاة و الصوم- بل هما من باب المثال هذا مضافا الى إمكان دعوى إطلاق أصل أخبار الواردة في تشريع أصل الاستنابة (بدعوى):

كونها في مقام بيان دائرة التّشريع سعة و ضيقا.

و لا يخفى ان من الإشكالات التي يرد على المنكرين، لإطلاق أخبار الباب بجميع طوائفها لزوم التزامهم بعدم صحة استنابة الأعمى مثلا، حيث ان الاستنابة على خلاف الأصل فيحتاج صحة استنابته الى دليل تعبدي و الدليل منحصر في تلك الاخبار، و المفروض عدم ثبوت الإطلاق لها حتى نتمسك بإطلاقها في صحة استنابة الأعمى، فلا بد من الرجوع الى مقتضى الأصل- و هو البطلان- مع انّهم (قدّس اللّه تعالى أسرارهم) لا يلتزمون به اللهم الا ان يقال في رفع هذا النقض بان الرجوع الى الأصل العملي بعد إنكار

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب النيابة حديث: 8

(2) الوسائل: ج 1- الباب- 12- من أبواب قضاء صلاة حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 12

الإطلاق منوط بتحقق موضوعه- و هو الشك- و في المثال لا شك لنا في صحّته، لعدم الفرق بين البصير و الأعمى العارف بالمسائل المتمكن من الإتيان بالأعمال جامعا للشرائط فلا شك في البين حتى تحتاج في رفعه أو حكمه الى التمسك بالإطلاق أو الأصل، لكن صحة هذه

الدعوى توجب صحة مثلها في ما نحن فيه أيضا بأن نقول لا شك في عدم الفرق بين المكلف و الصغير العارف المتمكن من الأعمال بشرائطها.

اللهم الا ان يفرّق بينهما بأنه ليس في الأعمى منشأ للشك في صحة استنابته بخلاف الصّبي فإن للشك في صحة استنابته منشأين (أحدهما): نفس ذهاب كثير من الفقهاء) رضوان اللّه تعالى عليهم) الى بطلانها. (و الثاني): استدلالاتهم المختلفة من دعوى انصراف (الرجل) عن الصبي، و دعوى تمرينية اعماله، و دعوى عدم الوثوق به، لعدم الرادع له من جهة عدم تكليفه و غير ذلك، فبذلك كله يحصل الشك في صحة نيابته. و (فيه): انه بعد أثبتنا بطلان تلك الاستدلالات، و عدم انصراف الرجل عنه، و عدم تمرينية إعماله، لا وجه لصيرورتها منشأ للشك في صحة استنابته و استدلالهم على اشتراط البلوغ بانا نقتصر في خلاف الأصل على القدر المتيقن لا يصير منشأ للشك، فان الاقتصار على ذلك فرع الشك، كما ان ذهابهم الى بطلان نيابته بعد معلومية مدركه و بطلان المدرك أيضا لا يصير منشأ للشك، فان الاقتصار على ذلك فرع الشك كما ان ذهابهم الى بطلان نيابته بعد معلومية مدركه و بطلان المدرك ايضا لا يصير منشأ للشك، و لكنه مع ذلك كله لا يترك الاحتياط بعد ثبوت اتفاق الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا على اعتباره.

قوله قده: (و لا فرق بين ان يكون حجة بالإجارة أو التبرّع بإذن الولي و عدمه)

ما افاده (قده) هو الصواب بناء على القول بانصراف الأدلة الواردة في تشريع النيابة عنه).

قوله قده: (و ان كان لا يبعد دعوى صحة نيابته في الحجّ المندوب بإذن الولي)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 13

ذهب صاحب المدارك (ره)

إلى صحة نيابة الصبي في الحج المندوب، حيث قال في ذيل المسألة:

(و كيف كان فينبغي القطع بجواز استنابته في الحجّ المندوب كما في الفاسق) و كان الوجه في الفرق بين الحج الواجب و المندوب في عدم صحة استنابته في الأول و بصحة استنابته في الثاني هو عدم صحة الحج الواجب عن نفسه، و هذا بخلاف الحج المندوب، لصحته عن نفسه بناء على شرعيّة عباداته كما هو الحق على ثبت في محله.

و لكن التحقيق: هو عدم صحة نيابته مطلقا سواء كان المنوب فيه حجا ندبيا أو واجبيا بناء على تماميّة الأدلة المتقدمة التي أقاموها على اعتبار البلوغ في صحة النيابة.

[الثاني العقل]

قوله قده: (الثاني العقل، فلا تصح نيابة المجنون الذي لا يتحقق منه القصد مطبقا كان جنونه أو أدواريا في دور جنونه، و لا بأس بنيابة السفيه. إلخ)

لا ينبغي الارتياب في ذلك، و عليه جميع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و في المدارك في شرح قول المحقق طاب ثراه: «و لا نيابة المجنون، قال: (هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء) و المراد بالمجنون المطبق دون ذي الأدوار، لصحة عباداته و معاملته وقت الإفاقة. إلخ).

ما افاده صاحب المدارك (ره) متين لان الظاهر اختصاص الحكم- و هو عدم صحة نيابة المجنون- بالأدواري الذي لا بقي وقت إفاقته بجميع الأعمال دون الأدواري الذي بقي حال إفاقته بجميع الأعمال، فإنه يحكم بصحة نيابته في ذلك الحال، لعدم الدليل على منعه عنها بعد كونه واجدا لجميع الشرائط.

[الثالث الايمان]

قوله قده: (الثالث الايمان، لعدم صحة عمل غير المؤمن و ان كان معتقدا بوجوبه و حصل منه نيّة القربة. (و دعوى): ان ذلك في العمل لنفسه دون غيره كما ترى. إلخ)

أما اعتبار الإسلام في صحة النيابة فمما لا ينبغي الارتياب فيه، و هو المعروف بين الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا، و ادعى الإجماع عليه بقسميه كما في الجواهر،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 14

و الوجه في ذلك هو أنه لا إشكال في أن الغرض من النيابة انما يكون تفريغ ذمة المنوب عنه بواسطة عمل النّائب، و من الواضح عدم حصول ذلك بعمل الكافر، لما قد حقق في محله من عدم صحة عباداته لفقد شرط صحتها- و هو الإسلام.

و أما ما ذكره صاحب المدارك (ره) و المحقق- طاب ثراه- في الشرائع في وجه عدم صحة نيابته- من أنه عاجز عن نية

القربة و اختصاص جزاءه في الآخرة بالخزي و العقاب دون الأجر و الثواب اللازمين لصحة العمل على ما في الجواهر- فهو مما لا يمكن المساعدة عليه، لأن الأوّل أخصّ من المدّعى، و الملازمة في الثّاني ممنوعة. و قد تقدم الكلام في مبحث الحج النّذري مفصلا في انه لا مانع من تمشّى قصد القربة منه خصوصا الكافر القائل بوجود الصانع- كاليهود و النصارى و غيرهما من أهل الكتاب ممن يعترف بالألوهية- و هذا بخلاف ما ذكرنا من الوجه. ثم أنه لا يختص الحكم بطائفة من الكفار بل يحكم بعدم صحة نيابة جميع فرقهم من الكتابي و غيره- كالخوارج و الغلاة و النصاب و المرتد و نحوهم- هذا كله مما لا كلام فيه، انما الكلام في أنه هل يجوز نيابة المخالفين- كاهل السنة أم لا- ذهب صاحب الجواهر (ره) الى عدم صحتها منهم حيث قال: (بل الظاهر مساواة المخالف بل غير الإمامي للكافر في ذلك، فلا تصح نيابته ايضا، لعدم صحة عمله و عدم وجوب إعادته عليه لو استبصر تفضل كالكافر لو أسلم، نحو التفضل علينا بإجراء جملة من أحكام المسلمين عليه في الدّنيا، لا لان عمله صحيح، و لو سلم فغاية ذلك الصحة بشرط موافاة الإيمان و البحث في عدم صحة نيابته من حيث كونه مخالفا، على أنه قد تمنع الصحة في نحو ذلك حتى لو استبصر، لظهور النصوص التي خرجنا بها عن القواعد في غيره انتهى كلامه رفع مقامه) قد يقال بذلك- اى عدم صحة نيابة المخالف- و يستدل عليه بوجوه:

(الأول)- ما أفاده صاحب الجواهر (ره) و هو عدم إمكان إتيانه بالعمل صحيحا لكونه فاقدا لشرط الصحّة- و هو الولاية- و اختاره صاحب الوسائل (قده)

ايضا لما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 15

يستظهر من الأخبار من بطلان العمل بدون الولاية، و قد تقدم ذكرها في مبحث حج المخالف و من أراد الوقوف عليها فليراجعها و لكنه مع ذلك ذهب جماعة من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) الى كونها شرطا لقبولها لا لصحتها، و هذا القول انما يصح منهم بناء على الالتزام بان القبول غير الصحة بأن يقال: أن الصحيح المفرغ الذمة هو تامّ الأجزاء و الشرائط، و أما القبول فهو عبارة عن وقوع العمل محبوبا بحيث يقرّب صاحبه من اللّه تعالى زلفى.

و لكن التحقيق: أن كون العمل صحيحا عند اللّه تعالى و مفرغا الذمة أيضا مرتبة من القبول و تخصيص مفهوم القبول بما إذا كان العمل بحيث يقرب صاحبه من اللّه تعالى زلفى، فهو مما اشتهر في لسان الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و أما كون المراد منه في لسان الأخبار ذلك ايضا فغير معلوم، و كيف كان لا يجوز نيابتهم إما للقطع بكون الولاية شرطا للصحة بناء على القول بأن الصحة مرتبة من القبول و المفروض أن المخالف فاقد لها، و إما للشك في ذلك، لاحتمال كونها شرطا للقبول دون الصحة، فلا يجوز نيابتهم حينئذ، لمقتضى الأصل المتقدم بيانه في صدر المبحث.

(الثاني)- أنه على فرض تسليم كون الولاية شرطا للقبول فقط و هو فوق مرتبة الصحة نقول أيضا ببطلان عمل المخالف، لأنه لو أتى به على طبق مذهبه فهو باطل، لكونه فاقدا لبعض ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا بحسب مذهبنا، فلا تفرغ به ذمة المنوب عنه، و ان أتى به على طبق مذهبنا فهو باطل من جهة عدم تمشي قصد القربة منه، لقطعه بفساده و (فيه): إمكان

تمشي قصد القربة منه، اما في العمل الذي يوافق مذهبه فواضح، و أما في العمل الذي يخالف مذهب أهل الحق، فلأنه قد يتفق عدم كونه جازما ببطلانه فيمكنه أن يأتي به على وفق مذهب الحق رجاء أو غفلة عن كونه باطلا عنده و يتمشى منه قصد القربة حينئذ كما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 16

(الثالث)- ما دل على عدم جواز نيابة غير المسلم العارف و هو ما عن الصادق (عليه السلام) في الرجل عليه صلاة أو صوم هل يجوز أن يقضيه غير عارف؟ قال (عليه السلام): لا يقضيه الا مسلم عارف «1» و المراد من المسلم العارف على ما هو المصطلح في لسان الأخبار هو المؤمن، و ليس المراد منه هو المسلم فقط العارف بالمسائل الشرعية حتى يشمل المخالف. ثم لا يخفى انه انما يتم دلالته على المدعى بناء على التعدي من مورده- و هو الصوم و الصلاة- و أما إذا اقتصرنا عليه، لعدم حصول تنقيع المناط القطعي فلا يتم دلالته على المدعى كما هو واضح.

(الرابع)- انه يشترط في الحكم باجزاء العمل ان يكون عن اجتهاد صحيح أو تقليد أو احتياط كذلك و من الواضح عدم كون عمل المخالف كذلك. و (فيه): انه انما يتم ذلك في العمل الذي يأتي به على خلاف مذهب أهل الحق و أما إذا اتى به على وفق مذهب أهل الحق مع تمشي قصد القربة منه فالتقليد حاصل لما قد حققنا في محله من ان التقليد ليس إلا مطابقة العمل و المفروض تحققه هنا، و ليس بين العامّة و الخاصة مخالفة في أعمال الحج إلا في أمور: (أحدها): انهم لا يقولون بحج التمتع و لكنه يمكن جعل المخالف

نائبا عن الشيعي الذي وجب عليه حج الأفراد دون التمتع (الثاني): انهم كانوا يحرمون في الزمن السابق من بعض المواقيت التي لم يكن الإحرام منها مجزيا عندنا، لكن ذلك الطريق فعلا مسدود (الثالث): بطلان صلاة طوافهم عندنا للتكتف و الحدث، لبطلان طهارتهم عندنا. لكن يمكن استنابة الشافعي الذي يجوز الوضوء و الصلاة على وفق مذهب أهل الحق مع إتيانه بهما كذلك (الرابع): انهم لا يقولون بطواف النساء، و لكن تركه لا يضرّ بالحج، لعدم كونه من أعماله و انما يوجب تركه بقائهم على إحرامهم و هو غير مستلزم لعدم فراغ ذمة المنوب عنه.

______________________________

(1) الوسائل: ج 1- الباب- 12- من أبواب قضاء الصلوات. حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 17

هذا كله مع انه يمكن ان يشترط عليه الإتيان بالعمل على وفق مذهب أهل الحق لا مذهبه في صورة تخالف المذهبين مع فرض تمشي قصد القربة منه، فتحصل: ان العمدة في عدم صحة استنابة المخالف هو الوجه الأول- و هو اشتراط الولاية في صحة العمل- فظهر بما ذكرنا عدم صحة نيابة المخالف بجميع أصنافه، كما افاده صاحب الجواهر (ره).

ان قلت: ان أعمالهم تقع صحيحة للروايات الخاصة الدالة على ان المخالف لو استبصر لا يجب عليه إعادة اعماله فبها يستكشف صحة أعمالهم حين وقوعها. قلت: عدم لزوم الإعادة عليه لو استبصر لا يدل على صحة عمله فإنه أعم منها، لإمكان كون ذلك من باب التفضل- كما في الكافر فإنه إذا أسلم لا يطالبه اللّه تعالى بما فاته حين كفره من الأعمال تفضلا منه و رحمة- فتلك الروايات لا تدل على عدم اشتراط الإيمان في صحة الأعمال، بل و لا على عدم كونه شرطا فعليا بأن يكفي وجوده

في اللاحق في صحة العمل السابق على نحو الشرط المتأخر حتى يقال بكفاية لحوق الإيمان في صحة نياباته ايضا، كما ان ما في بعض الاخبار من ان المخالف إذ استبصر، أو جر على اعماله التي صدرت منه في حال مخالفته ايضا لا يدل على صحة اعماله، لإمكان كونه تفضلا منه سبحانه و تعالى عليه.

ثم انه لو نوقش في التمسك بمجموع الأخبار على عدم صحة نيابته بحيث لم ينهض دليل اجتهادي عليه فتصل النوبة الى الأصل العملي، و قد عرفت ان مقتضاه عدم مشروعية النيابة و بطلان العمل و القدر المتيقن من النيابة المشروعة هو نيابة المؤمن، و أما المخالف فمقتضى الأصل عدم جواز نيابته.

[الرابع العدالة]

قوله قده: (الرابع العدالة، أو الوثوق بصحة عمله، و هذا الشرط انما يعتبر في جواز الاستنابة لا في صحة عمله)

قال في المدارك: (اعتبرها [العدالة] المتأخرون في الحج الواجب، لا لأن عبادة الفاسق تقع فاسدة، بل لأن الإتيان بالحج الصحيح انما يعلم بخبره و الفاسق لا يقبل اخباره بذلك، و اكتفى بعض الأصحاب فيه بكونه ممن يظن صدقه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 18

و يحصل الوثوق باخباره، و هو حسن، و قال الشهيد في الدروس: و العدالة شرط في الاستنابة عن الميت و ليست شرطا في صحة النيابة، فلو حج الفاسق من غيره اجزء و في قبول اخباره بذلك تردد، أظهره القبول، لظاهر حال المسلم، و من عموم قوله تعالى (فَتَبَيَّنُوا) و يتوجه إليه (أولا): ان ما استدل به على القبول من ظاهر حال المسلم لا يعارض الآية الشريفة المتضمنة لوجوب التثبت عند خبر الفاسق و (ثانيا): انه لا وجه للمنع من استنابة الفاسق الا عدم قبول اخباره فمتى حكم بقبول

اخباره انتفى المانع من جواز الاستنابة).

و التحقيق: عدم كون العدالة شرطا في صحة النيابة، لعدم ورود دليل تعبدي على اعتبارها فيها، و لكن يعتبر حصول الاطمئنان بإتيان النائب بالحج الصحيح عن المنوب عنه سواء حصل ذلك من اخبار العادل أو الثقة أو غيرهما، لأنه لم يعتبر في منشأه اخبار العادل أو غيره و لا يكفي اخبار الأجير بأنه أتى بالحج الصحيح عنه ما لم يفد الاطمئنان و لو كان عادلا، لعدم كفاية العدل الواحد في الموضوعات تعبدا و لو على القول بحجيّته في الأحكام كذلك و ان أنكرنا ذلك في محله و قلنا بأنه حجة ببناء العقلاء الثابت في صورة إفادة الخبر للوثوق و الاطمئنان فقط من دون تفاوت في ذلك بين الموضوعات و الأحكام.

و لا يمكن هنا إقامة البينة على انه اتى بالحج عنه، لأن قصد كونه عنه أمر قلبي مما لا يعرف إلا من قبله بحيث لا يمكن لغيره الاطلاع عليه إلا باخباره، و لكن لا يجب تحصيل العلم الوجداني بإتيان الحج عنه بل يكفي الاطمئنان بذلك.

[الخامس معرفته بأفعال الحج و أحكامه]

قوله قده: (الخامس معرفته بأفعال الحج و أحكامه و ان كان بإرشاد معلم حال كل عمل)

قال في المدارك: (و من الشرائط أيضا قدرة الأجير على العمل و فقهه في الحج. و اكتفى الشهيد في الدروس: بحجة مع مرشد عدل و هو جيّد، حيث يوثق بحصول ذلك. إلخ)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 19

بلا خلاف أجده في ذلك و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم).

[السادس عدم اشتغال ذمته بحج واجب عليه في ذلك العام]

قوله قده: (السادس عدم اشتغال ذمته بحج واجب عليه في ذلك العام فلا تصح نيابة من وجب عليه حجة الإسلام أو النذر المضيق مع تمكنه من إتيانه، و أما مع عدم تمكنه لعدم المال فلا بأس، فلو حج عن غيره مع تمكنه من الحج لنفسه بطل على المشهور. إلخ)

قد تقدم الكلام في هذه المسألة في الجزء الأول من الكتاب في شرح قول المصنف (قده): (من استقر عليه الحج و تمكن من أدائه ليس له ان يحج عن غيره) مفصلا، فلا نعيده، و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

قوله قده: (لكن الأقوى ان هذا الشرط انما هو لصحة الاستنابة و الإجارة، و الا فالحج صحيح و ان لم يستحق الأجرة و تبرأ ذمة المنوب عنه. إلخ)

لا يخفى انه لو قلنا ببطلان الحج فلا إشكال في بطلان الإجارة أيضا. و أما لو قلنا بصحته فالتحقيق هو التفصيل في صحة الإجارة و بطلانها بين كون الحج الواجب على النائب هو الواجب عليه بإيجار نفسه للحج في خصوص هذه السنة لشخص آخر و بين كونه غير ذلك كحجة الإسلام ففي (الأول): نلتزم ببطلان الإجارة الثانية، لكون عمله ملكا للمستأجر الأول و من الواضح عدم صحة الإجارة على ملك الغير و هذا بخلاف

حجة الإسلام و نحوها فان مملوكيتها للّه تعالى ليست بمعنى المملوكيّة المتصوّرة بالنسبة إلى المخلوقين، بل بمعنى جعله واجبا عليه، أو بالمعنى الذي نقول به انه تعالى مالك لكل شي ء و هما لا ينافيان صحة الإجارة و كون إيجاب الشارع الحج عليه مانعا عن إجارة نفسه للحج أول الكلام، فالتحقيق في غير الفرض الأول بناء على صحة الحج هو صحة الإجارة و قد مر توضيح وجوه بطلان الإجارة مع جوابها في شرح قول المصنّف: (ثمّ على فرض صحّة الحج عن الغير و لو مع التمكن و العلم بوجوب الفوريّة لو آجر نفسه لذلك فهل الإجارة أيضا صحيحة أو باطلة فراجعها. إلخ)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 20

[المسألة الثانية لا يشترط في النائب الحرية]

قوله قده: (لا يشترط في النائب الحرية فتصح نيابة المملوك باذن مولاه و لا تصح استنابته بدونه و لو حج بدون اذنه بطل)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا. و في المدارك في شرح قول المحقق: «و تصح نيابة المملوك باذن مولاه» قال: (هذا مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا، لأنه مكلف مسلم قادر على الاستقلال بالحج فجازت نيابته كالحر). و حكى العلامة في المنتهى عن بعض الجمهور قولا بالمنع، لأنه لم يسقط فرض الحج عن نفسه فلم يجز له ان ينوب عن غيره. ثم، أجاب عنه: بان الحج غير واجب عليه و الإسقاط انما يكون بعد الثبوت و هو حسن. و قال في الجواهر في شرح قول المحقق- طاب ثراه-: (بلا خلاف بل و لا إشكال، لعموم الأدلة و إطلاقها).

لا ينبغي الإشكال في ذلك لوجود المقتضى و عدم المانع، إذ لم يكن المانع من الصحة إلا كونه مملوكا لا يقدر على شي ء

و المفروض زواله باذن مولاه له فيه فما أفادوه (قدس اللّه تعالى أسرارهم) هو الصواب. و أما ما أفاده المصنف (قده)- من عدم صحة استنابته بدون اذن مولاه- فلقوله تعالى (عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْ ءٍ) «1» و للنصوص الكثيرة الدالة على عدم نفوذ جميع تصرفاته و عدم صحة إعماله إلا مع الاذن في غير الواجبات.

[المسألة الثالثة]
[يشترط في المنوب عنه الإسلام فلا تصح النيابة عن الكافر]

قوله قده: (يشترط في المنوب عنه الإسلام فلا تصح النيابة عن الكافر لا لعدم انتفاعه بالعمل عنه لمنعه و إمكان دعوى انتفاعه بالتخفيف في عقابه بل لانصراف الأدلة فلو مات مستطيعا و كان الوارث مسلما لا يجب عليه استيجاره عنه. إلخ)

ما أفاده (قده) هو المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و في الجواهر في شرح قول المحقق- طاب ثراه-: «و كذا لا تجوز نيابة المسلم عن الكافر» قال: (لما عرفت

______________________________

(1) سورة النحل في الآية: 77

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 21

من عدم انتفاعه بذلك و اختصاص جزائه في الآخرة بالخزي و العقاب، و النهى عن الاستغفار له و الموادة لمن حاد اللّه تعالى و احتمال انتفاعه بالتخفيف عنه- و نحوه- يدفعه لزوم الثواب الذي هو دخول الجنة و نحوه لصحة العمل و لو من حيث الوعد بذلك لا التخفيف و نحوه، مع إمكان منع قابليته له أيضا في عالم الآخرة) و هو خيرة صاحب المدارك (ره) ايضا و استدل: بان الكافر يستحق في الآخرة الخزي و العقاب لا لأجر و الثواب و هما من لوازم صحة الفعل. ثم أيده- رحمه اللّه عليه- بقوله تعالى «مٰا كٰانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ، وَ لَوْ كٰانُوا أُولِي قُرْبىٰ» «1» و قوله تعالى «وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا

مٰا سَعىٰ» «2» خرج منه القضاء عن المؤمن بالنص و الإجماع فيبقى الباقي) يمكن الاستدلال على عدم صحة النيابة عن الكافر بوجوه:

(الأول)- الإجماع و (فيه): ما بيناه مرارا من ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم- عليه السلام- لا المدركى، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض ما سنذكره من الوجوه الآتية، فلا فائدة فيه، الا ان يوجب الوثوق و الاطمئنان فيكون الاطمئنان حجة.

(الثاني)- ما أفاده المصنف (قده) من دعوى انصراف الأدلة الدالة على النيابة عنه، و لعله يمكن المناقشة فيه بعد تسليم الانصراف بأنه ناش عن أنس الذهن بالفتاوى فلا يعتد به في تقييد الإطلاق، لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام الذي هو المدار في الانصراف المقيد للإطلاق على ما قرر في محله.

(الثالث)- ما أفاده صاحب الجواهر (ره) من استحقاقه العقاب في الآخرة لا الأجر و الثواب. و (فيه): ان استحقاقه العقاب من جهة كفره لا ينافي القول باستحقاقه

______________________________

(1) سورة التوبة الآية: 114

(2) سورة النجم الآية: 40

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 22

الثواب من جهة عمل النائب له فتأمل.

(الرابع)- الآية الشريفة و هي قوله تعالى (لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ) «1» و (فيه): انه ترفع اليد عن إطلاقها بالأخبار الواردة في المقام الدالة على جواز النيابة لدلالتها على تشريع النيابة مطلقا سواء كان المنوب عنه مسلما أم كافرا لو لم ينهض دليل تعبدي على اشتراط إسلامه.

(الخامس)- الآية الشريفة التي ذكرها صاحب المدارك (قده) و (فيه): ان غاية دلالتها هي عدم جواز الاستغفار له، و لا ربط له بعدم صحة النيابة عنه، لعدم كونها استغفارا عنه فتأمل كما لا يخفى، و تنقيح المناط القطعي ممنوع.

(السادس)- ما أفاده صاحب الجواهر (ره)

من عدم انتفاعه بذلك، و يقرب ذلك بوجهين: (الأول): انه لا بد ان يترتب على صحة العمل الثواب و لو من حيث الوعد بذلك، و لا يكفي في صحته صرف ارتفاع العقاب المترتب على الترك و الكافر لا ينال الثواب في الآخرة كما أفاده صاحب الجواهر و (فيه): ان لزوم ترتب الثواب على صحة العمل حتى مع عدم قابلية الشخص لنيل الثواب بحيث لو لم تكن له هذه القابلية لا بد من بطلان عمله مما لا دليل عليه، و وعده تعالى بإعطاء الثواب يختص بصورة القابلية أو يبدل بالأجر الدنيوي و الا لزم القول ببطلان ما اتى به الكافر بقصد القربة من الواجبات التوصلية لاستلزام صحته لترتب الثواب عليه و هو كما ترى (الثاني): ما ذكره صاحب الجواهر (ره) في آخر كلامه على وجه الاحتمال- و هو ان الكافر لا يخفف عنه العذاب، لعدم قابليّته لذلك- و معلوم ان صحة عمل النائب المستلزمة عقلا لفراغ ذمة المنوب عنه لا تنفك عن ارتفاع عذابه الذي كان مترتبا على تركه لهذا العمل و على بقاء شغل ذمته به.

و يمكن الاستدلال على عدم تخفيف العذاب عنهم بقوله تعالى في سورة البقرة في موردين:

(لٰا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذٰابُ) و أما ما ربما يستظهر من بعض الآيات و الأخبار من أنه: (لأخلاق

______________________________

(1) سورة النجم الآية: 40

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 23

لهم في الآخرة و لا نصيب) فيمكن دعوى ان مفادها عدم الثواب لا انتفاء مقدار من العقاب بانتفاء. منشأه، فتحصل عدم صحة النيابة عن الكافر.

(السابع)- ما أفاده صاحب الجواهر (ره) ايضا من حرمة الموادة لمن حاد اللّه و رسوله. (و دعوى): أن الظاهر: ان المراد منها هو الحبّ القلبي

و من الواضح عدم ارتباط ذلك بالنيابة خلاف الظاهر، فان معنى الموادة هي التحبب و إظهار الود بالعمل لا صرف الود القلبي هذا كله في النيابة عن الكافر.

بقي الكلام في انه هل يجوز النيابة عن المخالف أم لا فنقول: قال صاحب الجواهر (ره) (بل لا تجوز نيابته عن المسلم المخالف الذي هو كافر في الآخرة، فيجري فيه نحو ما سمعته من غير فرق فيه بين الناصب منه و غيره، بل و المستضعف منهم و غيره و الأب و غيره، خلافا للمحكي عن الجامع، و المعتبر، و المنتهى، و المختلف، و الدروس، فجوزوها عن غير الناصب مطلقا، لكفره و إسلام غيره و صحة عباداته، و لذا لا يعيدها لو استبصر.

و للشيخ فلم يجوزها مطلقا، الا ان يكون أب النائب، كالفاضلين هنا و القواعد، لصحيح وهب بن عبد ربه أو حسنه سأل الصادق (عليه السلام) أ يحجّ الرّجل عن الناصب؟ فقال: لا قلت: فان كان أبى؟ قال. فان كان أباك فنعم «1» و ربما الحق به الجد للأب و ان علا دونه للام. و للشهيد في المحكي من حواشي القواعد: فجوزها للمستضعف، لكونه كالمعذور و (في الأول): ما عرفت و (الثاني): مع معارضته بالإجماع المحكي عن ابن إدريس و البراج قاصر عن معارضة ما دل على المنع و أنه في الآخرة أعظم من الكفار الذين لا يجوز لهم الاستغفار و لو كانوا آباء، كما يومي اليه اعتذاره تعالى عن استغفار إبراهيم لأبيه (بأنه كان عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهٰا إِيّٰاهُ و انه لما تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّٰهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ،) «2» بل نهى

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 20- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) في سورة التوبة الآية: 115

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 24

النبي (ص) عن الاستغفار للمنافقين الذين لا ريب في اندراج المخالفين فيهم حتى قال اللّه تعالى:

(إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّٰهُ لَهُمْ «1» بل ما ورد في كيفيّة الصّلاة على المنافق كاف في إثبات حاله في ذلك العالم مضافا الى قطع علاقة الأبوة و البنوة بين المسلم و غيره كما يومي اليه قوله تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صٰالِحٍ «2»). قال في المدارك (و عندي التعميم أجود لظاهر قوله تعالى (وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسٰانِ إِلّٰا مٰا سَعىٰ) «3» و يعضده الأخبار الكثيرة المتضمنة لعدم انتفاع المخالف بشي ء من الأعمال، و قد بينا في ما سبق ان عدم وجوب الإعادة عليه بعد الاستبصار تفضل منه تعالى كما تفضل على الكافر الأصلي بعدم وجوب قضاء ما فات عنه من العبادات لا لصحتها في نفس الأمر).

و في كلام صاحب الجواهر و كذا صاحب المدارك- قدس سرهما- مواقع للنظر تظهر مما قدمناه لك في النيابة عن الكافر، و كيف كان فالعمدة ان حرمة موادة من حاد اللّه تدل ايضا على عدم صحة النيابة عن المخالف بل يمكن الاستدلال عليه ايضا بما مضى من مسألة عدم تخفيف العذاب هذا مع قطع النظر عن الأخبار الخاصة الواردة في حق المخالف و إلا فيمكن التفكيك بينه و بين الكفار و لو في الجملة، و ذلك لما ورد من صحيح وهب أو حسنه الذي تقدم عند نقل كلام صاحب الجواهر (ره) و خبر على بن حمزة قال: سألته عن الرجل يحج و يعتمر و يصلى و يصوم و يتصدق عن والديه و ذو قرابته؟ قال: لا بأس به يوجر فيما يصنع و له

أجر آخر بصلة قرابته قلت: ان كان لا يرى ما ارى و هو ناصب؟ قال: يخفف عنه بعض ما هو فيه «4» و موثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال:

______________________________

(1) سورة التوبة الآية: 81.

(2) سورة هود الآية: 48

(3) سورة النجم الآية: 40

(4) الوسائل: ج 1- الباب- 12- من أبواب قضاء الصلاة حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 25

سألته عن الرجل يحج ليجعل حجته و عمرته، أو بعض طوافه لبعض أهله و هو عنه غائب ببلد آخر؟ قال فقلت: فينقص ذلك من اجره؟ قال: لا، هي له و لصاحبه و له أجر ما سوى ذلك بما وصل. قلت: هو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه فقلت: فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟

قال: نعم. قلت: و ان كان ناصبا ينفعه ذلك؟ قال: نعم يخفّف عنه «1» بناء على كون ذكر النّاصب من باب المثال و إلا فلا يمكن التعدّي عنه الى غيره الا بدعوى تنقيح المناط القطعي و هو ممنوع، لعدم إمكانه في الشرعيات.

و التحقيق: انه ان قلنا بجواز النيابة عن المخالف فإنما نلتزم به في خصوص الحج عن الناصب إذا كان والدا، لما مضى من صحيح وهب أو حسنه، و لا نتعدى الى الجد، و لا الى غير الناصب، و لا الى غير الحج. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط، و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص حينئذ عن التعدي، و لكنه لا سبيل الى ذلك فتسرية الحكم منه الى غيره قياس و هو ليس من مذهب أهل الحق. و أما خبر على بن حمزة فضعيف

سندا. و أما خبر إسحاق بن عمار فسنده و ان كان موثقا لكنه مخالف لظاهر الكتاب و السنة و الإجماعات و هي ترفع الوثوق و الاطمئنان عنه فلا يكون حجة حتى يخصص به ظاهر الكتاب و السنة و على فرض تسليم حجيته ليس صريحا في النيابة، لاحتمال إرادة إهداء الثواب و بعد فرض تسليم ظهوره فيها فهو معارض مع خبر وهب أو مخصص به.

ان قلت: انه في خصوص الحج يحكم بلزوم النيابة عن المخالف و الكافر، لكونه دينا كالخمس و الزكاة و القرض و نحوها. قلت: انه و ان كان شبيها بالماليات في الإخراج من الأصل على ما حققناه في المباحث السابقة لكنه يكون دينا للّه تعالى لا لغيره، فلا يكون قضائه عنه الا مع صلاحية أدائه عنه، و المفروض انه ليس له ذلك لفقد شرط الصحة منه-

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 26

و هو الإسلام أو الولاية- هذا كله بالنسبة إلى ديون اللّه تعالى و أما ديون الناس فان كانت ثابتة في عين المال فلا إشكال في وجوب إيصال مال الغير الى صاحبه و ليس حينئذ تركة حتى تورث، و ان كانت ثابتة في الذمة فنقول ايضا بوجوب الإيصال إلى الديان لتعلق حقهم بعد الموت بعين المال و الإرث بعد الدين، و بالجملة إخراج ديون الناس من مال الميت في الحقيقة ليس من باب النّيابة عن الميت، بل من باب إعطاء مال الغير أو حقه الى صاحبه و هذا بخلاف دين اللّه تعالى حتى على القول بخروجه من الأصل، فإن أدائه داخل في عنوان النيابة عن الميت و لا يصح ذلك إذا كان مخالفا

أو كافرا كما عرفت و لا يصح أيضا الإجارة على النيابة، لوضوح بطلان الإجارة على الأمر الباطل.

[و يشترط فيه أيضا كونه ميّتا أو حيا عاجزا في الحج الواجب]

قوله قده: (و يشترط فيه أيضا كونه ميّتا أو حيا عاجزا في الحج الواجب فلا تصح النّيابة عن الحيّ في الحج الواجب إلا إذا كان عاجزا. إلخ)

قد تقدم وجه ما أفاده المصنّف قده- من عدم صحة النيابة عن الحي في الحج الواجب في صدر المبحث و هو أصالة عدم صحة النيابة التي يقتضيها ظاهر أدلة التكاليف الموجبة لوجوب المباشرة و أما ما أفاده المصنف (قده) من صحة النيابة عنه إذا كان عاجزا فقد تقدم الكلام عنه مفصلا في المباحث السابقة.

قوله قده: (و أما في الحج الندبي فيجوز عن الحي و الميت تبرعا أو بالإجارة. إلخ)

بلا خلاف أجده في ذلك لا ينبغي الكلام في ذلك بعد اتفاق النصوص و الفتاوى عليه.

[المسألة الرابعة]
[تجوز النيابة عن الصّبي المميّز]

قوله قده: (تجوز النيابة عن الصّبي المميّز.)

المسألة مبتنية على الشرعية و التمرينية، فإن قلنا بكون عباداته شرعية كما هو الأقوى في النظر على ما حقق في محله فلا مانع من النيابة عنه. و أما إذا قلنا بكونها تمرينية كما افاده المحقق (طاب ثراه) على ما حكى عنه، فلا يبقى مجال للقول بصحة النيابة عنه، لعدم الموضوع لها حينئذ كما لا يخفى.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 27

[و المجنون]

قوله قده: (و المجنون.)

بلا كلام في ذلك، لإطلاق الأدلة. و أما حديث رفع القلم فقد بينا في محله انه لا يقتضي إلا رفع الإلزام عنه دون غيره كما هو واضح.

قوله قده: (بل يجب الاستيجار عن المجنون إذا استقر عليه حال إفاقته ثم مات مجنونا.)

لا ينبغي الإشكال في ذلك بعد ثبوت الاتفاق عليه من جميع الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) و لم يتعرض أحدا للخلاف فيه.

[المسألة الخامسة لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة]

قوله قده: (لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه في الذكورة و الأنوثة، فتصح نيابة المرأة عن الرجل كالعكس. نعم، الأولى المماثلة).

ذهب جماعة من الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) الى ذلك. بل في المدارك: (انه قول معظم الأصحاب). و في الجواهر: (انه المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة).

و نحوه في الحدائق و المسالك.

و هذا هو الأقوى بل لا ينبغي الإشكال فيه، لدلالة جملة من النصوص عليه- منها:

1- صحيح ابن أبى عمير عن أبي أيوب قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

امرأة من أهلنا مات أخوها فأوصى بحجّة و قد حجت المرأة، فقالت: ان كان يصلح حججت انا عن أخي و كنت أنا أحق بها من غيري؟ فقال: أبو عبد اللّه (عليه السلام): لا بأس بأن تحج عن أخيها و ان كان لها مال فلتحج من مالها، فإنه أعظم لأجرها «1».

2- صحيح معاوية بن عمار قال: قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل يحجّ عن المرأة و المرأة تحجّ عن الرجل؟ قال (عليه السلام): لا بأس «2».

3- صحيح رفاعة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام): انه قال: تحج المرأة عن أختها و عن أخيها و قال: تحج المرأة عن أبيها «3».

4- صحيح صفوان عن حكم بن حكيم عن ابى عبد اللّه

(عليه السلام): قال يحج

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب 8- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب 8- من أبواب النيابة حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب 8- من أبواب النيابة حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 28

الرجل عن المرأة و المرأة عن الرجل و المرأة عن المرأة «1». الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) و لا معارض لهذه الروايات بالنسبة إلى حج الرجل عن المرأة. نعم، ورد في العكس (و هو حج المرأة عن الرجل) ما ظاهره البطلان، و هو موثق عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه هل يجزى عنه امرأة؟ قال: لا كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان. قال:

إنما ينبغي ان تحج المرأة عن المرأة، و الرجل عن الرجل. و قال: لا بأس ان يحج الرجل عن المرأة «2». هذا و لكن لو فرض صلاحية هذا الحديث للمعارضة مع ما دل على جواز حج المرأة عن الرجل و تساقطهما بان لم نقل بالتخيير في باب التعارض أمكن القول بجواز نيابتها عن الرجل (بدعوى): إطلاق بعض أخبار النيابة، كصحيح معاوية بن عمار أو حسنه عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل صرورة مات و لم يحج حجة الإسلام و له مال؟ قال: يحج عنه صرورة لا مال له «3».

و كيف كان فالذي يهون الخطب أن موثق عبيد زرارة غير صالح للمعارضة فإنه إن أمكن حمله على الكراهة و نفى الكمال جمعا بين الاخبار و لو بقرينة ما فيه من التّعليل، و الا فهو غير معمول به عند الأصحاب. و الحاصل: ان ذهاب الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم)

الى جواز نيابتها عنه المستفاد من اخبار كثيرة واردة في المقام رافع للوثوق و الاطمئنان عنه كما لا يخفى، فلا عبرة به أصلا.

[المسألة السادسة لا بأس باستنابة الصرورة]

قوله قده: (لا بأس باستنابة الصرورة رجلا كان أو امرأة عن رجل أو امرأة، و للقول بعدم جواز استنابة المرأة الصرورة مطلقا، أو مع كون المنوب عنه رجلا

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب 8- من أبواب النيابة حديث: 6

(2) الوسائل: ج 2- الباب 9 من أبواب النيابة حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 5- من أبواب النيابة حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 29

ضعيف. نعم، يكره ذلك خصوصا مع كون المنوب عنه رجلا.)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على أقوال:

(الأول): جواز استنابة الصرورة مطلقا رجلا كان أو امرأة عن الرجل و المرأة و هو خيرة جمع كثير من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) منهم صاحب المدارك (ره) حيث قال في شرح قول المحقق (طاب ثراه): «و يجوز ان يحج المرأة عن الرجل» (إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في المرأة بين ان تكون صرورة و غير صرورة، و بهذا التعميم صرح في المعتبر و هو قول معظم الأصحاب).

و كيف كان فهذا القول هو الحق الحقيق بالاتباع، و يدل عليه إطلاقات الأخبار الواردة في حج المرأة عن الرجل، و بالعكس، و تقدم ذكرها مضافا الى صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما قال: لا بأس ان يحج الصرورة عن الصرورة «1».

(الثاني): عدم جواز استنابة المرأة الصرورة سواء كان المنوب عنه رجلا أو امرأة و جواز استنابتها عن الرجل و المرأة ان لم تكن صرورة، و هو خيرة النهاية، و التهذيب و المهذب على ما حكاه صاحب الجواهر (ره) عن محكي المبسوط

التصريح بأنه لا يجوز حجها عن الرجال و لا عن النساء، و يدل على ذلك رواية سليمان بن جعفر قال: سألت الرضا (عليه السلام) عن امرأة صرورة حجت عن امرأة صرورة؟ فقال: لا ينبغي «2» بناء على إرادة الحرمة من كلمة: لا ينبغي و هذا الحديث لو تم سندا و دلالة لا يمكن حمله على الاستحباب جمعا بينه و بين الاخبار الدالة على القول الأول، لأنه أخص منها فتخصص تلك الأخبار به، لما قد بيناه مرارا من ان الجمع الموضوعي مقدم على الجمع الحكمي، لكنه ضعيف سندا و غير تام دلالة، لمكان كلمة: (لا ينبغي).

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب 6- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 9 من أبواب النيابة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 30

(الثالث): عدم جواز استنابتها إذا كانت صرورة عن الرجل خاصة، و جواز استنابتها عن المرأة مطلقا و عن الرجل ان لم تكن صرورة، و هو خيرة الشيخ (ره) في الاستبصار. و يدل على ذلك ما روى عن زيد الشحام عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سمعته يقول: يحج الرجل الصّرورة عن الرجل الصّرورة و لا تحج المرأة الصّرورة عن الرجل الصرورة «1» و ما تقدم من موثق عبيد بن زرارة قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام): الرجل الصرورة يوصي أن يحج عنه هل تجزى عنه امرأة؟ قال: لا، كيف تجزي امرأة و شهادته شهادتان. قال: إنما ينبغي ان تحج المرأة عن المرأة و الرجل عن الرجل. و قال: لا بأس ان يحج الرجل عن المرأة «2» بناء على ان هذا الحديث و ان كان دالا على عدم اجزاء حج المرأة عن الرجل و ان

لم تكن صرورة لكنه تقيد بخبر مصادف، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): أ تحج المرأة عن الرجل؟ قال: نعم إذا كانت فقيهة مسلمة و كانت قد حجت رب امرأة خير من رجل «3» و خبر آخر عنه عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في المرأة تحج عن الرّجل الصّرورة؟ فقال: ان كانت قد حجت، و كانت مسلمة فقيهة، فرب امرأة أفقه من رجل «4» لكن سند خبري زيد الشّحام و عبيد بن زرارة المتقدمين قابل للمناقشة مع ان ظاهرهما، ان العبرة بعارفيتها باعمال الحج التي لا تحصل غالبا إلا بإتيان الحج مرارا لا ان لعنوان كونها صرورة دخلا في المنع فتأمل و اما الموثقة فقد عرفت عدم حصول الوثوق و الاطمئنان بها، لان ظاهرها عدم صحّة حجّ المرأة عن الرجل مطلقا، و هو مخالف للنص و الفتوى. و اما رواية زيد الشحام فضعيفة سندا و لو لا ضعفها لقيدنا بها الأخبار الدالة بإطلاقها على القول الأول و لم تحملها على الكراهة، لما بيناه مرارا من ان الجمع الموضوعي مقدم على الجمع الحكمي، و بالجملة فقد

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب النيابة حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 7

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 31

ظهر من جميع ما ذكرنا ان ما دل على القول الأول- و هو جواز استنابة الرجل الصرورة عن المرأة صرورة كانت أو غيرها و بالعكس- هو المحكم، إذ ليس له معارض و لا مقيد، فما اختاره المصنف من جواز ذلك مطلقا هو

الأقوى، و لكن يشكل ما افتى به من كراهة استنابة المرأة الصرورة خصوصا عن الرجل. نعم، لو كان خبر سليمان بن جعفر المتقدم صحيحا سندا أمكن حمله على الكراهة بقرينة: (لا ينبغي) الواقع في منطوقه لكنه ضعيف سندا.

نعم يمكن الاستدلال على أفضلية كون النائب رجلا لا امرأة سواء كان المنوب عنه رجلا أو امرأة بخبر بشير النبال قال قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ان والدتي توفيت و لم تحج؟ قال: يحج عنها رجل أو امرأة قال: قلت: أيهما أحب إليك؟ قال: رجل أحبّ الى «1» لكن سنده ايضا قابل للمناقشة، مضافا الى انه: لا يبعد ان يكون احبية استنابة الرجل من جهة افقهيته و اعرفيته بالمسائل من المرأة غالبا لا ان في الرجل خصوصية، كما يومي الى ذلك ما تقدم من خبري مصادف.

قوله قده: (بل لا يبعد كراهة استئجار الصّرورة و لو كان رجلا عن رجل)

يشهد له الأخبار لو صح حملها على الكراهة بقرينة ما مضى من صحيح محمد بن مسلم- منها:

1- مفهوم صحيح صفوان عن حكم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): انسان هلك و لم يحج و لم يوصى بالحج فأحج عنه بعض أهله رجلا أو امرأة؟ فقال:

ان كان الحاج غير صرورة أجزأ عنهما جميعا و أجزأ الذي أحجّه «2» و (فيه): ان مفهومه انه ان لم يكن صرورة لم يكن مجزيا عن الجميع و هذا أجنبيّ عما نحن فيه.

2- مكاتبة بكر بن صالح الى ابى جعفر (عليه السلام): ان ابني معي و قد أمرته

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 8

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب النيابة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2،

ص: 32

ان يحج عن أمي أ يجزي عنها حجة الإسلام؟ فكتب: لا و كان ابنه صرورة و كانت امه صرورة «1» و (فيه): انه ضعيف سندا فلا عبرة به.

3- رواية إبراهيم بن عقبة قال: كتبت إليه أسأله عن رجل صرورة لم يحج قط حج عن صرورة لم يحج قط يجزى كل واحد منهما تلك الحجة عن حجة الإسلام أولا، بين لي ذلك يا سيدي ان شاء اللّه؟ فكتب (عليه السلام): لا يجزى ذلك «2» و (فيه):

مضافا الى إضماره، انه ضعيف سندا و دلالة. فإنه إنما نفى الاجزاء عن كليهما معا لا عن المنوب عنه، و قد تحصل ان دعوى كراهة استيجار الصّرورة ضعيفة، لعدم تمامية أدلتها مضافا الى انه لو تمت هذه الأدلة فإنما تدل على عدم الاجزاء، و تعارض مع ما مضى من صحيح محمد بن مسلم- الدال على جواز حج الصرورة عن الصرورة و لا تقبل الحمل على الكراهة، لعدم ملائمة عدم الإجزاء للكراهة كما هو واضح.

[المسألة السابعة يشترط في صحة النيابة قصد النيابة]

قوله قده: (يشترط في صحة النيابة قصد النيابة و تعيين المنوب عنه في النية و لو بالإجمال.)

لا كلام لنا في ذلك، لعدم صدق ما ورد في النصوص من عنوان (الحجّ عنه) بدون نية الحج عن خصوص المنوب عنه مع ان الفارق بين الحج عن نفسه و الحج عن غيره و كذا بين الحج عن زيد و بين الحج عن عمر و مثلا ليس الا القصد، مع ان ظاهر ما سيأتي- ان شاء اللّه تعالى- من اخبار عدم وجوب تسمية المنوب عنه هو ان أصل لزوم نية المنوب عنه مفروغ عنه، فما افاده المصنّف (قده) هو الصّواب.

ثم لا يخفى ان قصد النيابة ليس شرطا على حدة

في قبال تعيين المنوب عنه، لاشتمال الثاني على الأول كما هو واضح.

قوله قده: (و لا يشترط ذكر اسمه و ان كان يستحب ذلك في جميع المواطن و المواقف)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لخبر مثنى بن عبد السلام عن ابى عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب النيابة حديث 4

(2) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب النيابة حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 33

(عليه السلام) في الرجل يحج عن الإنسان يذكره في جميع المواطن كلها؟ قال: ان شاء فعل و ان شاء لم يفعل اللّه يعلم انه قد حج عنه، و لكنه يذكره عند الأضحية إذا ذبحها «1» و في الصحيح عن البزنطي انه قال: سأل رجل أبا الحسن الأول (عليه السلام) عن الرجل يحجّ عن الرجل يسميه باسمه؟ قال: ان اللّه لا تخفى عليه خافية «2».

قال الصدوق (ره): (و روى أنه يذكره إذا ذبح). و لعل هذا إشارة الى ما مر من خبر مثنى و الظاهر منه هو وجوب التسمية حين الذبح و لكن الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لم يلتزموا بظاهره بل حملوه على الاستحباب. و صحيح ابن مسلم عن ابى جعفر (عليه السلام) قلت: له ما يجب على الذي يحج عن الرجل؟ قال (عليه السلام):

يسميه في المواطن و المواقف «3». و هذا ظاهر في الوجوب لكنه محمول على الاستحباب بقرينة ما تقدم من الاخبار. و صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قلت:

له الرجل يحج عن أخيه، أو عن أبيه، أو عن رجل من الناس هل ينبغي له أن يتكلم بشي ء؟ قال: نعم يقول: بعد ما يحرم: (اللّهم ما أصابني في سفري هذا من تعب، أو

بلاء، أو شعث، فأجر فلانا فيه و أجرني في قضائي عنه) «4». و صحيح معاوية بن عمار أو حسنه عن أبى عبد اللّه (عليه السلام)، قال: قيل: له أ رأيت الذي يقضى عن أبيه، أو أمه، أو أخيه، أو غيرهم أ يتكلم بشي ء؟ قال: نعم، يقول: عند إحرامه:

(اللّهم ما أصابني من نصب، أو شعث، أو شدة، فأجر فلانا فيه و أجرني في قضائي عنه) «5»

[المسألة الثامنة كما تصح النيابة بالتبرع و بالإجارة كذا تصح بالجعالة]

قوله قده: (كما تصح النيابة بالتبرع، و بالإجارة كذا تصح بالجعالة.)

الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و لم ينقل من أحد منهم خلاف في ذلك. و يدل عليه عمومات أدلة الجعالة.

______________________________

(1) و الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب النيابة حديث: 4.

(2) و الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب النيابة حديث: 5.

(3) و الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب النيابة حديث: 1.

(4) و الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب النيابة حديث: 2.

(5) و الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب النيابة حديث: 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 34

قوله قده: (و لا تفرغ ذمة المنوب عنه إلا بإتيان النائب صحيحا و لا تفرغ بمجرد الإجارة.)

لا ينبغي الارتياب في ذلك و لم يتعرض أحد من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا للخلاف فيه.

قوله قده: (و ما دل من الأخبار على كون الأجير ضامنا، و كفاية الإجارة في فراغها منزلة على أن اللّه تعالى يعطيه ثواب الحج إذا قصر النائب في الإتيان أو مطروحة لعدم عمل العلماء بها بظاهرها.)

لا بأس بذكر الأخبار الدالة على ذلك- منها:

1- صحيح إسحاق بن عمار أو موثقة سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم يحج بها

عنه، فيموت قبل أن يحج، ثم أعطى الدراهم غيره؟ فقال: ان مات في الطريق أو بمكة قبل أن يقضى مناسكه فإنه يجزى عن الأول قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم قلت: لأن الأجير ضامن للحج؟ قال: نعم «1».

2- صحيح ابن أبى عمير، عن الحسين بن عثمان، عن محمد بن أبي حمزة، عن إسحاق بن عمار، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يحج عن آخر فاجترح في حجه شيئا يلزمه فيه الحج من قابل، أو كفارة؟ قال: هي الأول تامة و على هذا ما اجترح «2».

3- رواية الحسين بن عثمان، عمن ذكره، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل أعطى رجلا ما يحجه فحدث بالرجل حدث؟ فقال: ان كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول، و الا فلا «3».

4- مرسلة الحسين بن يحيى في رجل أعطى رجلا ما لا يحج عنه فمات؟ قال: فان مات في منزله قبل أن يخرج فلا يجزى عنه، و ان مات في الطريق فقد أجزأ عنه «4».

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 1.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 2.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 3.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 4.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 35

5- مرسلة ابن أبى عمير، عن بعض رجاله، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل أخذ من رجل مالا و لم يحج عنه و مات و لم يخلف شيئا، فقال (عليه السلام): ان كان حج الأجير أخذت حجته و

دفعت الى صاحب المال و ان لم يكن حج كتب لصاحب المال ثواب الحج «1».

6- مرسلة الصدوق (ره) قال: قيل لأبي عبد اللّه الرجل: يأخذ الحجة من الرجل فيموت فلا يترك شيئا؟ فقال: أجزأت عن الميت، و ان كان له عند اللّه حجة أثبتت لصاحبه «2».

7- موثقة عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل أخذ دراهم رجل ليحج عنه فأنفقها فلما حضر أو ان الحج لم يقدر الرجل على شي ء؟ قال: يحتال و يحج عن صاحبه، كما ضمن سأل ان لم يقدر؟ قال: ان كانت له عند اللّه حجة أخذها منه فجعلها للذي أخذ منه الحجة «3».

هذا و لكن التحقيق وفاقا للمصنف (قده) و غيره هو عدم كفاية صرف الاستيجار في براءة ذمة المنوب عنه، لما ترى في هذه الأخبار من عدم تمامية دلالتها مع ضعف السند في أغلبها مضافا الى أنه لم يفت أحد بكفاية صرف الاستيجار، فلو فرض دلالة حديث عليه فهو معرض عنه عند الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم).

[المسألة التاسعة لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال]

قوله قده: (لا يجوز استئجار المعذور في ترك بعض الأعمال بل لو تبرع المعذور يشكل الاكتفاء به)

يمكن ان يقال بالتفصيل بين الأعذار: بأن يقال بجواز استنابة المعذور في ترك بعض الأعمال ان كان المعذور فيه مما تقبل النيابة، و بعدم جواز استنابته ان لم يكن قابلا لها. أما (الأول): فلما هو المفروض من تمكن المعذور من أخذ النائب فيما لا يتمكن منه، فيأخذ النائب و لا يبقى العمل ناقصا.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 23- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 23- من أبواب النيابة حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 23- من أبواب النيابة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 2، ص: 36

و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنه انما دل الدليل على جواز استنابة صاحب العمل إذا أتى به بنفسه و أما استنابة النائب فشمول الدليل لها مشكل.

و اما (الثاني): فلان الواجب على المنوب عنه هو العمل التام و المفروض عدم حصوله، لعدم تمكنه من إتيانه بلا فرق في ذلك بين كون الناقص باطلا مطلقا و بين كونه مجزيا عند العذر- كالصلاة جالسا عند عدم التمكن من القيام- و ذلك لأن الدليل انما دل على اجزائه إذا كان نفس صاحب العمل معذورا. و أما كون معذورية المنوب عنه موجبة لاجزاء العمل الناقص عن النائب الذي اشتغلت ذمته بالعمل التام المأمور بالاستنابة فيما اشتغلت ذمته به فلا دليل عليه.

نعم لو فرض أن المنوب عنه أيضا كان معذورا بعين عذر النائب بحيث لو فرض إتيانه بالعمل مباشرة لكان آتيا به ناقصا بعين هذا النقص و كان مجزيا عنه احتمل القول باجزاء العمل الناقص الذي اتى به النائب المعذور عنه، لكنه ضعيف جدا كما هو واضح ثم لا يخفى: ان في الفرض الأول، بناء على جواز استنابة النائب انما يصح نيابته إذا لم يشترط عليه الإتيان بالمعذور فيه بمباشرته و الا فلا تصح نيابته، لان المعيار في باب النيابة هو ملاحظة كيفية وقوع الإجارة كما و كيفا، و ملاحظة كيفية جعل المستأجر على الأجير كما هو واضح، فلو فرض أنه اشترط عليه الإتيان بالأعمال بنفسه و بمباشرته حتى في الأعمال التي تقبل النيابة فيها، أو فرض كون إطلاق الكلام منصرفا الى ذلك و هو على الفرض معذور فيه فلا تصح النيابة حينئذ كما لا يخفى.

[المسألة العاشرة إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك]
[فان كان قبل الإحرام لم يجز عن المنوب عنه]

قوله قده: (إذا مات النائب قبل الإتيان بالمناسك، فان كان قبل الإحرام

لم يجز عن المنوب عنه، لما مر من كون الأصل عدم فراغ ذمته إلا بالإتيان بعد حمل الأخبار الدالة على ضمان الأجير على أشرنا اليه.)

كان هذا الحكم مسلم عندهم، و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 37

[و إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ عنه]

قوله قده: (و إن مات بعد الإحرام و دخول الحرم أجزأ عنه، لا لكون الحكم كذلك في الحج عن نفسه، لاختصاص ما دل عليه به، و كون فعل النائب فعل المنوب عنه لا يقتضي الإلحاق، بل لموثقة إسحاق بن عمار- المؤيدة بمرسلتى حسين بن عثمان و حسين بن يحيى- الدالة على ان النائب: إذا مات في الطريق اجزء عن المنوب عنه المقيدة بمرسلة المقنعة)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا و في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه). و في المستند: (إجماعا محققا و محكيا مستفيضا). و جزم بعدم الخلاف فيه: في الحدائق. و نقل في المدارك عن جمع، منهم العلامة في المنتهى: الإجماع عليه، و يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): انه قد حققنا في محله ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف قطعيا عن رأى المعصوم (عليه السلام) لا المدركى، و في المقام يمكن ان يكون مدركه بعض ما يأتي من الوجوه الآتية فلا عبرة به، الا إذا صار موجبا للاطمئنان بالحكم فيكون الاطمئنان حجة، كما بينا ذلك مرارا و كرارا.

(الثاني)- الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) الدالة على ان الحاج لو مات في الحرم فقد أجزأه عن حجة الإسلام- منها:

1- صحيح ضريس عن أبى جعفر (عليه السلام) رجل خرج حاجا حجة الإسلام فمات في الطريق؟ فقال: ان مات في الحرم فقد

أجزأت عن حجة الإسلام، و ان مات دون الحرم فليقض عنه وليه «1».

2- صحيح بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): عن رجل خرج حاجا و معه جمل و زاد و نفقة فمات في الطريق؟ قال (عليه السلام): ان كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزأ عنه حجة الإسلام. و ان كان مات و هو صرورة قبل أن يحرم

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائط حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 38

جعل جمله و زاده و نفقته و ما معه في حجة الإسلام. الحديث «1».

3- مرسلة المقنعة قال الصادق (عليه السلام): من خرج حاجا فمات في الطريق، فإنه ان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه الحجة، فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج و ليقض عنه وليه «2» و قد تقدم ذكرها أيضا في الجزء الأول من الكتاب في ص (216) عند قول المصنف (قده): (إذا مات من استقر عليه الحج في الطريق). و هي و ان كانت واردة في خصوص ما لو كان المحرم حاجا عن نفسه لكن يمكن أيضا استفادة حكم ما نحن فيه- و هو اجزاء حج النائب لو مات بعد الإحرام و دخول الحرم منها- بوجوه:

(الأول)- ما افاده صاحب الجواهر (ره) حيث قال بعد ادعائه الإجماع على الحكم لما سمعته سابقا من الخبرين المذكورين و ان كان موردهما الحج عن نفسه: (الا ان الظاهر و لو بمعونة فهم الأصحاب كون ذلك كيفية خاصة في الحج سواء كان عن نفسه أم عن الغير، و سواء كان واجبا بالنذر أو غيره. و (فيه): ان استفادة كون الحكم لطبيعة الحج بما هي

من تلك الأخبار ممنوعة، و فهم الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لا يصلح للقرينية كما لا يخفى.

(الثاني)- ما أفاده صاحب المدارك «ره» حيث قال: (إذا ثبت ذلك في حق الحاج عن نفسه ثبت في نائبه، لأن فعله كفعل المنوب عنه). و تبعه على ذلك صاحب الجواهر «ره» حيث قال: (المناقشة في ذلك من بعض متأخري المتأخرين في غير محلها، لما عرفت خصوصا بعد ان كان فعل النائب فعل المنوب عنه و الفرض اجزائه في الثاني فيجزي في الأول) و (فيه): انه لا إشكال في أن فعل النائب هو فعل المنوب عنه و لكن الإشكال في انه هل يترتب على اعمال النائب كل أثر شرعي يترتب على تلك الأعمال إذا صدرت عن المنوب عنه أم لا؟ الظاهر العدم، لاحتمال الخصوصية في إيجاده لها بنفسه بل هو ظاهر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 26- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 39

النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام) و لا وجه لا لقاء الخصوصية. و أما القول بان عمل النائب هو عمل المنوب عنه و ان النائب بدل تنزيلي له و قائم مقامه و الفارق هو المباشرة و المفروض سقوطها، لأدلة النيابة فلا بد من إجراء الأحكام الثابتة على الحاج عن نفسه على الحاج عن غيره، لوحدة المناط (فمدفوع): بأنه و ان كان عمله عمل المنوب عنه- أي إتيانا بما اشتغلت ذمة المنوب عنه به- لكن استلزام ذلك لاتحاد جميع الأحكام الجارية عليه في كلتا الصورتين- و هما إتيان صاحب العمل بنفسه و إتيان النائب- أول الكلام.

(الثالث)- ان ما كان

في ذمة المنوب عنه انتقل إلى ذمة النائب، لما ورد من ان الأجير ضامن، أو يقال: انه اتسعت الذمة بضم ذمة إلى ذمة و على كلا الوجهين فكان النائب يأتي بالحج عن نفسه، لاشتغال ذمته به فتشمله الاخبار. و (فيه): انه ليس معنى الأخبار الدالة على ان الأجير ضامن انتقال ما في ذمة المنوب عنه إلى ذمة النائب بل معناها ان الأجير ضامن للإتيان بالعمل النيابي و إفراغ ذمة المنوب عنه و من الواضح ان النائب يأتي بالحج عن المنوب عنه لا عن نفسه حتى يدخل تحت تلك الأخبار، هذا و لو قلنا بانتقال ما في ذمة المنوب عنه إلى ذمة النائب لزم الاجزاء عن المنوب عنه بمجرد الاستنابة، و هو كما ترى. مضافا الى ما عرفت سابقا من سقوط ما دل على ان الأجير ضامن عن درجة الاعتبار بإعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه و أما الجواب عن القول باتساع الذمة بضم ذمة إلى ذمة فهو واضح.

(الرابع)- دعوى تنقيح وحدة المناط. و (فيه): ان المعتبر من تنقيح المناط هو القطعي منه لا الظني، و هو ممتنع في الشرعيات، لقصور عقولنا عن الإحاطة بملاكاتها فغاية ما يحصل منه الظن بالحكم، و هو لا يغني من الحق شيئا، فلا بد من الاقتصار على مورد الروايات أخذا بالظاهر، أو القدر المتيقن فيما هو خلاف مقتضى القاعدة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 40

(الثالث)- من الأدلة الدالة على اجزاء حجه عن المنوب عنه إذا مات بعد الإحرام و بعد الدخول في الحرم ما استدل به المصنف (قده) من الأخبار الدالة على ان النائب إذا مات في الطريق اجزء عن المنوب عنه- منها:

1- موثق إسحاق بن عمار عن ابى

عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يموت فيوصي بحجة فيعطى رجل دراهم ليحج بها عنه، فيموت قبل ان يحج، ثم اعطى الدراهم غيره؟ قال (عليه السلام): ان مات في الطريق أو بمكة قبل ان يقضى مناسكه، فإنه يجزى عن الأول. قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحج من قابل أ يجزي عن الأول؟ قال: نعم، قلت: لأن الأجير ضامن للحج؟ قال: نعم «1».

2- مرسلة الحسين بن عثمان عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل اعطى رجلا ما يحجه فحدث بالرجل حدث؟ فقال: ان كان خرج فأصابه في بعض الطريق فقد أجزأت عن الأول و الا فلا «2».

3- مرسلة الحسين بن يحيى عمن ذكره عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل اعطى رجلا ما لا يحج عنه فمات؟ قال: فان مات في منزله قبل ان يخرج فلا يجزى، و ان مات في الطريق فقد أجزأ عنه «3» هذا و لكنك خبير بان مقتضى هذه الأخبار هو الاجزاء و ان مات النائب قبل الإحرام و الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لم يفتوا به.

و قد تفصى المصنف (قده) عن هذا الاشكال بالالتزام بتخصيصها بمرسلة المقنعة المتقدمة: (من خرج حاجا فمات في الطريق، فإنه ان كان مات في الحرم فقد سقطت عنه (الحجة الشاملة بإطلاقها للحاج عن غيره ايضا. و (فيه):

(أولا): ان لهذه المرسلة ذيلا لم يذكره المصنف (قده) و هو قوله: (فان مات قبل دخول الحرم لم يسقط عنه الحج و ليقض عنه وليه) يمكن القول بظهوره في ان الحج

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث:

3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 41

كان عن نفسه، إذ القضاء فيه انما يكون عنه لا عن النائب، و ذلك لأنه (تارة): اعتبرت المباشرية في ضمن العقد. و (اخرى): لا، فعلى الأول: يحكم ببطلان الإجارة من أصله لذهاب موضوعها، و لا يصح القضاء عنه كما لا مجال للأداء عنه، و على الثاني: يكون أداء عنه لا قضاء، فليس له إطلاق يشمل النائب.

و (ثانيا): على فرض تسليم كون الحديث مطلقا كما قد يقوى في النظر، و ذلك لاشتغال ذمة النائب بالحج النيابي كاشتغال ذمته بالحج النذري و الحج لنفسه، فكما انه ان لم يأت بالحج عن نفسه يقضى عنه وليه- و يصح التعبير بالقضاء- فكذلك إذا لم يأت بالحج النيابي أيضا يقضى عنه وليه و يفرغ ذمته عنه- و يصح التعبير بالقضاء عنه- كما لا يخفى بل يمكن القول بان قوله: «و ليقض» معناه و ليفعل كما ورد بهذا المعنى في اللغة فحينئذ شموله للنائب أوضح فتأمل و كيف كان بناء على فرض تسليم إطلاقه نقول: ان الحديث، ليس أخص من اخبار ما نحن فيه حتى تقيد به بل بينهما عموم من وجه، لأنه كما يكون الحديث أخص من اخبار ما نحن فيه من ناحية التفصيل بين دخول الحرم و عدمه كذلك يكون أعم منها من ناحية عدم اختصاصه بالنائب، فكان الاولى ان يستدل المصنف (قده) على مدعاه بان فرض موت النائب قبل الحرم هو مورد تعارضهما بالعموم من وجه، فيتساقطان، فنرجع الى الأصل العملي- و هو أصالة عدم الاجزاء- فيبقى خصوص صورة موته بعد دخول الحرم و (ثالثا): ان الحديث مرسل لا حجية فيه و

انجباره بعمل الأصحاب غير ثابت، لعدم إحراز استنادهم في التفصيل بين الموت قبل الحرم و بعده أو قبل الإحرام و بعده الى هذه المرسلة، لاحتمال كون مستندهم فيه الأخبار الواردة في الحاج عن نفسه بأحد التقريبات المتقدمة، أو الجمع بين ما دل على الاجزاء مطلقا و هو ما تقدم من الأخبار، و ما دل على عدم الاجزاء مطلقا، و هو موثق عمار الساباطي عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل حج عن آخر و مات في الطريق؟ قال: قد وقع أجره على اللّه، و لكن يوصي فإن قدر على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 42

رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل «1» و ان كان التحقيق عدم صحة الجمع بينهما بهذا الوجه، فإنه جمع تبرعي لا شاهد له، فلا عبرة به و لا يصلح مرسلة المقنعة شاهدة لذلك، لما عرفت، و كيف كان فالأمر فيما نحن فيه في غاية الإشكال، لأن فتوى الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بالتفصيل و هو الاجزاء في خصوص ما إذا مات بعد ان أحرم و دخل الحرم، أو كفاية مجرد الإحرام فيه على الخلاف في ذلك- كما سيأتي- و عدم الاجزاء إذا مات قبل الإحرام مما لم يرد فيه نص و ذلك لأن الأخبار الواردة فيما نحن فيه على طائفتين (الأولى): ما دل على الاجزاء إذا مات في الطريق مطلقا، و هو موثقة إسحاق المؤيدة بما تقدم من المرسلتين (الثانية): ما دل على عدم الاجزاء إذا مات في الطريق مطلقا، و هو موثق عمار الساباطي المتقدم و هما متعارضان، و ليس فتوى الأصحاب بالتفصيل المزبور موافقة لشي ء من هاتين الطائفتين، فحينئذ ان كان ذلك إعراضا منهم عن

كلتا الطائفتين فيبقى أصل الأجزاء بلا دليل فيتعين حينئذ الرجوع الى الأصل العملي، و هو أصالة الاشتغال القاضية بعدم الاجزاء، لكن كون ذلك إعراضا منهم عن كلتا الطائفتين معا غير معلوم، لاحتمال فهمهم لهذا التفصيل من الجمع بين الاخبار، و لو بملاحظة ما ورد في الحاج عن نفسه بأحد التقريبات المتقدمة، فتصل النوبة حينئذ إلى قواعد باب التعارض بين هاتين الطائفتين فإن كان لأحدهما مرجح أخذ بها و الا فالتخيير- كما رجحناه في الأصول- أو التساقط- كما ذهب اليه بعض ثم انه بناء على الثاني، يكون المرجع أصالة عدم الاجزاء الا ان يخرج عن هذا الأصل بعد المناقشة في جميع الأدلة في خصوص ما إذا مات بعد الإحرام و دخول الحرم (بدعوى): حصول الاطمئنان من إجماع الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا على الاجزاء فيه و لكن يمكن ان يقال بأنه لا معارضة بين موثقة إسحاق بن عمار- الدالة على الاجزاء إذا مات في الطريق أو بمكة- و بين موثقة عمار الساباطي- المستفاد منها

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 43

عدم الاجزاء إذا مات فيه- حيث (ان الأول): نصّ في الاجزاء إذا مات بعد الدخول في الحرم، لأنه هو القدر المتيقن من الاجزاء، فإنه لو كان الموت في أول الطّريق سببا للاجزاء لكان الموت بعد الدخول في الحرم سببا للاجزاء قطعا، و لكن بالنسبة الى ما قبل الدخول في الحرم ظاهر. و (أما الثاني): فهو نصّ في عدم الإجزاء بالنسبة الى قبل الدخول في الحرم، و لو بقرينة إجماع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لأنه هو القدر المتيقن من عدم الاجزاء، و ذلك

لأنه لو لم يكن الموت بعد الدخول في الحرم سببا للاجزاء لكان عدم سببية الموت للاجزاء قبل الدخول في الحرم بطريق أولى، فالأمر بالنسبة الى عدم الاجزاء المستفاد من الثاني يكون بالعكس، فترفع اليد عن ظاهر كل واحد منهما بنص الآخر و نتيجة ذلك هو التفصيل بين الموت قبل الدخول في الحرم و بعده، في الحكم بعدم الاجزاء في الأول، و بالاجزاء في الثاني- كما هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم).

ثم انه بعد الغضّ عن ذلك و القول بثبوت التهافت بينهما نقول: انه يمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار الدالة على الاجزاء على ما إذا لم يكن للنائب بعد موته في الطريق مال في ذلك المحل و حمل الأخبار الدالة على عدم الاجزاء على ما إذا كان له مال فيه. هذا بناء على كون موثقة عمار الساباطي التي وقعت في ذيلها جملة: (و لكن يوصي فإن قدر على رجل يركب في رحله و يأكل زاده فعل) موردا للعمل و لم يثبت أعراض الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) عنه و الا فلا مجال للتفوه بهذا الجمع.

ثم انه بناء على عدم تمامية هذا الجمع و المناقشة فيه نقول انه يمكن ان يقال ان موثقة عمار الساباطي لا تقاوم موثقة إسحاق بن عمار، و ذلك لحملها على أحد وجوه:

(الأول)- ان موثقة إسحاق صريحة في الاجزاء عن المنوب عنه و موثقة عمار لا تدل على عدم الاجزاء عنه و انما تدل على وجوب إرسال شخص آخر على النائب، و هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 44

حكم تعبدي ثابت على النائب لا انه ثابت من ناحية عدم الاجزاء عن المنوب عنه، لكن يبعد هذا الوجه ان النائب الثاني

أيضا ينوي الحج عن ذلك المنوب عنه لا عن النائب.

اللهم إلا ان يقال بعدم كونه كذلك، بل هو نظير ما إذا أتى النائب بالحج و أتى فيه بشي ء أوجب عليه الحج في العام القابل ثم مات و قضى عنه شخص، فكما انه في هذا الفرض ينوي الحج عن النائب لا عن المنوب عنه، كذلك فيما نحن فيه، لأنه حكم على النائب، لفراغ ذمة المنوب عنه. لكن لا يخفى ما في هذا الوجه من البعد.

(الثاني): ان مورد موثقة إسحاق بن عمار خصوص الاستنابة بالأجرة و مورد موثقة عمار الساباطي أعم من النيابة و التبرع فتقيد الثاني بالأول، و لكن فيه تأمل.

(الثالث): انه بناء على عدم أخصية الاولى نقول: إن موثقة عمار الساباطي صريحة في أصل المطلوبية و ظاهرة في الوجوب، و موثقة إسحاق بن عمار صريحة في عدم الوجوب، فتحمل موثقة عمار الساباطي على الاستحباب.

فالمتحصل من هذه الوجوه أنه بناء على تماميتها ان موثقة إسحاق- الدالة على الاجزاء إذا مات النائب في الطريق- لا معارض لها، و على هذا فمقتضى الإطلاق هو الحكم بالاجزاء حتى في صورة الموت قبل الإحرام، لكنه لا يمكن الإفتاء به، لعدم إفتاء الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) به فيتعين الاحتياط و لكن المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

[و أما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان]

قوله قده: (و أما إذا مات بعد الإحرام و قبل دخول الحرم ففي الإجزاء قولان. لكن الأقوى عدمه، فحاله حال الحاج عن نفسه في اعتبار كلا الأمرين في الاجزاء.)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على قولين: (الأول): هو الحكم بعدم الاجزاء فيه، و اختاره صاحب الجواهر (ره) و الظاهر: انه المشهور ايضا، و تبعهم المصنف «قده» (و الثاني): هو الحكم

بالاجزاء فيه، و اختاره الشيخ «ره» بل ادعى انه منصوص بين الأصحاب لا يختلفون فيه بل ربما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 45

استدل له بإطلاق خبر إسحاق بن عمار المتقدم على ما حكاه صاحب الجواهر و اختاره الحلي أيضا (رحمه اللّه تعالى) في السرائر.

و التحقيق: انه ان كان المدرك في الحكم بالاجزاء في الصورة السابقة مرسلة المقنعة المتقدمة و غيرها مما ورد في الحاج عن نفسه و خصصنا بها موثقة عمار الساباطي المتقدمة- الدالة على عدم الاجزاء- اتجه القول بعدم الاجزاء في هذه الصورة. و ان كان المدرك في الحكم بالاجزاء في الصورة السابقة بعد المناقشة في جميع الأدلة هو الإجماع و حصول الاطمئنان منه، فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن، و هو الصورة السابقة، فالمتجه ايضا فيما نحن فيه عدم الاجزاء. و أما بناء على تمامية ما قربناه لموثقة إسحاق بن عمار المتقدمة و عدم ابتلائها بالمعارض، فلا بد من الأخذ بإطلاقها المقتضي للإجزاء سواء مات بعد دخول الحرم أم قبله، و سواء مات بعد الإحرام أم قبله. غاية الأمر أنه خرجنا عن هذا الإطلاق فيما إذا مات قبل الإحرام و أخذنا بالاحتياط، لتسالم الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على الخلاف و بقي الباقي فتأمل.

قوله قده: (و الظاهر عدم الفرق بين حجة الإسلام و غيرها من أقسام الحج، و كون النيابة بالأجرة أو بالتبرع).

التحقيق: انه ان كان الوجه في أصل الحكم الإجماع، فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن، و ان كان مرسلة المقنعة فالحق ما أفاده المصنف «قده» من عدم الفرق للإطلاق، و ان كان سائر الأخبار الواردة في الحاج عن نفسه، فلا بد من الاقتصار على حجة الإسلام، لاختصاص تلك

الأخبار بها. و ان كان المدرك فيه موثقة إسحاق بن عمار كما قربناه، فيتجه عدم الفرق بين حجة الإسلام و غيرها للإطلاق لكن يمكن ان يقال باختصاص الحكم بالأجرة دون التبرع، لاختصاصها بها بل لعله يمكن ان يقال بأنه مقتضى الجمع بين موثقتي إسحاق بن عمار و عمار الساباطي المتقدمين بالتقريب المتقدم، كما ان استفادة الإطلاق من موثقة إسحاق بحيث يشمل نائب النائب فصاعدا لا يخلو عن اشكال، كما ان شمول الاخبار لما إذا قتل نفسه اختيارا ايضا مشكل.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 46

[المسألة الحادية عشرة إذا مات الأجير]
[إن كان بعد الإحرام و دخول الحرم يستحق تمام الأجرة]

قوله قده: (إذا مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم يستحق تمام الأجرة إذا كان أجيرا على تفريغ الذمة، و بالنسبة الى ما اتى به من الأعمال إذا كان أجيرا على الإتيان بالحج بمعنى الأعمال المخصوصة).

توضيح المقام: انه (تارة): تقع الإجارة على إفراغ الذمة و (اخرى): على الأعمال. أما (على الأول): فلا إشكال بناء على الاجزاء في استحقاق الأجير تمام الأجرة إذا مات بعد الإحرام و بعد الدخول في الحرم، لحصول المستأجر عليه- و هو فراغ ذمة المنوب عنه- و هذا مما صرح به جماعة من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) بل في المعتبر: (انه المشهور بين الأصحاب) و في كشف اللثام: (انه لا خلاف فيه عندنا كما في الغنية) و في المختلف: (إجماع الأصحاب على انه منصوص لا يختلفون فيه). و في المسالك (اتفاق الأصحاب عليه) و في الحدائق: (انه مصرح به في كلام الأصحاب) و اختاره صاحب الجواهر (ره) ايضا.

و أما إذا مات قبل الدخول في الحرم فلا إشكال عندنا في عدم استحقاقه شيئا من الأجرة لا كلا و لا بعضا، لعدم حصول العمل المستأجر- و هو إفراغ

الذمة.

و لكنه قد يستشكل في استحقاقه تمام الأجرة و ان مات بعد الإحرام و دخول الحرم بتقريب: أن فراغ الذمة أمر قهري و ليس تحت قدرة المكلف، لترتبه على الموت بعد الدخول في الحرم الذي هو خارج عن تحت قدرته، فيحصل الاجزاء بحكم الشارع، فحينئذ لا بد ان يحكم ببطلان الإجارة من أصله و بعدم استحقاقه شيئا من الأجرة لا كلا و لا بعضا لعدم قدرته على متعلق الإجارة و عدم استناده إليه، فإن الإفراغ ليس فعلا له.

و الجواب: انا نمنع عدم كون متعلق الإجارة تحت قدرته و عدم استناده اليه، و لست أقول: ان متعلق الإجارة مسبب توليدي للنائب فتصح إجارته لعدم انطباق ضابطه عليه بل أقول: إن متعلق الإجارة هو الإفراغ و هو داخل تحت قدرته و فعل له، و ذلك لان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 47

الفراغ يحصل بمشيه و إحرامه المتعقب بالموت بعد الإحرام و دخول الحرم و هو فعل له بلا إشكال و عدم كون الموت فعلا له و تحت قدرته ليس الا كعدم كون تحقق يوم عرفة مثلا الذي هو دخيل في صحة الحج و فراغ الذمة فعلا له و تحت قدرته، مع انه لا إشكال في انه إذا كان أجيرا على الحج و اتى به استحق تمام الأجرة.

و أما (على الثاني):- و هو ما إذا وقعت الإجارة على الأعمال- فلا يثبت استحقاقه للأجرة إلا بعد إتيانه بجميع الأعمال، فلو مات قبله سواء مات قبل الدخول في الحرم أم بعده لا يحكم باستحقاقه للأجرة أصلا لا كلا و لا بعضا، لعدم حصول العمل المستأجر عليه من دون فرق بين ما إذا اتى ببعض الأعمال أولا، و ذلك لصيرورته

أجيرا على الحج و من الواضح عدم كون البعض الحج، فهو نظير ما إذا صار أجيرا للصلاة ثم اتى بركعة منها، فمن الواضح انه لا يستحق الأجرة على تلك الركعة، كما اعترف به المصنف (قده) بعد أسطر، غاية الأمر ان فيما نحن فيه ثبت تعبدا انه إذا اتفق له الموت بعد الإحرام و الدخول في الحرم يحكم باجزائه عن المنوب عنه بمقتضى الأخبار المتقدمة بناء على تمامية الاستدلال بها و لا منافاة بين عدم استحقاقه من الأجرة و بين اجزاء ما اتى به عن المنوب عنه تعبدا، و قد ظهر بما ذكرنا ضعف ما أفاده المصنف (قده)- من استحقاقه من الأجرة بمقدار ما اتى به.

[و إن مات قبل ذلك لا يستحق شيئا]

قوله قده: (و إن مات قبل ذلك لا يستحق شيئا، سواء مات قبل الشروع في المشي أم بعده، و قبل الإحرام أم بعده، و قبل الدخول في الحرم، لأنه لم يأت بالعمل المستأجر عليه لا كلا و لا بعضا بعد فرض عدم اجزائه، من غير فرق بين ان يكون المستأجر عليه نفس الأعمال أو مع المقدمات- من المشي و نحوه- نعم لو كان المشي داخلا في الإجارة على وجه الجزئية بأن يكون مطلوبا في الإجارة نفسا استحق مقدار ما يقابله من الأجرة، بخلاف ما إذا لم يكن داخلا أصلا أو كان داخلا فيها لا نفسا بل بوصف المقدمية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 48

فما ذهب اليه بعضهم من توزيع الأجرة عليه أيضا مطلقا لا وجه له، كما أنه لا وجه لما ذكره بعضهم من التوزيع على ما أتى به من الأعمال بعد الإحرام، إذ هو نظير ما إذ استؤجر للصلاة فاتى بركعة أو أزيد ثم أبطلت صلاته، فإنه لا إشكال

في أنه لا يستحق الأجرة على أتى به).

تفصيل الكلام في هذه المسألة: هو أنه (تارة): يصرح بدخوله فيها و (اخرى):

يصرح بعدم دخوله فيها و (ثالثة): لا يصرح بدخوله فيها و لا بعدمه بل يكون مطلقا.

أما (في الصورة الاولى): فلا إشكال في الجملة في توزيع الثمن بمقدار ما يقابله من الأجرة إذا مات بعد مشى مقدار من الطريق أو تمامه. و تحقيق المطلب هو ان دخوله في الإجارة يتصور على أنحاء و ذلك لأنه (تارة): يجعله المستأجر داخلا في متعلق الإجارة على نحو الجزئية و (اخرى): على نحو الشرطية و (ثالثة): على نحو القيدية- بأن يستأجره مثلا على الحج البلدي المقيد بهذا العنوان- أما إذا جعله المستأجر داخلا في متعلق الإجارة على النحو الأول فلا إشكال في تقسيط الثمن و استحقاقه من الأجرة بمقدار ما يقابله، لكونه على المفروض داخلا في متعلق الإجارة على نحو الجزئية، فيعامل معه معاملة الجزء.

ان قلت: من الواضح انه يعتبر في متعلق الإجارة ان يكون مما ينتفع به المستأجر، و طي الطريق مع فرض عدم الإتيان بالحج و عدم حصول الأجزاء لا ينتفع به المستأجر كما لا يخفى، فلا يحكم بالتقسيط و لو جعله المستأجر جزءا: قلت انه يكفى في حصول المنفعة ترتب الثواب على كل قدم رفعت بنية الحج منه، و هذا من أقوى الدواعي لجعل طيّ الطريق جزء لمتعلق الإجارة، فالتحقيق حينئذ هو تقسيط الثمن إذا جعلاه جزءا إلا إذا قيدا جزئيته بقيد التعقب بالحج.

و أما إذا جعله داخلا في الإجارة على النحو الثاني، فلا إشكال في عدم تقسيط الثّمن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 49

عليه، و نتيجة هذا الشرط أنه لو تخلف الأجير عنه- كما لو اشترط

عليه أن يحج مثلا من طريق النجف فحج من طريق آخر كان للمستأجر الخيار لتخلف الشرط فيرجع الى أجرة المثل اللهم الا ان يقال ان ما تعلق به طلب المستأجر هو الحج المشروط و لم يأت به فلا اجرة المثل في البين فتأمل- و كيف كان لا ينافي هذا الخيار صحيح حريز بن عبد اللّه قال:

سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن رجل أعطى رجلا حجة يحج بها عنه من الكوفة فحج عنه من البصرة؟ فقال: لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه الحديث «1» و ذلك لأنه يدل على الأجزاء و لا ننكره.

و أما إذا جعله داخلا فيها على النحو الثالث فلا إشكال أيضا في عدم تقسيط الثمن و نتيجة هذا القيد أنه لو لم يتحقق كما لو استأجره لخصوص الحج البلدي المقيد بهذا العنوان فاتى بالحج الميقاتي لم يستحق الأجير شيئا. هذا تمام الكلام في الصورة الأولى.

و أما (في الصورة الثانية): و هي ما إذا صرح بعدم دخوله فيها بحيث لم يكن طي الطريق مطلوبا للمستأجر بوجه من الوجوه فلا إشكال أيضا في عدم تقسيط الثمن، لعدم دخوله في الإجارة كما هو المفروض.

و أما (في الصورة الثالثة): و هي ما إذا كان الكلام مطلقا و لم يصرح بدخوله فيها و عدمه فقد وقع خلاف في تقسيط الثمن بمقدار ما يقابله و عدمه قال في الجواهر: (خيرة جماعة منهم الأول، و آخرين الثاني، و التحقيق: أن المقدمات ملحوظة لكن في زيادة قيمة العمل بنحو ملاحظة الأوصاف في المبيع لا على جهة التوزيع في الأجرة و الثمن. إلخ) يمكن الاستدلال على الأول- و هو دخوله في الإجارة و تقسيط الثمن عليه- بوجهين:

(الأول)- ما

نراه وجدانا من دخالة قرب الطريق و بعده في القيمة و أنه لا يبذل بإزاء الحج الميقاتي بمقدار ما يبذل بإزاء الحج البلدي، و لو لا المشاق التي تقع قبل الأعمال و في أثنائها و لم يكن في البين سوى نفس الأعمال لما كان يبذل بازاءه شي ء معتد به،

______________________________

(1) الوسائل:- ج 2- الباب- 11 من أبواب النيابة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 50

لا مكان استيجار شخص لخصوص الأعمال فقط من الميقات بأجرة يسيرة فمن إعطاء المبلغ الوافر يستكشف جعل الثمن بإزاء الأعمال و المقدّمات. و (فيه): أنه من الممكن أن لا يكون ذلك اعنى ازدياد القيمة بإزاء تلك المقدمات على وجه المعاوضة بل تصير هي داعية الى جعل قيمة زائدة بإزاء الأعمال. و قد اختار صاحب الجواهر (ره) هذا الاحتمال كما عرفته مما تقدم من صريح كلامه.

(الثاني): ان حج البيت معناه قصده و التوجه اليه، فطى الطريق داخل في الإجارة بمفهومه و (فيه): أن مقصودهم من لفظ الحج في استئجارهم هو معناه المعهود. عند المتشرعة لا معناه اللغوي كما لا يخفى.

يمكن الاستدلال على الثاني- و هو عدم كونه جزأ لمتعلق الإجارة و عدم تقسيط الثمن عليه- بوجوه:

(الأول)- ان المقدمة ليست شيئا فهي بمنزلة أوصاف المبيع. نعم، العمل الذي له مقدمات كثيرة يزداد قيمته بنظر العرف لاتصافه بالصعوبة كما يختلف قيمة المبيع باختلاف أوصافه، فلا يبذل بإزائها الثمن مستقلا حتى يحكم بالتقسيط في مفروض المقام و (فيه): وضوح عدم كون المقدمة كأوصاف المبيع و ذلك، لعدم إمكان جعل الثمن بإزاء أوصاف المبيع حتى يدعى انصراف إطلاق الكلام الى ذلك و هذا بخلاف المقدمة لكونها عملا خارجيا يمكن جعل الثمن بإزائها، فلدعوى انصراف الإطلاق إلى

التقسيط مجال.

(الثاني)- ان طي الطريق الى الميقات مثلا لو فرض منفردا لم يكن ذا قيمة و لم يكن يبذل بإزائه شي ء. نعم، إذا ضم الى الحج رأينا أنه يبذل أكثر مما كان يبذل في قبال نفس الحج لو لا توقفه على طي الطريق، فيعلم ان الزيادة ليس في مقابل الذهاب بل في قبال نفس العمل. و (فيه): منع عدم كون الطريق ذا قيمة مع الداعي العقلائي للمستاجرين اليه- و هو ترتب الثواب عليه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 51

(الثالث)- ان من الواضح وجدانا ان بعد الطريق ذهابا و إيابا دخيل في القيمة و أن من لا يريد الرجوع ربما يستأجر بأقل من ذلك، و مع هذا لو كان قاصدا للرجوع و استأجروه بقيمة زائدة و لكن بعد الفراغ عن أعمال الحج اعرض عن قصد الرجوع و عزم على البقاء في مكة و لم يرجع الى بلده لم يكن عرفا ذمته مشغولة بمقدار من الثمن بإزاء الرجوع الذي انصرف عنه. و (فيه): أن هذا انما يكون بالنسبة إلى الرجوع الذي لا يلاحظه المستأجر الا على نحو الداعي إلى ازدياد القيمة، لعدم كون الرجوع مطلوبا للمستأجر لا نفسيا و لا مقدميا حتى يلاحظ على نحو الجزئية و هذا بخلاف الذهاب كما لا يخفى.

(الرابع)- دعوى انصراف إطلاق الكلام عرفا الى عدم دخالة المقدمات في متعلق الإجارة كما أن الأمر كذلك أيضا في سائر أنواع الاستيجار- كالاستيجار لصلاة أو صوم أو بناء دار أو غير ذلك- فإذا استوجر أحد للصلاة مثلا فتوضأ و أتى بباقي مقدماتها و لكن لم يصل لا يستحق شيئا قطعا أو استوجر للصوم مثلا فتسحر و لم يصم و نحو ذلك، و ذلك لا لعدم

عود منفعة إلى المستأجر، بل لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه في نظرهم رأسا. كما لا يخفى. هذا و لكن الظاهر عدم كون ما نحن فيه في نظر العرف على ما نراه في بلادنا من قبيل الاستيجار لصلاة أو صوم و نحو ذلك، لاعتبار المقدمات بنظرهم و يفرقون بين الحج البلدي و الميقاتي، و الحج من المكان القريب و البعيد في ازدياد متعلق الإجارة و عدمه. نظير، استئجارهم لزيارة الحسين (ع) مثلا في كربلا و كذلك زيارة سائر المشاهد المشرفة، لكون المقدمة ملحوظة فيها بنظرهم على الاستقلال و الدخل في المتعلق و كيف كان فتشخيص الموضوع ليس وظيفة للفقيه و انما على الفقيه أن يبين حكم صدور المسألة التي هي أربعة- الجزئية و الشرطية و القيدية و الداعوية- لازدياد الثمن و قد عرفت حكم الجميع. و أما إذا أطلق الكلام، فالمتبع هو العرف، فحينئذ إذا كان أهل العرف متحدا في جميع النواحي و البلاد فهو، و الا فالمعول في كل بلد عرفه.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 52

قوله قده: (و دعوى انه و ان كان لا يستحق من المسمى بالنسبة، لكن يستحق اجرة المثل لما أتى به، حيث أن عمله محترم مدفوعة: بأنه لا وجه له بعد عدم نفع للمستأجر فيه، و المفروض انه لم يكن مغرورا من قبله، و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت للحج في سنة معينة، و يجب عليه الإتيان به إذا كانت مطلقة من غير استحقاق لشي ء على التقديرين).

استدل بذلك صاحب الجواهر (ره) حيث قال في ذيل هذا المبحث: (قد يتجه استحقاق اجرة المثل فيها، لأصالة احترام عمل المسلم الذي لم يقصد التبرع به بل وقع مقدمة للوفاء بالعمل المستأجر عليه، فلم

يتيسر له ذلك بمانع قهري و عدم فائدة المستأجر به مع إمكان منعه بأن فائدته الاستيجار ثانيا من محل موته لا من البلد الذي تختلف الأجرة باختلافه غير قادح في استحقاق الأجرة عليه، نحو بعض العمل المستأجر عليه الذي لا استقلال له في نفسه- كبعض الصلاة و نحوه- نعم، قد يحتمل في الفرض ان المستحق أكثر الأمرين من اجرة المثل و ما يقتضيه التقسيط أو أقلهما، و لكن الأقوى أجرة المثل لعدم صحة التقسيط من أصله بعد فرض عدم اندراجها في عقد الإجارة على وجه تقابل بالأجرة كما هو واضح، و كأنه قده تبع كاشف اللثام (ره) حيث أنه بعد ان حكم باستحقاق الأجير من اجرة المسمى على النسبة قال: (و على فرض التنزيل عن ذلك نقول: ان عدم وقوع شي ء من الأجرة في قبال الذهاب لا يقتضي ذهاب عمل المسلم هدرا، بل اللازم استثناء اجرة مثل ما أتى به من العمل- اعنى قطع مقدار من المسافة- لأنه عمل مسلم محترم أتى به بأمر المستأجر، فلا معنى لذهابه بلا عوض).

و التحقيق: أن قاعدة احترام عمل المسلم من حيث الكبرى مسلمة و لا كلام لنا فيه، و لكن يقع الكلام في انطباقها على مفروض المقام. و الظاهر عدم شمولها له، لعدم انتفاع المستأجر بعمل الأجير و في مثله لا تجري قاعدة الاحترام و المفروض ايضا كما افاده المصنف (قده) انه لم يكن مغرورا حتى يقال برجوعه الى الغار، لقاعدة: (المغرور

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 53

يرجع الى من غره) فلا يستحق اجرة المسمى و لا اجرة المثل، فما افاده المصنف (قده) هو الصواب، فإذا ظهر ضعف ما افاده الفاضل في كشف اللثام و صاحب الجواهر

(قدس سرهما) من استحقاقه اجرة المثل، كما هو واضح، هذا و بطلان ذلك بالنسبة إلى المقدمة المفروض عدم كونها جزء للعمل المستأجر عليه أوضح، فإنه لم يكن إتيانه بها بأمر معاملي بل أتى بها مجانا مقدمة للإتيان بالعمل المستأجر عليه و امتثال الأمر بالوفاء بالعقد.

[المسألة الثانية عشرة يجب في الإجارة تعيين نوع الحج]
اشارة

قوله قده: (يجب في الإجارة تعيين نوع الحج: من تمتع، أو قران أو افراد.)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قال في الجواهر: (و ظاهرهم الاتفاق عليه من كون التمتع و القران و الافراد أنواعا للحج مختلفة، و انه يجب في الإجارة تعيين أحدها، لاختلافها في الكيفية و الأحكام، و الا لزم الغرر كما اعترف به صاحب المدارك (ره) في صدر المبحث، حيث قال فيها: (و مقتضى قواعد الإجارة انه يعتبر في صحة الإجارة على الحج تعيين النوع الذي يريده المستأجر، لاختلافها في الكيفية و الأحكام ما أفاده المصنف (قده) هو الصواب، و لا ينبغي الإشكال فيه، و ذلك لان الإجارة من العقود المعاوضية و لا بد ان يقع الإنشاء على الشي ء المعين، و لا يمكن وقوع التبديل بين المال و بين الشي ء المبهم واقعا، و هذا مما تقتضيه طبع المعاملة، فلا بد في ما نحن فيه إما ان يعين نفس الحج أو نوعا خاصا منه إذا أراده- كما يكون كذلك في البيع- فبدون التعيين يكون باطلة كما هو واضح.

[و لا يجوز للمؤجر العدول عما عيّن له]
اشارة

قوله قده: (و لا يجوز للمؤجر العدول عما عيّن له، و ان كان الى الأفضل كالعدول من أحد الأخيرين إلى الأول- إلا إذا رضي المستأجر بذلك فيما إذا كان مخيرا بين النوعين، أو الأنواع، كما في الحج المستحبي، و المنذور المطلق، أو كان ذا منزلين متساويين في مكة و خارجها.)

قال في المدارك: (و ان الأجير متى شرط عليه نوع معين وجب عليه الإتيان، به لأن الإجارة انما تعلقت بذلك المعين، فلا يكون الآتي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 54

بغيره آتيا بما استوجر عليه، سواء كان أفضل مما استوجر عليه أم لا). ثم

أيده (قده) بما رواه الشيخ في الحسن عن الحسن ابن محبوب عن على في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة قال: ليس له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم «1» و قال في الجواهر في ذيل المبحث: (و كيف كان فمع عدم الاذن بذلك و لو فحوى بناء على الاجتزاء بها لو عدل لم يستحق عوضا، لكونه متبرعا حينئذ، و ان وقع عن النائب باعتبار نية النائب، و ما عن التحرير و المنتهى من الإشكال في ذلك في غير محله. و ان وجه بأنه أتى بالعمرة و الحج و قد استنيب فيهما و انما زادهما كمالا و فضلا الا انه كما ترى).

تحقيق الكلام: هو انه (تارة): يكون على المنوب عنه نوع خاص من الحجّ و يستأجر شخص على خصوص ذلك النّوع الخاص و (اخرى): لا يكون كذلك بل يكون مخيرا بين أنواعه- كناذر الحج مطلقا، و ذي المنزلين المتساويين في مكة و خارجها، و الحج المستحبي- و لكن يستأجر شخص على نوع خاص منه- اما (على الأول): فلا إشكال في عدم جواز العدول الى نوع آخر، بلا فرق بين ان يكون المعدول إليه الأفضل و المفضول و المساوي و يجب عليه الإتيان بما عين، فلو خالفه و أتى بغير ذلك النوع يحكم بعدم استحقاقه للأجرة لا الأجرة المسماة و لا الأجرة المثل ان كان التعيين على نحو القيدية، لأن استحقاقه للأجرة فرع إتيانه بما استوجر عليه و المفروض عدم إتيانه به فلا يستحق الأجرة المسماة، كما لا يستحق ثمن المثل أيضا، لأنه لم يكن ما فعله بأمر معاملي من المستأجر. و قاعدة الغرور ايضا غير منطبقة على المقام كما لا

يخفى، فيحكم بعدم استحقاقه شيئا من الأجرة، سواء كان ما اتى به أفضل مما استوجر أولا، و يحكم ايضا بعدم اجزاء ما اتى به عن المنوب عنه. و الوجه في ذلك واضح، إذ المعدول اليه غير ما اشتغلت به ذمته، فكيف يمكن القول باجزائه عنه مع عدم مطابقة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب النيابة حديث: 2.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 55

المأتي به- و هو المعدول إليه- للمأمور به، فلا يوجب براءة ذمة المنوب عنه عن الواجب، كما هو واضح.

و اما (على الثاني): فلا ينبغي الإشكال في حصول الاجزاء بما اتى به، لانطباق المأتي به على ما يكون ذمته مشغولا به، لان المفروض حصول فراغ ذمته بأيّ نوع منه و لكنه لا يستحق الأجرة المسمّاة، و لا ثمن المثل ان كان التعيين على نحو القيدية [1] لما تقدم فيكون المعدول إليه حينئذ غير المستأجر عليه، فلا يستحق من الأجرة شيئا. و كيف كان فما أفاده المصنف (قده)- من عدم جواز عدول الأجير عما عيّن له الى غيره و ان كان الى الأفضل- صحيح سواء كان الواجب عليه نوعا معينا من الحج، أم مخيرا بين أنواعه، و لكنه صار أجيرا على نوع خاص منه فإذا استوجر على خصوص القران لا يجوز له

______________________________

[1] المؤلف: و اما إذا كان التعيين بنحو الشرطية بأن فرض: أنه استأجره على الحج فقط و لكن شرط عليه ان يأتي بنوع خاص منه- من التمتع، أو القران، أو الافراد- فخالف الشرط و اتي بغير ما شرط عليه في ضمن العقد، سواء كان النوع المشترط معيّنا في ذمة المنوب عنه أم كان مخيرا بين الأنواع الثلاثة لكنه شرط نوعا خاصا،

فخالف الشرط فللمستأجر يثبت خيار تخلف الشرط فان أمضى ما اتي به الأجير فيحكم باستحقاقه الأجرة المسماة، و إذا فسخ، فيمكن ان يقال بثبوت ثمن المثل عليه، لما قد حقق في محله انه لا بد بعد الفسخ من إرجاع كل من البدلين بجميع مراتبه- من خصوصية الشخصية، و النوعية، و المالية- إلى مكانه الأول، و مع تعذر بعض المراتب يتعين إرجاع الباقي على ما قرر في البيع، و كذلك في مفروض المقام، و حيث أنه فيما نحن فيه وقع العمل عن المنوب عنه أما واجبا إذا اتى بالواجب عليه أو مستحبا فيما إذا اتى بغير الواجب عليه و لا يمكن رد ذات العمل اليه و يمكن رد القيمة فيتعين على المستأجر ردها اليه و المفروض ان إتيانه بنفس الحج كان بأمر معاملي.

اللّهم الا ان يقال بان نفس الحج و ان كان مطلوبا له و أوقع العقد عليه، و لكن كان ذلك مع الشرط فمع تخلّفه إذا فسخ فلا يستحقّ شيئا حتى ثمن المثل، و لكنه بعد لا يخلو من تأمل (م ا ج)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 56

العدول الى التمتع فضلا عن الافراد، و كذلك إذا صار أجيرا على التمتع لا يجوز له العدول الى القران، أو الافراد. نعم، في صورة ما إذا كان المستأجر مخيرا بين الأنواع- كما في المنذور المطلق و نحوه- إذا عدل و اتى بنوع آخر يحصل الاجزاء لان الانطباق قهري، و الاجزاء عقلي.

اللهم الا ان يقال ببطلان العمل المعدول اليه، فلا يبقى مجال حينئذ للقول بالاجزاء كما لا يخفى يمكن ان يستدل على بطلانه بوجوه:

(الأول)- ان الأمر بإتيان نوع معين منه وفاء بمقتضى الإجارة موجب للنهى عن ضده، المستلزم

للبطلان. و (فيه): منع أصل اقتضاءه، للنهى، كما حقق في الأصول حتى يقع الكلام في اقتضاء النّهي التّبعي للفساد و عدمه.

(الثاني)- انه لا إشكال في انه يجب عليه بمقتضى الإجارة الأولى صرفه قدرته في متعلقها، لصيرورة ذلك العمل ضروري الوجود شرعا بها، فالمعدول اليه يكون بحسب الشرع ممنوعا و غير مقدور عليه، و المانع الشرعي كالمانع العقلي فلا يصح منه ذلك. و (فيه) انه لم ينهض دليل تعبدي على كون المانع الشّرعي كالمانع العقلي بعد ثبوت الاختيار له تكوينا و غاية ما في الباب ان العدول من الشرط يوجب العصيان، كما لا يخفى، و هذا لا يمنع عن صحة عمله و اشتراط القدرة الشرعية بهذا المعنى أول الكلام.

(الثالث)- عدم مالكيته لما اتى به من العمل، لانه بعد صيرورته أجيرا على حج التمتع مثلا لا يكون مالكا لحج القران حتى يقال بصحة وقوع ذلك عنه، لعدم كون الإنسان مالكا لأعماله المتضادة، بل هو مالك لواحد منها و المفروض انه ملك المستأجر واحدا منها فليس بعد مالكا لشي ء. و (فيه): انه لا معنى لكون الإنسان مالكا لعمل نفسه سوى انه قادر على شي ء له ماليّة و متمكن من جعله لنفسه و المعاملة عليه مع غيره، و هذا كما ترى غير مستلزم لبطلان ما اتى به من العمل المضاد لما ملكه المستأجر،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 57

و أى دليل على انه يشترط في صحة العمل مملوكيته للعامل بان لا يكون ملك غيره ضد ذلك العمل (الرابع)- ما ورد من النهى عن العدول و هو مضمر على (عليه السلام) في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة؟ قال (عليه السلام): ليس له ان يتمتع بالعمرة إلى الحج

لا يخالف صاحب الدراهم «1». و (فيه): بعد الغمض عن ضعف سنده و إضماره، ان النهى عن المخالفة لا يدل على حرمة ذات العمل حتى يوجب البطلان، و الظاهر ان المراد من قوله: (ليس له ان يتمتع) ايضا هو النهى عن المخالفة لا ان هذا العمل بنفسه حرام و باطل.

[و أما إذا كان ما عليه من نوع خاص فلا ينفع رضاه أيضا بالعدول الى غيره]

قوله قده: (و أما إذا كان ما عليه من نوع خاص، فلا ينفع رضاه أيضا بالعدول الى غيره، و في صورة جواز الرضاء يكون رضاه من باب إسقاط حق الشرط ان كان التعيين بعنوان الشرطية و من باب الرضاء بالوفاء بغير الجنس ان كان بعنوان القيدية، و على اى تقدير يستحق الأجرة المسماة و ان لم يأت بالعمل المستأجر عليه على التقدير الثاني لأن المستأجر إذا رضي بغير النوع الذي عينه فقد وصل اليه ماله على المؤجر- كما في الوفاء بغير الجنس في سائر الديون- فكأنه قد أتى بالعمل المستأجر عليه، و لا فرق فيما ذكرنا بين العدول إلى الأفضل، أو الى المفضول).

تحقيق المطلب: هو ان رضاه بالعدول (تارة): يكون قبل إتيان الأجير بالعمل.

و (اخرى): بعد إتيانه به ف (على الأول): ان رضاه به يكون من باب إسقاط حق الشرط ان كان التعيين بعنوان الشرطية، و من باب الرضاء بالوفاء بغير الجنس، أو من باب رفع اليد عن الإجارة الاولى، و إنشاء إجارة ثانية بالمعاطاة ان كان التعيين بعنوان القيدية بلا فرق في ذلك بين كون ما عليه نوعا معينا من الحج أو مخيرا فلا وجه لتفصيل المصنف (قدس سره) بينهما، و ذلك لأنه و لو كان يشترط في صحة الإجارة ان يكون العمل المستأجر عليه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب النيابة

حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 58

مما يكون نفعه عائدا إلى المستأجر، و المفروض فيما نحن فيه عدم كونه كذلك، لكونه مكلفا بإتيان نوع خاص من الأنواع الثلاثة، و لا يفرغ ذمته المعدول إليه الذي اتى به الأجير، و لكن مع ذلك ايضا فيه منفعة غير المنفعة المقصودة- اعنى إفراغ الذمة التي وقعت الإجارة لأجلها- و هي وقوعه له بعنوان الاستحباب الذي يترتب عليه ثواب كثير، كما هو واضح، و لكنه لا يخلو من تأمل، و كيف ما كان في الصورة الثانية لا يحصل الاجزاء، لعدم انطباق المستأجر عليه على ما اتى به الأجير، و هذا بخلافه في الصورة الأولى، لانطباقه عليه، و الأجير في كلا الفرضين يمكن ان يقال باستحقاقه الأجرة المسمّاة، كما افاده المصنف (قدس سره) و فيه اشكال واضح، إلا إذا كان مرجعه إلى إنشاء اجارة ثانية و لو بعنوان التعاطي فحينئذ الحكم باستحقاقه الأجرة المسماة مما لا اشكال فيه.

و (على الثاني): فإن كان التعيين على نحو الأول- أي الشرطية- فرضاه في الحقيقة إسقاط لخيار تخلف الشرط، بناء على ثبوته له، و لذا يمكن ان يقال حينئذ باستحقاق الأجير الأجرة المسماة، و لكن فيه إشكال، لأن استحقاقه الأجرة المسماة فرع إتيانه بالعمل المستأجر عليه و المفروض عدم إتيانه به. نعم، إذا رضي المستأجر بإعطائها له لا مانع منه و أما (على الثاني):- أي القيدية- فيمكن ان يقال بعدم استحقاقه شيئا لا أجرة المسماة و لا اجرة المثل. أما عدم استحقاقه للأجرة المسماة، فلعدم إتيانه بما استؤجر عليه. و أما عدم استحقاقه الأجرة المثل فلعدم كون ما اتى به بأمر المستأجر. و أما ما أفاده المصنف (قده) من استحقاقه الأجرة المسماة فهو

قابل للمنع و الإشكال.

و قد يقال: من الواضح ان نفس إنشاء العقد يوجب ضمان الأجير العمل المقيد، و ضمان المستأجر الأجرة المسمّاة، و المفروض عدم إتيان الأجير بالعمل المقيد، فهو مطلوب به، كما ان المستأجر أيضا مطلوب بالأجرة، فحينئذ إذا ابرء المستأجر الأجير،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 59

فيمكن ان يقال بلزوم إعطاء المستأجر الأجرة المسماة بالأجير، و الا فليس له ذلك، كما إذا لم يسلم الأجير العمل المستأجر عليه و لكن فيه اشكال واضح. نعم، ان كان رضاه عنه بمعنى الرضاء بالوفاء بغير الجنس أو تجديد المعاملة فمن المعلوم انه بعد العمل غير ممكن و ليس بيد المستأجر حتى ينفع رضاه و لكنه بعد هذه المسألة من أولها إلى آخرها محتاج إلى التأمل.

ثم إنه لا بأس بذكر الضابط للشرطية، و القيدية إجمالا: فنقول: ان ما يذكر في ضمن العقد ان كان من الذاتيات- كعنوان الحنطة و الشعير- فهو قيد و عنوان منوع و لو كان ذكره فيه بعنوان الشرطية، و بتخلفه يحكم ببطلانه فلو قيل مثلا: (بعتك هذا بشرط ان يكون حنطة) كان ذلك قيدا و ان كان بلسان الشرط. و أما إذا كان من الاعراض، و الأوصاف- كالكتابة، و الفطانة، و نحوهما- فيمكن أخذها شرطا- بان يوقع العقد على نفس العبد مثلا، و يشترط في ضمنه كونه كاتبا على نحو تعدد المطلوب- و يمكن أخذها قيدا- كان يكونا قاصدين للمعاملة على خصوص العبد الكاتب على نحو وحدة المطلوب بحيث لو لم يكن كاتبا فليسا قاصدين لبيعه و شراءه- هذا كله بالنسبة إلى المعاملات.

و أما بالنسبة إلى الأحكام الشرعية، فكل ما أخذ في أدلتها يكون قيدا لها و ان كان من الأوصاف، سواء ذكر

بلفظ الشرط أم القيد، فلو قال: (أعتق رقبة مقيدة بكونها مؤمنة، أو بشرط كونها مؤمنة) كان مفاد كليهما واحدا هذا كله بحسب الكبرى.

و أما بحسب الصغرى فنقول: ان عنوان القران، أو الأفراد، أو التمتع، يمكن جعله قيدا للحج، و يمكن جعله شرطا له، لعدم كونه من الذاتيان بل من الأوصاف العارضة للحج المتعلقة بموضوع العقد، و ذلك لأن الحج عبارة عن ذات الأفعال التي يؤتى بها في الأمكنة المعينة، و في الأزمنة الخاصة، و الاختلاف بينها في بعض الواجبات- كالهدي، و التقدم، و التأخر،- لا توجب المباينة بينها بحسب الذّات بعد اتحادها: في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 60

نوع الأعمال، فالتمايز بينها انما يكون بالكيفيات و الأمور الغير الدخيلة في الذات. إلا إذا قلنا بوجوب قصد عنوان التمتع، أو الافراد في الحج فحينئذ يحصل التباين بينها من ناحية القصد و النية، لصيرورتها حينئذ من العناوين المتقومة بالقصد فتأمل.

[العدول إلى الأفضل]

قوله قده: (و يظهر من جماعة جواز العدول إلى الأفضل- كالعدول الى التمتع تعبدا من الشارع- لخبر أبى بصير الى ان قال: و الأقوى ما ذكرنا، و الخبر منزلة على صورة العلم برضا المستأجر).

اختلفت كلما الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على أقوال:

(الأول): جواز العدول إلى الأفضل مطلقا، و اختاره الشيخ، و الإسكافي، و القاضي، و غيرهم (قدس اللّه تعالى أسرارهم) (الثاني): عدم جواز العدول مطلقا، و هو ظاهر النافع، و الجامع، و التلخيص على ما حكاه الفاضل الأصبهاني (قدس سره) في كشف اللثام (الثالث): عدم جواز العدول إلا إذا كان الحج مندوبا، و هو خيرة العلامة في المنتهى على ما حكى عنه. (الرابع) عدم جواز العدول إلا إذا كان الحج مندوبا، أو علم

كون الأفضل محبوبا للمستأجر- بأن يكون حجا منذورا مطلقا، أو كان المنوب عنه ذا منزلين متساومين في مكة و خارجها- و هو الذي حكى في الجواهر عن محكي التحرير و المنتهى، و قد نسب صاحب كشف اللثام (قدس سره) ذلك الى المعظم. و عن الشرائع: يجوز إذا كان الحج مندوبا، أو قصد المستأجر الإتيان بالأفضل لا مع تعلق الفرض بالقران أو الافراد.

و الأقوى في النظر هو القول الثاني الذي ذهب اليه صاحب النافع و غيره- و هو عدم جواز العدول مطلقا- نعم لو علم برضا المستأجر بغيره- و هو المعدول اليه- جاز، و لعل مرجع القول الرابع ايضا الى ذلك، و كيف كان فما اخترناه هو مقتضى القاعدة و يؤيده مضمر على: في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها حجة مفردة؟ قال: ليس له ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 61

يتمتع بالعمرة إلى الحج لا يخالف صاحب الدراهم «1» نعم ورد عن ابى بصير «يعني المرادي» عن أحدهما في رجل اعطى رجلا دراهم يحج بها عنه حجة مفردة فيجوز ان يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم، انما خالف إلى الأفضل «2» و لكن مقتضى التعليل الواقع في الرواية، كما افاده صاحب الجواهر (ره)- و هو قوله: «انما خالف إلى الأفضل»- هو اختصاص الحكم بما إذا كان المستأجر مخيرا بين الأنواع- كالمتطوع، و ذي المنزلين المتساويين في الإقامة في مكة و خارجها، و ناذر الحج مطلقا،- و على هذا فيمكن القول بتقييد الأول- و هو مضمر على- بالثاني- و هو خبر أبى بصير- و ذلك لاختصاص الخبر الثاني بصورة التخيير بخلاف الخبر الأول، فإنه مطلق، فبمقتضى الإطلاق و التقييد يحمل الخبر الأول على غير هذه

الصورة، فيحكم بعدم جواز العدول الى نوع آخر من الحج إلا إذا كان المستأجر مخيرا و كان المعدول إليه أفضل. هذا و لكن المحقق (طاب ثراه):

حمل الخبر الثاني على ما إذا كان على المنوب عنه حج ندبي على ما حكى عنه. و حمله المصنف (قده) على صورة العلم برضا المستأجر بذلك مع كونه مخيرا بين النوعين جمعا بينه و بين الخبر الأول، كما هو صريح كلامه.

هذا و يمكن ان يقال: ان قوله: «انما خالف إلى الأفضل، لا يبعد ان يكون ناظرا إلى انه بعد ان كان المنوب عنه مخيرا بين النوعين و كان التمتع أفضل فهذا قرينة على رضاه بالعدول، فالعبرة كما مر انما هي برضا المستأجر بالعدول و بدون رضاه به لا يجوز ذلك مطلقا فتأمل، و لا أقل من الإجمال، فنرجع الى مقتضى القاعدة- و هو ما عرفت من عدم جواز العدول مطلقا بدون رضاه.

ثم انه بناء على ما عرفت من عدم جواز العدول مطلقا الا مع العلم برضا المستأجر به إذا عدل بدون ذلك لا يستحق الأجرة في صورة التعيين على وجه القيدية و ان كان حجه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب النيابة حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 12- من أبواب النيابة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 62

صحيحا عن المنوب عنه و مفرغا لذمته إذا لم يكن ما في ذمته متعينا فيما عين، لأن الانطباق قهري و الاجزاء عقلي و عدم استحقاقه الأجرة لا يختص بالأجرة المسماة بل يحكم بعدم استحقاقه الأجرة المثل ايضا أما عدم استحقاقه الأول فلعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه.

و أما الثاني فلعدم كون ما اتى به بأمر المستأجر. و أما إذا كان

التعيين بنحو الشرطية فيمكن ان يقال باستحقاقه الأجرة إلا إذا فسخ المستأجر الإجارة من جهة تخلف الشرط إذ، حينئذ لا يستحق الأجرة المسماة بل اجرة المثل كما أفاده المصنف (قده).

[المسألة الثالثة عشرة لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق]

قوله قده: (لا يشترط في الإجارة تعيين الطريق و ان كان في الحج البلدي، لعدم تعلق الغرض بالطريق نوعا، و لكن لو عين تعين، و لا يجوز العدول عنه الى غيره الا إذا علم انه لا غرض للمستأجر في خصوصيته و انما ذكره على المتعارف فهو راض بأي طريق كان، فحينئذ لو عدل صح، و استحق تمام الأجرة).

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على قولين:

(الأول): جواز العدول مطلقا، و هو خيرة الشيخين في المقنعة، و الشيخ (ره) في المبسوط، و الحلي، و القاضي، و يحيى بن سعيد، و في محكي الإرشاد و العلامة في القواعد، و هو ظاهر الصدوق (ره) فيمن لا يحضره الفقيه على ما حكاه صاحب الحدائق.

(الثاني): عدم جواز العدول مع تعلق الغرض بذلك الطريق المعين و جواز العدول مع عدمه، و هو خيرة المحقق (طاب ثراه) في الشرائع، و أكثر المتأخرين كما قيل بل قيل انه المشهور بين المتأخرين.

و كيف كان فنقول: انه لا ينبغي الارتياب في عدم لزوم تعيين الطريق في الإجارة و لكن لو عين فلا إشكال في تعينه عليه و عدم جواز العدول عنه وفاقا للمشهور لعموم:

(المؤمنون عند شروطهم) و لعموم: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هذا مما تقتضيه القواعد المقررة في باب الإجارة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 63

و لكن يمكن الاستدلال على القول الأول- و هو جواز العدول مطلقا- بما رواه الشيخ (ره) في الصحيح عن حريز بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه

السلام) عن رجل اعطى رجلا حجة يحجّ بها عنه من الكوفة، فحج عنه من البصرة؟ فقال: لا بأس إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه «1» و قد تمسك به جماعة من الأصحاب القائلين بجواز العدول مطلقا. و (فيه): انه قابل للمناقشة و الإشكال و ذلك لأنه يمكن ان يقال ان صحة حجه كما يقتضيها هذا الصحيح و القواعد مع مخالفته للطريق التي عينها المستأجر عليه لا تنافي القول بعدم جواز العدول الذي هو مقتضى أدلة نفوذ الشروط و العقود. و دلالة هذه الرواية على أزيد من صحة أصل الحج و اجزائه غير معلومة نعم بناء على القول باقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده يشكل الالتزام بصحة المعدول اليه كما لا يخفى.

مضافا الى انها ربما تحمل على محامل آخر: فعن المدارك عدم صراحتها في ذلك، لاحتمال ان يكون قوله: «من الكوفة» صفة لرجل لأصله (يحج). و (فيه): انه كما ترى خلاف ظاهرها، لأن قرينة المقابلة بين من الكوفة، و من البصرة تقتضي ان يكون متعلقا به «يحج» و عن الذخيرة على ما حكى عنه تعليل عدم صراحتها باحتمال كون قوله: «من الكوفة» متعلقا بقوله: «اعطى» لا بقوله: «يحج عنه» و هذا ايضا كسابقه. و حكى عن المنتفى حملها على صورة عدم تعلق الغرض بخصوص الطريق. و (فيه): انه تقييد من غير مقيد و إطلاقها ينفي ذلك. و حكى عنه ايضا حملها على ما إذا كان المدفوع بعنوان الرزق لا بعنوان الإجارة. و (فيه): انه ايضا كما ترى خلاف ظاهرها. مضافا الى انه إذا كان إعطائه مشروطا بالحج من الكوفة فمع عدم الحج عنها يكون المبذول له ضامنا لما بذله الباذل لتخلف شرطه. و لكن عمدة

الإشكال في الاستدلال بالرواية هو ما ذكرنا- و هو إمكان القول بأنها انما تدل على صحة الحج من حيث هو لا من حيث كونه عملا مستأجرا عليه- وفاقا للمصنف (قده).

______________________________

(1) الوسائل:- ج 2- الباب- 11 من أبواب النيابة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 64

و لكن التحقيق: هو انه ان كانت جملة: (إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه).

الواقعة في صحيح حريز المتقدم متفرعة على قوله: «لا بأس» فحينئذ يتم ما أفاده المصنف (قده) بعد أسطر: من دلالتها على صحة الحج من حيث هو لا من حيث كونه عملا مستأجرا عليه، و الا ففيه تأمل و اشكال بل منع.

قوله قده: (و كيف كان لا إشكال في صحة حجه و براءة ذمة المنوب عنه إذا لم يكن ما عليه مقيدا بخصوصية الطريق المعين، انما الكلام في استحقاقه الأجرة المسماة على تقدير العدول و عدمه و الأقوى: انه يستحق من المسمى بالنسبة و يسقط منه بمقدار المخالفة إذا كان الطريق معتبرا في الإجارة على وجه الجزئية، و لا يستحق شيئا على تقدير اعتباره على وجه القيدية، لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه حينئذ، و ان برئت ذمة المنوب عنه بما اتى به، لأنه حينئذ متبرع بعمله. إلخ).

تفصيل الكلام في هذه المسألة هو انه (تارة) يكون تعيين الطريق في الإجارة للإشارة الى ما هو المتعارف عنه المتشرعة من دون تعلق غرض المستأجر بخصوصيته حتى يكون دخيلا في المستأجر عليه و (اخرى): يتعلق غرضه به بحيث يجعله المستأجر في الإجارة على نحو الجزئية بحيث يكون المستأجر عليه مركبا من الحج و الطريق الخاص، و (ثالثة): يجعله المستأجر فيها على نحو الشرطية و تعدد المطلوب- بان وقع العقد على أصل

الحج بشرط الإتيان به من الطريق المعين- و (رابعة): يجعله المستأجر فيها على نحو القيدية و وحدة المطلوب بحيث كان المستأجر عليه هو القيد و المقيد بان يقول مثلا: (آجرتك على الحج المقيد بكونه من طريق النجف الأشرف) (فعلى الأول): لا بأس بمخالفة الطريق المعين و يحكم باستحقاقه تمام الأجرة المسماة و لو مع المخالفة، لأن المفروض عدم تعلق غرضه بخصوصية الطريق المعين بل في هذا الفرض لا يتصور مخالفة حقيقة و (على الثاني): فيمكن ان يقال بلزوم التوزيع و التقسيط و استحقاقه من الأجرة المسماة بالنسبة فيملك الأجير

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 65

في هذا الفرض من الأجرة المسماة ما يقابل بالأعمال و يسترد منها ما يقع بإزاء الطريق، كما أفاده المصنف (قده). و (على الثالث): فيحكم بثبوت الخيار للمستأجر من جهة تخلف الشرط فإن إمضاء فهو و يستحق الأجير الأجرة المسماة و الا فيستحق الأجير اجرة المثل، لوقوع نفس العمل بطلب المستأجر. و (على الرابع): فيحكم بعدم استحقاقه شيئا لا الأجرة المسماة و لا اجرة المثل، كما افاده المصنف (قده) أما الأول: فلعدم الإتيان بالعمل المستأجر عليه. و أما الثاني: فلعدم الموجب لها. و أما طلب المستأجر تعلق بالعمل المقيد كما هو المفروض و لم يأت به كي يحكم بضمانه.

و أما. (دعوى): انه و ان كان لا يستحق من المسمى بالنسبة لكن يستحق اجرة المثل، لما اتى به (مدفوعة): بأنه لا موجب له بعد عدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه كما عرفت و لم يكن ايضا مغرورا حتى يحكم بضمانه لها لقاعدة: (المغرور يرجع الى من غرّه)، فلا يستحق شيئا و أما قاعدة الاستيفاء فلا مجال لجريانها في المقام ضرورة: ان مورد قاعدة

الاستيفاء هو ما إذا صدر عمل للغير بطلب منه كقوله: «خط ثوبي، أو احلق رأسي» فذمة الطالب حينئذ مشغولة بأجرة المثل، و من المعلوم عدم كون المقام من صغريات هذه القاعدة، حيث أن الحج عن غير الطريق التي عينت على الأجير صدر من غير إذن المستأجر و طلبه، فلا يستحق الأجير أجره لهذا العمل أصلا، كما لا يخفى.

قوله قده: (و دعوى انه يعد في العرف انه اتى ببعض ما استؤجر عليه فيستحق بالنسبة و قصد التقييد بالخصوصية لا يخرجه عرفا عن العمل ذي الاجزاء كما ذهب اليه صاحب الجواهر (ره) لا وجه لها).

ما أفاده المصنف (قده) هو الصواب، لأنه بعد وقوع الإجارة بهذه الكيفية بحيث أراد صدوره من الطريق الخاص بنحو وحدة المطلوب فمع التخلف لا يصدق عليه انه ذلك العمل المستأجر عليه كما هو واضح [1].

______________________________

[1] المؤلف: لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) قال بعد حكمه بلزوم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 66

[المسألة الرابعة عشرة بطلان الإجارة الثانية]

قوله قده: (إذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة ثم آجر عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة ايضا بطلت الإجارة الثانية لعدم القدرة على العمل بها بعد وجوب العمل بالأولى)

ذكر ذلك صاحب الجواهر (ره) معللا بما افاده المصنف (قده) و في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه): «و ان استؤجر لحجة لم يجز ان يوجر نفسه لأخرى حتى يأتي بالأولى» قال: (إذا استؤجر الأجير ليحج عن غيره فاما ان يعين له السنة التي يحج فيها أولا فمع التعيين لا يصح ان يؤجر نفسه ان يحج عن آخر في تلك السنة لاستحقاق الأول منافعه تلك السنة لأجل الحج فلا يجوز صرفها الى غيره. إلخ

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا، و الظاهر ان المتسالم عليه بينهم، و لم يتعرض أحد منهم للخلاف فيه، و ما يمكن الاستدلال به على بطلان الإجارة الثانية وجوه:

(الأول)- الإجماع. و (فيه): ما تكرر مرارا من ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف عن رأى المعصوم كشفا قطعيا، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض الوجوه الآتية فلا يمكن ان يعتمد عليه.

(الثاني)- ان الأمر في الإجارة الأولى يقتضي النهي عن ضده. و (فيه): منع أصل المبنى كما حقق في الأصول.

______________________________

تقسيط الثمن إذا ذكر الطريق على وجه الجزئية لما وقع عليه عقد الإجارة: (و ان كان المراد الجزئية من العمل المستأجر عليه على وجه التشخيص به، فقد يتخيل في بادى النظر عدم استحقاق شي ء، كما سمعته عن سيد المدارك، لعدم الإتيان بالعمل المستأجر عليه، فهو متبرع به حينئذ، لكن الأصح خلافه ضرورة: كونه بعض العمل المستأجر عليه، و ليس هو صنفا آخر، و ليس الاستيجار على خياطة تمام الثوب فخاط بعضه مثلا بأولى منه بناء على عدم الفرق بين التخلف لعذر، و غيره في ذلك، و ان اختلفا في الإثم و عدمه، لأصالة احترام عمل المسلم.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 67

(الثالث)- عدم القدرة، لأن المانع الشرعي كالمانع العقلي. بتقريب: انه يجب بمقتضى الأمر الإجاري الأول صرف قدرته في متعلقة، لصيرورته ضروري الوجود شرعا فليس له قدرة على الإتيان بمتعلق الإجارة الثانية. و (فيه): ما عرفته سابقا من عدم ورود دليل تعبدي عليه بعد ثبوت الاختيار له تكوينا، غاية الأمر تحقق العصيان بمخالفته للإجارة الاولى و هذا لا يضر بصحة حجه- كما لو صار أجيرا من شخص للحج، و ترك

الحج عنه و حج لنفسه فحجة صحيح و مجز عن نفسه- غاية الأمر أنه عصى، لمخالفته للأمر الإجاري، فعدم القدرة شرعا بهذا المعنى لا يوجب بطلان الإجارة الثانية، كيف و نفس العمل صحيح كما عرفت، و هو قادر عليه تكوينا.

(الرابع)- عدم جواز نياته من كانت ذمته مشغولة بالحج للنصوص الواردة عنهم عليهم السلام الدالة على ذلك و حيث ان المفروض اشتغال ذمته بالحج عن المنوب عنه بمقتضى الإجارة الأولى فيحكم بعدم صحة نيابته عن آخر. و (فيه): ان ما وردت مما يستدل بها على بطلان استنابة من عليه الحج بناء على تمامية دلالتها على ذلك انما وردت فيمن عليه حجة الإسلام، و لا يشمل من كان عليه الحج لجهة أخرى- كنذر، أو يمين، أو استيجار كما في ما نحن فيه- و لا يمكن التعدي عن موردها، لاحتمال الخصوصية. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل أيضا، فحينئذ لا محيص عن التعدي و لكنه لا سبيل

______________________________

لا يخفى ما في كلامه من المناقشة و الاشكال: أما ما أفاده من مثال: «خياطة بعض الثوب و عدم أولويته فيه مما نحن فيه» ففيه: انه ننقل الكلام أولا في أصل ثبوت الضمان مطلقا في المثال، و ذلك لأنه (تارة): يكون إتمام العمل مأخوذا فيه قيدا بنحو وحدة المطلوب، كما هو الظاهر عند الإطلاق. و (اخرى): شرطا بنحو تعدد المطلوب ف (على الأول): لم يستحق الأجير شيئا لا كلا و لا بعضا إذا خاط بعض الثوب دون بعض، لأنه كما ترى لم يأت بالعمل المستأجر عليه. و (على الثاني):

فيستحق من الأجرة المسماة بمقدار ما اتى به، الا إذا فسخ من جهة تخلف الشرط، إذ حينئذ

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 2، ص: 68

الى ذلك، فالتعدي عن موردها الى مفروض المقام قياس، و هو باطل، و قد مضت تلك الاخبار في الجزء الأول من الكتاب في مسألة: استنابة من استقر عليه الحج و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

(الخامس)- عدم الفرق بين المقام و بين اجارة الدار في سنة خاصة، فكما يحكم بعدم صحة إجارتها ثانيا في تلك السنة هناك فكذلك في المقام لا يجوز ان يقع أجيرا على الحج بعد ان صار أجيرا عليه في سنة واحدة، و ذلك لانه بعد ما ملك المستأجر ماله من المنفعة في تلك السنة من حيث الحج فتقع الإجارة الثانية على ملك الغير حينئذ و لا تصح بدون أجازته كما ان الإجارة الثانية بالنسبة إلى الدار لا تصح بدون إجازة المستأجر الأول، لوقوعها على ملكه و (بعبارة اخرى): أن إيجار الشخص نفسه يتوقف على اعتبار العقلاء ما يصدر منه من عمله و منفعته مالا و ملكا له حتى يصح الاستيجار باعتباره في نظر العقلاء و من الواضح ان الشخص ليس مالكا لمنافعه المتضادة في عرض واحد حتى يصح استيجاره في زمان واحد لعملين متضادين- كخياطة، و كتابة- أو متماثلين- كخياطتين، أو حجتين- و انما تعتبر المالية و الملكية لواحد منهما على البدل، لأنها تابعة للقدرة المتعلقة بواحد منهما على البدل، لعدم قدرته على الجمع بينهما على ما هو المفروض، فظهر ان الإجارة الثانية غير صحيحة لأن الإجارة الأولى لم تبق موضوعا للثانية كما لا يخفى.

______________________________

لا يستحق من الأجرة المسماة بل يرجع الى أجرة المثل. و أما ان لم يكن الإتمام مأخوذا فيه لا على نحو التقييد و لا على نحو الاشتراط. يمكن ان يقال باستحقاقه من الأجرة المسماة

بمقدار ما اتى به ان لم تكن قرينة- من انصراف أو غيره الى أحد النحوين المذكورين- في البين. و لكنه بعد لا يخلو من تأمل.

و كيف كان و على فرض تسليم تمامية المثال من ناحية الحكم بالاستحقاق فيه نقول: ان ما افاده من عدم أولويته فيه مما نحن فيه ايضا قابل للمناقشة و الاشكال، و ذلك ضرورة: انه يصدق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 69

قوله قده: (و مع عدم اشتراط المباشرة فيهما، أو في إحداهما صحتا معا.)

ما أفاده (قده) هو الصواب و لا ينبغي الارتياب و الاشكال فيه لوضوح وجهه.

قوله قده: (و «دعوى»: بطلان الثانية و ان لم يشترط فيها المباشرة مع اعتبارها في الأولى لأنه يعتبر في صحّة الإجارة تمكن الأجير من العمل بنفسه فلا يجوز إجارة الأعمى على قراءة القرآن و كذا لا يجوز إجارة الحائض لكنس المسجد و ان لم يشترط المباشرة ممنوعة و الأقوى الصحة).

قال في الجواهر بعد ذكر الدعوى الذي ذكره المصنف (قده): (و لكن قد ذكرنا في كتاب الإجارة احتمال الصحة) و لكن تحقيق الكلام في المسألة: هو ما أفاده المصنف (قده) من منع بطلان الإجارة الثانية في صورة عدم اشتراط المباشرة فيها، و وجه المنع ظاهر و هو وجود التمكن للأجير للعمل بمقتضى كلتا الاجارتين، و كذلك الحكم في المثالين المذكورين في المتن. نعم، انما يتم دعوى بطلان الإجارة في مفروض المقام إذا كان ظاهر الكلام المباشرة أو كانت قرينة عليها، و لكنه خارج عن محل الكلام كما لا يخفى.

قوله قده: (هذا إذا آجر نفسه ثانيا للحج بلا اشتراط المباشرة و أما إذا آجر

______________________________

في المثال كون خياطة بعض الثوب بعض من العمل، و يترتب عليه الأثر و هذا

بخلافه في مفروض المقام، لأنه غيره كما هو واضح.

و أما أفاده (قدس سره) من أصالة احترام عمل المسلم، فلانه من حيث الكبرى و ان كان مسلما و لا ينبغي الكلام فيه، و لكن يقع الكلام في انطباقها على مفروض المقام، و الظاهر عدم شمولها له لان المفروض عدم إتيان الأجير بالعمل المستأجر عليه كما لا يخفى و المفروض ايضا انه لم يكن مغرورا حتى يقال برجوعه الى الغار لقاعدة: (المغرور يرجع الى من غره) فلا يستحق بالنسبة لا من الأجرة المسماة، و لا من الأجرة المثل في مفروض المقام كما افاده سيدنا الأستاذ دام ظله، و المصنف و غيره من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) (م ا ج).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 70

نفسه لتحصيله فلا اشكال فيه، و كذا تصح الثانية مع اختلاف السنتين، أو مع توسعة الاجارتين، أو توسعة إحداهما)

لا ينبغي الارتياب في ذلك، لعدم المنافاة بين الإجارة الاولى و الثانية في الفروض المذكورة، لأنه يمكنه تحصيل حجين في سنة واحدة و لو بتوسط الاستنابة فيهما، أو في إحداهما، و يمكنه ايضا ان يأتي بحجين في سنتين، كما هو واضح.

قوله قده: (و كذا مع إطلاقهما. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) فيه على قولين: (الأول): جواز ذلك، و هو الذي جزم به العلامة في المنتهى على ما حكى عنه في الجواهر (الثاني): عدم جوازه و الحكم ببطلان الإجارة الثانية، و هو المحكي عن الشيخ (ره) و غيره، و اختاره المحقق (طاب ثراه) في الشرائع، بل يظهر من كلامه التوقف في صحة الثانية إذا كانت معينة في غير السنة الأولى حيث قال بعد حكمه بعدم جواز إيجار نفسه لأخرى حتى يأتي بالأولى: (و

يمكن ان يقال بالجواز ان كانت لسنة غير الاولى).

و لكن التحقيق: هو ما أفاده المصنف (قده) من جواز إيجار نفسه لأخرى مع الإطلاق، و ذلك لعدم المزاحمة بين متعلقي كلتا الاجارتين. نعم، بناء على القول بان مقتضى الإطلاق التعجيل يمكن ان يقال ببطلان الإجارة الثانية لكونها مزاحمة للإجارة الاولى، و كأن مبنى القول ببطلان الثانية المحكي عن الشيخ (ره) و غيره هو هذا و لكن الحق: ان الإطلاق لا يقتضي التعجيل بمعنى التوقيت كما سيتضح لك ذلك ان شاء اللّه عند ذكر المصنف لهذا الفرع بعد و على فرض تسليم ذلك يمكن ان يقال انه لا يوجب بطلان الإجارة الثانية إذا فرض علم المستأجر بالإجارة الأولى كما افاده صاحب الجواهر (ره) ضرورة: كون المراد به التعجيل بحسب الإمكان. أما مع عدم علمه، فالظاهر ثبوت الخيار له، و لكنه لا يخلو من تأمل، لأنه بعد اقتضائه التعجيل بمعنى التوقيت، فيصير من قبيل ما إذا آجر نفسه للحج في هذه السنة مباشرة لشخص ثم آجر نفسه لشخص آخر في تلك السنة للحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 71

مباشرة، فلا محالة يحكم ببطلان الثانية.

قوله قده: (أو إطلاق إحداهما إذا لم يكن انصراف الى التعجيل).

قال في الجواهر: (و نقل عن شيخنا الشهيد في بعض تحقيقاته انه حكم باقتضاء الإطلاق في كل الإجارات التعجيل، الى ان قال: و ان صرح باقتضاء الإطلاق التعجيل فيه (اى في الحج» جماعة). و لكن في المدارك بعد ما نقل قول الشهيد المذكور قال: (و مستنده غير واضح). نعم، لو كان الحج المستأجر عليه حج الإسلام، أو صرح المستأجر بإرادة الفورية وقعت الإجارة على هذا الوجه اتجه ما ذكر. و قال في الجواهر بعد

نقل ما أفاده في المدارك: (و هو كذلك بناء على الأصح من عدم اقتضاء الأمر الفور و الفرض عدم ظهور في الإجارة بكون قصد المستأجر ذلك).

و لكن التحقيق: هو ان إطلاق مادة الأمر كما بيناه في الأصول و ان كان لا يقتضي اعتبار الفورية و التراخي، لدلالتها على الطبيعة من دون لحاظ خصوصية من خصوصياتها و في باب الإجارة أيضا و ان كان نفس الإطلاق لا يقتضي الفور، و التراخي، و التعجيل، و التأجيل، الا أن قاعدة السلطنة على الأموال و الحقوق تقتضي وجوب المبادرة إلى الأداء فتأخيره مخالف لها، و من هنا ظهر: انه مع إطلاق الإجارة الأولى تبطل الإجارة الثانية إذا قيدت بالتعجيل، لانتفاء القدرة على متعلقها حينئذ كما لا يخفى و تصح إذا كانت مؤجلة، و كذلك لو كانت الأولى مؤجلة فإنه تصح الثانية و ان كانت مطلقة، لعدم التنافي بينهما حينئذ كما هو واضح و لكن في الحكم ببطلان الثانية في الفرض بصرف السلطنة على الأموال و الحقوق تأمل واضح

قوله قده: (و لو اقترنت الإجارتان، كما إذا آجر نفسه من شخص و آجره وكيله من آخر في سنة واحدة و كان وقوع الاجارتين في وقت واحد، بطلتا معا مع اشتراط المباشرة فيهما).

وجهه ظاهر مما تقدم فلا نعيده، هذا ثم انه إذا شك الأجير و المستأجر ان في انه هل كانت الإجارتان متقارنتين أم لا كان المرجع في كل واحدة من

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 72

الاجارتين أصالة الفساد. و أما إذا علم عدم التقارن و لكن لم يعلم المتقدمة و المتأخرة كان على الأجير ان يأتي بعمل واحد بقصد من صح الاستيجار للحج عنه و لم يجز له أخذ

الأجرة من واحد منهما إلا إذا رضي المعطى بان يكون اجرة على فرض صحة الإجارة و مجانا على فرض بطلانها. ثم، انه إذا كانت قيد المباشرة في الإجارة الثانية على وجه الاشتراط لا التقييد كان بطلان الإجارة و عدمه مبنيين على مفسدية الشرط الفاسد للمعاملة و عدمها. ثم ان إسقاط قيد المباشرة من الإجارة الأولى بعد ان كانت مقيدة بها لا ينفع في صحة الإجارة الثانية و لو كان ذلك بنحو الاشتراط كما لا يخفى.

قوله قده: (و لو آجره فضوليان من شخصين مع اقتران الاجارتين يجوز له إجازة إحداهما، كما في صورة عدم الاقتران).

ما أفاده (قده) هو الصواب، لعموم الأدلة فتصح المجازة و تبطل الأخرى، و وجهه واضح.

قوله قده: (و لو آجر نفسه من شخص ثم علم أنه آجره فضولي من شخص آخر سابقا على عقد نفسه ليس له اجازة ذلك العقد، و ان قلنا بكون الإجازة كاشفة (بدعوى): انها حينئذ تكشف عن بطلان اجارة نفسه، لكون إجارته نفسه مانعا عن صحة الإجازة حتى تكون كاشفة و انصراف أدلة صحة الفضولي عن مثل ذلك).

ما أفاده متين، لأنه بعد وقوع اجارة نفسه لا يبقى موضوع للإجازة، فليس له سلطنة على الإجازة، و من المعلوم اناطة نفوذ الإجازة بصدورها من السلطان، فلا أثر للإجازة الصادرة من غيره كما لا يخفى.

[المسألة الخامسة عشرة إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير و لا التقديم]

قوله قده: (إذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لا يجوز له التأخير و لا التقديم الا مع رضي المستأجر)

لا ينبغي الإشكال في ذلك. أما عدم جواز التأخير، فلان مقتضى تعيين الزمان استحقاق المستأجر للعمل في الزّمان المعيّن، و من الواضح ان التأخير عنه بدون عذر يعذره اللّه تعالى فيه تفويت لحق المستأجر فيكون حراما. و أما

عدم جواز

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 73

التقديم، ففيه خلاف، قال في الجواهر في ذيل البحث: (و لو قدمه على السنة المعينة فعن التذكرة: الأقرب الجواز، لأنه زاد خيرا، و هو محكي عن الشافعية و في المدارك: «في الصحة وجهان أقربهما ذلك مع العلم بانتفاء الغرض في التعيين» و (فيه): انه يرجع الى عدم ارادة التعيين من الذكر في العقد و حينئذ لا إشكال في الاجزاء انما الكلام فيما اعتبر فيه التعيين و لا ريب في عدم اجزائه عن أمر الإجارة، إلا إذا كان بعنوان الشرطية لا القيدية و تشخيص العمل). تحقيق الكلام: هو عدم جواز التقديم إلا إذا كان هناك. متعارف أو انصراف، أو قرينة حاليّة أو مقاليّة، على جواز ذلك، و لكنه كما هو واضح خارج عن محل الكلام.

قوله قده: (و لو أخر لا لعذر اثم و تنفسخ الإجارة ان كان التعيين على وجه التقييد، و يكون للمستأجر خيار الفسخ لو كان على وجه الشرطية، و ان أتى به مؤخرا لا يستحق الأجرة على الأول، و ان برءت ذمة المنوب عنه، و يستحق المسماة على الثاني الا إذا فسخ المستأجر فيرجع الى أجرة المثل).

ما أفاده (قده) متين و لا ينبغي الإشكال في ذلك. أما عدم استحقاقه الأجرة في صورة المخالفة فيما إذا كان التعيين على نحو القيدية، فهو واضح، لعدم إتيانه بالمستأجر عليه- و هو العمل المقيد- و هذا لا ينافي براءة ذمة المنوب عنه، لما تكرر من ان الانطباق قهري و الاجزاء عقلي.

قوله قده: (و إذا أطلق الإجارة و قلنا بوجوب التعجيل لا تبطل مع الإهمال)

و في الدروس و لو أطلق اقتضى التعجيل فلو خالف الأجير فلا اجرة له، و ظاهر

كلامه اعتباره قيدا فيبطل مع الإهمال.

قوله قده: (و في ثبوت الخيار للمستأجر حينئذ و عدمه وجهان من ان الفورية ليس توقيتا و من كونها بمنزلة الاشتراط).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 74

قال في الدروس: (و لو أهمل لعذر فلكل منهما الفسخ في المطلقة في وجه قوى و لو كان لا لعذر تخير المستأجر خاصة انتهى) لا يخفى انه يقع التّهافت بين كلامي الدروس حيث انه قطع في الفرع الأول بعدم استحقاقه الأجرة مطلقا مع انه حكم في الفرع الثاني بأن الأجير المطلق لو أهمل بغير عذر تخير المستأجر بين الفسخ و الإمضاء.

و التحقيق: هو انه بناء على القول بوجوب التعجيل، فاما ان نقول: بأنه قيد للعمل المستأجر عليه، فلا ينبغي الإشكال في بطلان الإجارة حينئذ مع إهماله، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده، و أما نقول: انه شرط فيكون للمستأجر الخيار بإهماله.

[المسألة السادسة عشرة هل يمكن تصحيح الإجارة الثانية بإجازة المستأجر الأول]

قوله قده: (قد عرفت عدم صحة الإجارة الثانية: فيما إذا آجر نفسه من شخص في سنة معينة ثم آجر من آخر في تلك السنة، فهل يمكن تصحيح الثانية بإجازة المستأجر الأول أولا؟ فيه تفصيل: و هو أنه ان كانت الأولى واقعة على العمل في الذمة: لا تصح الثانية بالإجازة، لأنه لا دخل للمستأجر بها إذا لم تقع على ماله حتى تصح له إجازتها. و ان كانت واقعة على منفعة الأجير في تلك السنة: بأن تكون منفعته من حيث الحج، أو جميع منافعه له: جاز له إجازة الثانية، لوقوعها على ماله).

توضيح المقام: هو أن الإجارة الأولى (تارة): تكون متعلقها عملا شخصيا لا كليا في الذمة- بأن استؤجر لشخص على ان يكون الحج الصادر عنه في هذه السنة له، فيصير ما يصدر عنه- من الحج- في هذا

العام مملوكا للمستأجر، بناء على ما تسالموا عليه من كون اعمال الحر أموالا مملوكة له قبل العقد، كما هو المختار على ما حققناه في محله، أو صيرورتها مملوكة له بالعقد، كما هو المشهور، و كيف كان فعليه لا يبقى له منفعة أخرى- من الحج- في خصوص تلك السنة، لعدم قابلية الحج للتكرار في عام واحد، فيكون هذا النحو من التمليك بالإجارة نظير، تمليك منفعة الدار، و تمليك الشخص جميع أعماله الصادرة منه في مدة معينة، أو عمله الخاص الصادر منه في وقت خاص. و (اخرى): تكون متعلق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 75

الإجارة عملا كليا ذميا لا شخصيا: بان صار أجيرا لشخص على ان يكون في ذمته حج في تلك السنة المعينة على وجه المباشرة:

و مثل هذا الكلام يجري بالنسبة إلى الإجارة الثانية أيضا، لأنها أيضا (تارة): تقع على الحج الذي يصدر عنه في هذه السنة. و (اخرى): تقع على الحج الذي يكون في ذمته فحينئذ: إذا وقعت الإجارة على النحو الأول:- و هو تمليك المنفعة الخاصة الصادرة من الأجير في تلك السنة- كانت الثانية لا محالة فضولية، لوقوعها على ملك الغير، فلا مانع من تصحيحها بإجازة المستأجر الأول، و يؤثر العقد الثاني أثره، لتمامية شرائطه بعد صدور الاذن من المستأجر الأول، و يستحق المستأجر الأول بعد صدور الاذن منه الأجرة الثانية التي أعطاها المستأجر الثاني، دون الأجير. إما استحقاقه المستأجر الأول الأجرة الثانية فلان المفروض وقوع الإجارة على ماله. و أما عدم استحقاق الأجير لها، فهو واضح، و لكنه يستحق بسبب الإذن الأجرة الأولى كما لا يخفى. و أما إذا وقعت الإجارة على النحو الثاني- و هو تمليك العمل الثابت في الذمة- فيشكل

تصحيح العقد الثاني بإجازة المستأجر الأول، لعدم وقوع الثانية على ملكه.

و لكن التحقيق: هو عدم الفرق بين النحوين، لوحدة المناط: و هو وقوع الإجارة الثانية على مال الغير، و ذلك لأن انحصار متعلق الإجارة في الفرد الخاص و تعين ما في الذمة في المنفعة الخاصة- و هو الحج الصادر منه في تلك السنة المعينة مباشرة- موجب لتعين المملوك في ذلك المصداق، فيكون ذلك المصداق في الحقيقة ملكا للمستأجر الأول، فيكون حكمه بعينه حكم النحو الأول- و هو ما إذا كان متعلقها عملا شخصيا- فكما يمكن تصحيح الإجارة الثانية على النحو الأول بإجازة المستأجر الأول فكذلك يمكن تصحيح الإجارة الثانية على النحو الثاني بإجازة المستأجر الأول.

ثم لا يخفى: انه كما يعتبر اجازة المستأجر الأول في مضى العقد الثاني، كذلك يعتبر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 76

اجازة الأجير لو عقد المستأجر الأول على العمل الذي صار مملوكا له في ذمة أجيره، لأن الأجير إنما آجر نفسه للمستأجر الأول لكي يستوفى العمل بنفسه لا لغيره، فلو أجاز الأجير فهو و الا فيحكم ببطلان عقد المستأجر، و ذلك لأنه ربما يرضى الأجير بأجرة قليلة لكون المنوب عنه ذا مقام رفيع- ككونه مجتهدا عادلا مثلا- و لا يضر ذلك بشأنه دون ما إذا كان شخصا جبارا، لأنه لا يرضى بالنيابة عنه مثلا بلغ ما بلغ من الأجرة.

هذا كله إذا كان في البين قرينة- من انصراف و غيره- الى لزوم استيفاء المستأجر الأول العمل المستأجر عليه بنفسه، أو شرط ذلك في ضمن العقد، و الا فلا يتم ما ذكر، إذا فرض وقوعه أجيرا على مطلق العمل، فيجوز للمستأجر حينئذ تمليك عمله الثابت في ذمة الأجير إلى غيره من دون احتياج

إلى إجازة الأجير كما لا يخفى. ثم لا يخفى: ان ما ذكرنا من جريان الفضولي انما يكون مختصا بما إذا اتحد متعلق الإجارة الثانية مع متعلق الإجارة الأولى و لم يكن بينهما تفاوت في الخصوصية- كما إذا آجر نفسه للحج لشخص ثم آجر لآخر في ذلك العام المعين- و أما مع الفارق بينهما- كما إذا كان متعلق الإجارة الأولى هو الحج عن ميت زيد مثلا و في الثانية حج عن ميت عمرو مثلا، فلا يبقى مجال لجريان الفضولي فيه، لمباينة متعلق الإجارة الثانية مع متعلق الإجارة الاولى، و ذلك لأن الحج الثاني غير الحج الأول فلا تكون الثانية موردا للإجارة الأولى كي يمكن تصحيحها بالإجازة، و لذا لو فرضنا أنه آجر نفسه للخياطة في ساعة معينة لزيد، ثم آجر نفسه في تلك الساعة للخياطة لعمرو، فلا مجال للقول بجريان الفضولي فيه و لا يمكن تصحيح الإجارة الثانية بإجازة المستأجر الأول، و ذلك لأن الإجارة لو كانت واقعة على الخياطة المطلقة- و هو مطلق المنفعة الخارجية- فلم يكن مانع من جريانه فيه. و أما لو كانت الخياطة الخاصة الراجعة الى زيد مثلا موردا للإجارة الأولى- كما هو مفروض المقام- ثم آجر نفسه للخياطة الراجعة لعمرو فلا شك في ان الخياطة الثانية غر الخياطة الاولى، فلا يكون متعلق الإجارة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 77

الثانية موردا لمتعلق الإجارة الأولى حتى يكون قابلا للتصحيح بإجازة المستأجر الأول.

و يتفرع على ذلك: انه لو استأجر أحدا لأن يحج عن أبيه مثلا ثم بعد تحقق الإجارة قال له المستأجر: «حج عن أمي» فلا مانع للأجير ان لا يقبله، و ذلك لصيرورته أجيرا على الحج عن أبيه بالخصوص لا غيره، فالغير

لم يكن موردا للإجارة كي يلزم الوفاء به.

و (من هنا) ظهر ضعف ما ذهب اليه المصنف (قده) من الفرق بين الفرضين من الحكم بصحة الثانية مع إجازة المستأجر الأول في هذا الفرض- و هو ما إذا لم يقيد الخياطة بخياطة ثوب معين، أو الحج عن ميت خاص- دون سابقه لم يظهر لنا وجهه بعد اتحاد.

الفرضين حيث قال في ذيل المبحث: (فلو آجر نفسه ليخيط لزيد في يوم معين ثم آجر نفسه ليخيط أو ليكتب لعمرو في ذلك اليوم، ليس لزيد اجازة العقد الثاني. و أما إذا ملكه المنفعة الخياطى فآجر نفسه للخياطة أو للكتابة لعمرو جاز له اجازة هذا العقد، لأنه تصرف في متعلق حقه).

ثم انه لو أسقط المستأجر الأول خصوصية المباشرية، فهل ينفذ العقد الثاني أولا فنقول: ان هذه الخصوصية تؤخذ (تارة): في الإجارة على نحو الشرطية. و (اخرى) على نحو القيدية، فإن أخذت على النحو الأول- أي الشرطية- فباسقاطها ينفذ العقد الثاني، و ذلك لوجود المقتضى و عدم المانع، حيث ان المانع من نفوذ العقد الثاني ليس إلا شرط المباشرة، فمع الاسقاط يرتفع المانع و يحكم بصحة العقد الثاني، لتمامية أركانه. و أما ان كانت هذه الخصوصية مأخوذة على نحو القيدية، فباسقاطها لا ينفذ العقد الثاني، بل يحكم ببطلانه، و ذلك لأنه بتخلف الخصوصية تنفسخ الإجارة الأولى كما لا يخفى [1].

______________________________

[1] المؤلف: لا يخفى ان عنوان المباشرة إذا أخذت قيدا في ضمن العقد، فمقتضى اجازة المستأجر الأول العقد الثاني هو إسقاط نفس العمل، لانتفاء المقيد بانتفاء قيده. و اما لو أخذت شرطا في ضمنه، فلا يقتضي اجازة المستأجر الأول العقد الثاني سقوط أصل العمل، إذ يمكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 78

[المسألة السابعة عشرة إذا صد الأجير أو أحصر]

قوله

قده: (إذا صد الأجير أو أحصر كان حكمه كالحاج عن نفسه فيما عليه من الأعمال)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لإطلاق الأدلة و لو فرض الانصراف الى الحاج عن نفسه فهو بدوي و قد تكرر ان المعتبر من الانصراف هو ما ذا كان بمنزلة القيد المذكور في الكلام و في المقام ليس كذلك قطعا

قوله قده: (و تنفسخ الإجارة مع كونها مقيدة بتلك السنة و يبقى الحج في ذمته مع الإطلاق)

ما أفاده المصنف (قده) مما لا ينبغي الإشكال فيه، أما انفساخ الإجارة في صورة تقييدها بتلك السنة فلتعذر، العمل المستأجر عليه، من جهة الصد أو الحصر الذي يكشف به عن عدم صحة تمليكه العمل و تملكه الأجرة و أما بقاء الحج في ذمته مع الإطلاق فلضرورة: عدم انفساخ الإجارة بتعذر أحد أفرادها فيأتي به في العام القابل، و يستحق الأجرة المسماة بل الظاهر كما أفاده صاحب الجواهر (ره) عدم ثبوت الخيار لأحدهما في ذلك اما (أولا): فبنفس الإطلاق و (ثانيا) فبمقتضى الأصل، خلافا لما عن الشهيد (قدس سره) من أنه يملكانه في وجه قوي، إلا أنه كما ترى.

قوله قده: (و للمستأجر خيار التخلف إذا كان اعتبار تلك السنة على وجه الشرط في ضمن العقد).

لا كلام لنا فيه، و الظاهر انه المتسالم عليه، و لم ينقل من أحد منهم للخلاف فيه.

قوله قده: (و لا يجزى عن المنوب عنه و ان كان بعد الإحرام و دخول الحرم).

ما أفاده (قده) هو الصواب و لا ينبغي الإشكال فيه، لان الحكم بذلك انما يكون في خصوص موت النائب بعد الإحرام و الدخول في الحرم، كما أفاده المصنف (قده) من

______________________________

تنفيذها بإسقاط شرط المباشرة فقط، و حينئذ يبقى العمل في ذمة الأجير،

فيحكم عليه بوجوب تحصيله العمل الذي صار أجيرا عليه و لو بنحو التسبيب و الاستنابة، فيأتي بالحج مثلا للمستأجر الثاني بنفسه و بمباشرته إذا كانت المباشرة شرطا أو قيدا، و يأتي به للمستأجر: الأول بنائبه، لسقوط المباشرة كما هو المفروض (م ا ج).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 79

جهة اختصاص الأخبار به بعد الجمع بينها. و قد تقدم ذكرها. في شرح قول المصنف:

(و ان مات الأجير بعد الإحرام و دخول الحرم اجزء عنه) فراجعها فتسرية الحكم من هناك الى مفروض المقام قياس مع الفارق، و هو باطل. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط، فيمكن التعدي، و لكنه لا سبيل لنا إلى ذلك، كما هو واضح. و (من هنا) ظهر: ضعف ما نقل في الجواهر عن الشيخ (ره) في الخلاف من: (ان الإحصار بعد الإحرام كالموت بعده في خروج الأجير من العهدة، و استدل عليه بإجماع الفرقة، مع أن الحكم منصوص لهم لا يختلفون فيه و ضعفه ظاهر مما عرفت من اختصاص الأخبار بالموت و كأن استدلاله (ره) بالإجماع مع عدم ثبوته في المقام بل الإجماع قام على خلافه ظاهرا قرينة على وقوع السهو من قلمه الشريف أو قلم غيره في ذكر الإحصار، كما ظنه في كشف اللثام، حيث قال في كشف اللثام على ما نقل صاحب الجواهر: (ره) ظني ان ذكر الإحصار من سهو قلمه الشريف أو قلم غيره) و كيف كان لا يمكن الحكم بالأجزاء فيما نحن فيه، لعدم الدليل عليه.

قوله قده: (و لو ضمن المؤجر الحج في المستقبل في صورة التقييد لم تجب اجابته و القول بوجوبه ضعيف)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على قولين: (الأول) عدم وجوب اجابته،

و هو الذي اختاره المحقق طاب ثراه في الشرائع حيث قال: (و لو ضمن الحج في المستقبل لم تجب اجابته) و تبعه صاحب الجواهر (ره) و استدل بالأصل و غيره و اختاره صاحب المدارك (قده) و غيره أيضا (الثاني): هو القول بوجوب اجابته نقل المحقق (طاب ثراه) في الشرائع قولا بالوجوب حيث قال بعد نقل كلامه المتقدم: (و قيل يلزم)، و نسبه غير واحد الى ظاهر المقنعة، و النهاية، و المهذب، بل ربما قيل: انه ظاهر المبسوط، و السرائر، و غيرهما على ما في الجواهر.

و التحقيق: هو القول الأول، لعدم الدليل على وجوبه، و العقد على المفروض انما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 80

صدر بعنوان إيقاع الحج في زمان خاص و لم يتناول غيره. نعم، لو اتفق المستأجر و الموجر على ذلك و انه رضى المستأجر بضمان الأجير بمعنى استيجاره ثانيا بالمتخلف من الأجرة أو بغيره و لو معاطاة، فإنه حينئذ لا إشكال فيه، و لكنه خارج عن محل الكلام، كما لا يخفى و يمكن حمل كلام القائلين بالوجوب على ذلك.

قوله قده: (و ظاهرهم استحقاق الأجرة بالنسبة الى ما أتى به من الأعمال و هو مشكل لأن المفروض عدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه و عدم فائدة فيما أتى به فهو نظير الانفساخ في الأثناء لعذر غير الصد و الحصر و كالانفساخ في أثناء سائر الأعمال المرتبطة لعذر في إتمامها، و قاعدة احترام عمل المسلم لا تجري لعدم الاستناد إلى المستأجر، فلا يستحق اجرة المثل ايضا).

يظهر حكم هذه المسألة من الفرع المتقدم في المبحث السابق: و هو ما إذا مات الأجير قبل الدخول في الحرم أو بعده، فراجع.

[المسألة الثامنة عشرة إذا أتى النائب بما يوجب الكفارة فهو من ماله]

قوله قده: (إذا أتى النائب بما يوجب

الكفارة فهو من ماله).

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا، و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع بقسميه قال المحقق (طاب ثراه) في الشرائع:

(و كل ما يلزم النائب من كفارة ففي ماله) قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه) (المراد كفارات الإحرام و انما كانت في مال النائب، لأنها عقوبة على جناية صدرت عنه أو ضمان في مقابلة إتلاف وقع منه، فاختصت بالجاني) قال في الجواهر: (و كلما يلزم النائب من كفارة في الجناية في الإحرام، و الهدى في التمتع، و القرآن، ففي ماله دون المنوب عنه، بلا خلاف أجده بيننا، كما اعترف به بعضهم. بل عن الغنية: الإجماع عليه في الكفارة، مضافا الى ان ذلك عقوبة على فعل صدر منه، فهو كما لو قتل نفسا، أو أتلف مالا لأحد. إلخ) لا ينبغي الارتياب في ذلك، لترتب الكفارة حسب مقتضى الاخبار على ما صدر من المحرم من الفعل الموجب لها، و هي عقوبة له عليه، كما أفاده صاحب الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 81

و غيره من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) فلزوم ذلك في مال غيره يحتاج الى دليل تعبدي، و هو في المقام مفقود.

[المسألة التاسعة عشرة إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل]

قوله قده: (إطلاق الإجارة يقتضي التعجيل بمعنى الحلول في مقابل الأجل لا بمعنى الفورية، إذ لا دليل عليها).

قال المحقق (طاب ثراه) في الشرائع: (و إذا أطلق الإجارة اقتضى التعجيل ما لم يشترط الأجل) قال في الجواهر في شرح قول المحقق: (كما عن المبسوط، و السرائر، و الجامع، و القواعد، بل عن الشهيد تعميم ذلك لكل إجارة مطلقة و ان قيل: ان دليله غير واضح، أو على القول باقتضاء إطلاق

الأمر المبادرة الذي قد علم فساده في محله. بل في كشف اللثام: منع جريان ذلك هنا و ان سلم هناك، و لعله إذا كان مقتضى محكي المعتبر العدم، حيث جوز ان يوجر الأجير نفسه لآخر إن استأجره الأول مطلقا. و عن المنتهى: احتماله، بل عنه انه قطع بالجواز إذا أطلقت الإجارتان، و كأنه لدلالة سبق الاولى على تأخير الثانية، و على كل حال فليس التعجيل بناء عليه توقيتا، و لذا صرح في القواعد بعد الفتوى به بأنه ان أهمل لم تنفسخ الإجارة، بل في كشف اللثام: أنه ليس للمستأجر الفسخ أيضا، إلا ما احتمله الشهيد، و كان ذلك كله بناء على ان وجوب التعجيل تعبدي مستفاد من دليل مستقل لا انه مستفاد من إطلاق العقد على وجه يقتضي الانفساخ أو التسلط على الفسخ، الا ان ذلك كله كما ترى لم نعثر على دليل صالح لذلك و (من هنا): يمكن تنزيل عبارة المصنف و غيره على ارادة بيان اقتضاء الإطلاق الحلول بمعنى كون الأعمال كالأموال، فكما ان إطلاق العقد المقتضي لإثبات مال في الذّمة ينزل على ذلك، فكذلك عقد الإجارة المقتضي لإثبات عمل في الذمة، فالمراد حينئذ انه يتسلط المستأجر على مطالبته في الحال و ليس للأجير التأخير تمسكا بإطلاق العقد المنزل على الحلول على حسب عقد البيع و شبهه، فالعبارة هنا نحو عباراتهم هناك، لا ان المراد بيان خصوصية للحج.

نعم يجب التعجيل مع طلب ذي الحق صريحا، أو قيام شاهد حال على إرادته ذلك فتأمل جيدا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 82

و على كل حال فلا إشكال في عدم استحقاق التعجيل مع اشتراط الأجل، فإنه يصح عندنا العامين و الأزيد، خلافا للشافعي إلا في

الواجب المضيق مع إمكان استيجار من يبادر إليه فإنه لا يجوز التأجيل حينئذ كما هو واضح).

ما أفاده المصنف (قده) تبعا لصاحب الجواهر (ره) هو الصواب، لأن إطلاق الإجارة يقتضي الفور و التعجيل و لكن لا بمعنى التوقيت الموجب للانفساخ لو أخره عن السنة الأولى بل بمعنى جواز المطالبة من الأجير بحيث لو طالبه بالإتيان به في هذه السنة لوجب عليه ذلك، هذا إذا لم يكن المتعارف في بلد في باب الحج في صورة إطلاق الإجارة قصد التقييد، أو أخذه على نحو الاشتراط. و أما إذا كان المتعارف في بلد التقييد- بان كان المتبادر منه الإتيان به فورا بعد تحقق الإجارة مطلقا على نحو التوقيت، بحيث لو قيد إتيان الأجير به بهذا العام كان عند العرف تأكيدا- فحينئذ لا بد ان يحكم بانفساخ الإجارة الواقعة على اصطلاح ذلك البلد بمجرد التأخير عن العام الأول، لدخل خصوصية السنة على المفروض في متعلق الإجارة، فبتخلفها تنفسخ الإجارة. فلو اتى به في العام القابل لا يستحق شيئا، كما هو واضح، كما انه يحكم بثبوت الخيار للمستأجر ان كان الملحوظ في نظر العرف هو لحاظ خصوصية السنة على نحو الشرطية، بحيث ان أمضاه فعليه الوفاء به في العام القابل و يستحق الأجرة المسماة، و الا فسيرد إليه الأجرة.

[المسألة العشرين إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها]

قوله قده: (إذا قصرت الأجرة لا يجب على المستأجر إتمامها كما انها لو زادت ليس له استرداد الزائد).

لا ينبغي الإشكال في ذلك و هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا، و الظاهر انه المتسالم عليه و لم يتعرض للخلاف أحد من الأصحاب و استدل لذلك صاحب الجواهر: بالأصل حيث قال: (و إذا استؤجر فقصرت الأجرة عن نفقة الحج

لم يلزم المستأجر الإتمام، للأصل السالم عن المعارض، و كذا لو فضل عن النفقة لم يرجع عليه بالفاضل لذلك ايضا، و لأن من كان عليه الخسران كان له الجبران

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 83

من غير فرق في ذلك بين ان يكون قد قبض الأجرة أولا، فيطالب لها جميعها، أو بعضها مع عدم القبض، و يجب على المستأجر الدفع اليه، و كان تعرض المصنف (قده) و غيره لذلك مع وضوحه و عدم الخلاف فيه بيننا نصا و فتوى، لتعرض النصوص له، و للتنبيه على خلاف أبي حنيفة المبنى على ما زعمه من بطلان الإجارة، فلا يجب حينئذ على المستأجر الدفع إلى الأجير) و في التذكرة حكى عن أبي حنيفة: منع الإجارة على الحج، فيكون الأجير نائبا محضا، و ما يدفع اليه من المال يكون رزقا لطريقة، فلو مات أو أحصر، أو ضل الطريق، أو صد، لم يلزمه الضمان، لما أنفق عليه، لأنه إنفاق بإذن صاحب المال) و الاشكال فيما ذهب إليه أبو حنيفة ظاهر: أما في أصل الحكم- و هو منع الإجارة على الحج- واضح. و أما الإشكال على ما قال به: (من كون الأجير نائبا محضا.

إلخ) فلأنه خلاف قصد الأجير و المستأجر، إذ هما قصدا المعاوضة، و جعل المستأجر الثمن بإزاء ما يصدر من الأجير من الأعمال الحجى و اذن المستأجر في صرف ماله انما يكون متوقفا على وقوع الحج لا مطلقا كما لا يخفى.

قوله قده: (نعم، يستحب الإتمام، كما قيل، بل قيل يستحب على الأجير أيضا رد الزائد، و لا دليل بالخصوص على شي ء من القولين نعم، يستدل (على الأول): بأنه معاونة على البرّ و التقوى. و (على الثاني): بكونه موجبا للإخلاص

في العبادة).

قال في الجواهر: (نعم، عن النهاية، و المبسوط، و المنتهى، استحباب الإتمام في الأول، لكونه من المعاونة على البر و التقوى. و في التذكرة، و المنتهى و التحرير و غيرها: استحباب الرد في الثاني، تحقيقا للإخلاص في العبادة. بل عن المقنعة: انه قد جائت رواية: انه ان فضل مما أخذه، فإنه يرده ان كانت نفقته واسعة، و ان كان قتر على نفسه لم يرده، ثم قال: «و على الأول العمل، و هو أفقه»، و لعله أشار بذلك الى خبر مسمع، قال للصادق (عليه السلام): أعطيت الرجل دراهم يحج بها عنى، ففضل منها شي ء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 84

فلم يرده على؟ فقال له: لعله ضيق على نفسه في النفقة لحاجته إلى النفقة «1» الا انه كما ترى ضعيف الدلالة على ذلك، خصوصا مع ملاحظة خبر محمد بن عبد اللّه القمي، قال سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام): عن الرّجل يعطى الحجة يحج بها و يوسع على نفسه فيفضل منها أ يردها عليه؟ قال: لا هي له «2» هذا و في كشف اللثام: انه ان شرطا في العقد الا كمال أو الرد لزم. و (فيه): انه يمكن منع صحة مثل هذا الشرط في عقد الإجارة، للجهالة، كما هو واضح، و الأمر سهل). و لا يخفى: ان ما ذكر من أن الإكمال: «معاونة على البر و التقوى» انما يتم لو كان في أثناء العمل، بحيث كان الإتمام متوقفا على الإكمال، و الا فلا كما هو واضح. و كذا ما ذكر من ان الرد: «تحقيق للإخلاص في العبادة» انما يختص بما إذا كان قبل العمل، ليكون قصده بالحج القربة لا بالعوض، إذ لو كان بعده لم

يكن موجبا لانقلاب العمل الذي صدر منه عما هو عليه، كما هو واضح.

[المسألة الحادية و العشرين لو أفسد الأجير حجة بالجماع]

قوله قده: (لو أفسد الأجير حجة بالجماع قبل المشعر فكالحاج عن نفسه، يجب عليه إتمامه. إلخ).

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليه) و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى عليه الإجماع، و قال صاحب الجواهر (ره): (و لو أفسده أي الحج الذي ناب فيه حج من قابل، بلا خلاف أجده فيه بيننا، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه)

قوله قده: (و هل يستحق الأجرة على الأول أو لا؟ قولان مبنيان على ان الواجب هو الأول و ان الثاني عقوبة، أو هو الثاني و ان الأول عقوبة).

قال المحقق (طاب ثراه) في الشرائع: (و إذا أفسد حجه حج من قابل، و هل تعاد الأجرة عليه يبنى على القولين).

قوله قده: (قد يقال بالثاني «أي كون الثاني هو الواجب و الأول عقوبة»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 10- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 10- من أبواب النيابة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 85

للتعبير في الاخبار بالفساد الظاهر في البطلان، و حمله على ارادة النقصان و عدم الكمال مجاز لا داعي إليه).

اختاره صاحب الجواهر (ره) حيث قال في الجواهر: (و التحقيق:

ان الفرض: الثاني لا الأول الذي أطلق عليه اسم الفاسد في النص و الفتوى، و احتمال ان هذا الإطلاق مجاز لا داعي إليه، بل هو مناف لجميع ما ورد: في بيان المبطلات في النصوص من أنه: «قد فإنه الحج» و: «لا حج له» و نحو ذلك مما يصعب الارتكاب المجاز فيه، بل مقتضاه: ان الحج لا يبطله شي ء أصلا، و انما يوجب فعل هذه المبطلات الإثم و العقوبة و هو كما ترى).

قوله

قده: (و حينئذ فتنفسخ الإجارة إذا كانت معينة، و لا يستحق الأجرة، و يجب عليه الإتيان في القابل بلا اجرة، و مع إطلاق الإجارة تبقى ذمته مشغولة، و يستحق الأجرة على ما يأتي به في القابل).

لا يخفى ان استحقاق النائب الأجرة في العام القابل موقوف على ان يكون الحج في العام القابل عن المنوب عنه لا عن نفس النائب عقوبة، كما هو واضح.

قوله قده: (و الأقوى صحة الأول و كون الثاني عقوبة، لبعض الأخبار الصريحة في ذلك، و لا فرق بينه و بين الأجير)

هذا أحد القولين، و نسبه في المدارك الى الى الشيخ (ره) ما أفاده المصنّف (قده) و غيره هو الحق، و ذلك لدلالة بعض الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) صريحا على ذلك، و هو صحيح زرارة، أو حسنه، قال:

سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة؟ قال: جاهلين أو عالمين؟ قلت: أجنبي على الوجهين جميعا؟ قال (عليه السلام): ان كانا جاهلين استغفرا ربهما و مضيا على حجهما و ليس عليهما شي ء. و ان كانا عالمين فرق بينهما من المكان الذي أحدثا فيه، و عليهما بدنة و عليهما الحج من قابل، فإذا بلغا المكان الذي أحدثا فيه فرق بينهما حتى يقضى نسكهما، و يرجعا الى المكان الذي أصابا فيه ما أصابا. فأي الحجتين لهما؟ قال: الأولى التي أحدثا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 86

فيها ما أحدثا و الأخرى عليهما عقوبة «1» و دلالته على المدعى واضحة، و لا يضر إضماره بعد كون الراوي مثل زرارة.

و أما الإشكال بأنه: مختص بالحاج عن نفسه، فلا يشمل مفروض المقام، ففيه:

ان قوله: «سألته عن محرم غشي امرأته و هي محرمة، مطلق يشمل الحاج عن غيره كشموله للحاج

عن نفسه. و أما قوله: «لهما» فإنه مقابل لكون الأول عقوبة لا في قبال النيابة.

مضافا الى ان الظاهر منه ان ما ذكر فيه حكم للمحرم الآتي بالعمل الخاص بما هو محرم لا بما هو حاج عن نفسه، كما لا يخفى. و ما في بعض الأخبار من التعبير: بالفساد محمول بقرينة هذا الحديث على النقصان و نفى الكمال. و بالجملة: لا يبقى مجال للترديد في أن الأول: هو الفرض و الثاني: عقوبة، فهو مستحق للأجرة على الأول، و ان ترك الإتيان به في العام القابل عصيانا، أو لعذر، كما أفاده المصنف (قده) بعد أسطر.

قوله قده: (و لخصوص خبرين في خصوص الأجير).

قال في الجواهر:

و خبرا المقام اللذان سمعتهما و ان كانا ظاهرين في ان الفرض: الأول، الا انه يجب حملهما على إرادة إعطاء اللّه تعالى للمنوب عنه حجة تامة تفضلا منه، و ان قصر النائب في إفسادها و خوطب بالإعادة، فلا محيص عن القول بان الفرض: الثاني).

و لا يخفى: ما في هذا الحمل من البعد، و هذا الحمل ليس بأسهل من حمل الأخبار الدالة على فساد الأول على النقص الموجب للعقوبة، كما هو واضح. مراده (قده) من خبرين أحدهما: موثق إسحاق بن عمار عن أحدهما «ع» قال: سألته عن الرّجل يموت، فيوصي بحجة، فيعطى رجل دراهم يحج بها عنه، فيموت قبل أن يحج، ثم اعطى الدراهم غيره؟ قال (عليه السلام): ان مات في الطريق، أو بمكة قبل ان يقضى مناسكه، فإنه يجزى عن الأول. قلت: فان ابتلى بشي ء يفسد عليه حجه حتى يصير عليه الحجّ من قابل

______________________________

(1) الوسائل:- ج 2- الباب- 3 من أبواب كفارات الاستمتاع في الإحرام حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 87

أ

يجزي عن الأول؟ قال نعم. إلخ). «1» ثانيهما: ما عنه أيضا سأل الصادق (عليه السلام) عن رجل حج عن رجل فاجترح في حجه شيئا يلزم فيه الحج من قابل و كفارة؟ قال (عليه السلام): هي للأول تامة، و على هذا ما اجترح «2».

قوله قده: (و هل الواجب إتيان الثاني بالعنوان الذي أتى به الأول، فيجب فيه قصد النيابة عن المنوب عنه، و بذلك العنوان، أو هو واجب عليه تعبدا و يكون لنفسه وجهان؟ لا يبعد الظهور: في الأول، و لا ينافي كونه عقوبة، فإنه يكون الإعادة عقوبة، و لكن الأظهر: الثاني، و الأحوط ان يأتي به بقصد ما في الذمة).

يمكن ان يقال بالأول و ذلك لأن الظاهر ان الحج في العام القابل هو الحج الذي أفسده، فيكون نظير القضاء، فإذا كان الأول نائبا فيه كان الثاني كذلك. و لكن المتعين: هو الثاني، فإن الظاهر من الحديث كما ترى بل صريحه كون الثاني صرف عقوبة عليه، لخطيئته و الأول: هو الفرض و مسقط لما في الذمة فلا معنى لإعادته.

قوله قده: (ثم لا يخفى عليك: عدم تمامية ما ذكره ذلك القائل: من عدم استحقاق الأجرة في صورة كون الإجارة معينة و لو على ما يأتي به في القابل، لانفساخها و كون وجوب الثاني تعبدا، لكونه خارجا عن متعلق الإجارة و ان كان مبرأ لذمة المنوب عنه، لأن الإجارة و ان كانت منفسخة بالنسبة إلى الأول لكنها باقية بالنسبة الى الثاني تعبدا، لكونها عوضا شرعيا تعبديا عما وقع عليه العقد، فلا وجه لعدم استحقاق الأجرة على الثاني).

مراد المصنف (قده) من ذلك القائل هو صاحب الجواهر (ره) و قد فرع على ما ذكر سابقا بقوله: (فلا محيص عن القول

بان الفرض حينئذ: الثاني، كما لا محيص بناء على ذلك عن القول بانفساخ الإجارة إذا فرض كونها معينة و عود الأجرة لصاحبها، و انه يجب على النائب الإعادة للحج من قابل بنية النيابة من غير عوض، لأنه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب النيابة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 88

هو الحج الذي أفسده و خوطب بإعادته. إلخ).

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 2، ص: 88

و لكن المناقشة فيما أفاده المصنّف (قده) من: «كونه عوضا شرعيا» واضحة، لأن الثابت هو كون الثاني عوضا عن الأول من حيث نفس العمل، و أما كونه عوضا عنه باعتبار وقوع الاستيجار عليه: بان يكون الثاني منزلا بمنزلة المستأجر عليه و يستحق عليه الأجرة فلا دليل عليه، و لا يظهر من الاخبار.

قوله قده: (و قد يقال بعدم كفاية الحج الثاني أيضا في تفريغ ذمة المنوب عنه بل لا بد للمستأجر ان يستأجر مرة أخرى في صورة التعيين، و للاجيران يحج ثالثا في صورة الإطلاق، لأن الحج الأول: فاسد و الثاني: انما وجب للإفساد عقوبة، فيجب ثالث، إذا التداخل خلاف الأصل. و (فيه): ان هذا انما يتم إذا لم يكن الحج في القابل بالعنوان الأول، و الظاهر من الأخبار على القول بعدم صحة الأول وجوب إعادة الأول و بذلك العنوان، فيكفي في التفريغ، و لا يكون من باب التداخل، فليس الإفساد عنوانا مستقلا. نعم، انما يلزم ذلك إذا قلنا ان الإفساد موجب لحج مستقل لا على نحو الأول و هو خلاف ظاهر

الاخبار و قد يقال في صورة التعيين ان الحج الأول إذا كان فاسدا و انفسخت الإجارة يكون لنفسه، فقضاؤه في العام القابل ايضا يكون لنفسه، و لا يكون مبرأ لذمة المنوب عنه، فيجب على المستأجر استيجار حج آخر و (فيه): ايضا ما عرفت من ان الثاني واجب بعنوان اعادة الأول و كون الأول بعد انفساخ الإجارة بالنسبة إليه لنفسه لا يقتضي كون الثاني له و ان كان بدلا عنه، لأنه بدل عنه بالعنوان المنوي لا بما صار اليه بعد الفسخ، هذا)

لا يخفى انه إذا كان ظاهر الدليل ان الثاني عقوبة كما هو المختار بل قلنا ان صريحه ذلك فعليه يكون الثاني لنفسه مطلقا، لأنه لتلخيص نفسه.

ثم انه لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر في ذيل المبحث من محصل الأقوال قال: (ان محصلها مع المختار ثمانية: (الأول): انفساخ الإجارة مطلقا ان كان الثاني

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 89

فرضه، و هو ظاهر المتن (الثاني): انفساخها مع التعيين دون الإطلاق، و وجوب حجة ثالثة نيابة، كما هو خيرة الفاضل في القواعد، و المحكي عن الشيخ، و ابن إدريس. (الثالث):

عدم الانفساخ مطلقا، و لا يجب عليه حجة ثالثة، و هو خيرة الشهيد. (الرابع): انه ان كان الثاني عقوبة لم ينفسخ مطلقا، و لا عليه حجة ثالثة، و ان كان فرضه انفسخ في المعينة دون المطلقة، و عليه حجة ثالثة، و هو على ما قيل خيرة التذكرة، واحد وجهي المعتبر، و المنتهى، و التحرير. (الخامس): كذلك و ليس عليه حجة ثالثة مطلقا، و هو محتمل المعتبر، و المنتهى (السادس): انفساخها مطلقا، مطلقة كانت، أو معينة، كان الثاني عقوبة أولا، لانصراف الإطلاق إلى العام الأول و فساد الحج

الأول و ان كان فرضه.

(السابع): عدم انفساخها مطلقا كذلك، قيل و يحتمله الجامع، و المعتبر، و المنتهى، و التحرير (الثامن): المختار، و هو محتمل محكي المختلف، و هو الأصح، لما سمعت، و ليس في الخبرين منافاة له بعد ما عرفت).

قوله قده: (و الظاهر عدم الفرق في الأحكام المذكورة بين كون الحج الأول المستأجر عليه واجبا، أو مندوبا، بل الظاهر جريان حكم وجوب الإتمام و الإعادة في النيابة تبرعا ايضا، و ان كان لا يستحق الأجرة أصلا).

لا كلام لنا فيه، لإطلاق الأخبار المتقدمة.

[المسألة الثانية و العشرين يملك الأجير الأجرة بمجرد العقد]

قوله قده: (يملك الأجير الأجرة بمجرد العقد، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل، إذا لم يشترط التعجيل، و لم تكن قرينة على إرادته- من انصراف أو غيره- و لا فرق في عدم وجوب التسليم بين ان يكون عينا أو دينا).

أما تملك الأجير الأجرة بمجرد العقد فلا ينبغي الإشكال فيه، لأنه مقتضى صحة المعاوضة، كما انه لا ينبغي الإشكال في وجوب تسليمها مع مطالبة الأجير بعد إكماله العمل المستأجر عليه، مع تسليمه و كذا وجوب تسليم مال الإجارة مع مطالبتها إذا شرط التعجيل في ضمن العقد، أو كان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 90

مقتضى القرينة الحالية، أو المقالية، أو الانصراف، أو المتعارف، ذلك، انما الكلام فيما إذا فرض إطلاق العقد و لم يكن في البين قرينة حالية، أو مقالية، على التعجيل، فهل يجب تسليم الأجرة لو طالبها الأجير قبل تسليم العمل أو لا؟ المشهور عدم وجوب ذلك في مفروض المقام، و تبعهم المصنف (قده).

لا ينبغي الإشكال فيه، و ذلك لاقتضائه طبع المعاوضة، فما دام لم يحصل المعوض إلى المستأجر له الحق في تأخير العوض، فيجوز لكل واحد من المتعارضين- سواء كانت المعاوضة

بعنوان البيع أو بعنوان الإجارة أو غيرهما- ان يمتنع من التسليم في ظرف امتناع الآخر عن ذلك، كما انه يجوز لكل واحد منهما المطالبة في ظرف تحقق التسليم منه، هذا مما لا كلام لنا فيه انما يقع الكلام في وجه الفرق بين الحر و العبد، حيث انهم التزموا في الثاني بجواز مطالبة الأجرة قبل إتيان العبد بالعمل، و هذا بخلافه في الأول.

يمكن الاستدلال على ذلك بوجهين:

(الأول)- ان الحر لا يقع تحت اليد، فلا تسلم المنافع تبعا لتسليم نفس الحر حتى يقال بوجوب تسليم الأجرة مع المطالبة، و هذا بخلافه في العبد، لأن تسليم تلك المنفعة فيه انما يكون بنفس تسليم العبد نظير اجارة البستان، حيث ان تسليم منافعه انما يكون بتسليمه، لوقوعه تحت اليد، فيجب تسليم الأجرة مع المطالبة، و كيف كان فلو فرض صيرورة الحر أجيرا لزيد لأن يخيط ثوبه فإنما يكون التسليم فيه بتسليم المحل و بإعطاء الثوب مخيطا، فقبل تسليم المعوض- و هو الأعمال المخصوصة- لا يجب تسليم الأجرة و لو مع المطالبة، و هذا هو الفارق بين اجارة الحر و اجارة العبد للخياطة، لعدم وقوع الأول تحت اليد دون الثاني.

يمكن المناقشة فيه: بانا لم نفهم معنى محصلا لما اشتهر من عدم دخول الحر تحت اليد فان كان المراد من ذلك عدم صيرورته مملوكا شرعا، و عدم ورود خلل و نقص في حريته

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 91

فالعبد ايضا لا يصير مملوكا للمستأجر، و لا فرق بينهما من هذه الجهة، و ان كان المراد منه عدم حصول التسلط الخارجي عليه، فهو خلاف ما نراه كثيرا في الخارج من تسلط بعض على بعض و تسلط الكفار في زماننا على المسلمين الأحرار،

و معاملتهم معهم معاملة العبيد، و ان كان المراد منه عدم إمكان إلزامه و مطالبته بأداء المنفعة بخلاف العبد. ففيه: ايضا عدم الفرق بينهما، فإنه كما يمكن إلزام العبد الأجير شرعا و مطالبته بأداء المنفعة، كذلك يمكن إلزام الحرم الأجير به. و أما إلزام التكويني فكون المستأجر قادرا عليه و عدمه أيضا أجنبي عن حرية الأجير و عدمها، كما لا يخفى.

هذا و قد أفتى الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بلزوم الأجرة المسماة على المستأجر فيما إذا استأجر شخصا في وقت معين للخياطة، أو لبناء دار، أو نحو ذلك و سلم الأجير نفسه للعمل في وقته لكن المستأجر لم يستوفه، و من المعلوم انه لو لم يعد تسليم نفسه تسليما لمنافعه- كما في العبد- لم يكن وجه للزوم الأجرة المسماة في هذا الفرض، و غاية ما يمكن ان ما يمكن ان يقال هو لزوم إعطاء أجرة المثل من ناحية كون المستأجر مفوتا لمنافع الأجير في زمان الإجارة، بل يمكن فرض عدم تفويته- كما إذا اشتغل الأجير بالبناء لنفسه بعد ان رأى امتناع المستأجر من استيفاء العمل منه مثلا، و كيف كان فثبوت الأجرة المسماة على المستأجر متوقف قطعا على كون تسليم نفسه تسليما لمنافعه عرفا، فلا يبقى فرق بين العبد و الحر من هذه الجهة.

(الثاني)- أن يدعى ان الإجارة في الحقيقة تمليك للعين موقتا- نظير مسألة الوقف على البطون بطنا بعد بطن، حيث ان كل بطن يتلقى الملك من الواقف لا بالإرث من البطن السابق كما لا يخفى- و ربما يشهد لذلك ان المنفعة- كسكنى الدار مثلا- قبل استيفائها ليست موجودة حتى يعقل تمليكها، فالإجارة ليست تمليكا للمنفعة، و انما هي تمليك للعين موقتا. و يدعى

ايضا ان الوجه في لزوم تسليم مال الإجارة في مثل الدار و العبد قبل استيفاء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 92

المنفعة بمجرد تسليم الموجر للعين انما هو من جهة ان ما ملكه بالأجرة نفس العين، و قد تسلمها، فيجب إعطاء الثمن، و هذا بخلاف استيجار الحر، لعدم صيرورته مملوكا، فلا يعقل القول بكون إجارته عبارة عن تمليك العين موقتا، بل لا بد من الالتزام فيها بشي ء آخر- كدعوى كونها في الحقيقة تضمينا- و حينئذ لا يجب تسليم الأجرة بمجرد المطالبة قبل استيفاء المنفعة، و لا اثر لتسليم العين، لأن المستأجر لم يملكها بالإجارة، و هذا بخلاف اجارة العبد، و الدار، و نحوهما.

و يرد عليه- مضافا الى انه لا يمكن توجيه كلامهم بذلك، حيث انهم لم يلتزموا بكون الإجارة تمليك العين موقتا، و انما هو قول نادر- انه قد حقق في محله بطلان هذا القول و المنفعة قبل استيفائها موجودة للعين في عالم الاعتبار، فلا يمكن المناقشة من هذه الجهة في قول المشهور- بكون الإجارة عبارة عن تمليك المنفعة بمال- هذا، مع انه يرد ايضا ما مضى من النقض على الوجه الأول- بمسألة لزوم إعطاء أجرة المسماة إذا حضر الأجير في وقته و امتنع المستأجر من الاستيفاء- فظهر مما ذكرنا عدم الفرق بين العبد و الحر و لكنه مع ذلك كله لا يخلو من تأمل.

ثم انه يمكن دفع النقض بان عدم وجوب تسليم الأجرة على القول به ليس إلا لعدم تسليم المنفعة، و إذا فرض ان الأجير حاضر لتسليمها، و لكن المستأجر لا يستسلمها فلا وجه لتأخير الأجرة لأن التقصير انما هو من جانب المستأجر دون الأجير فتدبر

قوله قده: (لكن إذا كانت عينا و

نمت كان النّماء للأجير).

الظاهر انه لا خلاف فيه قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه):

(و يستحقها الأجير بالعقد): (. فلو كانت عينا فزادت بعد العقد أو نمت فهما للأجير، لكن لا يجب تسليمها إلا بعد العمل، كما في مطلق الإجارة) و نحوه في الجواهر.

ما أفاده المصنف (قده) تبعا لهم هو الصواب، لأن النماء تابع للأصل المفروض كونه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 93

ملكا للأجير بالعقد).

قوله قده: (و على ما ذكر من عدم وجوب التسليم قبل العمل، إذا كان المستأجر وصيا، أو وكيلا، و سلمها قبله كان ضامنا لها على تقدير عدم العمل من المؤجر أو كون عمله باطلا).

قال في المدارك بعد كلامه المتقدم: (و على هذا فليس للوصي التسليم قبله «الى العمل» و لو سلم كان ضامنا الا مع الاذن من الموصى المستفاد من اللفظ أو اطراد العادة، لأن ما جرت به العادة يكون كالمنطوق به) و في الجواهر بعد ان حكم بالضمان في الفرض المزبور قال: (لكونه تفريطا).

قوله قده: (و لا يجوز لهما اشتراط التعجيل من دون اذن الموكل، أو الوارث).

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لعدم جواز تصرف غير المالك إلا بإذنه.

قوله قده: (و لو لم يقدر الأجير على العمل مع عدم تسليم الأجرة كان له الفسخ و كذا للمستأجر).

ما أفاده (قده) هو الصواب، لأن عدم قدرة الأجير على تسليم العمل يوجب الانفساخ، لأنه يكشف به عدم ثبوت المنفعة التي وقعت الإجارة بلحاظها.

قال في المدارك: (و لو توقف عمل الأجير على دفع الأجرة اليه و لم يدفعها الوصي، فقد استقرب الشهيد في الدروس جواز فسخه، للضرر اللازم من اشتغال ذمته مما استؤجر عليه مع عدم تمكنه منه. و يحتمل عدمه فينتظر

وقت الإمكان، لأن التسلط على فسخ العقد اللازم يتوقف على الدليل، و مثل هذا الضرر لم يثبت كونه مسوغا. نعم، لو علم عدم التمكن مطلقا تعين القول بجواز الفسخ) قال في الجواهر بعد نقل كلام الشهيد (قدس سره) (و هو كما ترى، إذا كان مراده المفروض الذي لا ريب في كون المتجه فيه انتظار وقت الإمكان. نعم، لو علم عدم التمكن مطلقا اتجه القول بجواز الفسخ لهما للضرر).

قوله قده: (لكن لما كان المتعارف تسليمها، أو نصفها قبل المشي، يستحق الأجير المطالبة في صورة الإطلاق، و يجوز للوكيل، و الوصي دفعها من غير ضمان).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 94

لا ينبغي الإشكال في ذلك، و الظاهر انه لم ينقل من أحد من الأصحاب للخلاف فيه.

[المسألة الثالثة و العشرين إطلاق الإجارة يقتضي المباشرية]

قوله قده: (إطلاق الإجارة يقتضي المباشرية، فلا يجوز للأجير أن يستأجر غيره إلا مع الاذن صريحا، أو ظاهرا).

هذا مما لا إشكال فيه، فان بيان العدل يحتاج إلى مؤنة زائدة، فمقتضى الإطلاق عدمه، الا ان تكون العبارة بحيث يستفاد منها عدم دخل خصوصية المباشرية، كما لو قال مثلا: (آجرتك على ان يحج) بصيغة المجهول، فحينئذ كان مقتضى الإطلاق جواز المباشرة و الاستنابة، كما هو واضح.

قوله قده: (و الرواية الدالة على الجواز محمولة على صورة العلم بالرضا من المستأجر)

أشار (قده) بذلك الى ما رواه الشيخ عن عثمان بن عيسى قال: قلت: لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما تقول في الرجل يعطى الحجة فيدفعها الى غيره؟ قال: لا بأس «1» و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا. و لكن يمكن المناقشة في أصل ظهور الرواية في الاستيجار، لأنه يحتمل حملها على ما إذا دفع إليه قيمة الحجة و وكله في القيام به بنفسه، أو

بغيره، و لعل سؤال السائل كان من جهة ان المعطى لم يكن صرح بذلك و كان كلامه مطلقا، فاختفى حكم ذلك على السائل و لكنه كما ترى خلاف ظاهرها فحينئذ يدور الأمر بين ان تحمل على صورة العلم بالرضا من المستأجر كما أفاده المصنف (قده) أو على صورة الإذن ابتداء لأن ظاهرها غير معمول به عند الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) هذا كله بناء على تمامية سنده، و الا فلا عبرة بها أصلا، كما لا يخفى.

[المسألة الرابعة و العشرين لا يجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعا]

قوله قده: (لا يجوز استيجار من ضاق وقته عن إتمام الحج تمتعا و كان وظيفته العدول الى الافراد عن من عليه حج التمتع).

الظاهر انه المتسالم عليه و لم يتعرض ظاهرا للخلاف فيه أحد من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم)

قوله قده: (و لو استأجره مع سعة الوقت فنوى التمتع ثم اتفق ضيق الوقت

______________________________

(1) الوسائل:- ج 2- الباب- 14- من أبواب النيابة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 95

فهل يجوز العدول و يجزى عن المنوب عنه أولا؟ وجهان: من إطلاق أخبار العدول، و من انصرافها الى الحاج عن نفسه، و الأقوى عدمه، و على تقديره فالأقوى عدم اجزاءه عن الميت، و عدم استحقاق الأجرة عليه، لأنه غير ما على الميت، و لأنه غير العمل المستأجر عليه).

ما أفاده (قده) من أقوائية عدم جواز العدول هو الصواب، و ذلك لاختصاص اخبار العدول بالحاج عن نفسه، ففي ما نحن فيه لم يثبت من الشرع العدول الى الافراد فضلا عن اجزاءه عن المنوب عنه و لو على القول بحصول الاجزاء في مطلق الأعذار في الحاج عن نفسه لأن العدول خلاف الأصل و لا بد بان يقتصر على مورده و لا يمكن التعدي الى غير

مورده من دون مدرك.

و بالجملة ففي ما نحن فيه يتحلل بعمرة مفردة، و لا يستحق الأجرة المسماة، لعدم إتيانه بالعمل المستأجر عليه، و لا اجرة المثل، لعدم كون ما اتى به بأمر المستأجر. نعم، يستحق الأجرة المسماة بمقدار طي الطريق لو فرض كونه جزء للعمل المستأجر عليه و لم يكن الإتيان بمجموع الاجزاء مأخوذا على نحو التقييد، غاية الأمر انه حينئذ تثبت الخيار للمستأجر هذا و (من هنا) ظهر: ان ما ذهب اليه المحقق النائيني (قدس سره) من القول بجواز العدول، و اجزاءه عن المنوب عنه مما لا يمكن المساعدة عليه.

[المسألة الخامسة و العشرين يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب و المندوب]

قوله قده: (يجوز التبرع عن الميت في الحج الواجب و المندوب).

أما جواز التبرع عن الميت في الحج الواجب فمما لا ينبغي الإشكال فيه، و قد نفى عنه الخلاف، و ادعى الإجماع بقسميه عليه، و يقتضيه صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل مات و لم يكن له مال و لم يحج حجة الإسلام، فأحج عنه بعض إخوانه هل يجزى ذلك عنه أو هل هي ناقصة؟ قال: بل هي حجة تامة «1»- قال في الوسائل بعد ذكره: (أقول هذا محمول على انه لم يكن له مال حين الموت و كان الحج قد

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 31- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 96

وجب عليه من قبل، و القرائن على ذلك ظاهرة)- و خبر صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن عامر بن عميرة، قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): بلغني عنك انك قلت:

لو ان رجلا مات و لم يحج حجة الإسلام فحج عنه بعض أهله أجزاء ذلك عنه؟ فقال: نعم

اشهد بها على أبى أنه حدثني: ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أتاه رجل، فقال يا رسول اللّه: ان أبى مات و لم يحج؟ فقال له رسول اللّه: حج عنه، فان ذلك يجزى عنه «1» و أما جواز التبرع في الحج المندوب فأيضا مما لا ينبغي الإشكال فيه، و يدل عليه جملة من النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- خبر عمر بن الياس، في حديث قال: قال ابى لأبي عبد اللّه (عليه السلام) و انا اسمع: ان ابني هذا صرورة، و قد ماتت أمه، فأحب أن يجعل حجته لها، أ فيجوز ذلك له؟ فقال أبو عبد اللّه: يكتب ذلك له، و لها، و يكتب له أجر البر «2».

2- خبر حازم بن حبيب، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ان ابى هلك و هو رجل أعجمي، و قد أردت أن أحج عنه، و أتصدق؟ فقال: افعل، فإنه يصل اليه «3» 3- موثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يحج فيجعل حجته، و عمرته، أو بعض طوافه، لبعض اهله، و هو عنه غائب ببلد آخر قال: فقلت: فينقص ذلك من اجره؟ قال: لا هي له و لصاحبه و له أجر ما سوى ذلك بما وصل قلت: هو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له أو يكون مضيقا عليه فيوسع عليه، فقلت: فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟ قال نعم. إلخ «4» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام).

قوله قده: (بل يجوز التبرع عنه بالمندوب و ان كانت ذمته مشغولة بالواجب)

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 31- من أبواب وجوب

الحج و شرائطه حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 25- من أبواب النيابة حديث: 2.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 25- من أبواب النيابة حديث: 10.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 25- من أبواب النيابة حديث: 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 97

ما أفاده المصنف (قده) هو الصواب، لإطلاق ذلك الأخبار.

[المسألة السادسة و العشرين لا يجوز ان ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد]

قوله قده: (لا يجوز ان ينوب واحد عن اثنين أو أزيد في عام واحد، و ان كان الأقوى فيه الصحة إلا إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة- كما إذا نذر كل منهما ان يشترك مع الآخر في تحصيل الحج. و أما في الحج المندوب، فيجوز حج واحد عن جماعة بعنوان النيابة، كما يجوز بعنوان إهداء الثواب، لجملة من الأخبار الظاهرة في جواز النيابة أيضا، فلا داعي لحملها على إهداء الثواب).

الظاهر ان كلمة: «إلا» من غلط النساخ، و كيف كان فما أفاده المصنف (قده) أولا: من عدم جواز نيابة واحد عن متعدد مما لا إشكال فيه، الكلام فيما أفاده بعد ذلك من صحة الإتيان بحج واحد عن متعدد على نحو الشركة في النيابة في الندبي، و فيما إذا كان وجوبه عليهما على نحو الشركة.

يمكن ان يقال عدم صحة ذلك، فإن النيابة خلاف الأصل، و خرجنا عنه في نيابة واحد عن واحد، لأنه القدر المتيقن من أدلة النيابة و بقي الباقي تحت الأصل، فتأمل. نعم ورد صحيح محمد بن إسماعيل قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام): كم أشرك في حجتي؟

قال: كم شئت «1». و صحيح معاوية بن عمار، عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: أشرك أبوي في حجتي؟ قال: نعم قلت: أشرك إخوتي في حجتي؟ قال: نعم، ان اللّه تعالى جاعل لك حجا، و

لهم حجا و لك أجرا لصلتك إياهم. «2» و خبر محمد بن الحسن، عن ابى الحسن (عليه السلام) قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): لو أشركت ألفا في حجتك لكان لكل واحد حجة من غير ان تنقص حجتك شيئا «3». و خبر على بن حمزة، قال سألت أبا الحسن موسى: عن الرجل يشرك في حجته الأربعة و الخمسة من مواليه؟ فقال: ان كانوا صرورة جميعا فلهم أجر و لا يجزى عنهم الذي حج عنهم من حجة الإسلام و الحجة للذي حج «4» و صحيح هشام بن الحكم، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في الرجل يشرك أباه،

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 28- من أبواب النيابة حديث: 1.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 28- من أبواب النيابة حديث: 2.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 28- من أبواب النيابة حديث: 4.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 28- من أبواب النيابة حديث: 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 98

أو أخاه، أو قرابته في حجه؟ فقال: إذا يكتب لك حجا مثل حجهم و تزداد اجرا بما وصلت «1» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام).

و لكنها كما ترى لا تدل على جواز النيابة بحج واحد عن متعدد، و ذلك لأن الظاهر منها ان الجميع مشتركون في الحج المأتي به لنفسه، فيشركهم معه فيه، لا ان يحج عن جماعة بعنوان النيابة، فيحمل هذا الأخبار على إهداء الثواب، فتدبر.

[المسألة السابعة و العشرين يجوز ان ينوب جماعة عن الميت أو الحي في عام واحد في الحج المندوب]

قوله قده: (يجوز ان ينوب جماعة عن الميت أو الحي في عام واحد في الحج المندوب، تبرعا أو بالإجارة، بل يجوز ذلك في الواجب ايضا، كما إذا كان على الميت و الحي الذي لا يتمكن من المباشرة لعذر حجان مختلفان نوعا- كحجة

الإسلام و النذر- أو متحدان من حيث النوع كحجتين للنذر، فيجوز أن يستأجر أجيرين لهما في عام واحد، و كذا يجوز إذا كان أحدهما واجبا و الآخر مستحبا، بل يجوز ان يستأجر أجيرين لحج واجب واحد- كحجة الإسلام- في عام واحد احتياطا، لاحتمال بطلان حج أحدهما، بل و كذا مع العلم بصحة الحج من كل منهما و كلاهما آت بالحج الواجب و ان كان إحرام أحدهما قبل إحرام الآخر، فهو ما إذا صلى جماعة على الميت في وقت واحد، و لا يضر سبق أحدهما بوجوب الآخر، فان الذمة مشغولة ما لم يتم العمل، فيصح قصد الوجوب من كل منهما و لو كان أحدهما أسبق شروعا).

لا يخفى ان ما أفاده (قده) في ذيل المسألة بقوله: (و لو كان أحدهما أسبق شروعا) لا نحتاج اليه، و ذلك لأن أسبقية أحدهما في الشروع لا يضر بإتيان الآخر بحجة الإسلام عن المنوب عنه، لعدم فراغ ذمته بعد عنها لكن إذا فرغ أحدهما عن الأعمال قبل الآخر صار ذلك مانعا عن إتيان الآخر بها عنه، لفراغ ذمته عنها، لانطباق الواجب على الأول، فإن المفروض القطع بصحة عمل الأول.

نعم، في فرض عدم القطع و استنابة شخصين من باب الاحتياط ليس إتمام أحدهما قبل الآخر مانعا عن إتمام الآخر بعنوان الاحتياط.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب 28- من أبواب النيابة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 99

(الفصل الخامس في الوصيّة بالحجّ)

[المسألة الأولى إذا أوصى بالحج]
[فإن علم أنه واجب أخرج من أصل التركة]

قوله قده: (إذا أوصى بالحج، فإن علم أنه واجب أخرج من أصل التركة و ان كان بعنوان الوصية، فلا يقال كونها بعنوانها خروجه من الثلث. نعم، لو صرح بإخراجه من الثلث اخرج منه، فإن وفى به و الا يكون الزائد من الأصل، و لا فرق

في الخروج من الأصل بين حجة الإسلام، و الحج النذري و الافسادى، لأنه بأقسامه واجب مالي، و إجماعهم قائم على خروج كل واجب مالي من الأصل، مع ان في بعض الاخبار: «ان الحج بمنزلة الدين» و من المعلوم خروجه من الأصل، بل الأقوى خروج كل واجب من الأصل و ان كان بدنيا. إلخ).

لا ينبغي الإشكال في ان جميع الأعمال قابلة للنيابة و التبرع بعد الموت، بل هو من ضروريات الفقه، و مستفاد من الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) في الأبواب المتفرقة و ان كان ذلك على خلاف الأصل المقتضي لاعتبار المباشرة في متعلق الخطاب الموجب لسقوط التكليف بتعذرها، لانتفاء كل مشروط بانتفاء شرطه، و عليه فيحتاج في أصل وجوب القضاء عنه، و كونه من الأصل أو الثلث في كل مورد الى الدليل، فمع قيامه لا اشكال فيجب اتباعه، و أما فيما لم يعلم بنهوض دليل عليه، فيقع الكلام فيه في مقامين: (أحدهما): في أصل وجوب القضاء عنه ان كان له مال.

و (ثانيهما: في انه على فرض ثبوته هل يخرج من الأصل أم الثلث.

أما (المقام الأول): فمحصله انه يمكن إثبات وجوب أصل القضاء: «بأنه دين عليه» و دين الميت يجب أدائه ان كان له مال. أما الصغرى- و هي كونه دينا- ففي الواجب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 100

المالي أعني ما إذا كان نفس الواجب ماليا- كالخمس و الزكاة- ففي غاية الوضوح.

و أما في الواجب الذي لم يكن بنفسه ماليا سواء توقف غالبا على صرف مال معتد به- كالحج- أم لم يكن كذلك- كالصلاة فقد حققنا في الأصول ان جميع الأحكام التكليفية مستتبعة للوضع و اشتغال الذمة، و لذلك لا ينبغي الإشكال في أصل مشروعية

النيابة عنه بعد موته بالإتيان بما في ذمته قاصدا لهذا العنوان و أما الكبرى- و هي وجوب أداء دين الميت ان كان له مال- فيمكن إثباتها بوجوه:

(الأول)- ما يكون مختصا بالواجبات المالية، و هو ما في المتن من دعوى: الإجماع على خروج كل واجب مالي من الأصل، فإنه كما ترى يدل على ان أصل وجوب القضاء عن الميت مفروغ عنه، و ليس المراد ان القضاء عنه بما هو واجب، بل المراد انه ما لم يقض عنه و لو بتبرع متبرع لا يجوز التصرف في المال، بل يجب صرفه فيما يوجب براءة ذمة الميت عنه. و (فيه): انه قد ذكرنا مرارا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم (عليه السلام)، فلا عبرة به في المقام، لعدم كونه تعبديا الا ان يدعى حصول الاطمئنان به و لو مع احتمال كون مدركه بعض ما يأتي، فيكون حينئذ ذلك الاطمئنان حجة، و كيف كان فهذا الوجه لا تشمل الواجبات البدنية و انما يدل بناء على تماميته على المدعى في خصوص الواجبات المالية، و القدر المتيقن منه هو الواجب الذي يكون بنفسه ماليا- كالخمس و الزكاة- دون غيره. و أما دعوى كون مراد المجمعين من الواجب المالي مطلق ما يتوقف وجوده على المال- كالحج- فدون إثباتها خرط القتاد.

(الثاني)- ما لا يختص بالواجبات المالية بل نعم الواجبات البدنية، و هو الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) الدالة على ان: (دين اللّه أحقّ أن يقضى)، و قد مضى ذكرها في الجزء الأول من الكتاب عند ذكر أدلة وجوب تقديم الحج على الدين، و من أراد الوقوف عليها فليراجعها. و (فيه): ضعفها سندا و دلالة، و ذلك لدلالتها على أصل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 101

صحة القضاء و مشروعيته دون وجوبه سواء كان المراد وجوبه نفسيا، أو كان المراد انه ما لم يقص لم يجز التصرف في المال لتعلق حق الميت به.

(الثالث)- قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) «1» و كذلك الأخبار الواردة في ان الإرث بعد الدين و يمكن ان يقال ان مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الواجبات المالية و البدنية، لما عرفت من ان جميعها دين. هذا و لكن يمكن القول بانصرافها عن الواجبات البدنية و ان فرض توقف الواجب البدني دائما أو غالبا على صرف المال كالحج فتدبر. و أما الحكم بوجوب إعطاء حجة الإسلام و كذا كونه من الأصل فإنما هو لأجل النص الخاص و من هنا ظهر: ان الإفتاء بوجوب إعطاء الحج النذري الثابت على الميت مشكل وفاقا لصاحب كشف اللثام (قدس سره) حيث انه بعد ان نسب الحكم بوجوب قضاء الحج النذري من أصل تركه الناذر الذي مات بعد التمكن من أدائه إلى قطعهم قال: للنظر فيه مجال واسع للأصل و افتقار وجوبه إلى أمر جديد تبعا لصاحب المدارك (ره) على ما في الجواهر اللهم الا يقوم على ذلك إجماع يوجب الاطمئنان أو قام دليل تعبدي بالخصوص على وجوب القضاء و من أصل التركة أو أمكن إثبات دينيته بطريق آخر كي تشمله الأدلة و لكن المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

و أما ما في بعض الاخبار من إخراج الحج النذري من ثلث المال على فرض تماميته فإنما هو وارد في نذر الإحجاج لا في نذر الحج، كصحيح ضريس و هو انه سأل أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل عليه حجة الإسلام نذر نذرا في شكر ليحج

رجلا إلى مكة فمات الذي نذر قبل ان يحج حجة الإسلام و من قبل ان يفي بنذره الذي نذر؟ قال: ان ترك مالا يحج عنه حجة الإسلام من جميع المال و اخرج من ثلثه ما يحج به رجلا لنذره و قد وفى بالنذر، و ان لم يكن ترك مالا الا بقدر ما يحج به حجة الإسلام حج عنه بما ترك و يحج عنه

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 10.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 102

وليه حجة النذر انما هو مثل دين «1» و كصحيح عبد اللّه بن ابى يعفور سأل الصادق (عليه السلام) رجل نذر للّه ان عافى اللّه ابنه من وجعه ليحجنه الى بيت اللّه الحرام فعافى اللّه الابن و مات الأب؟ فقال: الحجة على الأب يؤديها عنه بعض ولده، قال: هي واجبة على ابنه الذي نذر فيه، فقال هي واجبة على الأب من ثلثه. إلخ «2» و أنت ترى دلالتهما على ما قلنا و لا يمكن التعدي عن موردهما الى ما نحن فيه- و هو نذر الحج- إلا إذا قام دليل تعبدي من الخارج على جواز التسرية، و هو لم يثبت، فلا بد من الاقتصار على المورد. و أما القول بأنه يمكن التعدي عن المورد الى غيره بتنقيح المناط القطعي فلا مجال له إذ لا سبيل الى العلم بالمناط و غاية ما يحصل منه هو الظن به و لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا عن كونه قياسا، لاحتمال خصوصية في نذر الإحجاج دون نذر الحج. نعم إذا قطعنا بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل فلا محيص حينئذ عن التعدي عن مورده الى مفروض المقام- و هو نذر الحج-، و لكنه مجرد فرض

لا واقع له لعدم احاطتنا بالملاكات و موانعها، كما هو واضح فالتعدي قياس محض و هو باطل عند مذهب أهل الحق مضافا الى ان نذر الإحجاج داخل في الواجب المال و هذا بخلاف نذر الحج، كما لا يخفى.

و أما (المقام الثاني): و هو انه بعد فرض وجوبه هل يخرج من الأصل أم من الثلث فيقع الكلام فيه في جهتين: (الأولى): بالنسبة إلى ديون الناس (الثانية): بالنسبة إلى ديون اللّه.

أما (الجهة الأولى). فمحصل الكلام فيها انه لا إشكال في خروجها من الأصل، لقوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» و نحوه الأخبار الواردة في ذلك.

و أما (الجهة الثانية) و هي الواجبات البدنية فملخص الكلام فيها انه بناء على القول بوجوب أصل قضائها ان كان مدركه ما تقدم من الوجه الثالث (بدعوى): شمول إطلاق

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب 29 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 103

الآية الشريفة و الاخبار للواجبات البدنية، كشمولها للواجبات المالية و عدم انصرافها عنها اتجه ايضا خروجها من الأصل بعين ذلك الوجه و ان كان مدركه الوجه الثاني دون الوجه الثالث (بدعوى): انصراف الآية و الأخبار عن الواجبات البدنية فلا يثبت خروجها من أصل المال و مقتضى إطلاق أدلة إرث الزائد عن الثلث و عدم استحقاق الميت لا زيد من الثلث في فرض استحقاقه هو خروجها من الثلث إذا اوصى به و أما الوجه الأول و هو دعوى الإجماع على خروج الواجبات المالية من الأصل فقد عرفت اختصاصه بها، و شموله للواجب الذي ليس في نفسه ماليا لكنه يتوقف على

صرف المال دائما أو غالبا غير معلوم، بل يؤيد عدم شموله لذلك اختلاف الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في ان الحج النذري هل يخرج من الأصل أو من الثلث و (من هنا) ظهر: ايضا عدم إمكان إثبات خروج الحج النذري من الأصل (بدعوى): الإجماع على ذلك، فحينئذ إذا قام دليل بالخصوص على وجوب إخراجه من الأصل فهو، و الا فيحكم بعدم لزوم إخراجه، كما لا يخفى.

و التحقيق- كما ظهر من تضاعيف ما ذكرنا- ان الواجبات البدنية أما لا يجب إخراجها أصلا أو يجب إخراجها من أصل المال دون الثلث، و ذلك لأن العمدة في أصل إثبات وجوب إخراجها (دعوى): كونها دينا فهي داخلة في إطلاق قوله تعالى «مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ» و كذلك الأخبار الواردة على طبق ذلك فلو لم يثبت الإطلاق و قلنا بانصرافها عن الواجبات البدنية فلا دليل على وجوب إخراجها أصلا، إلا ان يوصى بها فتخرج من الثلث. نعم، في مثل نذر الإحجاج الذي يكون داخلا في الواجبات المالية يمكن القول بدخوله في إطلاقها و ان لم يكن من دين الناس و ان ثبت الإطلاق و قلنا بكون الانصراف بدويا كما تقدم في بعض المباحث السابقة اتجه خروجها من أصل المال.

نعم، في خصوص الحج النذري يمكن القول بخروجه من الثلث، لورود النص على الخروج من الثلث في نذر الإحجاج مع كونه من الواجبات المالية، فيثبت ذلك في نذر الحج بالطريق

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 104

الاولى، لكن فيه ما لا يخفى، لاحتمال دخل خصوصية الإحجاج في الحكم، كما عرفت، و لا وجه للتعدي عن مورده الى غيره بعد عدم إحراز وحدة المناط فيهما. هذا مضافا الى ما أفاده

بعض المحققين (قده) من أعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عما ورد في نذر الإحجاج من الخروج عن الثلث، لعدم إفتاء أحد من الفقهاء بذلك في مورده.

(فائدة): وجوب إخراج الحج النذري بناء على القول به سواء قلنا بخروجه من الأصل أم الثلث هل يختص بما إذا نذر الحج مطلقا أو يشمل ما إذا نذره مقيدا بسنة معينة مقتضى القاعدة هو الأول، لأن سقوط قيدية الوقت الخاص و المباشرة كليهما خلاف الأصل، فلا يصار اليه الا بالدليل و من المعلوم انه لم ينهض دليل الا على سقوط قيد المباشرة بالموت، فتبقى قيدية الزمان الخاص على حالها و مقتضاه انحلال النذر و عدم وجوب إخراجه أصلا.

ان قلت: لا فرق بين النذر المطلق و المقيّد بوقت خاص، و ذلك لكون النذر المطلق ايضا مقيدا بقيد الحياة و العمر كيف و منذورة فعل مباشرى له و لا يعقل تحقق ذلك إلا في حال حياته، فعلى هذا يكون نذره دائما مقيدا بوقت خاص- و هو العمر- كما ان المباشرة دخيلة فيه لو خلى و طبعه، فحينئذ سقوط قيد المباشرة بعد الموت غير كاف في صحة قضاء العمل المنذور أو وجوبه بعد الموت استنابة، بل لا بد من سقوط قيد الوقت أيضا فإن قلنا بعدم سقوطه لم يصح قضائه بعد الموت مطلقا، و ان قلنا به صح قضائه و لو كان مقيدا بسنة خاصة هذا و لو فرض انه نذر الحج مطلقا بحيث يشمل ما بعد موته لم ينعقد النذر بالنسبة الى ما بعد الموت، لاشتراط القدرة في صحته، كما هو واضح قلت: لو فرض ان الناذر قيد نذره بقيد الحياة كان حكمه حكم تقييده بسنة خاصة.

و أما (دعوى): كون النذر

المطلق دائما مقيدا بهذا القيد (فممنوعة) جدا، لأن النذر يتعلق بطبيعة الحج المقدور له في حال حياته و ان لم يكن مقدورا له بعد موته، فإنه يكفي في صحة نذر الطبيعة القدرة على بعض إفرادها نعم قيد النذر بالمباشرة، و المفروض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 105

سقوطها بعد الموت، فلا إشكال في قضائه بعده في فرض كون النذر مطلقا و هذا بخلاف ما لو كان مقيدا بسنة معينة، فإن مقتضى القاعدة حينئذ انحلال النذر بمضي تلك السنة، لانتفاء موضوعه، هذا و لكن ذهب المصنف (ره) كما هو مقتضى إطلاق كلامه في هذا المقام و نصه في مبحث الحج النذري الى ان الحج النذري يقضى بعد الموت حتى في فرض كونه مقيدا بسنة خاصة، و هذا متفرع على القول بأنه لو كان حيا و مضت تلك السنة و قد تركه عصيانا لم ينحل نذره بل كان عليه قضائه، و قد صرح هو (قده) بذلك- اى بلزوم قضائه عليه بعد مضى تلك السنة- في مبحث الحج النذري حيث قال فيه: (و إذا قيده بسنة معينة لم يجز التأخير مع فرض تمكنه في تلك السنة فلو أخر عصى و عليه القضاء و الكفارة، و إذا مات وجب قضائه عنه، كما ان في صورة الإطلاق إذا مات بعد تمكنه منه قبل إتيانه وجب القضاء عنه، و القول بعدم وجوبه (بدعوى): كون القضاء بفرض جديد ضعيف. إلخ) و لعل الوجه في ذلك بعد الإجماع لو ثبت إطلاق: «من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته» و ان استشكل فيه بعض الفقهاء (قدس سره) بأنه منصرف الى غيره من الموقت بأصل الشرع، بخلاف النذر الذي مقتضى مخالفته انحلاله المقتضى لعدم القضاء- كاليمين

و ترتب الكفارة، و لكن نحن لم نظفر بها في اخبار قضاء الفوائت بل هي واردة في خصوص الصلاة، و صاحب الجواهر (قدس سره) و ان ذكرها في كتاب النذر في نظير المقام للتمسك بإطلاق: (من فاتته. إلخ) مع الاستشكال فيه، و لكن لم نجد حديثا بهذا المضمون في مطلق الفريضة، و عليه فمقتضى قاعدة انتفاء الموقّت بانتفاء وقته هو عدم وجوب القضاء.

هذا كله بناء على مسلك المشهور و الا أصل وجوب القضاء مطلقا حتى في صورة ما إذا تعلق نذره بفعله المباشري محل اشكال و قد تقدم في الجزء الأول فراجع.

[و إن علم أنه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث]

قوله قده: (و إن علم أنه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث. إلخ)

ما أفاده المصنف (قده) في مفروض المقام مما لا اشكال فيه، لتطابق النصوص

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 106

و الفتاوى عليه، و لا بأس بذكر الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) الدالة على المدعى- و هي:

1- صحيح معاوية بن عمار في رجل مات و أوصى ان يحج عنه؟ فقال: ان كان صرورة يحج عنه من وسط المال، و ان كان غير صرورة فمن الثلث «1» في دلالته تأمل.

2- عن سماعة قال: سألته عن رجل أوصى عند موته أن يحج عنه؟ فقال: ان كان قد حج فليؤخذ من ثلثه، و ان لم يكن حج فمن صلب ماله لا يجوز غيره «2» هذا كسابقة.

3- صحيح معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن رجل مات و اوصى ان يحج عنه؟ قال: ان كان صرورة فمن جميع المال، و ان كان تطوّعا فمن ثلثه «3».

4- خبر ابى بصير عن ابى عبد اللّه (عليه السلام): في الرجل له الولد يسعه ان

يجعل ماله لقرابته؟ قال: هو ماله يصنع به ما شاء الى ان يأتيه الموت قال: فإن أوصى به فليس له الا الثلث «4».

5- صحيح احمد بن محمد قال: كتب احمد بن إسحاق الى أبى الحسن (عليه السلام) ان درة بنت مقاتل توفيت، و تركت ضيعة أشقاصا. في مواضع و أوصت لسيدنا في أشقاصها بما يبلغ أكثر من الثلث و نحن اوصيائها و أحببنا انها ذلك الى سيدنا، فإن أمر بإمضاء الوصية على وجهها أمضيناها، و ان أمرنا بغير ذلك انتهينا إلى أمره في جميع ما يأمر به (ان شاء اللّه تعالى)؟ قال: فكتب (عليه السلام) بخطه: ليس يجب لها في تركتها الا الثّلث، و ان تفضلتم و كنتم الورثة كان جائزا لكم (ان شاء اللّه تعالى) «5» الى غير ذلك من الأخبار

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 41- من أبواب كتاب أبواب الوصايا حديث: 1.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 41- من أبواب كتاب أبواب الوصايا حديث: 2.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 41- من أبواب كتاب أبواب الوصايا حديث: 3.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 10- من أبواب كتاب الوصايا حديث: 6.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 11- من أبواب كتاب الوصايا حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 107

الواردة عنهم (عليهم السلام) و قد عقد في الوسائل بمضمون الحديث الأخير بابا واسعا في كتاب الوصية، و قد ذكر فيها جملة من الروايات المتضمنة لهذا المعنى و من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

[و إن لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان]

قوله قده: (و ان لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث؟

وجهان يظهر من سيد الرياض (قدس سره) خروجه من الأصل، حيث انه وجه كلام الصدوق (قده) الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل:

بأن مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجبا أو لا، فان مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل خرج عنها صورة العلم بكونها ندبيا، و حمل الخبر الدال بظاهره على ما عن الصدوق ايضا على ذلك، لكنه مشكل، فان العمومات مخصصة بما دل على ان الوصية بأزيد من الثلث ترد اليه الا مع اجارة الورثة هذا مع ان الشبهة مصداقية، و التمسك بالعمومات فيها محل اشكال و أما الخبر المشار اليه، و هو قوله (عليه السلام): «الرجل أحقّ بماله ما دام فيه الروح ان أوصى به كله فهو جائز» فهو موهون باعراض العلماء عن العمل بظاهره، و يمكن ان يكون المراد بماله هو الثلث الذي أمره بيده. إلخ).

ما افاده (قده) بالنسبة إلى ضعف الخبر لأجل إعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) مما لا إشكال فيه. الا ان ما افاده (قده) من انه يمكن ان يكون المراد: «بماله» الواقع في الخبر هو الثلث قابل للمناقشة و الاشكال، لكونه خلاف الظاهر، كما لا يخفى.

قوله قده: (فتحصل ان في صورة الشك في كون الموصى به واجبا حتى يخرج من أصل التركة أو لا حتى يكون من الثلث مقتضى الأصل الخروج من الثلث، لأن الخروج من الأصل موقوف على كونه واجبا، و هو غير معلوم، بل الأصل عدمه، إلا إذا كان هناك انصراف- كما في مثل الوصية بالخمس، أو الزكاة، أو الحج، و نحوها. إلخ)

لا إشكال في عدم وجوب الإخراج من أصل التركة على الوارث في مفروض المقام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 108

و لكن لا لقاعدة: (ان كلما علق على أمر وجودي يحكم بضده حتى يثبت ذلك الأمر الوجودي). بل لانه مع فرض الشك

في تحقق ما يوجب اشغال ذمة ذلك الميت يجرى استصحاب العدم، لتحقق أركانه كما لا يخفى، فلا يجب على الوارث حينئذ الإخراج من أصل التركة و بذلك يثبت جواز تصرف الوارث فيما زاد على الثلث لأنه من آثار عدم وجوب ما لو كان واجبا للزم إخراجه من أصل المال. فلا يقال: انه حينئذ يقع الشك في صحة تصرفات الوارث فيما زاد على الثلث. نعم، يمكن ان يقال بعدم إمكان إثبات الندبية و الخروج من الثلث بذلك، و ذلك لأنه تعويل على الأصل المثبت حيث ان اللازم العقلي لأصالة عدم الوجوب هو الندبية و هو مثبت و قد حقق في الأصول بطلانه.

و لكن التحقيق: هو وجوب الإخراج من الثلث، كما أفاده المصنف (قده)، و ذلك لعدم الاحتياج في إخراجه عن الثلث إلى إحراز عنوان الندبية حتى يناط إثبات المدعى موقوفا على التمسك بالأصل المثبت بل يكفي في خروج الموصى به من الثلث عدم وجوبه، و المفروض ان الاستصحاب حاكم بذلك، كما لا يخفى.

قوله قده: (نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب- كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقا و لم يعلم انه أتى به أولا- فالظاهر جريان الاستصحاب و الإخراج من الأصل. و (دعوى): ان ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه، و هو فرع شكه لا شك الوصي أو الوارث و لا يعلم انه كان شاكا حين موته أو عالما بأحد الأمرين: (مدفوعة):

بمنع اعتبار شكه بل يكفى شك الوصي أو الوارث. إلخ).

و ذلك لأن التكليف متوجه الى الأحياء و يجرون الاستصحاب لتعيين تكليفهم، فالقول بعدم الاعتبار بيقينهم و شكهم في غير محله. نعم، هنا إشكال من ناحية ان استصحاب الوجوب لا يثبت وجوب الموصى به

مثلا لو اوصى بإعطاء مقدار خاص من المال للفقراء و كان مقتضى الاستصحاب اشتغال ذمته بذلك المقدار من جهة الزكاة لا يثبت بذلك ان ما اوصى به هو ذلك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 109

الواجب هذا و لكن التحقيق: ان المقدار الذي يثبت اشتغال الذمة به بالاستصحاب يخرج من الأصل و لا يعلم بثبوت وصية بغير ذلك حتى يخرج من الثلث، فمقتضى الأصل عدمه.

قوله قده: (و لا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوصي، فإن مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث، و لكنه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد، لحصول العلم غالبا بان الميت كان مشغول الذمة بدين، أو خمس، أو زكاة، أو حج، أو نحو ذلك، الا ان يدفع بالحمل على الصحة، فإن ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه، لكنه مشكل في الواجبات الموسعة بل و في غيرها أيضا في غير الموقتة، فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل).

التحقيق: عدم جريان أصالة الصحة فيما إذا شك في أصل الإتيان بالعمل، و ذلك لأن جريانها موقوف على صدور العمل في الخارج و إحرازه و هو على الفرض في المقام مشكوك فيه، مع انه لا يمكن الالتزام بجريانها في الواجبات الموسعة و وجوب الحج يكون ما دام العمر، غاية الأمر مقتضى الأمر وجوبه فورا ففورا، و لذلك يحتمل ان يكون تأخيره لأجل التوسعة و كونه معذورا في ذلك. و على فرض تسليم كونه من الموقتات لا مجال لجريانها ايضا، لعدم إثباتها أنه أتى بالعمل بل يدل على عدم تعمده الحرام و لو من ناحية الغفلة. و أما الاستدلال بكون ظاهر

حال المسلم عدم مخالفة التكليف فهو في غير محله أما (أولا): فلمنع أصل الظهور في كثير من المسلمين. و أما (ثانيا): فلمنع حجيته ما لم يفد الاطمئنان فتدبر.

[المسألة الثانية يكفي الميقاتية]

قوله قده: (يكفي الميقاتية سواء كان الحج الموصى به واجبا أو مندوبا إلخ)

قد تقدم الكلام في هذه المسألة في الجزء الأول من الكتاب فراجع.

[المسألة الثالثة إذا لم يعين الأجرة فاللازم الاقتصار على اجرة المثل]

قوله قده: (إذا لم يعين الأجرة فاللازم الاقتصار على اجرة المثل للانصراف إليها و لكن إذا كان هناك من يرضى بالأقل منها وجب استئجاره إذا الانصراف إلى أجرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 110

المثل انما هو نفى الأزيد فقط.)

قال في الجواهر: (إذا اوصى ان يحج عنه و لم يعين الأجرة انصرف الى أجرة المثل فنازلا، لكونه كالتوكيل في ذلك. إلخ). و قال في المدارك: (أما انصراف الأجرة مع عدم التعيين إلى أجرة المثل فواضح، لأن الواجب العمل بالوصية مع الاحتياط للوارث، فيكون ما جرت به العادة كالمنطوق به، و هو المراد من اجرة المثل و لو وجد من يأخذ أقل من اجرة المثل اتفاقا وجب الاقتصار عليه احتياطا للوارث. إلخ) ما افاده المصنف (قده) و غيره من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) من الاقتصار على اجرة المثل في صورة عدم تعيين الأجرة و ان كان مسلما الا ان اجرة المثل مختلفة، لاحتمال ان يكون المراد منها ما هو المتعارف ما بين الاجراء، و يحتمل ان يكون المراد منها ما هو متعارف طائفة الميت في إعطاء الأجرة، و يحتمل ان يكون المراد منها هو اجرة المثل لمثل هذا الشخص بمقدار مصارف حجه. و على فرض تسليم كون المراد من اجرة المثل هو الاحتمال الأول فهي أيضا تختلف، لكونها ذات مراتب: مرتبة عليا، و مرتبة وسطى، و مرتبة أدنى و لكن الظاهر انه مع اختلاف مراتب اجرة المثل يتعين الاقتصار على الأقل، لأن في الأكثر منافاة لحق الورثة، و لكن إذا كان إعطاء

الأقل منافيا لشرف الميت فيمكن (دعوى): انصراف الأدلة عنه فتدبر.

قوله قده: (و هل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده الأحوط ذلك توفيرا على الورثة خصوصا مع الظن بوجوده و ان كان في وجوبه إشكال خصوصا مع الظن بالعدم. إلخ).

الأقوى في النظر هو وجوب الفحص عن ذلك، لأن إعطاء أجرة المثل كان منوطا بالعلم بعدم وجود من يرضى بالأقل. و أما مع احتمال وجوده فلا يعلم الاذن فيه فيحكم بوجوب الفحص مطلقا حتى مع الظن بالعدم، لأن وجود الظن الغير المعتبر يكون بمنزلة الشك. نعم، إذا قامت قرينة حالية، أو مقالية، على انه أوصى بالثلث و اذن له بالتصرف فيه من دون فحص يحكم حينئذ بعدم وجوب الفحص، لكنه خارج عن مورد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 111

الفرض، كما هو واضح.

قوله قده: (و لو وجد من يريد ان يتبرع فالظاهر جواز الاكتفاء به بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار بل هو المتعين توفيرا على الورثة فان أتى به صحيحا كفى و الا وجب الاستئجار. إلخ).

لا كلام لنا في ذلك و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم).

قوله قده: (و لو لم يوجد من يرضى بأجرة المثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحج واجبا بل و ان كان مندوبا ايضا مع وفاء الثلث، و لا يجب الصبر الى العام القابل و لو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل أو أقل، بل لا يجوز لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمة الميت في الواجب و العمل بمقتضى الوصية في المندوب. إلخ).

لا يخفى ان ما أفاده المصنف (قده) من وجوب دفع الأزيد و لو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل في العام القابل انما

يتم إذا صرح الموصى بالمبادرة، أو قامت قرينة حالية أو مقالية عليها، و الا فمقتضى إطلاق كلامه جواز التأخير، كما هو واضح.

[المسألة الرابعة هل يلاحظ في الأجير من يناسب شأن الميت في شرفه و ضعته]

قوله قده: (هل اللازم في تعيين اجرة المثل الاقتصار على أقل الناس اجرة أو يلاحظ من يناسب شأن الميت في شرفه و ضعته؟ لا يبعد: الثاني و الأحوط الأظهر:

الأول، و مثل هذا الكلام يجري أيضا في الكفن الخارج من الأصل أيضا.).

قد عرفت في المسألة السابقة انه مع اختلاف مراتب اجرة المثل يتعين الاقتصار على الأقل، لأن في الأكثر منافاة لحق الورثة إلا إذا كان الأقل منافيا لشرف الميت، فحينئذ يمكن (دعوى): انصراف الأدلة عنه، فتدبر.

[المسألة الخامسة لو أوصى بالحج]
[و عين المرة أو التكرار بعدد معين تعيّن]

قوله قده: (لو أوصى بالحج و عين المرة أو التكرار بعدد معين تعيّن.)

بلا خلاف أجده في ذلك و هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 112

[و إن لم يعين كفى حج واحد]

قوله قده: (و إن لم يعين كفى حج واحد الا ان يعلم انه أراد التكرار.)

قال المحقق «طاب ثراه» في الشرائع: (من اوصى ان يحج عنه و لم يعين المرات فان لم يعلم منه ارادة التكرار اقتصر على المرة، و ان علم ارادة التكرار حج عنه حتى يستوفى الثلث من تركته قال في الجواهر في شرح قول المحقق: (اقتصر على المرة) التي يحصل بها الطبيعة الموصى بها، كما في عد الفاضل و غيرها، نحو ما لو أمر السيد عبده على ما حقق في محله، لأصالة البراءة و غيرها، بل يمكن دعوى دلالة اللفظ على ارادة ذلك فلا وصية حينئذ بالزائد لا لا أمر به، بل لو سلم دعوى صدق تحقق الوصية بالحج بتعدد الحج عنه في سنة واحدة الا انه فيه مزاحمة لحق الوارث المقتضى لوجوب الاقتصار على أقل ما يتحقق به الوصية إلا مع رضاه لو فرض انحصار الوصية في اللفظ المزبور، كما في نظائره، و ان علم ارادة التكرار المستوعب لما له حجّ عنه حتى يستوفى الثلث من تركته، بلا خلاف، و لا اشكال، مع عدم اجازة الوارث، لعدم تسلطه على غيره كما حرر في محله. إلخ). قال في المدارك: (أما وجوب الاقتصار على المرة إذا لم يعلم منه ارادة التكرار فظاهر، لتحقق الامتثال بذلك و أما وجوب الحج عنه الى ان يستوفى الثلث إذا علم منه ارادة التكرار فلان الوصية لا تنفذ إلا في الثلث إذا لم

يجز الوارث. إلخ) لا ينبغي الارتياب في كفاية الاقتصار على المرّة عند الإطلاق و هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و الوجه في ذلك ظاهر، و ذلك لضرورة تحقق الامتثال بالمرّة لحصول الطبيعة الموصى بها بذلك، كما هو واضح هذا إذا كان لكلام الموصى إطلاق و أما إذا لم يكن له إطلاق بحيث تردد الموصى به بين الواحد و المتعدد ففي هذا الفرض ايضا لا ينبغي الإشكال في كفاية المرة للشك في تحقق وصيته بالنسبة إلى الزائد و مقتضى الأصل عدمه.

قوله قده: (و عليه يحمل ما ورد في الاخبار: من انه يحج عنه ما دام له مال، كما في خبرين، أو ما بقي من ثلثه شي ء كما في ثالث بعد حمل الأولين على الأخير من ارادة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 113

كما في خبرين، أو ما بقي منه ثلثه شي ء كما في ثالث بعد حمل الأولين على الأخير من ارادة الثلث من لفظ المال. إلخ)

مراده بالخبرين خبر محمد بن الحسن الأشعري قلت، لأبي الحسن (عليه السلام) جعلت فداك إنّي سألت أصحابنا عما أريد أن أسألك، فلم أجد عندهم جوابا و قد اضطررت إلى مسألتك، و ان سعد بن سعد أوصى الىّ فأوصى في وصيّته حجّوا عنّى مبهما و لم يفسر فكيف اصنع؟ قال: يأتيك جوابي في كتابك فكتب الىّ: يحجّ عنه، ما دام له مال يحمله و خبر محمد بن الحسن انه قال لأبي جعفر (عليه السلام): جعلت فداك قد اضطررت إلى مسألتك فقال: هات فقلت: سعد بن سعد اوصى حجوا عنى مبهما و لم يسم شيئا و لا يدرى كيف ذلك! قال: يحج عنه ما دام له مال «1» و مراده (قده)

من الثالث هو خبر محمد بن الحسين بن أبى خالد قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل اوصى ان يحج عنه مبهما؟

فقال يحج عنه ما بقي من ثلثه شي ء «2».

قوله قده: (فما عن الشيخ و جماعة من وجوب التكرار ما دام الثلث باقيا ضعيف. إلخ)

قال في الجواهر بعد حمل الأخبار المتقدمة على صورة العلم بإرادة التكرار (لكن عن الشيخ و جماعة العمل بهذه النصوص و ان لم يعلم ارادة التكرار، و اختاره في الحدائق تحصيلا ليقين البراءة. و (فيه): انه لا يقين بالشغل بأزيد من المرة و ما أبعد ما بينه و بين الأصبهاني حيث اقتصر على الخبرين الأخيرين ثم قال: (و يمكن ان يكونا بمعنى انه يحج عنه ان بقي من ثلثه شي ء بعد وصيته مقدمة عليه بمعنى انه يخرج من الثلث فلا يفهم التكرار أصلا، و لكنه كما ترى. و اقتصر في ك في الاستدلال على التكرار المزبور على الخبر الأخير. ثم قال (و لا يخفى ان ذلك يتم إذا علم منه ارادة التكرار على هذا الوجه

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 4 من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 4 من أبواب النيابة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 114

و الا اكتفى بالمرتين ليتحقق بذلك كما يكفي المرة مع الإطلاق: و (فيه): ان من المعلوم عدم كون لفظ التكرار عنوانا للوصية كي يكون المدار على تحقق مفهومه و انما الكلام فيما إذا كان عنوانها اللفظ المزبور في النصوص. إلخ) و التحقيق: عدم تمامية ما افاده الشيخ و تابعوه، لحمل الأخبار الدالة على وجوب التكرار على صورة العلم بإرادة الموصي التكرار، و على فرض عدم تماميته فالمتعين طرحها لإعراض

المشهور عنها، كما افاده المصنف (قده) في ذيل المسألة، حيث قال: (و على فرض ظهورها في إرادة التكرار و لو مع العلم بإرادته لا بد من طرحها، لإعراض المشهور عنها) لكن الحكم بوهنها لأجل أعراض جماعة منها مع عمل جماعة من القدماء بها لا يخلو من التأمل و الاشكال، فتدبر

قوله قده: (نعم لو اوصى بإخراج الثّلث و لم يذكر الا الحج يمكن أن يقال بوجوب صرف تمامه في الحج كما لو لم يذكر الا المظالم، أو إلّا الزكاة، أو إلّا الخمس، و لو أوصى أن يحج عنه مكررا كفى مرتان، لصدق التكرار معه)

ما افاده المصنف (قده) من كفاية مرّتين مع الوصية بالحج مكرّرا مما لا ينبغي الإشكال فيه نعم، إذا فهم من كلام الموصي، أو قامت قرينة حالية، أو مقالية على ارادة التكرار مهما أمكن فلا بد من ان يحجّ عنه مكررا الى ان يفنى الثلث

[المسألة السادسة لو أوصى بصرف مقدار معين في الحج سنين معينة]

قوله قده: (لو أوصى بصرف مقدار معين في الحج سنين معينة و عين لكل سنة مقدارا معينا و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة صرف نصيب سنتين في سنة أو ثلاث سنين في سنتين مثلا و هكذا)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا. قال في الشرائع: (إذا اوصى ان يحج عنه في كل سنة بقدر معين فقصر جمع نصيب سنتين و استؤجر لسنة، و كذا لو قصر ذلك أضيف إليه من نصيب الثالثة) قال في الجواهر في شرح قول المحقق طاب ثراه: (بلا خلاف أجده فيه) قال في المدارك في شرح قوله طاب ثراه: (المراد أنه إذا أوصى ان يحج عنه سنين متعددة و عين لكل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص:

115

سنة قدرا معينا اما مفصلا- كمائة- أو مجملا- كغلة بستان- فقصر عن اجرة الحج جمع مما زاد على السنة ما يكمل به اجرة المثل لسنته ثم يضم الزائد الى ما بعده و هكذا و هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب.، إلخ) يمكن الاستدلال على ذلك بوجوه:

(الأول)- الإجماع قديما و حديثا. و (فيه): انه قد تكرر منا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الكاشف قطعيا من رأى المعصوم (عليه السلام) لا المدركى، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض الوجوه الآتية، فلا عبرة إلا إذا حصل منه الاطمئنان، فيكون الاطمئنان حجة (الثاني)- ما استدل به صاحب الرياض (قدس سره) و هو قاعدة الميسور على ما حكى عنه. و (فيه): ان تلك القاعدة ان تمت لا تتم فيما نحن فيه، لان مورد جريانها هو متعلقات الأحكام الإلهية التي يمكن ان يستكشف منها دخل المعسور في حال التمكن فقط مع قدرة المكلف على الإتيان بما عدا المعسور من اجزاء العمل دون مثل المقام مما يكون من متعلقات إرادات الناس كما لا يخفى، فلا يمكن فيها الكشف المزبور. اللهم الا ان يقال:

ان المراد هو اجراء تلك القاعدة في الحكم الشرعي الذي هو عبارة عن وجوب العمل بالوصية. و لكن يمكن المناقشة فيه بان وجوب العمل بالوصية و ان كان حكما شرعيا لكنه يتوقف على صدق هذا العنوان على البعض و اما مع عدم صدقه لأجل انتفاء القيد، فلا يبقى مجال لصدق الميسور، لعدم الموضوع له حينئذ كما لا يخفى. و بالجملة فيمكن ان يقال ان تعلق الوصية بالحج المتكرر ان كان بنحو العام المجموعي تجري فيه قاعدة الميسور و ان كان بنحو العام الاستغراقي فلا تجري فيه

كما قرر في محله فتدبر (الثالث)- ان القدر المعين على المفروض قد خرج بالوصية عن ملك الورثة و وجب صرفه فيما عينه الموصى بقدر الإمكان و لا يمكن صرفه الا بجمعه على هذا الوجه فيتعين.

و ناقش فيه صاحب المدارك ره حيث قال ان انتقال القدر المعين بالوصية انما يتحقق مع

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 116

إمكان صرفه فيها، و لهذا وقع الخلاف في انه إذا قصر المال الموصى به عن الحج هل يصرف في وجوه البر أو يعود ميراثا، فيمكن اجراء مثل ذلك هنا، لتعذر صرف القدر الموصى به في الوصية. هذا و لكن التحقيق: ان قياس ما نحن فيه بمسألة ما إذا قصر المال الموصى به في حج واحد في غير محله، لكونه مع الفارق لامتناع العمل بالوصية في هناك بخلاف ما نحن فيه، فلا بد من العمل بالوصية بقدر الإمكان فإن الظاهر من وصيته ان ذكره لعدد خاص و قيمة خاصة لم يكن على نحو التقييد و الارتباط بحيث لو لم يكن ذلك يرفع اليد عن أصل الحج بل انما ذكر ذلك بتخيل وفاء المال بذلك فيكون من باب تعدد المطلوب (الرابع)- الأخبار الخاصة الواردة عنهم (عليهم السلام) في المقام:

1- ما رواه إبراهيم بن مهزيار، قال، كتب اليه علي بن محمد الحضيني ان ابن عمى أوصى ان يحج عنه بخمسة عشر دينار في كل سنة و ليس يكفى ما تأمرني في ذلك؟

فكتب (عليه السلام): يجعل حجتين في حجة، فان اللّه تعالى عالم بذلك «1» 2- روايته الأخرى قال كتبت اليه (عليه السلام): ان مولاك علي بن مهزيار اوصى ان يحج عنه من ضيعة صير ربعها لك في كل سنة حجة الى عشرين

دينارا و انه قد انقطع طريق البصرة فتضاعف المؤن على الناس فليس يكتفون بعشرين دينارا، و كذلك اوصى عدة من مواليك في حجهم؟ فكتب (عليه السلام): يجعل ثلاث حجج حجتين ان شاء اللّه «2» (فائدة) إذا دار الأمر بين ان ينقص من العدد أو القيمة كما إذا فرضنا انه اوصى بإعطاء الأجير لكل حج عشرة دنانير مثلا و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة و دار الأمر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب النيابة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 117

بين ان ينقص من عدد الحج حتى يكفى ذلك المقدار في باقي الحج منه بان يحج عنه تسع حجج و بين ان ينقص من القيمة حتى يفي بتمام العدد و هو عشر حجج مقتضى القاعدة هو التخيير لاحتمال الأهمية في كل واحد منهما في نظر الموصى. نعم، إذا علم من القرائن الحالية، أو المقالية «أهمية العدد بنظره تعين تنقيص القيمة، و كذلك إذا علم أهمية القيمة بنظره تعين تنقيص العدد. الا ان يقال ان وجوب تقديم ما هو الأهم في نظر الموصى عند التزاحم غير معلوم إلا إذا كان اوصى بذلك ايضا. هذا كله إذا كان في البين من يرضى بالأقل، و الا فلا محالة ينقص من العدد فيصرف نصيب سنتين في سنة. ثم انه لا يخفى ان ما ورد في الرواية الاولى من انه: (يجعل حجتين في حجة). و في الرواية الثانية من انه:

(يجعل ثلاث حجج حجتين) انما يكون من باب المثال: كما افاده المصنف قده و لا خصوصية لها قطعا فربما يجعل اربع حجج حجا واحدا و هكذا. كما

لا يخفى

قوله قده: (و لو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجة فهل ترجع ميراثا أو في وجوه البر أو تزاد على اجرة بعض السنين وجوه. إلخ)

قال في الجواهر: (و لو فضل من الجميع ان حصر السنين في عدد كعشرة و نحوها فضلة لا تفي بالحج ففي كشف اللثام عاد ميراثا أو صرف في غيره من المبرات قلت: قد يقال بوجوب دفعها اجرة في بعض السنين و ان زادت عن اجرة المثل مع فرض الوصية فلا فضلة حينئذ نعم لو أمكن فرضها جرى فيها الوجهان بل يتعين الثاني منهما مع فرض الوصية بها و انه ذكر ذلك مصرفا لها فاتفق تعذره كما انها يتعين الأول إذا فرض إخراجها عن الوارث بالوصية المزبورة التي قد فرض تعذرها فتأمل. إلخ) يمكن ان يقال ان تنقيح البحث مبتن على ما فهم من كلام الموصي فإن فهم منه تعدد المطلوب فيصرف في مصرف الخير و الا فيرجع ميراثا

قوله قده: (و لو كان الموصى به الحج من البلد و دار الأمر بين جعل اجرة سنتين مثلا لسنة و بين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكل سنة ففي تعيين الأول

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 118

أو الثاني وجهان و لا يبعد التخيير بل أولوية الثاني الا ان مقتضى إطلاق الخبرين الأول. إلخ)

قال في الجواهر: (و في كشف اللثام ايضا الظاهر انه ان لم يكف نصيبه حجة لها من البلد و كفى لها من غيره استؤجر من حيث يمكن و لا يصرف فيه مال اخرى و ان نص في الوصية على الاستئجار من البلد و لكن الخبر الأخير قد يوهم الخلاف و يمكن تنزيله على عدم إمكانه. إلخ و اعترض

عليه صاحب الجواهر بعد نقل كلامه حيث قال، قلت: لا داعي الى هذا الاجتهاد في مقابلة النص المعمول به بين الأصحاب مع انه تبديل للوصية أيضا و المحافظة على كونه في كل سنة و ان خالف في انها من البلد ليس بأولى من المحافظة على الأخير و ان خالف الوصية في الأول بل هو اولى بعد ظهور النص و الفتوى في ذلك، و على كل حال فما في ك من ان القول باعتبار الحج من البلد أو الميقات كما مر مخالف لظاهر الخبر المزبور في كون الوصية به من البلد) لا يخفى ان مقتضى القاعدة و إن كان تقديم العدد على الطريق عند الدوران بينهما لاهمية الحج من الطريق الا ان مقتضى إطلاق الخبرين المذكورين هو المحافظة على الطريق و جعل اجرة سنتين مثلا لسنة واحدة و لا بأس بالعمل به

[المسألة التاسعة إذا عين للحج أجرة لا يرغب فيها أحد]

قوله قده: (إذا عين للحج أجرة لا يرغب فيها أحد و كان الحج مستحبا بطلت الوصية إذا لم يرج وجود راغب لها، و حينئذ فهل ترجع ميراثا أو تصرف في وجوه البر، أو يفصل بين ما إذا كان كذلك من الأول فترجع ميراثا، أو كان الراغب موجودا ثم طرء التعذر؟ وجوه: و الأقوى هو الصرف في وجوه البر)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على أقوال:

(الأول): رجوعها ميراثا، و اختاره في المدارك، حيث قال في شرح قول المحقق طاب ثراه: «و ان قصر عن الحج عنه صرف في وجوه البر»: (ما اختاره المصنف قده من صرفه في وجوه البر هو المشهور بين الأصحاب، و به قطع من المنتهى و استدل عليه: بان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 119

هذا القدر

من المال قد خرج عن ملك الورثة بالوصية النافذة و لا يمكن صرفه في الطاعة التي عينها الموصى، فتصرف الى غيرها من الطاعات، لدخولها في الوصية ضمنا. و يتوجه عليه (أولا): منع خروجه عن ملك الوارث بالوصية، لأن ذلك انما يتحقق مع إمكان صرفه فيها و المفروض امتناعه و متى ثبت الامتناع المذكور كشف عن عدم خروجه عن ملك الوارث. و (ثانيا): ان الوصية انما تعلقت بطاعة مخصوصة و قد تعذرت، و غيرها لم يدل عليه لفظ الموصى نطقا و لا فحوى، فلا معنى لوجوب صرف الوصية اليه. و قوله:

«ان غيرها من الطاعات داخل في الوصية ضمنا» غير واضح، لما بيناه مرارا من ان الموجود في ضمن المقيد حصة من المطلق مقومة له و منعدمة بانعدامه لا نفس الماهية المطلقة و من هنا: يظهر قوة القول: بعوده ميراثا، و هو خيرة ابن إدريس و الشيخ (قدس سرهما) على ما حكى عنهما (الثاني): صرفها في وجوه البر، و قد نسبه صاحب المدارك قده الى المشهور، و اختاره المحقق (طاب ثراه) في الشرائع و قد تقدم كلامه في الوجه الأول و تبعهم المصنف (قدس سره) (الثالث): التفصيل بين ما إذا كان كذلك من الأول و ما إذا طرء التعذر بعد ما كان الراغب موجودا في الحكم برجوعه ميراثا في الأول و بصرفه في الأمور الخيرية في الثاني، اختاره المحقق الكركي (قده) و الشهيد الثاني (ره) في المسالك على ما نقل عنهما و التحقيق: هو انه ان استفدنا من وصيته تعدد المطلوب فالمتعين حينئذ هو القول الثاني- و هو صرفها في وجوه البر- و الا فيتعين القول الأول و هو رجوعها ميراثا الا يتمسك بإطلاق خبر علي بن

سويد المذكور في المتن عن الصادق (عليه السلام) قال:

قلت مات رجل فاوصى بتركته ان أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم تكف الحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا تصدق بها فقال عليه السلام ما صنعت قلت تصدقت بها فقال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 120

عليه السلام ضمنت الا ان تكون تبلغ ان يحج بها من مكة فإن كانت تبلغ ان يحج بها من مكة فأنت ضامن و رواه المشايخ الثلاثة قال اوصى الى رجل بتركته ان أحج بها عنه، فنظرت في ذلك فإذا شي ء يسير لا يكفى للحج، فسألت أبا حنيفة و فقهاء الكوفة؟ فقالوا: تصدق بها عنه، فلما حججت لقيت عبد اللّه بن الحسن في الطواف فسألته و قلت له: ان رجلا من مواليكم من أهل الكوفة مات فاوصى بتركته الى و أمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف الحج، فسألت من قبلنا من الفقهاء؟ فقالوا: تصدق بها فتصدقت بها، فما تقول؟ فقال:

لي هذا جعفر بن محمد (عليه السلام) فإنه و اسأله قال: فدخلت الحجر فإذا أبو عبد اللّه (عليه السلام) تحت الميزاب مقبل بوجه على البيت يدعو، ثم التفت فرآني فقال:

ما حاجتك؟ فقلت جعلت فداك: انى رجل من أهل الكوفة من مواليكم فقال (عليه السلام) دع ذا عنك حاجتك؟ قلت: رجل مات فاوصى بتركته ان أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا: تصدق بها فقال: ما صنعت؟ قلت:

تصدقت بها، فقال (عليه السلام) ضمنت الا ان لا يبلغ ان يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ان يحج به من مكة فليس عليك ضمان و ان كان يبلغ ان يحج

به من مكة فأنت ضامن و كيف ما كان فالتفصيل الذي نسب الى المحقق الكركي و الشهيد الثاني قدس سرهما لا وجه له ظاهرا

[المسألة العاشرة إذا صالحه داره مثلا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح]

قوله قده: (إذا صالحه داره مثلا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح و لزم و خرج من أصل التركة و ان كان الحج ندبيا و لا يلحقه حكم الوصية، و يظهر من المحقق القمي (قدس سره) في نظير المقام اجراء حكم الوصية عليه (بدعوى): انه بهذا الشرط ملك عليه الحج و هو عمل له اجرة، فيحسب مقدار اجرة المثل لهذا العمل، فان كانت زائدة عن الثلث توقف على إمضاء الورثة. و (فيه): انه لم يملك عليه الحج مطلقا في ذمته ثم اوصى ان يجعله عنه بل انما ملك بالشرط الحج عنه و هذا ليس ما لا تملكه الورثة فليس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 121

تمليكا و وصية و انما هو تمليك على نحو خاص لا ينتقل إلى الورثة. إلخ)

يمكن المناقشة في اعتراض المصنف قده على المحقق القمي (ره) بان الحج المشروط عليه و ان كان مقيدا بكونه عن نفس المصالح لا عن وارثه أو غيره لكن لا مانع من تملك الوارث بالإرث هذا الحج بهذا العنوان بأن يصير مالكا بالإرث للحج عن ذلك الميت كما يرث حق الشرط الا ان يقال ان مالكيته للحج بهذا العنوان لا اثر له أو يقال بانصراف دليل الإرث عن مثل هذا الملك أو يقال ان دليل: (المؤمنون عند شروطهم) لا يفيد الحكم الوضعي حتى يثبت بذلك الملكية بل يفيد الحكم التكليفي و لكن التحقيق: ان كلها مدفوعة: أما (اندفاع الأول): فلمنع عدم ترتب الأثر على هذا الملك بل الوارث قام مقام

المورث و كما انه كان للمورث مثلا مصالحة هذا الحج بمال كذلك يكون للوارث ذلك. و اما (اندفاع الثاني): فلمنع انصراف دليل الإرث عنه أولا و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا. فلا عبرة به، لعدم كونه كالقرينة الحافة بالكلام حتى يكون من الانصراف الصالح لتقييد الإطلاق. و أما (اندفاع الثالث): فيما قد حقق في محله من ان دليل نفوذ الشروط مثل: (المؤمنون عند شروطهم) مفيد للحكم الوضعي فتأمل.

قوله قده: (و كذا الحال إذا ملكه داره بمائة تومان مثلا بشرط ان يصرفها في الحج عنه أو عن غيره، أو ملكه إياها يشرط ان يبيعها و يصرف ثمنها في الحج أو نحوه فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل و ان كان العمل المشروط عليه ندبيا. إلخ)

لا إشكال في كون الفرض الثاني من قبيل الفرع المتقدم فالكلام فيه هو الكلام في الفرع المتقدم. و أما (الفرض الأول): و هو ما إذا ملكه داره بمائة تومان بشرط ان يصرفها في الحج عنه، فان كان المراد من ذلك تمليك المائة إياه بعد معاوضة الدار بمائة تومان و شرط عليه ان يحج بها كان ايضا هذا الفرض من قبيل الفرع المتقدم. و اما ان لم يملكها إياه بعد تلك المعاوضة بل أوقع تلك المعاوضة مشترطا عليه الحج بعد موته بتلك المأة التي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 122

هي ملك للشارط فلا خفاء في انطباق الوصية عليه و لزوم عدم كونه أزيد من الثلث فلا تغفل.

قوله قده: (بمعنى ان حق الشرط ينتقل الى الوارث فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث ان يفسخ المعاملة. إلخ)

لا يخفى انه ليس في البين غير ملك الحج في ذمة المشترط عليه شي ء

يسمى بحق الشرط و اما ما يترتب على هذا الشرط من الخيار عند التخلف فالتحقيق انه ليس نظير خيار المجلس و الحيوان و انما هو من باب احتياج المعاملة إلى الرضا و مع تخلف الشرط لم يكن رضي بالمعاملة و له حينئذ أن يرضى فتصح المعاملة و ان لا يرضى فتبطل

[المسألة الحادية عشرة]
[لو أوصى بأن يحج عنه ماشيا أو حافيا صح]

قوله قده: (لو أوصى بأن يحج عنه ماشيا أو حافيا صح و اعتبر خروجه من الثلث ان كان ندبيا و خروج الزائد عن اجرة الميقاتية عنه ان كان واجبا. إلخ).

أما صحة الوصية كذلك فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لعموم أدلة الوصية و أما خروج الزائد عن اجرة الميقاتية من الثلث في حجة الإسلام فقد مر الكلام فيه في الجزء الأول فراجع هذا و لا إشكال في ان مقدار التفاوت بين المشي و الركوب يخرج من الثلث و كذلك الحكم في جميع الخصوصيات التي يوصى بها حينما يوصى بالحج الواجب.

[و لو نذر في حال حياته أن يحج ماشيا أو حافيا]

قوله قده: (و لو نذر في حال حياته ان يحج ماشيا أو حافيا و لم يأت به حتى مات و أوصى به أو لم يوصى وجب الاستيجار عنه من أصل التركة. إلخ)

قد تقدم الاشكال و المناقشة في خروج مثل ذلك من أصل التركة في صدر المبحث إلا إذا قام الإجماع المورث للاطمئنان على وجوب إخراجه من الأصل. مضافا الى ان أصل وجوب قضاء حج النذري مطلقا محل اشكال فضلا عن الحكم بوجوب الاستيجار من أصل التركة، و ذلك لانه تابع لقصده ف (تارة): تعلق نذره بفعله المباشري. و (اخرى): تعلق نذره بنحو تعدد المطلوب بأن يأتي به بنفسه أو بنائبه. و (ثالثة): لم يعلم كيفية نذره ف (على الأول):

لا يجب القضاء عنه بعد موته مطلقا سواء كان نذره مطلقا أو مقيدا بسنة خاصة لأن المفروض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 123

دخل خصوصية المباشرية في متعلق نذره. و (على الثاني): يجب القضاء في المطلق دون الموقت اما وجه وجوبه في الأول: فهو واضح و أما عدم وجوبه في الثاني فلان خصوصية نفسه و ان لم يكن

دخيلا في متعلق النذر الا ان خصوصية الوقتية دخيلة فيه لصدور نذره على المفروض هكذا و هذه الخصوصية معتبرة في جميع الواجبات من الصلاة و غيرها الا ان يقوم دليل تعبدي على وجوب القضاء و دل على تعدد المطلوب- كما قام ذلك في الصلاة و الصوم و حجة الإسلام- ففي مفروض المقام لا يجب القضاء. و (على الثالث): ايضا لا يجب القضاء و وجهه واضح

قوله قده: (نعم لو كان نذره مقيدا بالمشي ببدنه أمكن ان يقال بعدم وجوب الاستيجار عنه لان المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط بموته لأن المشي الأجير ليس ببدنه ففرق بين كون المباشرة قيدا في المأمور به أو موردا. إلخ)

قد عرفت ان المباشرة إذا كانت قيدا في المنذور فينحل نذره بموت الناذر لانتفاء الموضوع إذ المفروض كون المنذور هو الحج المقيد بالمباشرة فيسقط بموته لتعذره فلا يجب القضاء عنه أصلا و ان كانت موردا للنذر لا قيدا في المنذور بحيث يقصد تحصيل الحج ببدنه على نحو تعدد المطلوب فيجب القضاء من أصل التركة بناء على عدم انصراف الأدلة المتقدمة في صدر المبحث عنه أو قام الإجماع المورث للاطمئنان على ذلك

[مسألة 13 لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة أجرة الاستئجار]

قوله قده: (لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة اجرة الاستئجار و شك في انه استأجر الحج قبل موته أولا فإن مضت مدة يمكن الاستئجار فيها فالظاهر حمل امره على الصحة مع كون الوجوب فوريا منه. إلخ)

قد تقدم الإشكال في جريان أصالة الصحة في مثل ذلك فالأقوى لزوم الاستئجار ثانيا من الأصل ان كان الحج واجبا و من الثلث ان كان مستحبا، لاستصحاب عدم استئجار الوصي أو قاعدة الاشتغال بالنسبة الى الموصى فتدبر.

قوله قده: (و في ضمانه لما قبض

و عدمه، لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 124

وجهان. إلخ)

أقواهما هو الثاني- و هو عدم الضمان- لأصالة عدم الإتلاف و ليس في البين ما يوجب رفع اليد عنه الا عموم: (على اليد ما أخذت حتى تؤدى) و لكنه يجب الخروج عنه في اليد الأمانية التي يكون المقام منها و المفروض ان عروض ما يوجب الضمان من الإتلاف منفي بالأصل

[مسألة 14 إذا قبض الوصي الأجرة و تلف في يده]

قوله قده: (إذا قبض الوصي الأجرة و تلف في يده بلا تقصير لم يكن ضامنا)

لا ينبغي الارتياب في ذلك، لأنه أمين

قوله قده: (و وجب الاستئجار من بقية التركة أو بقية الثلث و ان اقتسمت على الورثة استرجع منهم. إلخ)

هذا مما لا اشكال فيه ايضا. اما وجوب الاستئجار فلوجوب العمل بالوصية و اما استرجاع التركة من الورثة فلبطلان القسمة بناء عليه

قوله قده: (و ان شك في كون التلف عن تقصير أولا فالظاهر عدم الضمان ايضا)

ما افاده قدس سره من عدم الضمان هو الصواب لأصالة عدم طرو سبب الضمان من التقصير في التلف و لا فرق بين هذه المسألة و بين سابقتها الا ان في المقام يعلم بالتلف و لكن لم يعلم بكونه عن تقصير و عدمه و أما المسألة السابقة فلم يعلم أصل التلف و كيف كان فحكم هذا المسألة عين حكم المسألة السابقة فتردد المصنف في الحكم بعدم الضمان في المسألة السابقة مما لا ينبغي

[مسألة 16 الطواف مستحب مستقلا من غير أن يكون في ضمن الحج]

قوله قده: (من المعلوم أن الطواف مستحب مستقلا من غير أن يكون في ضمن الحج)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا و يدل عليه جملة من النصوص الوارد في المقام- منها:

1- عن ابان بن تغلب عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث انه قال: يا ابان هل تدري ما ثواب من طاف بهذا البيت أسبوعا؟ فقلت: لا و اللّه ما أدرى قال: يكتب له له ستة آلاف حسنة، و يمحا عنه ستة آلاف سيئة، و يرفع له ستة آلاف درجة «1» 2- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: أن اللّه جعل حول

______________________________

(1) الوسائل: ج 2-

الباب- 4- من أبواب الطواف حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 125

الكعبة عشرين و مأة رحمة منها ستون للطائفين الحديث «1» 3- رواية إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): يا إسحاق من طاف بهذا البيت طوافا واحدا كتب اللّه له ألف حسنة، و محا عنه ألف سيئة، و رفع له ألف درجة، و غرس له ألف شجرة في الجنة، و كتب له ثواب عتق ألف نسمة حتى إذا صار الى الملتزم فتح اللّه له ثمانية أبواب الجنة فيقال له: ادخل من أيها شئت قال: فقلت جعلت فداك: هذا كله لمن طاف؟ قال: نعم أ فلا أخبرك بما هو أفضل من هذا؟ قال: قلت: بلى قال: من قضى لأخيه المؤمن حاجة كتب اللّه له طوافا و طوافا حتى بلغ عشرة «2» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) و في، الوسائل أبواب مختلفة و كلها تتضمن ذلك و من أراد الاطلاع عليها فليراجع الجزء الثاني منها أبواب الطواف

قوله قده: (و يجوز النيابة فيه عن الميت. إلخ)

و الظاهر انه المتسالم عليه و كأنه لا خلاف فيه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام منها ما ورد في الطواف عن المعصومين عليهم السلام احياء و أمواتا و هو ما عن موسى بن القسم قال قلت: لأبي: جعفر الثاني قد أردت أن أطوف عنك و عن أبيك، فقيل لي: ان الأوصياء لا يطاف عنهم؟ فقال: بلى طف ما أمكنك، فإن ذلك جائز ثم قلت بعد ذلك: بثلاث سنين انى كنت استأذنك في الطواف عنك و عن أبيك فأذنت لي في ذلك فطفت عنكما

ما شاء اللّه ثم وقع في قلبي شي ء فعملت به قال: و ما هو؟ قلت: طفت يوما عن رسول اللّه فقال ثلث مرات: صلى اللّه على رسول اللّه، ثم اليوم الثاني عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن ع و الرابع عن الحسين ع، و الخامس عن علي بن الحسين ع، و اليوم السادس عن ابى جعفر محمد بن علي الباقر ع و اليوم السابع عن جعفر بن محمد ع و اليوم الثامن عن أبيك على (عليه السلام) و اليوم العاشر عنك يا سيدي

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 4- من أبواب الطواف حديث 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 4- من أبواب الطواف حديث 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 126

و هؤلاء الذين أدين اللّه بولايتهم؟ فقال: إذا و اللّه تدين اللّه بالدين الذي لا يقبل من العباد غيره، فقلت: و ربما طفت عن أمك فاطمة و ربما لم أطف؟ فقال: استكثر من هذا، فإنه أفضل ما أنت عامله ان شاء اللّه «1» و منها خبر يحيى الأزرق قال: قلت لأبي الحسن (عليه السلام): الرجل يحج عن الرجل يصلح له ان يطوف عن أقاربه؟ فقال: إذا قضى مناسك الحج فليصنع ما شاء «2» و منها رواية أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: من وصل أباه أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له اجره كاملا و للذي طاف عنه مثل اجره و يفضل هو بصلته إياه بطواف آخر الحديث «3»

قوله قده: (و كذلك عن الحي إذا كان غائبا عن مكة. إلخ)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، و يدل عليه الاخبار الواردة منها ما رواه إسماعيل بن عبد الخالق قال:

كنت الى جنب ابى عبد اللّه (عليه السلام) و عنده ابنه عبد اللّه أو ابنه الذي يليه فقال له، رجل: أصلحك اللّه يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال: لا لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني «4» و منها خبر ابن ابى نجران عمن حدثه عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت: له الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكة قال:

لا و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة. إلخ «5»

قوله قده: (أو حاضرا و كان معذورا في الطواف بنفسه و اما مع كونه حاضرا و غير معذور فلا تصح النيابة فيه. إلخ)

و الظاهر انه لا خلاف فيه و يدل عليه جملة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 26- من أبواب النيابة حديث 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب النيابة حديث 1 و في الباب- 51- من أبواب الطواف حديث 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 18- من أبواب النيابة حديث 2 و في الباب 51 من أبواب الطواف حديث 2.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 51- من أبواب الطواف حديث: 1

(5) الوسائل ج 2- الباب- 18- من أبواب النيابة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 127

من النصوص الواردة في المقام منها صحيح حماد عن حريز بن عبد اللّه عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: المريض المغلوب و المغمى عليه يرمى عنه و يطاف عنه «1» و رواه الصدوق بإسناده عن حريز انه روى عن ابى عبد اللّه عليه السلام رخصة في ان يطاف عن المريض و عن المغمى عليه و يرمى عنه «2» و منها صحيح معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه (عليه

السلام) انه قال: المبطون و الكبير يطاف عنهما و يرمى عنهما «3» و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن معاوية بن عمار مثله الا انه قال: (و يرمى عنهما الجمار) و منها صحيح الحبيب الخثعمي عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: أمر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ان يطاف عن المبطون و الكبير «4» و منها صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: الكبير يحمل فيرمى الجمار و المبطون يرمى عنه و يصلى عنه «5» لو كنا نحن و هذه الروايات فلا بد من الاقتصار على الأعذار المذكورة في الروايات و لا يمكن التعدي منها الى مطلق العذر إلا إذا قام دليل تعبدي على جواز التسرية أو تنقيح المناط القطعي

قوله قده: (و اما أفعال الحج فاستحبابها مستقلا غير معلوم. إلخ)

إذ لم تثبت مشروعيته في غير حال الانضمام إلى سائر الأفعال فلا بد من الاقتصار على حال الانضمام و عدم التعدي الى غير تلك الحال

قوله قده: (حتى مثل السعى بين الصفا و المروة)

الذي هو مستحب في نفسه، لخبر محمد بن قيس عن ابى جعفر عليه الصلاة و السلام قال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لرجل من الأنصار: إذا سعيت بين الصفا و المروة كان لك عند اللّه تعالى أجر من حج ماشيا من بلاده، و مثل أجر من أعتق سبعين رقبة مؤمنة «6» و خبر ابى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 49- من أبواب الطواف حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 49- من أبواب الطواف حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 49-

من أبواب الطواف حديث: 3

(4) الوسائل ج 2- الباب- 49- من أبواب الطواف حديث: 5

(5) الوسائل ج 2- الباب- 49- من أبواب الطواف حديث: 6

(6) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب السعي حديث: 15

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 128

عليه الصلاة و السلام يقول: ما من بقعة أحبّ الى اللّه تعالى من السعي، لأنه يذل فيه كل جبّار «1» و مثلهما غيرهما و دلالتها على استحباب السعى نفسيا واضحة

[مسألة 17 لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجة الإسلام]

قوله قده: (لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجة الإسلام و علم أو ظن ان الورثة لا يؤدون عنه ان ردها إليهم جاز بل وجب عليه ان يحج بها عنه و ان زادت عن اجرة الحج ردّ الزيادة إليهم. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا، و يدل على ذلك ما ذكره المصنف (قده) في المتن من صحيح بريد العجلي عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لولده شي ء و لم تحج حجة الإسلام؟ قال: حج عنه و ما فضل فأعطهم «2» فالحكم في الجملة مما لا اشكال فيه انما الكلام في انه هل يعتبر في جواز صرفها في الحج علم المستودع أو ظنه بأن الورثة لا يؤدون أم لا مقتضى إطلاق الحديث عدم تقيد الحكم به فيجوز ذلك حتى مع العلم بأن الورثة يؤدون الحج لو سلم إليهم المال فضلا عما إذا شك في ذلك، حيث ان الامام (عليه السلام) كان في مقام البيان و لم يبينه فيكون الإطلاق محكما فلا وجه حينئذ لما يظهر من الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) من تقييد الحكم بذلك

ان قلت: انه يمكن استفادة ذلك القيد من قوله (عليه السلام): (و ليس لولده شي ء) (بدعوى): انه بعد ان لم يكن لهم مال لو سلم إليهم المال يحصل العلم أو الظن بأنهم لا يؤدون عنه الحج بل يصرفونه في حوائجهم قلت: ان هذه الفقرة لا تكون قرينة على العلم أو الظن الغالب بأنه ان رد إليهم المال لا يحجوا عنه، و ذلك لانه ربّما يأكلونه و يأتون بالحج متسكعا، فإنه من الواضح عدم اعتبار صرف المال في الحج فإذا حج النائب و لو بدون صرف المال اجزء عن المنوب عنه بلا اشكال، فلا يمكن إثبات ذلك القيد بصرف احتمال

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب السعي حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 13- من أبواب النيابة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 129

انه لو رد إليهم المال لصرفوه في حوائجهم و لا يؤدون الحج ان قلت: انه يقع التعارض بين إطلاق هذه الرواية و إطلاق دليل ثبوت الولاية للورثة (بدعوى): ان من المسلم ثبوت الولاية للورثة في أداء ديون الميت حجا كان أو غيره اما بان العين تنتقل إليهم حتى في مقدار الدين غاية الأمر انه لا يكون المال ملكا طلقا لهم «لتعلق حق الغير به، أو ان مقدار الدين يبقى على حكم مال الميت، أو انه ملك له حقيقة، و كيف كان فعلى جميع الصور تكون ولاية صرف التركة في ديون الميت ثابتة للورثة حتى لو لم نقل بانتقال المال إليهم محقوقا، و ذلك لقوله تعالى (أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ) «1» و لان الميت حين حياته كان له الولاية على ذلك و لذا كان له إعطاء هذه الولاية للغير بالوصية

و إذا مات و لم يكن أعطاها للغير بالوصية ورثها الوارث، و لانه ورد في تجهيزات الميت ثبوت الولاية للوارث معللا بكونه أولى بالإرث، فنتعدى الى ما نحن فيه بعموم العلة لا بالأولوية (بدعوى): ان الصلاة على الميت تكليف للاحياء و لم يكن للميت ولاية على ذلك و مع ذلك صار الولي أولى بها، ففي مثل ما نحن فيه بالطريق الاولى حتى يستشكل فيه بمنع الأولوية القطعية و بالجملة مقتضى الأدلة هو ثبوت الولاية للوارث في إعطاء ديون الميت من التركة أو من أنفسهم ليحل لهم التصرف في التركة فلا بد ان يحكم بإرجاع العين المودعة إلى الورثة الا انه لما ورد في الوديعة دليل خاص في صرف الودعي لها في الحج قيدنا به ولايتهم المطلقة و لكن لا بد لنا في مثل هذا الحكم المخالف للقواعد من الاقتصار على القدر المتيقن من ذلك و هو فرض امتناعهم عن أداء الحج إذا ردها إليهم لا مطلقا. قلت: إطلاق أدلة الولاية مخصص بإطلاق هذه الصحيحة المقتضي لعدم اختصاص الحكم بصورة امتناع الورثة هذا و لكن ذهاب المشهور الى اختصاص الحكم بصورة امتناع الوارث يوجب التوقف في الفتوى فلا بد من الاحتياط.

______________________________

(1) سورة: الأنفال في الآية. 76

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 130

قوله قده: (و الظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شي ء. إلخ)

يمكن دعوى احتمال الاختصاص به فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن في الحكم الذي عرفت انه خلاف القاعدة و ليس في الحديث إطلاق نتمسك به الا إذا كان هناك إجماع على عدم اختصاص الحكم بصورة عدم شي ء للورثة و لكنه لا يخلو من تأمل بل اشكال.

قوله قده: (و كذا عدم الاختصاص بحج

الودعي بنفسه لانفهام الأعم من ذلك منها. إلخ)

ما افاده المصنف قده هو الصواب: و ذلك لانه و ان كان مقتضى الإطلاق في سائر الموارد هو المباشرة لكن فيما نحن فيه علم ان مراده (عليه السلام) حصول الحج عن الميت ليفرغ ذمته بلا فرق بين ان يأتي به الودعي بنفسه أو يستنيب فتدبر

قوله قده: (هل يلحق بحجة الإسلام غيرها من أقسام الحج الواجب أو غير الحج من سائر ما يجب عليه- مثل الخمس و الزكاة، و المظالم، و الكفارات، و الدين، أولا،- و كذا هل يلحق بالوديعة غيرها مثل العارية، و العين المستأجرة و المغصوبة و الدين في ذمته أولا؟ وجهان قد يقال بالثاني لأن الحكم على خلاف القاعدة إذا قلنا ان التركة مع الدين تنتقل الى الوارث و ان كانوا مكلفين بأداء الدين و محجورين عن التصرف قبله بل و كذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميت، لأن أمر الوفاء إليهم فلعلهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال أو أرادوا أن يباشروا العمل. إلخ)

التحقيق: ان ما استفيد من هذا الحديث من حج الودعي بذلك المال بلا احتياج إلى الاستيذان من الشارع لا بد من تخصيصه بمورد النص اقتصارا على القدر المتيقن لما عرفت من انه خلاف القاعدة.

قوله قده: (و الأقوى مع العلم بأن الورثة لا يؤدون بل مع الظن القوي أيضا جواز الصرف فيما عليه. إلخ)

و (فيه): ان الظن القوى لا حجية فيه الا ان يكون المراد به الاطمئنان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 131

قوله قده: (لا لما ذكره في المستند من ان وفاء ما على الميت من الدين أو نحوه واجب كفائي على كل من قدر على ذلك و أولوية

الورثة بالتركة انما هي ما دامت موجودة و أما إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتى تكون الورثة أولى به إذ هذه الدعوى فاسدة جدا. إلخ)

و ذلك لعدم ورود دليل تعبدي على هذا الوجوب الكفائي و اخبار وجوب قضاء الحج عن الميت و نحو ذلك ليس لها إطلاق من هذه الجهة فلا وجه لهذه الدعوى، اللهم ان يقال ان إنقاذ الميت من العذاب يكون كإنقاذ الحي من الغرق و الهلاك بل اولى منه فكما يحكم بوجوب الثاني فكذلك لا بد ان يحكم بوجوب الأول.

و فيه (أولا): انه قياس و ليس في البين أولوية قطعية و (ثانيا): انه مع الفارق لعدم العلم بكونه في العذاب، و (ثالثا): انه لو سلمنا وجوب إنقاذه كفاية لا يثبت بذلك جواز التصرف في هذا المال بإنقاذه به بل الولاية في التصرف فيه بذلك مختصة بالوارث و من أراد إنقاذه فلينقذه تبرعا بماله و ان أراد إنقاذه بمال الميت فلا بد له من استيذان الولي نظير التجهيزات التي تكون واجبة على جميع المسلمين كفاية و مع ذلك لا بد من الاستيذان من الولي. و (رابعا): ان مقتضى ذلك وجوب الإنقاذ حتى لو لم يكن له مال فيجب على كل مسلم اطلع على موت من تكون ذمته مشغولة بواجب من الواجبات السعى في تفريغ ذمته و إنقاذه من الهلكة و لو بمال نفسه و هذا كما ترى ثم ان ما ذكره صاحب المستند قدس سره من (ان أولوية الورثة بالتركة انما هي ما دامت موجودة و اما إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتى تكون الورثة أولى به) كلام عجيب ما كان

ينبغي صدوره من صاحب المستند قده فان المفروض ان المال قبل العمل موجود فالولاية ثابتة فكيف يجوز له المبادرة في التصرف حتى يقال بأنه لم يبق موضوع حتى تكون الورثة أولى به

قوله قده: (بل لإمكان فهم المثالية أو دعوى تنقيح المناط. إلخ)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 132

لا يخفى ما فيهما من المناقشة و الإشكال أما (في الأول) فواضح حيث ان الوديعة ذكر في كلام السائل الظاهر في كونه يسئل عن حكم موضوع معين خارجي و أما (في الثاني):

فلان تنقيح المناط المعتبر هو القطعي منه دون الظني و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن و هو لا يغني من الحق شيئا. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص حينئذ عن التعدي و لكنه مجرد فرض لعدم العلم بالملاكات

[مسألة 19 يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستئجار الحج أن يحج بنفسه]

قوله قده: (يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستئجار الحج أن يحج بنفسه ما لم يعلم انه أراد الاستئجار من الغير. إلخ)

هذا إذا كان لكلامه إطلاق يشمل فرض حجه بنفسه و الا فلا

الفصل السادس في الحج المندوب

[مسألة 1 يستحب لفاقد الشرائط أن يحج مهما أمكن]

قوله قده: (يستحب لفاقد الشرائط- من البلوغ و الاستطاعة و غيرهما- أن يحج مهما أمكن بل و كذا من اتى بوظيفته من الحج الواجب. إلخ)

لا ينبغي الارتياب في ذلك بعد اتفاق جميع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عليه و لم يتعرض أحد منهم للخلاف فيه، و يدل عليه الإطلاقات الدالة على رجحان الحج في نفسه.

قوله قده: (و يستحب تكرار الحج بل يستحب تكراره في كل سنة)

لا كلام لنا في ذلك، و تقتضيه- مضافا الى الإطلاقات الدالة على رجحان الحج و استحبابه- الروايات الواردة في حج النبي (صلى اللّه عليه و آله) و الأئمة (عليهم السلام) لدلالتها على صدور الحج منهم مكررا. في رواية عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: أحج رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) غير حجة الوداع؟ قال: نعم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 133

عشرين حجة «1» و في رواية بن بكير عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول:

كان لعلى بن الحسين عليه السلام) ناقة قد حج عليها اثنتين و عشرين حجة. إلخ «2» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام). و اما استحباب تكرار الحج في كل سنة ففي رواية سليمان الجصاص عن عذافر قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): ما يمنعك من الحج في كل سنة؟ قلت: جعلت فداك العيال قال: فقال: إذا متّ فمن لعيالك اطعم عيالك الخل و الزيت و حج بهم كل سنة «3»

و رواية عيسى بن أبى منصور قال: قال لي جعفر بن محمد (عليه السلام): يا عيسى ان استطعت أن تأكل الخبز و الملح و تحج في كل سنة فافعل «4» و نحوهما غيرهما من الاخبار، و قد عقد في الوسائل بابا مستقلا، للروايات المستفاد منها ذلك فراجع

قوله قده: (بل يكره تركه خمس سنين متوالية. إلخ)

في رواية ذريح على ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: من مضت له خمس سنين فلم يفد الى ربه و هو موسر انه لمحروم «5» و رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن احمد بن، محمد و رواه أيضا بإسناده عن محمد بن الحسين عن صفوان عن ذريح مثله. و في رواية عبد اللّه بن سنان عن حمران عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: ان للّه مناديا ينادي أي عبد أحسن للّه تعالى اليه و أوسع عليه في رزقه فلم يفد إليه في كل خمسة أعوام مرة ليطلب نوافله ان ذلك لمحروم «6» و في مرسلة الصدوق (قدس سره) قال: ان الجبّار جل جلاله يقول: ان عبدا أحسنت اليه و أجملت إليه فلم يزرني في هذا المكان في كل خمس سنين لمحروم «7»

قوله قده: (و في بعض الاخبار من حج ثلاث حجات لم يصبه فقرا ابدا)

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 45- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 7

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 45- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 8

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 46- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 46- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 6

(5) الوسائل ج 2- الباب- 49 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1.

(6)

الوسائل ج 2- الباب- 49 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 2.

(7) الوسائل ج 2- الباب- 49 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 134

في مرسلة الصدوق قال: و روى ان من حج ثلاث حجج لم يصبه فقرا ابدا و أيما بعير حج عليه ثلاث سنين جعل من نعم الجنة «1» و في رواية صفوان بن مهران الجمال عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: من حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبدا «2» ثم انه لا يخفى ان كل ما زيد في مقدار الحج يزداد في ثوابه في خبر منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عمن حج اربع حجج ماله من الثواب؟ قال: يا منصور من حج اربع حجج لم تصبه ضغطة القبر. إلخ «3» و في رواية أبي بكر الحضرمي: قال قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام):

ما لمن حج خمس حجج قال: من حج خمس حجج لم يعذبه اللّه ابدا «4» و بهذا الاسناد قال:

قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): من حج عشر حجج لم يحاسبه اللّه ابدا «5» و في مرسلة الصدوق. من حج خمس حجج لم يعذبه اللّه ابدا، و من حج عشر حجج لم يحاسبه اللّه ابدا، و من حج عشرين حجة لم ير جهنم و لم يسمع شهيقها و لا زفيرها. و من حج أربعين حجة قيل له: اشفع في من أحببت و يفتح له باب من أبواب الجنة يدخل منه هو و من يشفع له، و من حج خمسين حجة بنى له مدينة في جنة عدن فيها الف قصور في كل قصر الف حوراء من الحور العين

و ألف زوجة و يجعل من رفقاء محمد (صلى اللّه عليه و آله) في الجنة و من حج أكثر من خمسين حجة كان كمن حج خمسين حجة مع محمد و الأوصياء و كان ممن يزوره اللّه تعالى في كل جمعة، و هو ممن يدخل جنة عدن التي خلقها اللّه عز و جل بيده و لم ترها عين، و لم يطلع عليها مخلوق و ما أحد يكثر الحج الا بنا اللّه تعالى له بكل حجة مدينة في الجنة فيها غرف كل غرفة فيها حوراء من الحور العين مع كل حوراء ثلاثة مأة جارية لم ينظر الناس الى مثلهن حسنا و جمالا «6»

[مسألة 2 يستحب نية العود الى الحج]

قوله قده: (يستحب نية العود الى الحج عند الخروج من مكة و في الخبر انها

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 13.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 22.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 25.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 26.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 27.

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 45 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 16.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 135

توجب الزيادة في العمر و يكره نية عدم العود. و فيه انها توجب نقص في العمر)

في خبر عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره «1» و في مرسلة الصدوق قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله):

من أراد الدنيا و الآخرة فليؤم هذا البيت. و من رجع من مكة و هو ينوي الحج من قابل زيد في عمره، و من خرج من مكة و هو لا يريد العود إليها فقد اقترب اجله و دنا عذابه «2» و في رواية الحسين الأحمسي عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: من خرج من مكة و هو لا يريد العود إليها فقد اقترب اجله و دنا عذابه «3» و في رواية الحسن بن علي عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ان يزيد بن معاوية حج فلما انصرف قال: إذا جعلنا ثافلا يمينا. فلن نعود بعدها سنينا. للحج و العمرة ما بقينا فنقص اللّه عمره و أما به قبل أجله «4» و نحوه خبر حذيفة قال: كنا عند أبى عبد اللّه «عليه السلام» و نزلنا الطريق فقال: ترون هذا الجبل ثافلا ان يزيد معاوية لما رجع من حجه مرتحلا الى الشام أنشأ يقول:

إذا تركنا ثافلا يمينا. إلخ الى ان قال: فأماته اللّه قبل أجله «5»

[مسألة 3 يستحب التبرع بالحج عن الأقارب]

قوله قده: (يستحب التبرع بالحج عن الأقارب و غيرهم أحياء و أمواتا)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، و يدل عليه جلة من النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام) منها: مصحح إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يحج فيجعل حجته و عمرته أو بعض طوافه لبعض اهله و هو عنه غائب ببلد آخر قال: فقلت:

فينقص ذلك من اجره؟ قال: لا هي له و لصاحبه و له أجر ما سوى ذلك بما وصل قلت: و هو ميت هل يدخل ذلك عليه؟ قال: نعم حتى يكون مسخوطا عليه فيغفر له أو يكون مضيقا

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب-

57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 2

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 5

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 57 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 136

عليه فيوسع عليه، فقلت: فيعلم هو في مكانه ان عمل ذلك لحقه؟ قال: نعم. إلخ «1» و منها رواية موسى بن القاسم البجليّ قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام).: فربما حججت عن أبيك و ربما حججت عن أبى و ربما حججت عن الرجل من إخواني و ربما حججت عن نفسي فكيف اصنع؟ فقال (عليه السلام): تمتع. الحديث «2» و منها خبر أبى بصير قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام) في حديث: من حج فجعل حجته عن ذي قرابته يصله بها كانت حجته كاملة و كان للذي حج عنه مثل اجره ان اللّه عز و جل واسع لذلك «3» و منها عن جابر عن أبى جعفر (عليه السلام قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): من وصل قريبا بحجة، أو عمرة، كتب اللّه له حجتين و عمرتين. الحديث «4» و منها عن صفوان الجمال قال:

دخلت على أبى عبد اللّه (عليه السلام) فدخل عليه الحارث بن المغيرة فقال: بأبي أنت و أمي لي ابنة قيمة لي على كل شي ء و هي عائق فاجعل لها حجتي؟ فقال: اما انه يكون لها أجرها و يكون لك مثل ذلك و لا ينقص من أجرها شي ء «5» الى غير ذلك من الاخبار

الواردة عنهم (عليهم السلام)

قوله قده: (و كذا عن المعصومين عليهم السلام أحياء أو أمواتا)

هذا مما لا ينبغي الكلام فيه، و يدل عليه ما تقدم في رواية البجليّ فراجعها

قوله قده: (و كذا يستحب الطواف عن الغير و عن المعصومين عليهم السلام. إلخ)

في خبر أبى بصير قال: قال أبو عبد اللّه (عليهم السلام): من وصل أبا أو ذا قرابة له فطاف عنه كان له اجره كاملا و للذي طاف عنه مثل اجره. الحديث «6» في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قلت: له فأطوف عن الرجل و المرأة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 5.

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 1.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 4.

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 6.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 25 من أبواب النيابة حديث: 3.

(6) الوسائل ج 2- الباب- 51- من أبواب الطواف حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 137

و هما بالكوفة؟ فقال: (عليه السلام) نعم. إلخ «1» و اما استحباب الطواف عن المعصومين ففي رواية موسى بن القاسم قال: قلت لأبي جعفر الثاني (عليه السلام): قد أردت أن أطوف عنك و عن أبيك فقيل لي: ان الأوصياء لا يطاف عنهم فقال (عليه السلام):

بل طف ما أمكنك فإن ذلك جائز.، فقلت و ربما طفت عن أمك فاطمة و ربما لم أطف؟

فقال: استكثر من هذا فإنه أفضل ما أنت عامله (ان شاء اللّه تعالى) «2»

قوله قده: (مع عدم حضورهم في مكة و كونهم معذورين).

في رواية إسماعيل بن عبد الخالق قال: كنت الى جنب أبى عبد اللّه (عليه السلام)

و عنده ابنه عبد اللّه أو ابنه الذي يليه فقال: له رجل أصلحك اللّه يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علة؟ فقال: لا لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني فلانا فطاف عنى. الحديث «3» و في مرسلة ابن أبى نجران عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يطوف عن الرجل و هما مقيمان بمكة؟ قال: لا و لكن يطوف عن الرجل و هو غائب عن مكة قال:

قلت: و كم مقدار الغيبة؟ قال: عشرة أميال «4»

[مسألة 4 يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج]

قوله قده: (يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج إذا كان واثقا بالوفاء بعد ذلك)

في رواية موسى بن بكر الواسطي قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يستقرض و يحج؟ فقال: ان كان خلف ظهره مال ان حدث به ما حدث ادى عنه فلا بأس «5» في رواية يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل يحجّ بدين و قد حج حجة الإسلام؟ قال: نعم ان اللّه سيقضي عنه (ان شاء اللّه تعالى) «6» و في رواية محمد بن أبي عمير عن حقبة قال: جاءني سدير الصيرفي فقال:

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 18- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 26- من أبواب النيابة حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 51- من أبواب الطواف حديث 1

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 18- من أبواب النيابة حديث: 3

(5) الوسائل ج 2- الباب- 50 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 7

(6) الوسائل ج 2- الباب- 50 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 138

ان أبا عبد اللّه يقرء

عليك السلام و يقول: مالك لا تحج استقرض و حجّ «1»

[مسألة 5 يستحب إحجاج من لا استطاعة له]

قوله قده: (يستحب إحجاج من لا استطاعة له)

في رواية الحسن بن على الديلمي مولى الرضا قال: سمعت الرضاء (عليه السلام) يقول: من حج بثلاثة من المؤمنين فقد اشترى نفسه من اللّه عز و جل بالثمن. إلخ «2»

[مسألة 6 يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها]

قوله قده: (يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها)

في صحيح حريز عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصرورة أ يحج من مال الزكاة؟ قال: نعم «3» و رواه الشيخ بإسناده عن حماد عن حريز في رواية على بن يقطين انه قال لأبي الحسن الأول (عليه السلام): يكون عندي المال من الزكاة فأحج به موالي و أقاربي؟ قال: نعم لا بأس «4» في صحيح محمد بن مسلم انه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الصرورة أ يحج من الزكاة؟ قال: نعم «5» ما عنه قال:

سأل رجل أبا عبد اللّه (عليه السلام) و انا جالس؟ فقال: إني اعطى من الزكاة فأجمعه حتى أحج به؟ قال: نعم يأجر اللّه من يعطيك «6» و في رواية جميل عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الصّرورة أ يحجّه الرّجل من الزكاة؟ قال: نعم «7» و رواه على بن جعفر في كتاب عن أخيه مثله

[مسألة 7 الحج أفضل من الصدقة بنفقته]

قوله قده: (الحج أفضل من الصدقة بنفقته)

في رواية موسى بن القسم عن صفوان و ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عن أبيه عن آبائه ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لقيه أعرابي فقال له: يا رسول اللّه انى خرجت أريد الحج ففاتني و انا رجل مميل (يعنى كثير المال) فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به أجر الحاج، فالتفت

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 50- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3

(2) الوسائل ج 2 الباب- 39- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 32 من أبواب النيابة حديث: 1

(4)

الوسائل ج 2 الباب- 42- من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 1

(5) الوسائل ج 2 الباب- 42- من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 2

(6) الوسائل ج 2 الباب- 42- من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 3

(7) الوسائل ج 2 الباب- 42- من أبواب المستحقين للزكاة حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 139

اليه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فقال: انظر الى أبى قبيس فلو ان أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل اللّه ما بلغت به ما يبلغ الحاج. ثم، قال: ان الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا و لم يضعه الا كتب اللّه له عشر حسنات، و محا عنه عشر سيئات، و رفع له عشر درجات، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفا و لم يضعه الا كتب اللّه له مثل ذلك. إلخ «1» و منها عن إسحاق بن عمار عن ابى بصير و عثمان بن عيسى عن يونس بن ظبيان كلهم عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: صلاة فريضة أفضل من عشرين حجة، و حجة خير من بيت مملو من ذهب يتصدق به حتى لا يبقى منه شي ء «2» و منها خبر ابى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: درهم في الحج أفضل من ألفي درهم فيما سوى ذلك من سبيل اللّه «3» و منها خبر علي ابن أبي حمزة عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: درهم تنفقه في الحج أفضل من عشرين الف درهم تنفقها في حق «4» و منها ما عن إبراهيم بن ميمون قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أنّى أحج سنة و شريكي سنته قال:

ما يمنعك من الحج يا إبراهيم؟ قلت: لا

أتفرغ لذلك جعلت فداك أتصدق بخمسمائة مكان ذلك؟ قال: الحج أفضل قلت: ألف؟ قال: الحج أفضل قلت: الف و خمسمائة؟ قال: الحج أفضل قلت: ألفين؟ قال: في ألفيك طواف البيت؟ قلت: لا قال: في ألفيك سعى بين الصفاء و المروة؟ قلت: لا قال: أفي ألفيك وقوف بعرفة؟ قلت: لا قال: أفي ألفيك رمى الجمار؟

قلت: لا قال: أفي ألفيك المناسك؟ قلت: لا قال: الحج أفضل «5» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)

[مسألة 8 يستحب كثرة الإنفاق في الحج]

قوله قده: (يستحب كثرة الإنفاق في الحج و في بعض الاخبار ان اللّه يبغض

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 3

(4) الوسائل ج 2- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 5

(5) الوسائل ج 2- الباب- 42- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 140

الإسراف إلا بالحج و العمرة)

مراده قده من بعض الاخبار هو رواية ابن أبى يعفور عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) انه قال: قال رسول اللّه ما من نفقة أحب الى اللّه عز و جل من نفقة قصد و يبغض الإسراف إلا بالحج و العمرة، فرحم اللّه مؤمنا اكتسب طيبا و أنفق من قصد أو قدم فضلا «1»

[مسألة 9 يجوز الحج بالمال المشتبه مع عدم العلم بحرمتها]

قوله قده: (يجوز الحج بالمال المشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها)

في حديث أبى همام قال: قلت للرضاء (عليه السلام)، الرجل يكون عليه الدين أ يقضى دينه أو يحج؟ قال: يقضى ببعض و يحج ببعض قلت فإنه لا يكون الا بقدر نفقة الحج؟ قال: يقضى سنة و يحج سنة قلت: اعطى المال من ناحية السلطان: قال: لا بأس عليكم «2» و أما ما أفاده قده من عدم العلم بحرمتها، فلما ورد في صحيح محمد بن مسلم و منهال القصاب جميعا عن أبى جعفر الباقر (عليه السلام) قال من أصاب مالا من اربع لم يقبل منه في أربع من أصاب مالا من غلول أو رباء أو خيانة أو سرقة لم يقبل منه في زكاة و

لا صدقة و لا حج و لا عمرة «3»

[مسألة 11 يشترط في الحج الندبي إذن الزوج و المولى]

قوله قده: (يشترط في الحج الندبي إذن الزوج و المولى)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و في الذخيرة (بلا خلاف يعرف) على ما حكى عنه. و في المنتهى: (لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم) على ما في الجواهر، و استدل له: بأن حق الزوج واجب، فلا يجوز تفويته بما ليس بواجب، و بموثق إسحاق بن عمار عن أبى الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن المرأة الموسرة قد حجت حجة الإسلام تقول لزوجها أحجني من مالي إله أن يمنعها من ذلك؟ قال: نعم، و يقول لها، حقي عليك أعظم من حقك

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 55- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 50- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 6

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 52- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 141

في هذا «1» و رواه الصدوق بإسناده عن إسحاق بن عمار مثله الا انه قال تقول لزوجها:

(أحجني مرة أخرى) و رواه الكليني عن ابى على الأشعري عن محمد عبد الجبار عن صفوان عن إسحاق بن عمار مثله لكن في المدارك: (و قد يقال ان الدليل الأول انما يقتضي المنع من الحج إذ استلزم تفويت حق الزوج و المدعى أعم من ذلك، و الرواية انما تدل على ان للزوج المنع و لا يلزم منه التوقف على الاذن ما افاده صاحب المدارك قده تمام و لكن يستفاد اعتبار الاذن في مفروض المقام من النصوص الدالة على سقوط نفقة الزوجة إذا خرجت من بيت زوجها بلا اذن منه، و هو

خبر السكوني عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: قال رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله): أيما امرءة خرجت من بيتها بغير اذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع «2»، و صحيح ابن مسلم عن ابى جعفر «عليه السلام» في حقوق الزوج عن الزوجة. الى ان قال و لا تخرج من بيتها إلا باذنه «3» و خبر علي بن جعفر قال سألته عن المرأة إلها ان تخرج بغير اذن زوجها؟ قال: لا. إلخ «4» و أنت ترى أنه يستفاد منها انها تدل على ان من حقوق الزوج الاستيذان منه في السفر فتدبر أما اذن المولى في صحة حج العبد فهو مما لا ينبغي الإشكال فيه، و هو المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و قد تقدم الكلام فيه في الجزء الأول من الكتاب فراجعه في حج العبد

[مسألة 13 يستحب لمن لا مال له أن يحج و لو بإجارة نفسه عن غيره]

قوله قده: (يستحب لمن لا مال له يحج به و لو بإجارة نفسه عن غيره و في بعض الاخبار ان للأجير من الثواب تسعا و للمنوب عنه واحد)

في رواية عبد اللّه بن سنان قال:

كنت عند أبى عبد اللّه (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل فأعطاه ثلاثين دينارا يحج بها عن إسماعيل و لم يترك من العمرة إلى الحج الا اشترط عليه حتى اشترط عليه ان يسعى في وادي محسّر ثم قال: يا هذا إذا أنت فعلت هذا كان لإسماعيل حجة، بما أنفق من ماله و كان لك تسع بما

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 59 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 2

(2) الوسائل: ج 3- الباب- 6- من أبواب النفقات حديث: 1

(3) الوسائل ج 3- الباب 79 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه

حديث: 1

(4) الوسائل ج 3- الباب 79 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 142

أتعبت من بدنك «1» و في رواية ابن مسكان عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) للذي يحج عن رجل أجر و ثواب عشر حجج «2» هذه الرواية كما ترى مطلقة تشمل المتبرع و الأجير

الفصل السابع في أقسام العمرة

[مسألة 1 تنقسم العمرة كالحج إلى واجب أصلي و عرضي و مندوب]

قوله قده: (تنقسم العمرة كالحج إلى واجب أصلي و عرضي و مندوب. إلخ)

أما كون العمرة في نفسها عملا مندوبا و مطلوبا للشارع فمما لا ينبغي الكلام فيه، بل هو من ضروريات الفقه و مستفاد من الاخبار كصحيحة زرارة بن أعين. في حديث قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام): الذي يلي الحج في الفضل؟ قال: العمرة المفردة ثم تذهب حيث شاء «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و أما وجوبها بالعرض- فكوجوبها بالنذر و غيره- و هذا ايضا مما لا اشكال فيه، و اما وجوبها الأصلي- كالحج- فهو ايضا مما لا اشكال فيه، و ذلك للأخبار الكثيرة الواردة عنهم «عليهم السلام» و هي:

1- صحيحة زرارة ابن أعين عن ابى جعفر «عليه السلام» في حديث قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج، لان اللّه تعالى يقول «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ». «4»

و انما نزلت العمرة بالمدينة «5» 2- رواية الفضل ابن صالح عن ابى بصير، عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال:

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب النيابة حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب النيابة حديث: 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب العمرة حديث: 1

(4) سورة: البقرة الآية- 192.

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب العمرة حديث: 2.

كتاب الحج

(للشاهرودي)، ج 2، ص: 143

العمرة مفروضة مثل الحج «1» 3- صحيح ابن أبى عمير، عن عمر بن أذينة قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن قول اللّه عز و جل «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» «2» يعنى به الحج دون العمرة؟ قال: لا و لكنه يعنى الحج و العمرة جميعا، لأنهما مفروضان «3» 4- صحيحة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع اليه سبيلا، لان اللّه عز و جل يقول «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» «4» 5- صحيحة أبان عن الفضل أبى العباس عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» في قول اللّه:

«وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِهِِٰم» قال: هما مفروضان «5» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و اما الاستدلال لوجوبها بالإجماع كما ادعاه صاحب الجواهر، و صاحب كشف اللثام «قدس سرهما» على ما هو المحكي عنهما، و بقوله تعالى «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ». إلخ «6» و قوله تعالى «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ.» «7»

فكلها كما ترى ليست على ما ينبغي [1]

______________________________

[1] [المؤلف]: «اما في الأول»:- و هو الإجماع- فلما قرر في محله ان الإجماع المعتبر هو التعبدي منه لا المدركى، و في المقام يحتمل ان يكون باقي الوجوه المذكورة في المقام، فلا عبرة به. ثم انه على فرض تسليم القطع باستناد المجمعين في حكمهم بوجوب العمرة المفردة الى

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب العمرة حديث: 5

(2) سورة آل عمران: الآية 91.

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب العمرة حديث: 7

(4) الوسائل: ج 2- الباب-

1- من أبواب العمرة حديث: 8

(5) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 1 و الباب- 1- من أبواب العمرة حديث: 1

(6) سورة البقرة الآية 192

(7) سورة البقرة الآية 153

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 144

قوله قده: (فتجب بأصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج في العمر مرة. إلخ)

بلا كلام في ذلك، و يستدل له بوجهين:

«الأول»- الإجماع. و «فيه»: ما تكرر منا من ان الإجماع المعتبر هو التعبدي منه الكاشف قطعيا عن رأى المعصوم «عليه السلام» أو رضاه لا غيره، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه الوجه الآتي، فلا عبرة به، لاحتمال كونه مدركيا «الثاني»- ان ذلك مقتضى تعلق الأوامر بالعمرة كتابا و سنة، بداهة: ان المطلوب بها هو إيجاد الطبيعة الصادقة على أول وجودها، لانطباقها عليه قهرا الموجب للاجزاء و سقوط الأمر عقلا، فمطلوبية ما عدي الوجود الأول من وجودات الطبيعة محتاجة إلى دليل آخر، و هو مفقود و على تقدير الشك في وجوبها ثانيا فمقتضى أصل البراءة عدمه. و بالجملة فاوامر العمرة كتابا و سنة لا تقتضي إلا مطلوبية صرف الوجود من العمرة في تمام العمر

قوله قده: (و وجوبها بعد تحقق الشرائط فوري. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا و في الجواهر: «و لا خلاف أيضا أجده في انها على الفور كما صرح به الشّيخ، و الحلي، و الفاضلان «و غيرهم» بل عن السرائر: «نفى الخلاف فيه»: بل عن التذكرة: «الإجماع عليه». و لكن في كشف اللثام بعد ان حكى عن السرائر و المبسوط وجوب الفورية قال:

«لم أظفر بموافق لهم، و لا دليل الا على القول بظهور الأمر

فيه» و الحق ان دليله غير ظاهر لو لا الإجماع، و قد بينا مرارا و كرارا ان الإجماع و ان لم يكن بنفسه حجة تعبدية في قبال الكتاب و السنة. و لكنه مهما صار منشأ للاطمئنان فلا إشكال في حجية الاطمئنان،

______________________________

- الإجماع نقول ايضا بعدم اعتباره، لأن العمدة في وجه حجية الإجماع على ما تقدم في مبحث أدلة فورية وجوب الحج، وجهان: «الأول»: جهة كشفه عن الحجة المعتبرة التي لو ظفرنا بها- لكانت حجة عندنا أيضا «الثاني»: جهة كشفه عن سيرة أصحاب الفتاوى الكاشفة عن-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 145

و في مفروض المقام يحصل لنا من اتفاق جميع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) الاطمئنان بالحكم. و اما باقي أدلة الفور التي تقدمت في الجزء الأول من الكتاب في مبحث أدلة فورية وجوب الحج فكلها تأتي بالنسبة إلى عمرة التمتع ايضا كما ان بعضها تأتي أيضا بالنسبة إلى العمرة المفردة لكن قد عرفت المناقشة في أكثرها

قوله قده: (و لا يشترط في وجوبها استطاعة الحج، بل تكفى استطاعتها في وجوبها و ان لم تتحقق استطاعة الحج كما ان العكس كذلك، فلو استطاع للحج دونها وجب دونها. إلخ)

لا ينبغي الارتياب في ذلك، لأنه الذي يقتضيه إطلاق أدلة الوجوب.

قوله قده: (و القول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كل منهما و انهما مرتبطان ضعيف. إلخ)

بلا كلام في ذلك، و وجه الضعف هو إطلاق أدلة الوجوب و عدم صلاحية أدلة شرطية الاستطاعة في وجوب الحج لإثبات شرطية الاستطاعة في وجوب العمرة و كذا العكس.

قوله قده: (كالقول باستقلال الحج في الوجوب دون العمرة. إلخ)

هذا القول حكى عن الشهيد الأول «قدس سره» في الدروس، حيث قال فيها: «و لو استطاع لها خاصة

لم تجب و لو استطاع للحج مفردا دونها فالأقرب الوجوب» و استدل له في كشف اللثام: بالأصل، و ظهور حج البيت في الآية في غير العمرة، ثم قال: و هو ممنوع لكن التحقيق: عدم تمامية هذا القول كما افاده المصنف «قده» و ذلك لقوله (عليه السلام) في صحيحة ابن أذينة المتقدم في مقام الجواب عن سؤاله عن الآية: (يعني الحج و العمرة جميعا لأنهما مفروضان) و باقي الأخبار، المتقدمة الدالة على الوجوب

[مسألة 2 تجزء العمرة التمتع بها عن العمرة المفردة]

قوله قده: (تجزء العمرة التمتع بها عن العمرة المفردة. إلخ)

______________________________

- سيرة أصحاب الأئمة «رضوان اللّه تعالى عليهم» المتصلة الى الامام «عليه السلام» الكاشفة عن رضاه به و لكن قد عرفت في المبحث المزبور من سيدنا الأستاذ دام ظله عدم تمامية الوجهين:

أما في «الأول»: فلانه من المسلم عدم فوتها قبل زمن التصنيف و كتب الكتب-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 146

قد اتفقت الآراء على ذلك قديما و حديثا قال في الجواهر: (نعم لا خلاف في اجزاء عمرة التمتع عنها، كما اعترف غير واحد بل عن المنتهى نسبته إلى علمائنا كافة، و هو الحجة. إلخ) و يدل عليه الاخبار الواردة في المقام- منها:

1- صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) إذا تمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة «1» 2- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث له: قلت:

فمن تمتع بالعمرة إلى الحج أ يجزي ذلك؟ قال: نعم «2» 3- خبر أبى نصر قال: سألت أبا الحسن عن العمرة واجبة هي؟ قال: نعم قلت:

فمن تمتع يجزى عنه؟ قال: نعم «3» 4- صحيح يعقوب بن شعيب قال قلت: لأبي عبد اللّه (عليه السلام) قال اللّه عز

و جل «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» يكفى الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان العمرة المفردة؟

قال: كذلك أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و أصحابه) «4» 5- مصحح أبى بصير عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: العمرة مفروضة مثل الحج، فإذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة «5» 6- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: العمرة واجبة

______________________________

- الاستدلالية، و وجهه واضح، فحينئذ بعد العلم بعدم فوتها قبل التصنيف لو كانت لبانت قطعا، للعلم بعدم الداعي لهم على إخفائها: و «اما في الثاني»: فلاحتمال اشتباه الوسائط الذين كانوا موجودين بين أصحاب الفتاوى و أصحاب الأئمة ثم، بعد ان حصل الاشتباه استمرت السيرة، و المجمعين لم يدركوا جميع الوسائط كما لا يخفى فتحصل انه على فرض تسليم تعبديته لا عبرة به أيضا-

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 3

(4) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 4

(5) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 147

على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع لان اللّه عز و جل يقول (وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ) و انما نزلت العمرة بالمدينة قال: قلت: له فمن تمتع الى الحج أ يجزي ذلك عنه؟ قال: نعم «1»

قوله قده: (و هل تجب على من وظيفته حج التمتع إذ استطاع لها و لم يكن مستطيعا للحج المشهور؟ عدمه بل أرسله بعضهم إرسال المسلمات، و هو الأقوى، و على هذا فلا

تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة و ان كان مستطيعا لها و هو في مكة، و كذا لا تجب على من تمكن منها و لا يتمكن من الحج لمانع و لكن الأحوط الإتيان بها)

قال الشهيد الثاني ره في المسالك على ما حكى عنه في الجواهر في شرح ما ذكره المحقق «طاب ثراه» في الشرائع من تقسيم العمرة: إلى متمتع بها و مفردة و ان الاولى تجب على من ليس في حاضري المسجد الحرام و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام: (يفهم من لفظ السقوط ان العمرة المفردة واجبة بأصل الشرع على كل مكلف كما ان الحج مطلقا يجب عليه و انها انما تسقط عن التمتع إذا اعتمر عمرة تخفيفا و من قوله: «و المفردة تلزم حاضري المسجد الحرام» عدم وجوبها على النائي من رأس و بين المفهومين تدافع ظاهر و كان الموجب لذلك كون عمرة التمتع أخف من المفردة و كانت المفردة بسبب ذلك أكمل و هي المشروعة بالأصالة المفروضة قبل نزول آية التمتع، و كانت عمرة التمتع قائمة مقام الأصلية مجزئة عنها، و هي منها بمنزلة الرخصة من العزيمة و يكون قوله ره: «و المفردة تلزم. إلخ» إشارة الى ما استقر عليه الحال و صار هو الحكم الثابت الآن بأصل الشرع ففي الأول إشارة إلى ابتدائه و الثاني إلى استقراره).

______________________________

- ان قلت: فما فائدة الإجماع. قلت: فائدته يترتب عليه ما يترتب على الشهرة الفتوائية، و قول الرجالي، و تراكم الظنون، لأنها و ان لم تكن بنفسها حجة تعبدية في قبال الكتاب و السنة، كالإجماع، و لكنها قد توجب العلم و الاطمئنان بالواقع، فيكون الاطمئنان حجة و بعينها الإجماع فإنه قد يوجب العلم بان

المجمع عليه هو الواقع، فما دام لم يحصل من الإجماع العلم أو الاطمئنان بالحكم-

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب وجوب الحج و شرائطه حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 148

قال صاحب الجواهر قدس سره بعد نقله: (و هو كالصريح في المفروغية عن عدم وجوب عمرة مفردة على النائي، و يؤيده ما ذكرناه) و يشير به «قدس سره» الى ما ذكره سابقا من السيرة على عدم استقرار عمرة عن من استطاع من النائين فمات أو ذهبت استطاعته قبل أشهر الحج، و عدم الحكم لفسقه لو أخر الاعتمار إلى أشهر الحج. الى ان قال: و قول المصنف و غيره فيما يأتي على وجه لم يعرف فيه خلاف بينهم: (انها قسمان متمتع بها و مفردة، و الاولى فرض النائي، و الثانية فرض حاضري مكة: و ظهور كلامهم في عدم وجوب غير حج التمتع على النائي لا انه يجب عليه مع ذلك العمرة.

قال في كشف اللثام: (و لو استطاع لحج الافراد دون عمرته فالأقرب وجوبه خاصة، لكون كل منهما عبادة برأسه، فلا يسقط شي ء منهما بسقوط الآخر و لا يجب بوجوبه بخلاف التمتع. الى ان قال: و كذا لو استطاع للعمرة دون الحج، وجبت خاصة لذلك نعم، لا يجب المبادرة إليها قبل أيام الحج، لاحتمال أن يجدد له استطاعته ايضا و في الدروس:

«لم يجب، و لعله للأصل، و ظهور حج البيت في الآية في غير العمرة، و هو ممنوع و لعدم ظهور وجوب إتمامهما في وجوب ان شائهما و منع استلزامه له، و لأنها لو وجبت لكان من استكمل الاستطاعة لها فمات قبلها و قبل ذي الحجة يجب استيجارها عنه من التركة و لم يذكر ذلك

في خبر أو كتاب، و كان المستطيع لها و للحج إذا اتى الحرم قبل أشهر الحج نوى بعمرته عمرة الإسلام، لاحتمال ان يموت أو لا تبقى استطاعته للحج الى وقته. و (فيه):

ان المستطيع لهما فرضه عمرة التمتع أو قسيميه و ليس له الإتيان بعمرة الإسلام إلا عند الحج فما قبله كالنافلة قبل فريضة الصبح مثلا. و احتمال الموت أو فوت الاستطاعة غير

______________________________

- لا يترتب عليه اثر و لو كان تعبديا، فلا يبقى مجال لاستدلال صاحب الجواهر «قدس سره» و غيره به في إثبات المدعى و اما «في الثاني» و هو قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ.»- فلظهورها في وجوب الإتمام لا وجوب ان شائهما كما هو واضح و اما استفادة وجوبها ابتداء منها فهو أول الكلام-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 149

ملتفت اليه) و صاحب الجواهر «قدس سره» بعد ان نقل كلام صاحب كشف اللثام ره و هو:

(نعم لا تجب المبادرة إليها قبل أيام الحج، لاحتمال ان يتجدد له استطاعة أيضا) قال:

(و هو كما ترى خال عن التحصيل بعد ظهور ما سمعته من الأدلة في وجوبها، و انها كالحج حتى في الفورية، فالمتجه التزام إخراجها من التركة مع الاستطاعة إليها، و التمكن من أدائها و لو قبل أشهر الحج و نية كونها عمرة الإسلام، بل لا وجه لدعوى وجوبها و عدم وجوب المبادرة إليها قبل أيام الحج، للاحتمال المزبور. نعم، لو أمكن القول بعدم وجوبها على النائي الذي فرضه حج التمتع اتجه حينئذ سقوطها بالموت قبل أشهر الحج، فلا تخرج من التركة، و اتجه عدم نية عمرة الإسلام).

لكن الذي يظهر من التتبع في الاخبار وجوب العمرة المفردة على من استطاع لها دون

الحج و ان كان نائبا عن مكة، و ذلك لطائفتين من الاخبار. (الأولى): ما دل على وجوب العمرة على من استطاع لها، و قد تقدم ذكره، فإنه بإطلاقه يقتضي وجوبها على من استطاع لها و لو لم يكن مستطيعا للحج و ان كان نائيا، و لا يقيده ما دل على ان وظيفة النائي هي التمتع دون الافراد، و ذلك لوروده في حج التمتع في قبال حج القران و الافراد فلا ارتباط له بما نحن فيه (الثانية): ما دل على اجزاء عمرة التمتع عن العمرة المفردة، فلأنه لو لا وجوبها لم يكن معنى لاجزاء عمرة التمتع عنها، و حمله على الاجزاء عما عليه من العمرة المفردة المستحبة خلاف الظاهر، كما لا يخفى، كما ان حمله على الاجزاء عن عمرة التمتع بأن يكون المراد أنها مجزية عن نفسه ايضا كما ترى، لانه خلاف الظاهر. بل خلاف نص صحيح يعقوب بن شعيب حيث قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): قال اللّه عز و جل:

______________________________

و «اما في الثالث»: و هو قوله تعالى: «فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِ.»

فعدم دلالتها على وجوب العمرة المفردة أوضح من ان يخفى، بل لا دلالة فيها على وجوب الإتمام أيضا، كما هو واضح فينحصر إثبات وجوب العمرة المفردة بالأخبار المذكورة، كما افاده سيدنا الأستاذ «دام ظله» «م ا ج»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 150

«وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» يكفى الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان العمرة المفردة؟

قال: كذلك أمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و أصحابه «1» ان قلت: كيف يتصور الاستطاعة للعمرة دون الحج حتى يحكم بوجوبها على النائي حيث ان الإتيان بالعمرة و الحج

معا لا يزيد نفقته على مؤنة الإتيان بالعمرة فقط، فان من وجد ما يفي بذهابه الى بيت اللّه الحرام للعمرة يمكنه أن يأتي بالحج ايضا معها، كما لا يخفى قلت: إنه يتصور ذلك في موردين: (أحدهما): بالنسبة إلى النائي الذي ذهب الى مكة لأن يأتي مثلا بالحج النيابي، حيث انه يستطيع للعمرة المفردة دون الحج، كما لا يخفى. (الثاني):

بالنسبة الى من استطاع للعمرة في غير أشهر الحج، فإنه حينئذ مستطيع للعمرة المفردة دون الحج، و لو فرض زوال استطاعته قبل وجوب الحج كانت العمرة المفردة ثابتة في ذمته و لو مات يحكم بخروج مصرفها عن أصل المال بناء على شمول الدين في قوله تعالى (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ) «2» لدين اللّه تعالى كشمولها لدين الناس لكن يمكن ان يقال انصرافها الى ديون الناس كما بيناه في محله ثم انه في كشف اللثام بعد نقل الإجماع على فوريتها عن التذكرة و نفى الخلاف عنه عن السرائر قال: (ثم الفورية انما هي المبادرة فيها في وقتها و وقت التمتع بها أشهر الحج و وقت المفردة لمن يجب عليه حج الافراد و القران بعد الحج كما سينص عليه و لا يجب عمرتان أصالة حتى تجب المبادرة إليها أول الاستطاعة لها إلا إذا لم يستطع الا لها، فان ذلك أول وقتها و لا يستقر في الذمة إذا استطاع لها و للحج إذا أخرجها إلى الحج أو أشهره فزالت الاستطاعة) و لكن لا يبقى مجالا لما افاده «قده» ضرورة اقتضاء الأدلة وجوب المبادرة إليها قبل أشهر الحج مع فرض الاستطاعة لها، لأنها موسعة و تصح في جميع السنة بخلاف الحج الذي لا يصح الا في وقت مخصوص

نعم، لا خلاف في

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 5- من أبواب العمرة حديث: 4

(2) سورة النساء: الآية 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 151

اجزاء العمرة التمتع عنها، للأخبار المتقدمة و أقصى دلالتها هو الاجتزاء بها عنها، لا ان وجوبها الفوري ساقط على من استطاع إليها، كما هو واضح ان قلت: انه بناء على عدم كون وجوب العمرة المفردة فوريا، لعدم دلالة دليل غير قابل للمناقشة عليه يوجب ذلك لغوية وجوب العمرة المفردة على النائي، و ذلك حيث انه لو فرض مثلا استطاعته لها في غير أشهر الحج، فإن بقي حينئذ إلى أشهر الحج فعليه ان يحج تمتعا و المفروض اجزاء المتعة عن العمرة المفردة، للأخبار المتقدمة، و ان مات قبل ذلك فلا عقاب عليه، لعدم كون وجوبها فوريا. فلا يوجب على هذا تأخيره العصيان لكونه باذن من الشارع، و المفروض ايضا عدم خروجها من أصل المال، فعليه لا ثمرة لوجوبها. قلت: نفس وجوب العمرة المفردة على من استطاع لها حكم شرعي و لا يحتاج الى ترتب ثمرة أخرى عليه، و يكفي في عدم لزوم اللغوية انه لو استطاع لها في غير أشهر الحج فاتى بها فقد اتي بواجب فعلى شرعي و حصل الامتثال، مضافا الى انه يكفى في ترتب الثمرة عليه فيما إذا استطاع لها قبل أشهر الحج ثم زالت استطاعته قبل وجوب الحج ثبوت العمرة المفردة في ذمته، و وجوب الوصية بها لو ظهر له أمارات الموت، و وجوب الإتيان بالعمرة المفردة فورا فيما لو علم أو حصل له الاطمئنان بعد استطاعته لها قبل أشهر الحج بان السلطان الجائر مثلا يقتله بعد مدة كذا و لا يتمكن من الحج، لئلا تبقى ذمته مشغولة

بواجب من الواجبات، فظهر بما ذكرنا ان الحكم بوجوب العمرة المفردة على النائي لا يوجب لغويته بل يترتب عليه ثمرة فقهية، و ظهر ايضا ضعف ما قواه المصنف (قده) من عدم وجوب العمرة المفردة على النائي إذ استطاع لها تبعا للمشهور، و كذا ما افاده صاحب الجواهر (قدس سره) بقوله: (و ان كان الذي يقوى في النظر سقوطها (أي العمرة) عن النائي الذي يجب عليه ان يتمتع بها الى الحج و لا عمرة مفردة عليه) و لكن مع ذلك كله تكون المسألة محتاجا إلى التأمل لذهاب المشهور الى الخلاف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 152

[مسألة 3 أسباب الوجوب و الاستحباب للعمرة]
[قد تجب العمرة]
[بالنذر و الحلف و العهد]

قوله قده: (قد تجب العمرة بالنذر و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الإجارة و الإفساد. إلخ)

قال المحقق (طاب ثراه) في الشرائع: (و قد تجب- أي العمرة- بالنذر و ما في معناه، و الاستيجار، و الإفساد، و الفوات، قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه): (أراد بما في معنى النذر العهد و اليمين، و المراد بالإفساد إفساد العمرة، فإنه موجب لفعلها ثانيا و ان كانت مندوبة. كالحج و بالفوات فوات الحج، فإنه يوجب التحلل منه بعمرة مفردة) ما افاده (قده) هو الصواب و لا ينبغي التأمل فيه، و الظاهر انه المتسالم به بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و لم يتعرض أحد للخلاف فيه

[و أيضا لدخول مكة]

قوله قده: (و تجب ايضا لدخول مكة، بمعنى حرمته بدونها، فإنه لا يجوز دخولها الا محرما)

هذا هو المشهور بين الأصحاب (رضوان اللّه عليهم) قديما و حديثا قال في المدارك على ما نقل عنه: (أجمع الأصحاب على انه لا يجوز لأحد دخول مكة بلا إحرام عدا ما استثنى. و في الجواهر: (بلا خلاف أجده) و يدل عليه مضافا الى إجماع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) لروايات الواردة في المقام- منها:- 1- صحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) هل يدخل الرجل مكة بلا إحرام؟ قال: (عليه السلام): لا الا ان يكون مريضا أو به بطن «1» و رواه الصدوق «قدس سره» بإسناده عن محمد بن مسلم مثله الى غير ذلك من الروايات الواردة عنهم (عليهم السلام)

قوله قده: (إلا بالنسبة الى من يتكرر دخوله و خروجه كالحطاب و الحشاش. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و يدل عليه صحيح رفاعة بن

موسى في حديث قال: و قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): ان الحطابة و المجلبة أتوا النبي (صلى اللّه عليه و آله) فسألوه فأذن لهم ان يدخلوا حلالا «2» ثم التعدي

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 50- من أبواب الإحرام حديث: 4

(2) الوسائل ج 2- الباب- 51- من أبواب الإحرام حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 153

من الحطاب و المجلبة الى كل من يتكرر منه الدخول كالحجارة و الجصاصة و نحوها مشكل اللهم الا ان يقال ان الحطاب و المجلبة ذكرا في الرواية من باب المثال و لا خصوصية لهما في ذلك فحينئذ لا مانع من التعدي الى من يتكرر منه الدخول، و لكن التعدي مشكل، لاحتمال خصوصية في المورد، نعم، يجوز التعدي إذا حصل تنقيح المناط القطعي، و لكنه لا سبيل لنا الى ذلك في الشرعيات، لقصور عقولنا عن ادراك الملاكات فتسرية الحكم من المورد- و هو الحطاب و المجلبة- الى غيره قياس و هو باطل فلا بد من الاقتصار على المورد.

[و يستحب تكرارها كالحج]

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 2، ص: 153

قوله قده: (و يستحب تكرارها كالحج. إلخ)

لا ينبغي الارتياب في ذلك بعد تطابق النصوص و الفتاوى عليه، و يدل عليه جملة من النصوص الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: اعتمر رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) ثلث: عمر متفرقات «عمرة ذي القعدة أهل من عسفان و هي عمرة الحديبية و عمرة أهل من الجحفة و هي عمرة القضاء و عمرة من الجعرانة بعد ما

رجع من الطائف من غزوة حنين «1» و رواه الصدوق مرسلا الا انه قال: (ثلث عمر متفرقات كلهن في ذي القعدة) 2- مرسلة محمد بن على بن الحسين قال: اعتمر رسول اللّه تسع عمر «2» 3- خبر ابن عباس ان النبي (صلى اللّه عليه و آله) اعتمر اربع عمر عمرة الحديبية و عمرة القضاء من قابل و الثالثة من الجعرانة و الرابعة التي مع حجته «3» 4- مرسلة الصدوق (قدس سره) قال الرضا (عليه السلام): العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما «4» الى غير ذلك من الاخبار الواردة «عنهم عليهم السلام»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب العمرة حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب العمرة حديث: 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب العمرة حديث: 6

(4) الوسائل ج 2- الباب- 3- من أبواب العمرة حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 154

[و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين]

قوله قده: (و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، فقيل يعتبر شهر، و قيل عشرة أيام، و الأقوى عدم اعتبار فصل، فيجوز إتيانها كل يوم. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على أقوال: (الأول): هو الشهر، و هو خيرة الشهيد الأول (قدس سره) في الدروس، و صاحب النافع، و الوسيلة و الكافي، و التهذيب، و الغنية، و المختلف على ما هو المحكي عنهم. (الثاني)، هو السنة و قد نسبه غير واحد إلى العماني و لكن كلامه غير صريح في ذلك حيث قال: (قد تأول بعض الشيعة هذا الخبر (و هو صحيح زرارة) لها على معنى المخصوص فزعمت انها في المتمتع خاصة فأما غيره فله ان يعتمر في أي الشهور شاء و كم شاء

من العمرة فإن يكن ما تأولوه موجودا في التوقيف عن السادة آل الرسول (صلى اللّه عليه و آله) فمأخوذا به و ان كان غير ذلك من جهة الاجتهاد و الظن في ذلك مردود عليهم و ارجع في ذلك كله الى ما قالته الأئمة) (الثالث): هو العشرة و اختاره المحقق «طاب ثراه» و المهذب و الجامع و الإصباح و قال في كشف اللثام: (و هو خيرة التحرير و التذكرة و المنتهى و الإرشاد و التبصرة).

(الرابع): عدم اعتبار الفصل بين العمرتين، و هو نقل عن الناصريات، و السرائر و المراسم و التلخيص، و اللمعة و جعله في كشف اللثام أقرب حيث قال: بعد نقل هذا القول من جماعة:

(و هو الأقرب، لعموم أدلة الندب إليها من غير معارض، فإن شيئا من الاخبار لا ينفيه و انما غايتها تأكّد الاستحباب. إلخ) و وافقهم المصنف (قده) و منشأ الاختلاف في ذلك هو اختلاف الروايات الواردة في المقام، فإنها على طوائف: (الأولى): ما تدل على اعتبار الفصل بين العمرتين بسنة و هي:

1- صحيح الحلبي عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: العمرة في كل سنة مرة «1» 2- صحيح زرارة عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: لا يكون عمرتان في سنة «2»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 6

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 155

و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» (الثانية): ما تدل على اعتبار الفصل بينهما بالشهر- منها:

1- صحيح عبد الرحمن بن الحاج، عن ابى عبد اللّه (ع) في كتاب على (عليه السلام) في كل شهر عمرة «1» 2- موثق يونس بن يعقوب قال:

سمعت أبا عبد اللّه كان: يقول في كل شهر عمرة «2» 3- مصحح إسحاق ابن عمار قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): السنة اثنا عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة «3» 4- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) قال: كان على (عليه السلام) يقول: لكل شهر عمرة «4» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) «الثالثة»: ما تدل على اعتباره بينهما بعشرة أيام، و هو خبر على ابن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن عن الرجل يدخل مكة في السنة المرة و المرتين و الأربعة كيف يصنع؟ قال: إذا دخل فليدخل ملبيا و إذا خرج فليخرج محلا قال: و لكل شهر عمرة، فقلت يكون أقل؟ فقال: في كل عشرة أيام. إلخ «5» هذا و يمكن الاستدلال على القول الأول- و هو الشهر- بما عرفته من دلالة جملة من الاخبار على ان لكل شهر عمرة، و اما ما دل من الاخبار على كفاية الفصل بينهما بعشرة فضعيف من حيث السند «و اما ما دل على اعتبار السنة فلعدم عمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» به فعليه يكون المرجع هو اخبار الشهر، و يمكن حمل الأخبار الدالة على اعتبار الفصل بالسنة على عمرة التمتع جمعا بينها و بين غيرها من الروايات المتضمنة لأن لكل شهر أو في كل شهر عمرة، لأنه أولى من الطرح

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 8

(4) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب العمرة حديث: 4

(5) الوسائل ج 2- الباب- 6-

من أبواب العمرة حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 156

و يمكن الاستدلال للقول الثاني- و هو السنة- بان بعد تعارض الأخبار الواردة في المقام و تساقطها يتعين الأخذ في العبادة بالقدر المتيقن، لكونها توقيفية و مقتضى ذلك هو الاقتصار على عمرة واحدة في كل سنة. ثم، الظاهر انه ليس المراد منه اعتبار الفصل بينهما بسنة بل يجوز الإتيان بعمرة في آخر سنة و بعمرة أخرى في أول السنة اللاحقة، و كيف كان هذا القول ضعيف، لما عرفت من أعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عما دل على اعتبار السنة، فتحمل على عمرة التمتع مع انه نسب الشيخ ره في الخلاف هذا القول الى بعض العامة على ما هو المحكي عنه و يمكن الاستدلال للقول الثالث- و هو الفصل بعشرة- بأنه مقتضى الجمع بين الاخبار، فإن ما دل على ان لكل شهر عمرة لا ينافي ورود الدليل على ان لكل عشرة أيام عمرة أيضا. و أما ما دل على اعتبار السنة فقد عرفت إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عنهم» عنه. ثم، هل العبرة بالفصل عشرة أيام، أو ان لكل عشرة من العشرات الثلاث للشهر عمرة و لو بأن يأتي في آخر العشرة الأولى بعمرة و في أول الثانية بعمرة اخرى وجهان: أوجههما ظاهرا هو الثاني، لأن الظاهر من قوله «عليه السلام»: لكل عشرة أيام عمرة هو استحباب الإتيان بها فيها سواء وقعت في أولها أو في آخرها، أو في وسطها و كذلك العمرة الثانية في العشرة الثانية و كيف كان فهذا القول ساقط من أصله، لضعف ما دل على اعتبار الفصل بعشرة أيام سندا.

و يمكن الاستدلال للقول الرابع- و هو جواز الإتيان بها و لو

في كل يوم- بوجوه ثلاثة:

«الأول»- انه مقتضى الجمع بين الاخبار، فإنها تحمل جمعا على بيان تأكد الاستحباب، فيقال: ان العمرة بنفسها مستحبة في كل يوم لكنها تؤكد في كل عشرة أيام و يصير آكد في كل شهر و يزداد التوكيد بعد ذلك في كل سنة. و «فيه»: انه ليس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 157

جمعا عرفيا و لا شاهد له ايضا، فلا يصار اليه «الثاني»- انه بعد تعارض الاخبار و تساقطها يرجع الى الإطلاقات الدالة على أصل محبوبيتها و استحبابها، فان مقتضى إطلاقها استحبابها في كل يوم و في اليوم أكثر من مرة أيضا. و «فيه»: انه لم يثبت لها إطلاق لورودها في مقام بيان أصل التشريع مضافا الى انه ليس بينها معارضة، لما عرفت من ان المعتبر منها هي الطائفة الثانية- أعني الاخبار الدالة على اعتبار الفصل بين العمرتين بالشهر- لضعف الطائفة الثالثة و هي الأخبار الدالة على اعتبار الفصل بالعشرة سندا و أعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن الطائفة الاولى و هي الأخبار الدالة على اعتبار الفصل بينهما بسنة و حملها على العمرة التمتع «الثالث»- انه بعد تعارض الاخبار و تساقطها نرجع إلى البراءة عن اعتبار الفصل بينهما. و «فيه»: مضافا الى ما عرفت من عدم التساقط ان أصل مشروعية العمرة أمر توفيقي لا بد ان يصل إلينا من الشارع، فمع فرض تساقط الأخبار الخاصة و عدم إطلاق حتى يرجع اليه لا بد من الاقتصار على القدر المتيقن، و قد ظهر من جميع ما ذكرنا ان الأقوى هو اعتبار الشهر بمعنى ان كل شهر مستحق لعمرة واحدة، فله ان يأتي بعمرة في آخر الشهر و بعمرة اخرى أول الشهر الثاني هذا

ان لم نقل باعتبار سند خبر على بن أبي حمزة، و الا اتجه القول باعتبار العشرة هذا و خبر على بن أبي حمزة قد روى بأسانيد ثلاثة، و كلها تنتهي إليه «أحدها»:

رواية الصدوق «قدس سره» له بإسناده إلى القسم بن محمد بن على بن أبي حمزة، و هذا أضعف أسانيده «ثانيها»: رواية الصدوق ايضا له بإسناده عن على بن أبي حمزة، و هذا أقوى أسانيده، و على بن أبي حمزة و ان كان ضعيفا في نفسه الا ان الراوي عنه في هذا السند هو البزنطي الذي نقل الكشي له إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و لكن من الرجال الموجودين في هذا السند محمد بن على ماجيلويه، و لا يبعد دعوى الوثوق به من جهة بعض

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 158

القرائن، ككونه من مشايخ الصدوق «قدس سره» و غير ذلك «ثالثها»: رواية الكليني «رحمه اللّه» له بسنده عن على ابن أبي حمزة، و الراوي في هذا السند هو يونس بن عبد الرحمن الذي نقل الكشي «قده» إجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه، و لكن من الرجال الموجودين في هذا السند إسماعيل بن مرار و ادعى بعض الوثوق به، لبعض القرائن و بالجملة ان حصل الاطمئنان به بواسطة هذه الأمور أو قام دليل آخر على اعتبار الفصل بالعشرة كان المتجه اعتبار الفصل بينهما بالعشرة و الا كان المتجه اعتبار الشهر فتدبر [1]

______________________________

[1] (المؤلف): ثم انه لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) في المقام في شرح قول المحقق «طاب ثراه»: [و تستحب المفردة في كل شهر] قال: (بلا خلاف أجده فيه. إلخ) ثم انه قال في شرح قوله (طاب ثراه):

«و أقله [أي الفصل بين العمرتين] عشرة أيام»: لما سمعته من الخبرين اللذين لا يعارضهما ما في باقي النصوص: من ان لكل شهر أو في كل شهر عمرة بعد عدم دلالته على عدم ذلك في الأقل، بل ما سمعته من سؤال الراوي عن الأقل كالصريح في عدم فهمه من العبارة المزبورة المنع عن غيره، خصوصا بعد ان أقرّه الإمام (عليه السلام) على ذلك، و قال: (لكل عشرة أيام عمرة) و يشير (قدس سره) بالخبرين الى ما ذكره سابقا من خبر على بن أبي حمزة (المروي في الوسائل، في المجلد الثاني «في الباب السادس» من أبواب العمرة، الحديث الثالث) و ما ذكره بعنوان الموثق، و هو: قال الصادق (عليه السلام): «السنة اثنى عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة» قال: فقلت له أ يكون أقل من ذلك؟ قال: «لكل عشرة أيام عمرة» و لكن هذا الموثق الذي رواه (قدس سره) في الجواهر لم أجده في غيرها و راجعت كتب الحديث التي بأيدينا و لا حظتها بالدقة قدر المستطاع و سألت بعض أهل الخبرة في هذا الفن فادعى عدم وجوده بهذا العنوان بعد الفحص، و المذكور في الوسائل في المجلد الثاني في الباب المزبور الحديث الثامن هو مصحح إسحاق قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): «السنة اثنى عشر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 159

الفصل الثامن في أقسام الحج

[و هي ثلاثة تمتع و قران و إفراد]

قوله قده: (و هي ثلاثة بالإجماع و الاخبار تمتع و قران و افراد. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا قال في الجواهر في شرح قول المحقق طاب ثراه «و هي ثلاثة تمتع و قران و افراد»: (بلا خلاف أجده فيه بين علماء الإسلام بل إجماعهم بقسميه عليه،

مضافا الى النصوص المتواترة فيه، و القطعية بل قيل: انه من الضروريات لكن عن عمر متواترا انه قال: متعتان كانتا على عهد رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» انا محرمهما و معاقب عليهما متعة النساء و متعة الحج. إلخ) قال في المدارك في شرح قول المحقق المتقدم: (هذا موضع وفاق)، و يدل على ذلك الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: الحج ثلاثة أصناف: حج مفرد، و قران، و تمتع بالعمرة إلى الحج، و بها أمر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و الفضل فيها و لا نأمر الناس الا بها «1»

______________________________

- شهرا يعتمر لكل شهر عمرة» و لم يذكر له الذيل الذي ذكره صاحب الجواهر (قدس سره) و استدل الشيخ (ره) في المبسوط على ان أقل ما يكون بين العمرتين: «عشرة أيام» بخبر على بن أبي حمزة على ما نقله صاحب المدارك (رضوان اللّه تعالى عليه) «و نوقش فيها يضعف السند. لاشتماله على عدة من الضعفاء. و كذلك استدل في كشف اللثام و غيره بخبر على بن أبي حمزة على القول بالعشر، و لم يذكروا الموثق المزبور، و من ذكره ذكره في اخبار الشهر بعنوان مصحح أو موثق إسحاق. إلى قوله عليه السلام: «لكل شهر-

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 160

2- خبر منصور الصيقل قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: الحج عندنا على ثلاثة أوجه: حاج متمتع، و حاج مفرد سائق للهدي، و حاج مقرن للحج «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و كذا

الذي قبله الا انه قال: «مفرد سائق للهدي» محمد بن الحسين بإسناده عن منصور الصيقل مثله 3- صحيح زرارة بن أعين عن ابى جعفر (عليه السلام) قال: الحاج على ثلاثة وجوه: رجل أفرد الحج و ساق الهدى، و رجل أفرد الحج و لم يسق الهدى، و رجل تمتع بالعمرة إلى الحج «2» الى غير ذلك من الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) ثم انه لا يخفى ان العمرة في حج التمتع مرتبطة بالحج، كما نطقت به الأخبار بحيث لا يكون الإتيان بأحدهما منفردا مشروعا فالإتيان بأحدهما دون الآخر من قبيل الإتيان ببعض اجزاء المراكب الارتباطي من حيث عدم ترتب الأثر على المأتي به، كما لا يخفى

______________________________

- عمرة» من دون تذييل، فالظاهر ان المراد منه هو مصحح إسحاق المذكور في اخبار الشهر، فعلى هذا لا يبقى مجال لما افاده بقوله: «لما سمعته من الخبرين. إلخ» و لا لقوله: «ما سمعته من سؤال الراوي عن الأقل كالصريح. إلخ» و لكن مع ذلك كله، فلا بد من التوقف عن نفى الخبر «لما عرف عن صاحب الجواهر (قدس سره) في التحقيق و النظر الدقيق و الفحص الكامل.

ثم انه (قدس سره) بعد ان اختار بان المراد من قوله: (لكل عشرة أيام عمرة) هو كراهة الإتيان بعمرتين في حال كون الفصل بينهما أقل من عشرة أيّام، وفاقا لصاحب كشف اللثام (قدس سره) جمعا بين ذلك و بين ما دل على استحباب العمرة مطلقا و بعد ان ذكر القائلين بحرمة الفصل بأحد ما ذكر قال: (و لكن الأول أشبه بأصول المذهب و قواعده التي منها التسامح في المستحبات و عدم صراحة نصوص الشهر و العشر في التحريم-

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 1-

من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 161

و هذا بخلاف حج الافراد و القران، لعدم ارتباطها به فيهما، لكونها واجبة مستقلة فيهما. هذا و الفرق بينهما هو انه إذا ساق الهدى في حجه سمى قرانا و الاسمي افرادا.

[أدلة كون التمتع فرض من كان بعيدا عن مكة]
اشارة

قوله قده: (و الأول فرض من كان بعيدا عن مكة و الآخر ان فرض من كان حاضرا اى غير بعيد. إلخ)

قال في كشف اللثام:) لا يجزيه غيره اختيارا للاخبار و هي كثيرة و الإجماع، كما في الانتصار، و الخلاف، و الغنية، و التذكرة. و المنتهى و ظاهر المعتبر. إلخ) يمكن الاستدلال لذلك بوجوه:

(الأول)- الإجماع

. و (فيه): ما عرفت سابقا من انه لا عبرة به لاحتمال كونه مدركيا

(الثاني)- قوله تعالى

(فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلٰاثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ، ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ. إلخ) «1» بناء على ان ظاهر قوله تعالى (ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ) ان ذلك فرض من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام أو انه حج من لم يكن كذلك

(الثالث)- جملة من النصوص

الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: دخلت العمرة في الحج الى

______________________________

- بل و ظهورها، خصوصا بعد ما سمعته في الشهر و العشر. الى ان قال: و كذا ما دل على طلبها و الحث عليها- حتى شبه غيرها من العبادات بها و بالحج، كما لا يخفى على ذي مسكة- لا ينافيه نصوص الشهر و العشرة التي أقصاها عدم ترتب الاستحباب المخصوص أو الكراهة. نعم، في صحيحي حريز و زرارة النهى عنهما قبل سنة، و قد عرفت الإجماع على خلاف ذلك من غير العماني، فليحمل على التقية من بعض العامة، أو على ارادة التمتع، أو على إرادة مرتبة من مراتب الكراهة، أو على ان المراد: (أنى لا اعتمر في كل سنة الا مرة) كما ان المراد-

______________________________

(1) سورة البقرة الآية 192.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 162

يوم القيامة، لأن اللّه تعالى يقول (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) فليس لأحد الا ان يتمتع، لان اللّه انزل ذلك في كتابه و جرت به السنة من رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) «1» خرج من إطلاق هذا الحديث ما خرج و بقي الباقي. و رواه الصدوق مرسلا

في العلل عن أبيه عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير نحوه 2- صحيح زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام):

قول اللّه عز و جل في كتابه (ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ) «2» قال:

يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان اهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية، و كلمن كان اهله وراء ذلك فعليهم المتعة «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام).

[و حد البعد ثمانية و أربعون ميلا من كل جانب]

قوله قده: (و حد البعد الموجب للأول ثمانية و أربعون ميلا من كل جانب على المشهور الأقوى. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في هذه المسألة على قولين: (الأول): ان الحد الموجب للتمتع هو البعد عن مكة باثني عشر

______________________________

- من الصحيح الآخر تأكد استحباب الاعتمار في كل سنة، أو غير ذلك مما هو اولى من الطرح، و ان أبيت فلا بأس به بعد ما عرفت من شذوذ القول به) ما افاده «قدس سره» أخيرا من حمل الأخبار الدالة على اعتبار الفصل بسنة على المحامل التي ذكروها فمما لإشكال فيه لانه و ان كانت أسانيدها صحيحة إلا ان ذهاب الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) الى الخلاف يوجب ضعفها، و خروجها عن حيز دليل الاعتبار، فلذا يتعين حملها على احدى المحامل المذكورة، لأنه أولى من الطرح، كما افاده (قدس سره) و أما ما افاده (قدس سره) من عدم المنافاة بين أخبار-

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 3- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(2) سورة البقرة: في الآية 192

(3) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب

أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 163

ميلا فما زاد من كل جانب، و هو خيرة الشيخ في المبسوط، و ابن إدريس على ما نقل في المدارك و الاقتصار، و التبيان، و مجمع البيان و فقه القرآن، و روض الجنان، و الجمل، و العقود و الغنية و في السرائر و الجامع، و الإصباح، و الإشارة، على ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره) (الثاني): انه البعد عن مكة بثمانية و أربعين ميلا، ذهب اليه الشيخ (ره) في التهذيب و النهاية، و ابنا بويه على ما حكاه صاحب المدارك (قدس سره) و هو خيرة القمي (ره) في تفسيره و الصدوقين، و المحقق (طاب ثراه) في النافع و المعتبر، و الفاضل في المختلف، و التذكرة، و المنتهى، و التحرير، و الشهيدان و الكركي على ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره) و وافقهم المصنف قده على ذلك، و اختاره صاحب المدارك و نسبه الى أكثر الأصحاب و نسبه بعض الى المشهور على ما في الجواهر و لكن قال في الجواهر:

(و ان كنا لم نتحققه) و الأقوى في النظر هو القول الثاني- و هو البعد عن مكة بثمانية و أربعين ميلا- و يدل على ذلك الأخبار الكثيرة الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: قول اللّه عز و جل في كتابه (ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ)؟ قال: يعني أهل مكة ليس عليهم متعة، كل من كان اهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان، كما

______________________________

- العشر و الشهر و ما دل على طلبها و الحث عليها و الترغيب إليها

الظاهرة في استحبابها مطلقا فهو مما لا يخلو عن الإشكال، لأنه ان أريد منه الجمع بين الاخبار بوجه لا يزاحم التحديد الواقع فيها بالعشرة و الشهر بان يحمل اخبار الشهر على التأكد في الشهر على نحو كان أشد تأكدا فيها من العشرة؟ فحينئذ و ان كان لا يزاحم الاخبار الإطلاقات الدالة على الحثّ إليها و الترغيب إليها، لعدم دلالتها حينئذ على المنع من التوالي، و لكن هذا الجمع مما لا شاهد عليه، كما عرفته في مقالة سيدنا [الأستاذ دام ظله]، مضافا الى ضعف خبر ابن أبي حمزة الدال على اعتبار الفصل بعشرة، فلا يبقى في البين إلا أخبار الشهر و لا يمكن أيضا إثبات جواز التوالي-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 164

يدور حول مكة، فهو ممن دخل في هذه الآية، و كل من كان اهله وراء ذلك فعليه المتعة «1» 2- عنه ايضا قال: سألته عن قول اللّه عز و جل [ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ] قال: ذلك أهل مكة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة قلت: فما حد ذلك؟ قال: ثمانية و أربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان و دون ذات عرق «2» و أنت ترى دلالتهما صريحا على المدعى لكن يمكن القول بمعارضتهما، لصحيح حريز، و هو ما عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه عز و جل (ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ)؟ قال «عليه السلام»: من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها «و ثمانية عشر ميلا من خلفها، و ثمانية عشر ميلا عن يمينها، و ثمانية عشر ميلا عن يسارها، فلا متعة له، مثل مر، و أشباهه «3».

و صحيح حماد بن عثمان الدال على ان الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكة، و هو ما عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حاضري المسجد الحرام؟ قال: ما دون الأوقات إلى مكة «4» و صحيح الحلبي الدال ايضا على ان الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكة و هو ما عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: في حاضري المسجد الحرام؟ قال: ما دون المواقيت إلى مكة، فهو حاضري المسجد الحرام، و ليس لهم متعة «5»

______________________________

- بإطلاقات الترغيب إليها بعد فرض معارضة الاخبار و تساقطها، لما قد عرفت منا من إمكان المناقشة فيها، بورودها في مقام بيان أصل التشريع لا في مقام بيان الشرائط، كي يدفع الشك بها و لكنه مع ذلك كله لا يخلو من تأمل ثم انه قدس سره بعد ان استغرب ما وقع عن بعض متأخر المتأخرين من القطع بجوازه في كل شهر و الاحتياط بالترك في الأقل منه، لضعف المستند فيه قال: (و هو كما ترى، لأن-

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(3) الوسائل ج 2- الباب- 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 10

(4) الوسائل ج 2- الباب- 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 5

(5) الوسائل ج 2- الباب- 6 من أبواب أقسام الحج حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 165

و لكن التحقيق عدم نهوضها للمعارضة مع الخبرين المتقدمين. أما صحيح حريز «ففيه»: انه و ان كان صحيحا، لكنه موهون بإعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه مضافا الى انه قابل للحمل بان يقال: انه ورد لبيان حكم من كان منزله على

ثمانية عشر ميلا من مكة، فلا يعارض الأخبار السابقة، لكن يرد على هذا الوجه كون الحديث في مقام التحديد كما لا يخفى و أما صحيحتا حماد و الحلبي، فيمكن حملهما على بيان حكم من كان منزله ما دون المواقيت، فلا معارضة بينها. و «فيه»: ما عرفته في حمل صحيح حريز من كون هذا الحمل ارتكابا خلاف الظاهر بلا موجب، إذ الظاهر من تلك الأخبار المفسرة للآية الشريفة هو كونها في مقام التحديد لا في مقام بيان الحكم لفرض خاص و لا وجه لرفع اليد عن هذا الظاهر، و كيف كان فلا عبرة بهذين الحديثين اما لحملهما على التقية و اما لإعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنهما هذا و أما القول الأول- و هو التحديد باثني عشر ميلا من كل جانب- فغاية ما يمكن

______________________________

القول بالتحريم الناشي من دعوى التشريع في العبادة لا ينافي القول بثبوتها بأدنى دليل صالح لإثبات الاستحباب فيها فضلا عما عرفت من المطلقات و غيرها. الى ان قال: (و بالجملة فالأقوى جواز التوالي على الوجه الذي ذكرناه بل لا يبعد جوازه في كل يوم. إلخ) ما افاده «قدس سره» «أولا»: بقوله: [لا ينافي القول بثبوتها. إلخ] و (فيه): عدم وجود دليل تعبدي عليه، اما الإطلاقات فلإمكان المناقشة فيها بورودها في مقام بيان أصل التشريع. و أما باقي الأدلة فلا يمكن إثبات الاستحباب مطلقا بها، كما لا يخفى. ثم، ان ما افاده بقوله: (ثانيا): [لا يبعد جوازه في كل يوم] و (فيه): انه بعد ان تم التمسك بالإطلاقات و حمل الاخبار على بيان مراتب الفضل بناء على تسليم المعارضة بينها فلا مانع من الإتيان بها في كل يوم، لاستحبابها على المفروض مطلقا،

بل في اليوم أكثر من مرة فلا مجال يبقى للتعبير به «لا يبعد» «م ا ج»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 166

ان يقال في وجهه أمور: و كلها لا يخلو من المناقشة و الاشكال «الأول»- ان لفظ الحاضر في الآية الشريفة و ان فسر في النصوص الواردة في تفسيره بمن كان اهله دون ثمانية و أربعين ميلا لكن ليس المقصود ثبوت هذا المقدار من البعد من كل جانب من مكة بل من جوانبها الأربعة فيكون الحد من كل جانب اثنى عشر ميلا، و قد نقل هذا التقريب في المدارك عن العلامة في المختلف في مقام توجيه كلام الشيخ ره. قال في المدارك: (و لم نقف للشيخ (ره) في اعتبار الاثني عشر ميلا على مستند، و قد اعترف بذلك المصنف في المعتبر، و الشهيد في الدروس «و قال العلامة في المختلف: و كان الشيخ نظره الى توزيع الثمانية و الأربعين من الأربع جوانب فكان قسط كل جانب ما ذكرنا). و (فيه): ما لا يخفى، لانه خلاف ظاهر الاخبار الواردة في تفسير الحاضر الواقع في منطوق الآية الشريفة، لأن ظاهرها هو اعتبار ثمانية و أربعين ميلا من كل جانب من جوانبها الأربعة لا كون مجموعها بهذا المقدار مضافا: الى ما في المدارك من انه عليه السلام ذكر: (ذات عرف و عسفان) بيانا للمكان الذي يكون دون ثمانية و أربعين ميلا و من الواضح ان بعدها عن مكة يكون أكثر من اثنى عشر ميلا (الثاني)- دعوى ان الحاضر الواقع في منطوق الآية الشريفة مقابل للمسافر و السفر أربعة فراسخ و هي اثنى عشر ميلا. و فيه (أولا): انه لا دليل على ان المراد من لفظ الحاضر مهما أطلق

في الاخبار هو المعنى المقصود منه في باب صلاة القصر و الإتمام و ان اصطلاح الشارع في الفقه جرى على ذلك و انما ثبت حد خاص لذلك شرعا في خصوص باب القصر و الإتمام و ثبت في مفروض المقام ايضا حد خاص غير ذلك الحد و هو ثمانية و أربعون ميلا بالنص. و (ثانيا): انه لو كان المراد من الحاضر مقابل المسافر بالمعنى المذكور في باب القصر و الإتمام يكون مرجعه الى ان من كان اهله مسافرا عن المسجد فعليه التمتع، و الا فعليه القران، و هذا كما ترى لا يرتضيه أحد حتى القائل بكون الحد اثنى عشر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 167

ميلا، فان المراد هو التوطن في الموضع القريب و البعيد لا المسافرة و الحضور كما لا يخفى (الثالث)- دعوى ان الحاضر المحكوم بوجوب غير التمتع عليه أمر عرفي و العرف لا يساعد على أزيد من اثنى عشر ميلا و «فيه» ان العرف كما لا يساعد على الأكثر منه كذلك لا يساعد على الأقل منه. و على فرض تسليم ذلك نقول: ان روايات التحديد بالثمانية و الأربعين تفسره و تبين المراد منه فلا مجال بعد ذلك للرجوع في مفهوم الحضور الى العرف فتحصل من جميع ما ذكرنا ان الحد الموجب للتمتع هو البعد عن مكة ثمانية و أربعين ميلا من كل جانب كما افاده المصنف «قدس سره»

[و هل يعتبر الحد المذكور من مكة أو من المسجد]

قوله قده: (و هل يعتبر الحد المذكور من مكة أو من المسجد؟ وجهان أقربهما الأول. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) حسب ما يظهر من كلماتهم في هذه المسألة على قولين: (الأول): اعتبار الحد من المسجد و هو المنسوب الى الشيخ حيث قال

في محكي المبسوط: (كل من كان بينه و بين المسجد اثنى عشر ميلا من جوانب البيت) و مثله ما في التحرير: (و هو من كان بين منزله و بين المسجد اثنى عشر ميلا) (الثاني): اعتباره من مكة، و هو خيرة العلامة في القواعد، حيث قال: (من نأى عن مكة باثني عشر ميلا من كل جانب).

يمكن ان يقال بتمامية القول الأول- و هو اعتبار الحدّ من المسجد- و ذلك لان النصوص الواردة في المقام و ان كانت خالية عن التعرض لذلك و لكن صحيح زرارة و خبره الذي نقدم ذكرهما لما كان السؤال فيهما عن الآية الشريفة: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري لمسجد الحرام) «1» فالظّاهر منه أن يكون المبدأ نفس المسجد، اللّهم الا ان يقال انه ينافيه ما في خبر زرارة المتقدم ذكره من قوله عليه السلام: (من جميع نواحي مكة) و لكن الحق ما افاده المصنف (قده) من اعتبار الحد المذكور من مكة «لأنه الظاهر من قوله

______________________________

(1) سورة: البقرة في الآية- 192.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 168

عليه السلام: (ثمانية و أربعون ميلا من جميع نواحي مكة أو كما يدور حول مكة) ثم ان الأقوى في النظر هو ان المبدء لثمانية و أربعين ميلا هو سور مكة الذي كان موجودا في زمان صدور الرواية و لا عبرة بالتوسعة الحاصلة لها بعد ذلك هذا و يثبت مقدار ما كان لمكة من التوسعة في ذلك الزمان ان وجد ذلك في تاريخ معتبر يوجب الاطمئنان بان السابقين دققوا النظر في ذلك «و وضعوا له علائم عن تحقيق، فان لم يفد الاطمئنان فلا حجية فيه، و ذلك لعدم كون قول المورخ و صرف وجود العلامة لتعيين

السور حجة تعبدية حتى يعتمد عليه، و لا يكتفى بالظن الحاصل من العلامات، أو من قول المؤرخ بكون الموضع المخصوص سور مكة، لعدم دليل على اعتبار مطلق الظن و كذلك لا يكتفى بإخبار عدل واحد بكون الموضع الفلاني محل السور السابق بعد فرض كونه اخبارا عن حس ان لم يفد الاطمئنان، فإن حجية خبر الواحد تعبدا لو سلمناها فثبوتها في الموضوعات غير معلوم، مع ان أصل حجيته من باب التعبد غير صحيحة، كما أوضحناه في محله: نعم، لو فرض قيام البينة عن حس كان حجة، كما هو واضح

[من كان على نفس الحد فالظاهر أن وظيفته التمتع]

قوله قده: (و من كان على نفس الحد فالظاهر ان وظيفته التمتع لتعليق حكم الافراد و القران على ما دون الحد. إلخ)

لا يخفى ان تصوير كون الشخص لا في خارج الحد لا في داخله بل على نفس الحد مشكل، و ذلك لان نفس الحد خط موهوم بين داخل الحد و خارجه و ليس له مكان خارجي كي يكون محل الشخص على رأس الحد، فلا يبقى مجال للبحث عن وظيفة من كان على نفس الحد. نعم، يمكن تصوير كون نصف الدار في خارج الحد و نصفه في داخله و حكمه حكم من كان له وطنان أحدهما خارج الحد و الأخر داخله و كان إقامته فيهما على حد سواء، كما سيجي ء توضيحه ( «ان شاء اللّه تعالى») ان قلت: ان من كان في مكان يكون نصفه داخل الحد و نصفه الآخر خارجه و ان لم يكن على نفس الحد بالدقة العقلية الا انه يصدق عليه ذلك بالمسامحة العرفية قلت: هذه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 169

مسامحة في التطبيق و المسامحة العرفية في التطبيق غير مسموعة و انما

يرجع الى العرف في المفاهيم الغير المعينة من جانب الشارع لا في المصاديق

[و لو شك في كون منزله في الحد أو خارجه وجب عليه الفحص]

قوله قده: (و لو شك في كون منزله في الحد أو خارجه وجب عليه الفحص. إلخ)

يستدل لوجوب الفحص- في صورة الشك في كون منزله داخل الحد أو خارجه- بوجهين:

(الأول)- انه إذا ترك الفحص، فلا بد له من الاحتياط في مقام العمل بأن يأتي بحجتين في عامين (إحداهما): بعنوان التمتع و (الأخرى): بعنوان الافراد أو القران بمقتضى العلم الإجمالي بالتكليف المنجز المردد بين التمتع و غيره و هذا الاحتياط و ان كان موجبا للعلم بفراغ ذمته عنه الا انه على تقدير كون الواجب عليه في الواقع هو الحج الثاني يلزم تفويت فورية الواجب، و هذا بخلاف ما إذا لم يترك الفحص و (فيه): انه لا يلزم من ترك الفحص هذا المحذور، و ذلك لإمكان الاحتياط في نفس العام الأول بنحو لا يخل بفورية وجوب الحج و هو ان يحرم من الميقات و يدخل مكة، و يأتي بأعمال العمرة رجاء و يقصر و يجدد الإحرام احتياطا بعد التقصير، لاحتمال ان يكون تكليفه حج التمتع الذي يكون إحرامه في مكة، بخلاف القران و الافراد الذين إحرامهما من الميقات، و يأتي بالعمرة بعد الحج رجاء، فما أتى به من الحج يكون تمتعا على تقدير كون تكليفه التمتع، و إفرادا على تقدير كون تكليفه الافراد، و ما أتى به من اعمال العمرة قبل الحج يكون بناء على كون تكليفه الافراد فعلا لغوا غير مضر بالحج، و ما فعله من التقصير قبل الحج ليس بحرام على تقدير كون تكليفه التمتع «و حرام على تقدير كون تكليفه الافراد. و هو شاك في ان تكليفه التمتع أو غيره فهو

غير عالم بحرمة التقصير فلا بأس بإتيانه به (الثاني)- عدم كون الامتثال الإجمالي الاحتياطي مجزيا إلا بعد تعذر الامتثال التفصيلي، و في مفروض المقام مع تمكنه من الفحص لا يكون الامتثال التفصيلي متعذرا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 170

له فيتعين حينئذ عليه الفحص، و وجه تقديم الامتثال التفصيلي على الامتثال الإجمالي إما لاعتبار قصد الوجه أو التميز في العبادة، فإن احتمال اعتباره كاف في عدم التمكن من الاحتياط، أو لأن العقل لا يرى الامتثال الإجمالي مع التمكن من الامتثال التفصيلي امتثالا و اطاعة بل يكفى الشك في ذلك. و (فيه): ما حققناه في الأصول بما لا مزيد عليه من عدم اعتبار قصد الوجه أو التميز الذي لم يرد دليل تعبدي عليه مع انه محل ابتلاء عامة المكلفين في جميع الأزمان و العقل غير حاكم باعتباره كعدم حكم الشرع باعتباره و الا لوصل إلينا، كما ان عدم صدق الإطاعة على الامتثال الإجمالي أيضا ممنوع جدا، و انما يلزم ان تكون العبادة بقصد القربة و الداعي المولوي، و هذا حاصل للمحتاط، كما هو واضح و كاف في صدق الامتثال و الإطاعة كما ان ما يقال من ان التكرار لعب بأمر المولى ايضا ممنوع، و تفصيل ذلك كله موكول الى محله و الحاصل: ان الفحص فيما نحن فيه غير واجب فمع ترك الفحص يعمل بالاحتياط المتقدم كيفيته

[و إن كان لا يبعد القول بأنه يجري عليه التمتع]

قوله قده: (و إن كان لا يبعد القول بأنه يجرى عليه التمتع، لأن غيره معلق على عنوان الحاضر و هو مشكوك، فيكون كما لو شك في ان المسافة ثمانية فراسخ أو لا فإنه يصلى تماما، لان القصر معلق على السفر و هو مشكوك. إلخ)

لا يخفى ان ما افاده المصنف

(قده) من قياس المقام بمسألة الشك في المسافة في باب الصلاة قياس مع الفارق، و الفارق هو الدليل، لان الحكم بالتمام في المثال انما يكون لأجل الأصل- و هو استصحاب عدم كونه مسافرا- و هذا بخلافه في مفروض المقام. نعم، لو فرض في المقام انه كان في السابق ساكنا في خارج الحد ثم شك انه هل دخل بواسطة تغيير المكان في الحد، أو انه بعد داخل في عنوان من لم يكن حاضري المسجد الحرام، فلا إشكال حينئذ في انه يجرى الاستصحاب في حقه، و يكون حكمه التمتع، كما انه لو كان في السابق ساكنا في داخل الحد ثم شك في خروجه عن عنوان حاضري المسجد الحرام جرى الاستصحاب في حقه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 171

و ثبت ان حكمه الافراد. و أما إذا لم يكن له حالة سابقة معلومة فيتعين عليه الاحتياط، للعلم الإجمالي، و عدم دليل يدل على ان وظيفته التمتع سوى وجوه أربعة كلها مخدوشة (الأول)- دعوى صحة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فإذا شك في صدق عنوان حاضري المسجد الحرام يتمسك بعمومات التمتع. و (فيه): أولا: انه قد حققنا في محله عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقة و (ثانيا): انه ليس في مفروض المقام عموم فوق يدل على وجوب التمتع على كل أحد حتى نرجع إليه في صورة الشك (الثاني)- استصحاب العدم الأزلي، بتقريب: ان موضوع التمتع أمر عدمي- و هو عدم الحضور في المسجد الحرام- و الحضور موضوع لغيره، فباستصحاب عدم كونه حاضرا فيه من الأزل يحرز موضوع وجوب التمتع- و هو عدم الحضور و- (فيه):

أولا: منع حجيته على ما بيناه في الأصول و (ثانيا): عدم جريانه في المقام

على فرض صحته في نفسه، لمنع كون موضوع وجوب التمتع أمرا عدميا حتى يستصحب العدم، فإنه و ان كان ظاهر الآية الشريفة ذلك لكنها فسرت فيما مضى من صحيح زرارة بعنوان:

(من كان اهله وراء ذلك)- و هو أمر وجودي- كما ان موضوع وجوب الأفراد أيضا أمر وجودي، فظهر بما ذكر انه لا موضوع لجريانه في مفروض المقام أصلا (الثالث)- التمسك بالقاعدة المعروفة و هي: (ان كل حكم علق على أمر وجودي و كان المعلق عليه مشكوكا يحكم بضد ذلك الحكم الى ان يثبت ذلك الأمر الوجودي) و الوجه في صحتها هو فهم العرف ذلك من الأدلة الواردة في مقام بيان إنشاء الأحكام المعلقة على الأمور الوجودية، حيث انهم يرون الملازمة بين إنشاء الحكم المعلق على أمر وجودي بعنوانه الأولي الواقعي و بين إنشاء حكم ظاهري ضده مع الشك في وجود المعلق عليه، فعليه يكون في الواقع أنشأ آن لحكمين (أحدهما): الحكم الواقعي الذي دل الدليل عليه بالدلالة المطابقية و (ثانيهما): الحكم الظاهري الذي دل الدليل عليه بالدلالة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 172

الالتزامية العرفية» و في مفروض المقام حيث ان وجوب الافراد معلق على أمر وجودي- و هو الحضور- و هو مشكوك فيه فيحكم بضد ذلك الحكم- و هو وجوب حج التمتع- و لا يخفى ما فيه: أما (أولا): فلعدم دليل تعبدي على صحة هذه القاعدة لا من الكتاب و لا من السنة و لا الإجماع. و أما (دعوى): الملازمة العرفية فعهدتها على مدعيها، و نحن لا نرى الملازمة بحسب نظر العرف بين الحكم المعلق على الأمر الوجودي بعنوانه الأول الواقعي و بين ضده في صورة الشك في وجود المعلق عليه، و لا يفهم

العرف من ظاهر الدليل الا الحكم الواقعي- و هو وجوب حج الافراد إذا كان المعلق عليه و هو الحضور حاصلا- و أما (ثانيا): فلو سلمناها كبرويا فلا مورد لجريانها في مفروض المقام، لتوقف جريانها على ان لا يكون الحكم المضاد للحكم المعلق على أمر وجودي أيضا معلقا على أمر وجودي، و قد بينا انه كما يكون الحكم بوجوب حج الافراد معلقا على أمر وجودي- و هو كونه داخل الحد المذكور- كذلك الحكم المضاد له و هو وجوب حج التمتع ايضا معلق على أمر وجودي- و هو كونه في خارج الحد- فكلاهما معلقان على أمر وجودي و عليه فلا يبقى مجال للقول بجريانها في مفروض المقام أصلا.

(الرابع)- ان يتمسك بقاعدة المقتضى و المانع، بتقريب: ان شرائط الحج من الزاد و الراحلة و غيرهما مقتضية لوجوب الحج على المكلف على نحو التمتع و كونه داخل الحد مانع عن ذلك فإذا أحرز المقتضى و شك في وجوب المانع فلا بد من الأخذ بطبق المقتضى نظير ما افاده بعض المحققين (قدس سره) من ان الماء إذا شك في كريته يحكم بالنجاسة بصرف ملاقاته للنجاسة لكون الملاقاة مقتضية للنجاسة و هي على الفرض قطعية و الكرية المانعة من تأثيرها مشكوك فيها، فيحكم بطبق المقتضى لقوله بتمامية هذه القاعدة و فيه: (أولا): ما حققناه في الأصول من عدم تمامية هذه القاعدة كبرويا ما دام لم ينطبق عليها أصل أو حجة أخرى. و (ثانيا): انه على فرض تسليمها لا مورد لجريانها في

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 173

مفروض المقام. لعدم دليل على كون شرائط وجوب الحج مقتضية لإتيانه على نحو التمتع و كونه داخل الحد مانعا عنه، كما لا يخفى فظهر

من جميع ما ذكرنا ان اجراء حكم التمتع على من شك في كون منزله داخل الحد أو خارجه مما لا وجه له، فيتعين في هذا الفرض الحكم بالاحتياط على النحو الذي ذكرنا ان لم يتمكن من الفحص أو تمكن و لم يتفحص بناء على ما بيناه من عدم وجوبه

[أما بالنسبة إلى الحج الندبي فيجوز لكل كل من الأقسام الثلاثة و الأفضل التمتع]

قوله قده: (ثم ما ذكر إنما هو بالنسبة إلى حجة الإسلام، حيث لا يجزء للبعيد الا التمتع و لا للحاضر إلا الافراد أو القران. و أما بالنسبة إلى الحج الندبي فيجوز لكل من البعيد و الحاضر كل من الأقسام الثلاثة بلا اشكال).

و في محكي المدارك: (و عن الشيخ في التهذيبين، و المحقق في المعتبر، و العلامة في جملة من كتبه، و الشهيد في الدروس، التصريح بذلك) لا ينبغي الكلام في ذلك بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق عليه قديما و حديثا

قوله قده: (و ان كان الأفضل اختيار التمتع. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا. قال في الجواهر: (لا خلاف أيضا في أفضلية التمتع على قسيميه لمن كان الحج مندوبا بالنسبة إليه، لعدم استطاعته، أو لحصول حج الإسلام منه، و النصوص مستفيضة فيه أو متواترة و بل هو من قطعيات مذهب الشيعة). لا ينبغي الارتياب في ذلك بعد تطابق النصوص و الفتاوى عليه و لا بأس بذكر الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) الدالة على ذلك منها:

1- عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن احمد بن أبى نصر، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) في السنة التي حج فيها، و ذلك في سنة اثنتي عشرة و مائتين، فقلت: بأي شي ء دخلت مكة مفردا أو متمتعا؟

فقال: متمتعا، فقلت:

له أيما أفضل المتمتع بالعمرة إلى الحج أو من افراد و ساق الهدى؟ فقال: كان أبو جعفر (عليه السلام) يقول: المتمتع بالعمرة إلى الحج أفضل من المفرد السائق للهدي، و كان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 174

يقول: ليس يدخل الحاج بشي ء أفضل من المتعة «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله.

2- عن صفوان الجمال قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ان بعض الناس يقول: جرّد الحج و بعض النّاس يقول: اقرن وسق، و بعض الناس يقول: تمتّع بالعمرة إلى الحج؟ فقال: لو حججت الف عام لم اقرن بها الا متمتّعا «2» 3- مكاتبة على بن حديد، قال: كتبت اليه: على بن جعفر (عليه السلام) يسأله عن رجل اعتمر في شهر رمضان ثم حضر الموسم أ يحج مفردا للحج أو يتمتع أيهما أفضل؟

فكتب اليه: يتمتع أفضل «3» و رواه الصدوق بإسناده على على بن ميسر عن أبى جعفر الثاني (عليه السلام) مثله 4- صحيح عبد اللّه بن سنان «عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: قلت له: انى سقت الهدى و قرنت؟ قال: و لم فعلت ذلك التمتع أفضل «4» 5- صحيح حفص البختري، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: المتعة و اللّه أفضل و بها نزل القرآن و جرت السّنة «5» و رواه الصدوق بإسناده عن حفص بن البختري مثله الا انه قال: «و جرت السنّة إلى يوم القيامة» 6- صحيح عبد اللّه بن سنان، قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: انى قرنت العام و سقت الهدى؟ فقال: و لم فعلت ذلك التمتّع و اللّه أفضل لا تعودن «6» 7- صحيح معاوية بن عمار، قال: قلت

لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: و نحن بالمدينة إني اعتمرت في رجب و انا أريد الحج، فأسوق الهدى، أو أفرد الحج، أو أتمتع، قال:

في كل فضل و كل حسن قلت: فأي ذلك أفضل؟ فقال: ان عليا «عليه السلام» كان يقول

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 17

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 175

«لكل شهر عمرة» تمتع فهو و اللّه أفضل. إلخ «1» 8- عن على بن جعفر، في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال:

سألته عن الحج مفردا هو أفضل أو الإقران؟ قال: إقران الحج أفضل من الافراد قال:

و سألته عن المتعة و الحج مفردا و عن الإقران آية أفضل؟ قال: المتمتع أفضل من المفرد و من القارن السائق. ثم قال: «ان المتعة هي التي في كتاب اللّه و التي أمر بها رسول اللّه» ثم قال: «ان المتعة دخلت الى يوم القيامة». إلخ «2» الى غير ذلك من النصوص الواردة عنهم «عليهم السلام»

[و كذا بالنسبة إلى الواجب غير حجة الإسلام كالحج النذري]

قوله قده: (و كذا بالنسبة إلى الواجب غير حجة الإسلام كالحج النذري و غيره)

ما افاده (قدس سره) انما يتم إذا كان النذر مطلقا، و أما إذا كان نذره مقيدا بنوع خاص من الأنواع الثلاثة- كما إذا تعلق نذره بحج المعنون بعنوان التمتع، أو بغيره من القران و الافراد- فلا

إشكال في عدم اجزاء غير المعين عن الواجب.

ثم ان الظاهر من قولهم: (التمتع فرض النائي) انه الفرض بالأصل لا بغيره- كالفرض بالنذر و نحوه- فتدبر.

[مسألة 1 من كان له وطنان]
[لزمه فرض أغلبهما]

قوله قده: (من كان له وطنان أحدهما: في الحد و الآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما. إلخ).

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا، قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه): [و لو كان له منزلان بمكة. إلخ]: (إنما لزمه فرض أغلبهما إقامة، لأن مع غلبة أحدهما يضعف جانب الآخر فيسقط اعتباره، كما في نظائره، و مع التساوي لا يكون حكم أحدهما أرجح من الآخر فيتحقق التخيير. إلخ): و قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده في ذلك) و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لم يتعرض للخلاف فيه أحد، و يدل

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 18

(2) الوسائل ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 24

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 176

عليه صحيحة زرارة رواها الشيخ «ره» عن موسى بن القاسم، عن عبد الرحمن. عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: من اقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة و لا متعة له، فقلت لأبي جعفر «عليه السلام»: أ رأيت ان كان له أهل بالعراق و أهل بمكة؟ فقال (عليه السلام): فلينظر أيهما الغالب، فهو من اهله «1» و بإسناده عن زرارة مثله.

[فان تساويا]
[فان كان مستطيعا من كل منهما]
[تخير بين الوظيفتين]

قوله قده: (فان تساويا فان كان مستطيعا من كل منهما تخير بين الوظيفتين. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قال في الجواهر في شرح قول المحقق (طاب ثراه): [و ان تساويا كان الحج بأي الأنواع شاء]: (بلا خلاف أجده فيه ايضا سواء كان في أحدهما أو في غيرهما، لعدم المرجح حينئذ و لاندراجه

في إطلاق ما دل على وجوب الحج بعد خروجه عن المقيدين و لو لظهورهما في غير ذي المنزلين، بل لو سلم اندراجه فيهما كان المتجه التخيير ايضا بعد العلم بانتفاء وجوب الجمع عليه في سنتين، كالعلم بعدم سقوط الحج عنه). يمكن القول بذلك لان مقتضى إطلاق ما دل على وجوب الحج هو كون الواجب نفس الطبيعة الصادقة على كل واحد من أنواعها الثلاثة، فلا وجه لجعل الواجب خصوص نوع منها، كما ذهب إليه في الجواهر و الحاصل: انه بعد انطباق عنواني الداخل في الحد و الخارج عنه عليه لا وجه للرجوع الى خصوص دليل حكم الداخل في الحد أو دليل حكم الخارج عنه بل يرجع الى الإطلاق الفوق و قد ظهر مما ذكرنا ان التخيير بين الوظيفتين على القول به عقلي لا شرعي لكونه من التخيير بين افراد طبيعي الواجب و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنه انما يتم إذا كان هناك إطلاق يدل على وجوب طبيعة الحج من دون تقييد و الظاهر عدمه لأن الأدلة لا تدل الّا على وجوب خصوص التمتع أو القران، أو الافراد و أما قوله تعالى:

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 177

[وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا] «1» فهو انما ورد في مقام أصل تشريع الوجوب من دون نظر له الى كيفيته هذا و يمكن ان يقال ان وظيفته الافراد لأنه الأصل الذي شرع قبل البعثة. و بعدها و أما وجوب التمتع على النائي فقد ثبت أخيرا و عليه فمع الشك في وجوب نوع خاص من الأنواع نتمسك في نفيه بذلك الأصل. و (فيه): انه بعد

انقلاب الحكم، و صيرورة التمتع وظيفة للنائي الخارج عن الحد و الأفراد للداخل في الحد لا يبقى مجال للنظر الى ما قبل الانقلاب من وجوب الأفراد مطلقا.

و يمكن ان يقال انه إذا كان فعلا في داره التي تكون في خارج الحد فأمره دائر بين التعيين و التخيير، لما في بعض الاخبار ان من يكون من أهل مكة إذا خرج الى بعض الأمصار ثم رجع فمرّ ببعض المواقيت كان له أن يتمتع، و على هذا فالتمتع بالنسبة إليه مجز قطعا، هذا بناء على شمول إطلاق تلك الأخبار لحجة الإسلام و عدم اختصاصها بالحج المندوب لكنه مشكل.

هذا و التحقيق: ان من يكون إقامته في الدارين على حد سواء يكون مخيرا بين الوظيفتين كما هو المشهور و لكن لا للتمسك بالإطلاق، لما عرفت من عدم ثبوته فيما نحن فيه، بل لان مقتضى الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» لما كان هو وجوب التمتع على من كان أهله في خارج الحد و وجوب قسيميه على من كان في داخل الحد، و أما فمن كان له أهل في داخله و أهل في خارجه يتخير بين التمتع و غيره، لانطباق العنوانين عليه فله اختيار التمتع، لأجل كونه معنونا بعنوان ان له أهلا في خارج الحد، و له اختيار القران و الافراد، لكونه معنونا بعنوان ان له أهلا في داخل الحد، فيكون التخيير شرعيا.

هذا و أما الفرق بين مفروض المقام و بين المسألة السابقة- و هو من شك في كون

______________________________

(1) سورة آل عمران: الآية 91.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 178

منزله داخل الحد أو خارجه حيث حكمنا هناك بالاحتياط و هنا بالتخيير، فهو ان العنوان هناك كان مجهولا مرددا بين العنوانين، لعدم

علمه بكونه في داخل الحد أو خارجه، فوجب الاحتياط للعلم الإجمالي بكونه مكلفا بإحدى الوظيفتين، و هذا بخلافه هنا، لصدق كلا العنوانين عليه الموجب لشمول أدلتهما له، و حيث نعلم بعدم وجوب حجين عليه كان مخيرا بينهما، فلا احتياط هنا، لعدم موضوعه.

هذا كله إذا كان له وطنان أحدهما في خارج الحد و الآخر في داخل الحد و أما من كان له منزل واحد و كان نصفه في داخل الحد و نصفه الآخر في خارجه، ففيه ايضا يحكم بالتخيير كالمسألة السابقة، لصدق العنوانين عليه، فيشمله أدلة الطرفين. نعم، يفرق بينهما من جهة أخرى: و هي ان في المسألة السابقة بمقتضى الاخبار قد بينا ان غالب إقامته إذا كان في أحدهما فالعبرة به، و لكن لا يجرى ذلك في مفروض المقام، لاختصاص النص بمن كان له وطنان «و لا يمكن التعدي عن المورد الى غيره» الا إذا قام دليل تعبدي على جواز التسرية «و هو لم يثبت، فلا بد من الاقتصار على المورد، و أما القول بإمكان التعدي بتنقيح المناط القطعي فلا مجال له، إذ لا سبيل الى العلم بالمناط، فلا يخرج هذا عن كونه قياسا، لاحتمال خصوصية في من كان له وطنان دون من كان له منزل نصفه داخل الحد و نصفه الآخر في خارجه. نعم، إذا حصل لنا القطع بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل فلا محيص حينئذ عن التعدي من مورد الاخبار الى مفروض المقام «و لكنه مجرد فرض لعدم احاطتنا بالملاكات، كما هو واضح فالتعدي قياس محض و هو باطل عند مذهب أهل الحق. ففي مفروض المقام لا بد من الحكم بالتخيير مطلقا سواء كان غالب إقامته في أحد النصفين أم لا

[و الأفضل التمتع]

قوله قده: (و إن كان الأفضل اختيار التمتع. إلخ)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لما تقدم من الاخبار المتضمنة لذلك، فراجعها

[و إن كان مستطيعا من أحدهما دون الآخر]

قوله قده: (و إن كان مستطيعا من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 179

الاستطاعة)

قال في الجواهر: (أما لو استطاع في أحدهما لزمه فرضه كما في كشف اللثام لعموم الآية و الاخبار).

لكن التحقيق: انه لا وجه لهذا التفصيل، لعدم الدليل عليه، فإنه لا عبرة بحصول الاستطاعة من خارج الحد أو داخله، فان المكي عليه غير التمتع و ان حصلت الاستطاعة له من خارج الحد، و الآفاقي عليه التمتع و ان استطاع من داخل الحد، فان كان له وطنان أحدهما في خارج الحد، و الأخر داخله، كما هو مفروض المقام، فيتعين عليه ملاحظة الغالب ان كان، و الا فالتخيير، بلا فرق في ذلك بين حصول الاستطاعة له من هذا البلد و بين حصولها من ذلك البلد، فتحصل ان تفصيل المصنف (قدس سره) بين ما إذا حصلت له الاستطاعة من كليهما فهو مخير، و بين ما إذا حصلت له من واحد عنهما فعليه فرضه في غير محله، سواء كان مراده من الاستطاعة من أحدهما: كونها ناشئة من أحدهما، أم كان المراد تمكنه من الرواح الى الحج من أحد الوطنين دون الآخر، أم كان المراد كونه حين حصول الاستطاعة في أحدهما، مع انه على الاحتمال الثالث لا يتصور الاستطاعة من كليهما، فإنه حين حصول الاستطاعة لا يعقل كونه في كليهما، الا ان يكون مراده منه حصول الاستطاعة له و هو في بلد ثالث.

[مسألة 2 من كان من أهل مكة و خرج إلى بعض الأمصار]

قوله قده: (من كان من أهل مكة و خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع إليها، فالمشهور: جواز حج التمتع له و كونه مخيرا بين الوظيفتين. الى ان قال: و عن ابن أبي عقيل عدم جواز ذلك، و انه يتعين عليه فرض

المكي إذا كان الحج واجبا عليه، و تبعه جماعة، لما دل من الاخبار على انه لا متعة لأهل مكة و حملوا الخبرين على الحج الندبي بقرينة ذيل الخبر الثاني. و لا يبعد قوة هذا القول، مع انه أحوط، لأن الأمر دائر بين التخيير و التعيين و مقتضى الاشتغال: هو الثاني. إلخ)

و الدليل على الحكم بالتخيير في مفروض المقام و جواز التمتع له صحيحتان: (الأولى): صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 180

عبد اللّه «عليه السلام» في حديث قال: سألته عن رجل من أهل مكة يخرج الى بعض الأمصار، ثم يرجع الى مكة فيمر ببعض المواقيت إله أن يتمتع، قال «عليه السلام»:

ما أزعم ان ذلك ليس له لو فعل و كان الإهلال أحب إلي «1» (الثانية): صحيحة عبد الرحمن ابن الحجاج و عبد الرحمن بن الأعين، قالا: سألنا أبا الحسن «عليه السلام» عن رجل من أهل مكة خرج الى بعض الأمصار ثم رجع فمر ببعض المواقيت التي وقت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) له ان يتمتع؟ فقال: ما أزعم ان ذلك ليس له و الإهلال بالحج أحب الى و رأيت من سأل أبا جعفر «عليه السلام» و ذلك أول ليلة من شهر رمضان فقال له: جعلت فداك اني قد نويت ان أصوم بالمدينة؟ قال: تصوم (ان شاء اللّه تعالى) قال له: و أرجو ان يكون خروجي في عشر من شوال؟ فقال: تخرج (ان شاء اللّه تعالى) فقال: قد نويت ان أحج عنك أو عن أبيك فكيف اصنع؟ فقال له: تمتع فقال له: ان اللّه ربما من على بزيارة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و زيارتك و

السلام عليك و ربما حججت عنك، و ربما حججت عن أبيك، و ربما حججت عن بعض إخواني، أو عن نفسي فكيف اصنع؟ فقال له: تمتع فرد عليه القول ثلاث مرات يقول: انى مقيم بمكة و أهلي بها فيقول: تمتع، فسأله بعد ذلك رجل من أصحابنا فقال: انى أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر يعنى شوال؟ فقال: له أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: ان أهلي و منزلي بالمدينة و لي بمكة أهل و منزل و بينهما أهل و منازل؟ فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: فإن لي ضياء حول مكة و أريد أن اخرج حلالا فإذا كان أبان الحج حججت «2» هذا و وجه الاستدلال بهذين الحديثين منحصر في دعوى شمولهما بالإطلاق لحجة الإسلام و يقدمان على الأخبار الدالة على انه لا متعة لمن كان حاضر المسجد الحرام، لإطلاقها و اختصاصهما بمن خرج الى بعض الأمصار، فيقيد إطلاقها بهما

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 181

هذا و لكن في ثبوت الإطلاق لقوله «عليه السلام»: «ما أزعم ان ذلك ليس له» تأمل فإنه انما يكون في مقام بيان صحة التمتع لمثل هذا الشخص كما يصح منه الافراد، أما فرضه ما ذا فليس في مقام بيانه. هذا مضافا الى ان ذيل الحديث الثاني لعله قرينة على اختصاصه بالحج الندبي، و هو استشهاد ابى الحسن «عليه السلام» لجواز حج التمتع له بقوله:

«و رأيت من سأل أبا جعفر عليه السلام. إلخ» فإن المفروض في هذا الكلام هو الحج الندبي قطعا بل عن المحقق الشيخ حسن

في المنتقى الجزم بصراحته في ذلك على ما نقل صاحب الجواهر (قدس سره)، فعليه قد يقوى في النظر ما حكى عن ابن عقيل (رحمه اللّه تعالى) و مال اليه المصنف (قده) من انه يتعين عليه فرض المكي، و لكنه بعد لا يخلو من تأمل

[مسألة 3 الآفاقي إذا صار مقيما في مكة]
[فإن كان ذلك بعد استطاعته]

قوله قده: (الآفاقي إذا صار مقيما في مكة، فإن كان ذلك بعد استطاعته و وجوب التمتع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه سواء كانت إقامته بقصد التوطن أو المجاورة و لو بأزيد من السنتين)

قال المحقق طاب ثراه في الشرائع: (لو اقام من فرضه التمتع بمكة سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه و كان عليه الخروج الى الميقات إذا أراد حجة الإسلام. إلخ) قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه): (لا ريب ان من فرضه التمتع إذا أقام بمكة أو في حكمها اقامة لا يقتضي انتقال فرضه الى الأفراد أو القران يجب عليه التمتع، و قد قطع الأصحاب بأن من هذا شأنه إذا أراد حج الإسلام يخرج الى الميقات، فاستدل عليه: ان فرضه لم ينتقل عن فرض إقليمه، فلزمه الإحرام من ميقاتهم. إلخ) قال في الجواهر:

(بلا خلاف أجده فيه نصا و فتوى «بل لعله إجماعي، بل قيل: انه كذلك، للأصل و غيره). ما افاده المصنف (قدس سره) تبعا لهم هو الصواب، اللهم الا ان يقال بشمول الإطلاقات الآتية لهذا الفرض، فتدبر

[و أما إذا لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد إقامته في مكة]

قوله قده: (و أما إذا لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد إقامته في مكة، فلا إشكال في انقلاب فرضه الى فرض المكي في الجملة «كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 182

الإقامة، و انما الكلام في الحد الذي به يتحقق الانقلاب «فالأقوى ما هو المشهور من انه بعد الدخول في السنة الثالثة. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في هذه المسألة- أي انقلاب فرض التمتع الى الافراد للآفاتى الذي صار مقيما في مكة- على أقوال: (الأول): انه هو الدخول في السنة الثالثة، اختاره المحقق «طاب ثراه»

في الشرائع حيث قال: (و لو اقام فرضه التمتع بمكة سنة أو سنتين لم ينتقل فرضه و كان عليه الخروج الى الميقات إذا أراد حجة الإسلام و لو لم يتمكن من ذلك خرج الى خارج الحرم فان تعذر أحرم من موضعه فان دخل في الثالثة مقيما ثم حج انتقل فرضه الى القران و الافراد قال في الجواهر في شرح قول المحقق: (كما صرح به جماعة، بل نسبه غير واحد الى المشهور (بل ربما عزى إلى علمائنا عدا الشيخ) و وافقهم المصنف قده.

(الثاني): انه هو الدخول في السنة الثانية حكى هذا القول عن ظاهر الدروس، حيث قال على ما نقل في الجواهر: (و لو أقام النائي بمكة سنتين انتقل فرضه إليها في الثالثة، كما في المبسوط و النهاية، و يظهر من أكثر الروايات انه في الثانية)، و صاحب كشف اللثام بعد ان حكى هذا القول عن الشهيد قال: (و الأمر كذلك، فقد سمعت خبري الحلبي و حماد عن الصادق (عليه السلام) و قال (عليه السلام). في خبر عبد اللّه بن سنان: المجاور بمكة سنة يعمل عمل أهل مكة. قال الراوي: (يعني يفرد الحج مع أهل مكة، و ما كان دون السنة له ان يتمتع «1» و قال الباقر «عليه السلام» في مرسل حريز قال: من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي. إلخ «2» و قد افتى بهذا الخبر الصدوق «قدس سره» في المقنع و لا يعارضها غيرها، لاحتمال صحيحي زرارة و عمر بن يزيد الدخول في الثانية و سنتي الحج بمعنى زمان يسع حجتين، و هو سنة، كما ان شهر الحيض ثلاثة عشر يوما. إلخ) و أشار (قدس سره) بخبري الحلبي و

حماد الى صحيح الحلبي، قال: سألت أبا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(2) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 183

عبد اللّه «عليه السلام»، لأهل مكة ان يتمتعوا؟ قال: لا قال: قلت: فالقاطنين فيها؟ قال:

إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة، فإذا أقاموا شهرا فان لهم أن يتمتعوا قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم قلت: من اين يهلون بالحج؟ فقال من مكة نحوا مما يقوله الناس «1» و الى خبر حماد، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن أهل مكة أ يتمتعون: قال «عليه السلام»: ليس لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟ قال: إذا أقام سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة، قلت: فان مكث الشهر؟ قال «عليه السلام»: يتمتع قلت: من أين يحرم؟ قال: يخرج من الحرم قلت: من أين يهل بالحج؟ قال: من مكة نحوا مما يقوله الناس «2» و أشار (قدس سره، بصحيحي زرارة و عمر بن يزيد الى ما في صحيح زرارة عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: من اقام بمكة سنتين، فهو من أهل مكة و لا متعة له. إلخ «3» و الى ما في صحيح عمر بن يزيد قال: قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج الى سنتين «فإذا جاور سنتين كان قاطا، و ليس له ان يتمتع «4» (الثالث): انه هو الدخول في السنة الرابعة، قد نسب هذا القول الى الشيخ في المبسوط و النهاية، حيث قال في عبارته المحكية في الأول: (و المكي إذا انتقل الى غيرها من البلدان ثم جاه متمتعا لم

يسقط عنه الدم و ان كان من غيرها و انتقل إلى مكة فإن أقام بها ثلاث سنين فصاعدا كان من الحاضرين، و ان كان أقل من ذلك كان حكمه حكم أهل بلده).

و عبارته المحكية عن الثاني: (من جاور بمكة سنة أو سنتين جاز له أن يتمتع فيخرج الى الميقات و يحرم بالحج متمتعا، فان جاور بها ثلاث سنين لم يجز له التمتع و كان حكمه حكم أهل مكة). و في كشف اللثام حكى هذا القول عن السرائر أيضا (الرابع)- انه بعد ستة أشهر أو خمسة، و لم يذكر لذلك قائل، نعم، في المدارك ذكر إمكان الجمع بين الاخبار الدالة

______________________________

(1) و الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

(2) و الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(3) و الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(4) و الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 184

على ذلك و بين غيرها بالتخيير بعد السنة و الستة أشهر.

و كيف كان و منشأ الاختلاف في ذلك هو اختلاف الروايات الواردة في المقام و الاخبار الواردة فيما نحن فيه عنهم (عليه السلام) على طوائف: (طائفة منها) تدل على كون العبرة في انقلاب فرض التمتع الى الافراد بسنتين: منها صحيحة زرارة المتقدمة، و منها صحيحة عمر بن يزيد المتقدمة أيضا و دلالتهما على ما ذكر واضحة. و (طائفة منها) تدل على كون العبرة في ذلك هو سنة و منها ما عن عبد اللّه بن سنان، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» و قد تقدم ذكره ايضا عند نقل كلام كاشف اللثام «قدس

سره» و منها ما عن حريز و هو ايضا تقدم ذكره ايضا عند نقل كلامه «قدس سره» و (طائفة منها): تدل على أنه بعد سنة أشهر أو بعد خمسة أشهر، كصحيح حفص البختري عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في المجاور بمكة يخرج إلى أهله ثم يرجع الى مكة بأيّ شي ء يدخل؟ قال: ان كان بمكة أكثر من ستة أشهر، فلا يتمتع «و ان كان أقل من ستة أشهر فله ان يتمتع، «1» و ظاهره التخيير و (طائفة منها): تدل على أنه بعد خمسة أشهر، كخبر الحسين بن عثمان. قال: من اقام بمكة خمسة أشهر فليس له ان يتمتع «2» و (طائفة منها): تدل على بيان حكم من اقام بمكة سنة أو أكثر من دون ان يكون ذلك حدا للانقلاب، كما عن حماد قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن أهل مكة أ يتمتّعون؟ قال: ليس لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟

قال: إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة. إلخ «3» و أنت ترى ورودها لبيان حكم من اقام بمكة سنة أو سنتين من دون ان يكون حدا للانقلاب، لعدم إمكان التحديد بين الناقص و الزائد و كيف كان فالأخبار الواردة في المقام تكون مختلفة «فلا بد من الجمع بينها صرف

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب أقسام الحج حديث: 5

(3) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 185

النظر عن أعراض المشهور، فنقول: ان يمكن الجمع بينها بان يقال: ان ما هو الحد لانقلاب الفرض الى الافراد تعيينا هو تمام

السنتين، و اما الحدود المذكورة قبل ذلك فهي حد لحصول التخيير، و اختلاف الحدود محمول على اختلاف مراتب الفضل. هذا و لكن لا يخفى ان هذا الجمع بالنظر الى مجموع الاخبار غير ممكن، و الذي يسهل الخطب هو إعراض المشهور عن جميع الطوائف المتقدمة إلا الطائفة الأولى منها، فالعمل بها متعين و أما ما تقدم من صاحب كشف اللثام في الجمع بين الاخبار عند نقل كلامه- من احتمال كون المراد من صحيحتي زرارة، و عمر بن يزيد الدالتين على اعتبار الدخول في السنة الثالثة هو الدخول في الثانية و يراد من سنتي الحج الزمان الذي يمكن فيه وقوع حجين كما يراد ذلك في شهر الحيض- ففيه: ما لا يخفى من البعد. و كذا ما ذكره صاحب الجواهر من الجمع بين الاخبار بأن يراد من الإقامة و المجاورة سنتين: الدخول في الثانية حيث قال بعد ذكر نقل الأقوال: (كما انه يتجه الاستدلال للقول المقابل له- و هو الانتقال بالدخول في الثانية الذي يظهر من الشهيد و الفاضل الأصبهاني الميل إليه. الى ان قال:

و بخبري الحلبي و حماد السابقين المشتملين على مجاورة السنة أو السنتين بناء على انه لا معنى لذلك الا على ارادة الدخول في الثانية. و من هنا بان لك: صحة استظهار الشهيد له من أكثر الروايات بل يمكن تنزيل الصحيحين المزبورين عليه (صحيح زرارة و صحيح عمر بن يزيد) و لو بقرينة هذه النصوص التي تصلح مرجحة لإحدى النسختين في إحديهما على الأخرى أيضا التي قيل: انها لا تقبل التنزيل المزبور. الى ان قال: و على كل حال فتجمع نصوص السنة و السنتين و السنة أو السنين حينئذ على معنى واحد. نعم، تبقى نصوص

الستة أشهر أو أكثر.

ثم انه (قدس سره) بعد ان ذكر الأخبار الدالة على ما ذكر قال: (و يمكن حملها على التقية بناء على اكتفاء العامة في صيرورته من حاضري المسجد الحرام بالاستيطان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 186

ستة أشهر أو الدخول في شهر السادس، أو على اعتبار مضى ذلك في إجراء حكم الوطن لمن قصد التوطن، و في كشف اللثام: «أو على ارادة بيان حكم ذي الوطنين بالنسبة إلى قيام الستة أشهر، أو أقل أو أكثر أو غير ذلك، و بذلك بان لك قوة هذا القول المزبور و ان قل القائل به صريحا بل لم نعثر عليه).

قوله قده: (و الظاهر من الصحيحين اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة فلو كانت بقصد التوطن فينقلب بعد قصده من الأول، فما يظهر من بعضهم من كونها أعم لا وجه له

(قال في المدارك في ذيل المبحث: (إطلاق النص و كلام الأصحاب يقتضي عدم الفرق في الإقامة الموجبة لانتقال الفرض بين كونها بنية الدوام أو المفارقة و ربما قيل: ان الحكم مخصوص بالمجاور بغير نية الإقامة اما لو كان بنيتها انتقل فرضه من أول سنة و إطلاق النص يدفعه) قال في الجواهر: (لا اشكال و لا خلاف في صيرورة المجاور بعد المدة المزبورة و ان لم يكن بقصد التوطن، كالمكي في نوع الحج.

نعم، بعض الحواشي تقييد ذلك بما أراد المقام بها ابدا. لكن عن المسالك:

انه مخالف للنص و الإجماع) ثم انه (قدس سره) بعد ان نقل عن بعضهم انه لا يشترط في وجوب الحج عليه الاستطاعة المشروطة له و لو الى الرجوع الى بلده بل يكفى فيه استطاعة أهل مكة لإطلاق و الآية كثير من الاخبار. الى

آخر ما نقله قال: (الا ان الجميع كما ترى مع عدم قصد التوطن ضرورة: انسباق ارادة نوع الحج خاصة من الجميع فيبقى عموم أدلة الاستطاعة النائي بحاله و كذا استصحابها بل و أصل البراءة و (دعوى): ان تلك الاستطاعة شرط للتمتع و لا تمتع هنا يدفعها انه شرط وجوب الحج على النائي مطلقا و تعين المتعة أمر آخر مع انه قد يجب عليه الافراد أو القران. نعم، الظاهر: انه كذلك مع قصد التوطن، لصدق كونه حينئذ من أهلها و ان وجب عليه التمتع قبل السنة أو السنتين، للأدلة الشرعية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 187

و من ذلك يظهر ضعف القول بتقييد إطلاق الحكم المزبور في النص و الفتوى بما إذا أراد المفارقة. أما مع ارادة المقام ابدا فينتقل فرضه بأول سنة، لصدق كونه حينئذ من أهلها.

لكن في الرياض: [ان كلا من القولين ضعيف، لان بين اطلاقيهما عموما و خصوصا من وجه، لتواردهما في المجاور سنتين مثلا بنية الدوام و افتراق الأول عن الثاني في المجاور سنتين بغير النية و العكس في المجاور دون السنتين مع النية المزبورة، فترجيح أحدهما على الآخر و جعله المقيد له غير ظاهر الوجه، و لكن مقتضى الأصل- و هو استصحاب عدم انتقال الفرض- يرجح الأول] قلت: مضافا الى تصريح البعض به، و بأنه المراد من إطلاق الفتوى بل قد يقال: بظهوره من صحيح زرارة و لو بقرينة سؤاله بعد ذلك عن ذي المنزلين بل و من غيره، فتكون مقيدة لتلك النصوص التي قد يدعى ظهورها في غير متجددي الاستيطان انتهى كلامه زيد في علو مقامه) يمكن ان يقال بما افاده المصنف (قده) من اختصاص الحكم بالمجاور دون ما إذا

قصد التوطن، و ذلك لما في صحيحتي زرارة و عمر بن يزيد لفظ: [جاور، و أقام] لأن المراد من المقيم هو من لم يقصد التوطن و أما جاور فيمكن ادعاه ظهوره في من لم يقصد التوطن فتأمل

قوله قده: (و من الغريب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطن)

قد تقدم نقل هذا: عن بعض الحواشي في كلام صاحب الجواهر (قدس سره) و ناقشه في المسالك: (انه باطل مخالف للنص و الإجماع) و هو ايضا تقدم في كلام صاحب الجواهر آنفا

قوله قده: (ثم الظاهر ان في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكي بالنسبة إلى الاستطاعة لها أيضا فيكفي في وجوب الحج الاستطاعة من مكة و لا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده، فلا وجه لما يظهر من صاحب الجواهر من اعتبار استطاعة النائي في وجوبه، لعموم أدلتها، و ان الانقلاب انما أوجب تغيير نوع الحج، و اما الشرط فعلى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 188

ما عليه فيعتبر بالنسبة إلى التمتع هذا. إلخ)

قد تقدم كلام صاحب الجواهر آنفا و انه (قدس سره) بعد ان حكى عن بعضهم انه لا يشترط في وجوب الحج عليه الاستطاعة المشروط له و لو الى الرجوع الى بلده بل يكفى فيه استطاعة أهل مكة، لإطلاق الآية و كثير من الاخبار. إلخ قال: (ان الجميع كما ترى مع عدم قصد التوطن ضرورة:

انسباق ارادة نوع الحج خاصة من الجميع، فيبقى عموم أدلة استطاعة النائي بحاله و كذا استصحابها بل و أصل البراءة. إلخ) يمكن ان يقال: انه لا ثمرة بين كلام المصنف و بين كلام صاحب الجواهر (قدس سرهما) في مفروض المسألة، لعدم الفرق بين حصول الاستطاعة من الميقات أو من

البلد أو من غيرهما أما من حيث أصل وجوب الحج فلما ذكرنا في المباحث السابقة انه إذا حصلت الاستطاعة للآفاقى المسافر حين وصوله الى الميقات جامعا للشرائط فلا إشكال في وجوب الحج عليه و لو لم يكن مستطيعا من البلد، أما لعدم المال له، و أما لعذر آخر و أما بعد تمامية الأعمال فقد تقدم أيضا في المباحث السابقة انه إذا عزم على البقاء إلى مكة و لم يرد الرجوع الى بلده لا إشكال في عدم اعتبار الاستطاعة إليه في وجوب الحج عليه بل يكفيه الاستطاعة إلى المحل الذي قصد ان يقيم فيه، فما يعتبر في وجوب الحج هو حصول الاستطاعة بمقدار ما يمكنه الرواح الى الحج و ما يتعلق به، و هو على الفرض في مفروض المقام حاصل له و على فرض تسليم ترتب الثمرة نقول: أنه لا مجال لما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره) لان الظاهر من قوله عليه السلام في صحيحة زرارة: [من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة فلا متعة] و كذا قوله «عليه السلام» في صحيحة عمر بن يزيد: [من جاور بمكة سنتين فهو يكون قاطنا] هو صيرورة الآفاقي بإقامته بهذا المقدار في مكة ملحقا بالمكي فعليه لا تشمله أدلة النائي و اما عدم جريان الاستصحاب و أصل البراءة في حقه فواضح

[و لو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكة لكن قبل مضى السنتين]

قوله قده: (و لو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكة لكن قبل مضى السنتين فالظاهر انه كما لو حصلت في بلده، فيجب عليه التمتع و لو بقيت إلى السنة الثالثة أو أزيد،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 189

فالمدار على حصولها بعد الانقلاب. إلخ)

و الظاهر انه مما لا خلاف فيه بين الأصحاب

[و أما المكي إذا خرج إلى سائر الأمصار فلا يلحقه حكمها إلا إذا كانت الإقامة بقصد التوطن]

قوله قده: (و أما المكي إذا خرج الى سائر الأمصار مقيما بها، فلا يلحقه حكمها في تعين التمتع عليه لعدم الدليل)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا، و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل أحد منهم للخلاف فيه. قال في المدارك: (و لو انعكس الفرض- بأن أقام المكي في الآفاق- لم ينتقل فرضه بذلك، الا مع نية الدوام و صدق خروجه عن حاضري مكة عرفا. و احتمل بعض الأصحاب:

الحاقه بالمقيم في مكة في انتقال الفرض بإقامة السنتين، و هو ضعيف. و هكذا نص على عدم انتقال فرض المكي إلى فرض النائي إذا صار مقيما في الآفاق، حيث قال: [و لو انعكس الفرض- بأن أقام المكي في غيرها- لم ينتقل فرضه و لو سنين، للأصل و غيره بعد حرمة القياس الا ان يكون بنية الاستيطان، فينتقل من أول سنة لصدق النائي عليه حينئذ كما هو واضح]. ما افاده المصنف (قدس سره) تبعا لهم هو الصواب، لعدم الدليل عليه.

ان قلت: انه يمكن التعدي من مورد الأخبار المتقدمة الواردة في حق الآفاقي المقيم في مكة إلى حاضري المسجد الحرام الذي صار مقيما في الآفاق بتنقيح المناط. قلت:

(أولا): انه لا مجال له أصلا. و (ثانيا): انه قد تكرر منا مرارا ان تنقيح المناط المعتبر هو القطعي منه دون غيره، و

هو غير ممكن في الشرعيات و غاية ما يحصل منه في مفروض المقام هو الظن الذي لا دليل على اعتباره. نعم، إذا حصل لنا القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص حينئذ عن التعدي، و لكن لا سبيل الى ذلك، كما لا يخفى، فتسرية الحكم من هناك الى المقام قياس، و هو باطل عند مذهب أهل الحق، فلا بد من الاقتصار على موردها. و هو الآفاقي المقيم بمكة سنتين-

قوله قده: (إلا إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطن و حصلت الاستطاعة بعده، فإنه يتعين عليه التمتع بمقتضى القاعدة و لو في السنة الاولى، و اما إذا كانت بقصد المجاورة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 190

أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكة فلا. نعم، الظّاهر دخوله حينئذ في المسألة السابقة، فعلي القول بالتخيير فيها كما هو المشهور يتخير و على قول ابن أبى عقيل يتعين عليه وظيفة المكي)

ما افاده قده (أولا): من تعيين التمتع عليه إذا أقام في الآفاق بقصد التوطن و حصلت الاستطاعة له بعد الإقامة فلا ينبغي الإشكال فيه، لصدق النائي عليه حينئذ، فتشمله الأدلة و أما ما افاده (ثانيا): من عدم ثبوت التمتع عليه إذا كانت بقصد المجاورة أو حصلت الاستطاعة في مكة فأيضا مما لا اشكال فيه اما (الفرض الأول): فلصدق كونه من حاضري المسجد الحرام. و أما (الفرض الثاني): فلان العبرة انما تكون بحال الاستطاعة كما لا يخفى و أما ما أفاده: [من ان الظاهر دخوله في المسألة السابقة. إلخ] فهذا انما يتم في الفرض الأول- و هو ما إذا كانت بقصد المجاورة- و أما الفرض الثاني فدخوله فيها محل اشكال، لاختصاصها بحاضري المسجد الحرام، فلا يمكن التعدي عن موردها

[مسألة 4 المقيم في مكة إذا وجب عليه التمتع]

قوله قده: (المقيم في مكة إذا وجب عليه التمتع- كما إذا كانت استطاعته في بلده، و استطاع في مكة قبل انقلاب فرضه- فالواجب عليه الخروج الى الميقات لإحرام عمرة التمتع، و اختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال: (أحدهما): انه مهل أرضه.

(ثانيها): انه أحد المواقيت المخصوصة مخيرا بينها (ثالثها): انه أدنى الحل. الى ان قال: و الأحوط الأول و ان كان الأقوى الثاني، لعدم فهم الخصوصية من خبر سماعة)

اختلفت كلمات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في هذه المسألة على أقوال: (الأول):

انه مهل أرضه، و اختاره الشيخ، و أبى الصلاح و يحيى بن سعيد، و المحقق في النافع، و الفاضل في جملة من كتبه على ما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره» (الثاني): انه أحد المواقيت مخيرا و هو ظاهر إطلاق كلام المحقق في الشرائع، و ظاهر إطلاق غيره ايضا كذلك كالنهاية و المقنع و المبسوط و القواعد اختاره صريحا الشهيد الأول في الدروس، و الشهيد الثاني في المسالك، و صاحب الروضة «قدس اللّه تعالى أسرارهم» على ما نقل في الجواهر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 191

(الثالث): انه أدنى الحل، و هو خيرة الحلبي، و احتمله في المدارك. بل عن شيخه انه استظهره على ما هو المحكي عنهم.

يمكن ان يقال بالأول- و هو مهل أرضه- و يشهد لذلك خبر سماعة عن أبى الحسن (عليه السلام) قال: سألته عن المجاور إله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟ قال: نعم، يخرج الى مهل أرضه، فليلب ان شاء «1» و رواه الشيخ (قدس سره)، بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله.

هذا مضافا الى الاخبار الواردة في الجاهل و الناسي للإحرام إذا دخل في مكة بدونه، في صحيح الحلبي قال: سألت أبا

عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم؟ قال قال: أبى: يخرج الى ميقات أهل أرضه، فإن خشي إن يفوته الحج أحرم من مكانه. إلخ «2» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله، و في صحيح ابن أبى عمير، عن حماد عن الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ فقال: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه. إلخ «3». و في رواية على بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم كيف يصنع؟ قال: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون به فيحرم «4». و في رواية عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل مرّ على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتى مكة، فخاف ان رجع الى الوقت ان يفوته الحج؟ فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك «5» الى غير ذلك من الأخبار الواردة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 19- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 1

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 7

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 9

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 192

عنهم «عليهم السلام» و مضافا الى الروايات الدالة على ان لكل قطر ميقات خاص.

و لكن جميعها قابل للمناقشة و الاشكال:

أما الاستدلال بخبر سماعة على وجوب

الرجوع الى ميقات مهل أرضه ففيه: (أولا):

بضعف سنده. و (أما القول): بانجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» (فمدفوع): فإنه ان ثبت كون هذا القول مشهورا بينهم نقول: أن انجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» غير معلوم، لعدم العلم باستنادهم في حكمهم بوجوب الخروج الى مهل أرضه الى ذلك، لاحتمال كون استنادهم فيه الى الأصل الجاري عند الترديد فيما إذا دار الأمر بين التعيين و التخيير و هو التعيينية- بأن يقال: انه اما عليه الخروج الى مهل أرضه تعيينا، و أما تخييرا، فيختار مهل أرضه، لحصول القطع بالامتثال به. نعم، إذا حصل العلم باستنادهم في هذا الحكم الى خبر سماعة انجبر ضعفه. و (ثانيا) بضعف دلالته، و ذلك لان كلمة: «ان شاء» الواقعة في منطوقها فيها احتمالات كثيرة: لأنه (تارة):

يكون قيدا للتلبية. و (اخرى): قيدا للخروج الى مهل أرضه. و (ثالثة): قيدا للتمتع و لكن الاحتمال الأول فاسد، لكون التلبية واجبة سواء شاء أولا، فيدور الأمر بين الاحتمال الثاني و الثالث، فبناء على احتمال الثاني- و هو كونه قيدا للخروج الى مهل أرضه- انما يدل على جواز الإحرام من مهل أرضه لا تعينه، لصيرورة معناه حينئذ: انه ان شاء الخروج الى مهل أرضه فهو ميقاته. و اما بناء على الاحتمال الثالث- و هو كونه قيدا للتمتع- فيتم الاستدلال به على المدعى، لصيرورة المعنى حينئذ انه أن شاء أن يأتي بالتمتع فعليه الخروج الى مهل أرضه، فمدلوله تعيين ذلك الميقات للإحرام لأن الإطلاق يقتضي التعيينية. هذا و الإنصاف: أن الاحتمال الثالث: هو الظاهر من الحديث، فالمناقشة في دلالة الحديث من هذه الجهة في غير محلها.

نعم، هنا كلام آخر: و هو انه انما يتعدى عن مورد

الحديث- و هو الحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 193

المستحب- الى الحج الواجب بناء على استفادة كونه شرطا للواجب أيضا بالأولوية القطعية- كما افاده صاحب الجواهر (قدس سره)- و الا فلا يمكن التعدي عن المورد بالأولوية الظنية، لأنه لا يغني من الحق شيئا، و لكن قد ذكرنا مرارا و كرارا ان تنقيح المناط القطعي غير ممكن في الشرعيات، لقصور عقولنا عن إدراك الملاكات فتسرية الحكم الى مفروض المقام قياس، و هو باطل، و كيف ما كان و الوجه في كون مورد الحديث هو الحج الندبي هو تعليق إتيان الحج على المشية و لو كان واجبا لم يكن مجال التعليق، لكن هذا انما يتم بناء على عدم كون المجاور مخيرا بين الأنواع الثلاثة- التمتع و القران و الافراد- و أما على القول بان بعض افراد المجاور مخير بين الافراد و التمتع فلا يدل التعليق على المشية على كون حجه ندبيا كما هو واضح، فإنه يكفي في حسن التعليق على المشية ثبوت التخيير في بعض الافراد.

هذا و لكن التحقيق: ان هذا الحديث مطلق يشمل الواجب و المستحب و ليس مختصا بالمستحب، فإنه يكفي في حسن التعليق على المشية كون بعض أفراده مستحبا فإذا ما نقل عن الرياض من الاشكال فيه بضعف الدلالة من جهة قوله (عليه السلام): «ان شاء» مما لا يمكن المساعدة عليه ثم انه بناء على اختصاصه بالمستحب لا يمكن التعدي إلى الواجب و أما (دعوى): عدم الخصوصية فهو دعوى مجردة عن الدليل و أما (دعوى):

عدم ظهور الجملة الخبرية في الوجوب، و هو قوله «عليه السلام»: «نعم يخرج الى مهل أرضه» فمدفوع و ذلك لما قرر في محله ان الجملة الخبرية إذا وردت في

مقام الطلب فهي ظاهرة في الوجوب بل هي آكد فيه، و بالجملة: عمدة المناقشة في الاستدلال بهذا الحديث هو ضعف السند فلا عبرة به: فما أفاده في الرياض (قدس سره) من الإشكال في الخبر بضعف سنده على ما هو المحكي عنه هو الصواب، إلا إذا أحرز استناد الأصحاب في الحكم اليه و أما الاستدلال بالأخبار الواردة في الجاهل و الناسي بناء على تماميتها فالمناقشة فيها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 194

في غاية الوضوح، لعدم إمكان التعدي عن موردها الي مفروض المقام، لاحتمال الخصوصية في موردها- و هو الجهل و النسيان- فالتعدي عن موردها الى مقروض المقام قياس، و هو باطل. و أما القول بأنه يمكن التعدي عن موردها الى غيره بتنقيح المناط القطعي فلا يمكن المساعدة عليه، لأنه غير قطعي و غاية ما يحصل به هو الظن و هو لا يغني من الحق شيئا، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا، لاحتمال خصوصية للجاهل و الناسي للإحرام الذي دخل مكة بدونه دون غيره نعم، إذا قطعنا بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل أيضا فلا محيص عن التعدي من موردها الى غيره، و لكنه قد ذكرنا مرارا و كرارا أنه في الشرعيات مجرد فرض لا واقع له لعدم العلم بالملاكات و موانعها، كما لا يخفى.

هذا و أما الاستدلال بالأخبار الدالة على ان لكل قطر ميقات (ففيه): أن ثبوت الإطلاق لها بحيث يشمل من هو في مكة غير معلوم، فتحصل أن القول الأول- و هو لزوم الخروج الى مهل أرضه- مما لا مجال له إلا إذا ثبت انجبار خبر سماعة بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» لإحراز استنادهم في مقام العمل به، و الا فلا

عبرة به أصلا و يمكن أن يقال بالثاني- أعني التخيير بين المواقيت المخصوصة- و يستدل لذلك بجملة من الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- مرسلة حريز عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: من دخل مكة بحجة عن غيره ثم أقام سنة فهو مكي، و ان أراد أن يحج عن نفسه، أو أراد أن يعتمر بعد ما انصرف من عرفة فليس له ان يحرم من مكة، و لكن يخرج الى الوقت و كلما حول رجع الى الوقت «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب. و (فيه): انه ضعيف سندا بالإرسال فلا عبرة به.

2- موثق سماعة بن مهران عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» أنه قال: من حج معتمرا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 195

في شوال و من نيته أن يعتمر و يرجع الى بلاده فلا بأس بذلك، و أن هو أقام إلى الحج فهو يتمتع، لأن أشهر الحج: [شوال و ذو القعدة و ذو الحجة] فمن أعتمر فيهن و أقام إلى الحج فهي متعة، و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و أن أعتمر في شهر رمضان أو قبله و أقام إلى الحج فليس، بتمتع، و أنما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يجاوز عسفان فيدخل متمتعا بالعمرة إلى الحج فان هو أحب أن يفرد الحج فليخرج إلى، الجعرانة فيلبي منها «1». و (فيه): أن هذا بظاهره كما ترى غير دال على المدعى و لم يفت أحد ممن ظفرنا بفتواه بظاهره،

لما فيه من الأمر بالخروج الى ذات عرق و عسفان.

و نحوه في ضعف الدلالة مضافا الى إمكان المناقشة في سنده، فلا مجال للاعتماد عليه 3- خبر إسحاق بن عبد اللّه قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن المعتمر بمكة يجرد الحج أو يتمتع مرة أخرى؟ فقال: يتمتع أحب الى و ليكن إحرامه من مسيرة ليلة أو ليلتين «2». و (فيه) ان ظاهره غير معمول به عند الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و يمكن الاستدلال على المدعى بالأخبار الدالة على جواز الإحرام مما مر عليه من المواقيت (بدعوى) شمول إطلاقها لما نحن فيه لكنه مشكل، لاختصاص تلك الأخبار بالنائي العابر على الميقات إلى مكة، فلا تشمل مفروض المقام أصلا و يمكن ان يقال بالثالث- أنه يحرم من أدنى الحل- و يمكن الاستدلال لذلك بجملة من النصوص الواردة في المقام عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» لأهل مكة أن يتمتعوا؟

قال: لا قال: قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث: 20

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 196

مكة، فإذا أقاموا شهرا فان لهم أن يتمتعوا قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم قلت: من أين يهلون بالحج؟ قال: من مكة نحوا مما يقول الناس «1» 2- رواية على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمر عن داود عن حماد قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن أهل مكة أ يتمتعون؟ قال: ليس لهم متعة قلت: فالقاطن بها؟

قال: إذا أقام بها سنة أو

سنتين صنع صنع أهل مكة قلت: فان مكث الشهر؟ قال:

يتمتع قلت: من اين يحرم؟ قال: يخرج من الحرم. إلخ «2» 3- صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر أحرم من الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما «3» و هذا القول هو الأقوى في النظر الا إذا ثبت إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن هذه الاخبار إنه ثم مقتضى الاحتياط هو أن يحرم من ميقات أهله لما فيه من الجمع بين الأقوال المذكورة في المسألة ثم تجديده في الجعرانة أو الحديبية أو ما أشبههما ثم أنه لا بأس بذكر ما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره» في المقام حيث أنه بعد أن ناقش في جميع الأخبار التي استدل بها على الأقوال الموجودة في المسألة قال: (و من هنا قال بعض أفاضل متأخري المتأخرين:

أن الواجب حينئذ الرجوع في المسألة الى ما تقتضيه الأصول الشرعية، لضعف أدلة الأقوال جميعها، و هو هنا البراءة من تعين ميقات عليه ان اتفق على الصحة مع المخالفة لما يوجب عليه، و وجوب الأخذ بالمبرء للذمة منها يقينا ان كان ما يوجب عليه شرطا، فالذي ينبغي تحصيله تشخيص محل النزاع من تعيين الوقت أ هو أمر تكليفي خاصة أو شرطي؟ و الظاهر: الثاني، لما مر من عدم الخلاف في الإحرام من كل وقت يتفق المرور عليه، و تصريح بعض من

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(3) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 197

صار الى اعتبار أدنى

الحل بجوازه و صحة إحرامه من غيره من المواقيت البعيدة، و عليه فيعود النزاع الى وجوب الخروج الى مهل أرضه أم لا بل يجوز الى اى وقت كان و لو أدنى الحل؟ و الحق: الثاني الا بالنسبة إلى أدنى الحل فلا يجوز الخروج اليه اختيارا، لدلالة الروايات المعتبرة و لو بالشهرة. على وجوب الخروج الى غيره، فيتعين. و أما وجوب الخروج الى مهل الأرض فالأصل عدمه بعد ما عرفت من ضعف دليله، و ان كان أحوط، للاتفاق على جوازه. و (فيه): بعد الإغماض عما ذكره- دليلا للثاني الذي استظهره- أنه لا ريب في رجحان القول الأول من الأقوال و هو: [لزوم الخروج الى مهل أرضه] إذ ضعف دليله منجبر بالشهرة المحكية في الحدائق ان لم يكن محصلة، و لا معارض له الا الإطلاق المنزل عليه. و قوله فيه: [ان شاء] ظاهر في إرادة التخيير له بين التمتع و غيره، لعدم كونه حج الإسلام، و لا ينافي الاستدلال به عليه ضرورة: اقتضاء شرطيته بالنسبة إلى المندوب اشتراطه في الواجب بطريق أولى، أو كون ذلك كيفية مخصوصة لأصل المشروعية التي لا تفاوت فيها بين الواجب و المندوب و نصوص الناسي و الجاهل، بل و العامد ظاهرة في ان السبب في ذلك مراعاة تكليفه الأصلي على وجه يقتضي عدم الفرق بين الفرض و غيره: و مع الإغماض عن ذلك كله فلا شبهة في اندراجه في أدلة حكم أهل أرضه ان لم يخرج بالمجاورة عنهم عرفا قطعا مع عدم نية الاستيطان و مقتضاه الإحرام من مهلهم، أو يكون مارا على غيره قاصدا إلى مكة لا إذا كان قصده الخروج منها إلى الإحرام منه، فإنه حينئذ لا يندرج في تلك

الأدلة الآمرة بالإحرام لأهل قطر إذا مر على ميقات غيره قاصدا إلى مكة، و انه لا يتجاوزه غير محرم و من ذلك حينئذ يظهر وجه الشرطية في الإحرام من مهل أرضه على وجه لا يجزيه الإحرام من غيره مع فرض كونه في حال لا يصدق عليه انه مر عليه قاصدا الدخول إلى مكة، كما ان منه يظهر النظر فيما في الحدائق، و الرياض، من الحكم بجواز ذلك له مطلقا. بل لعل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 198

منه يظهر ان إطلاق المصنف و غيره منزل على القول المزبور لحكمهم بالبقاء على فرضه الأول الذي هو ما عرفت، لا ان المراد به الإحرام من اى ميقات و ان لم يكن على الوجه المزبور، فيختص القول الثاني [و هو انه أحد المواقيت المخصوصة مخيرا] حينئذ بالمصرح به توهما له من هذه الإطلاقات. و أما القول الثالث [و هو أدنى الحل] فلم تتحققه لأحد و ان حكى عن الحلبي و انما استظهره الأردبيلي، و احتمل تلميذه تبعا له، لكنه واضح الضعف خصوصا بعد وضوح (ضعف دليله، كما عرفت، فلا ريب حينئذ في أن الأقوى: الأول) تظهر المناقشة ما في ما أفاده بالنسبة إلى انجبار خبر سماعة بالشهرة، و تأييده بما دل على وجوب رجوع الجاهل و الناسي إلى مهل أرضه، و تنزيله المطلقات الدالة عن الخروج الى الوقت على التقييد- و هو الخروج الى مهل أرضه- و شمول ما دل على حكم الوطن لهم، و غير ذلك بما قدمنا لك، فلاحظ و تأمل.

قوله قده: (ثم الظاهر ان ما ذكرنا حكم من كان في مكة و أراد الإتيان بالتمتع و لو مستحبا، هذا كله مع إمكان الرجوع الى المواقيت.

و اما إذا تعذر فيكفي الرجوع الى أدنى الحل، بل الأحوط الرجوع الى ما تمكن من خارج الحرم مما هو دون الميقات و ان لم يتمكن من الخروج إلى أدنى الحل أحرم من موضعه، و الأحوط الخروج الى ما يتمكن)

ما أفاده قده (أولا): من شمول ما ذكر بمن كان في مكة و أراد الإتيان بالتمتع و لو مستحبا فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لاقتضاءه إطلاق النصوص المتقدمة: و أما ما أفاده (ثانيا): من كفاية الرجوع الى أدنى الحل في صورة التعذر فالظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و جعله في المدارك مما قطع به الأصحاب و يظهر من كلمات غيره انه مفروغ منه بين الفقهاء، و لكنه مع ذلك كله لا يخلو من الاشكال، و ما في بعض الاخبار من الحكم بالصحة عند ترك الإحرام نسيانا أو جهلا، فضاق الوقت لا يمكن التعدي عنه الى غيره، لاحتمال الخصوصية في المورد، كما عرفت. نعم، مع القطع بعدم الخصوصية فلا مانع من التعدي، فتدبر

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 199

الفصل التاسع صورة حجّ التمتّع على الإجمال

اشارة

أن يحرم في أشهر الحج من الميقات بالعمرة المتمتع بها الى الحج، ثم يدخل مكة فيطوف فيها بالبيت سبعا، و يصلى ركعتين في المقام، ثم يسعى لها بين الصفاء و المروة سبعا. ثم يطوف للنساء احتياطا، و إن كان الأصح عدم وجوبه، و يقصر، ثم ينشئ إحراما للحج من مكة في وقت يعلم انه يدرك الوقوف بعرفة، و الأفضل إيقاعه يوم التروية، ثم يمضي الى عرفات فيقف بها من الزوال الى الغروب، ثم يفيض و يمضى منها الى المشعر فيبيت فيه و يقف به بعد طلوع الفجر الى طلوع الشمس، ثم يمضي

إلى منى فيرمي جمرة العقبة، ثم ينحر أو يذبح هديه و يأكل منه، ثم يحلق أو يقصر فيحل من كل شي ء إلا النساء و الطيب، و الأحوط اجتناب الصيد ايضا و ان كان الأقوى عدم حرمته عليه من حيث الإحرام، ثم هو مخير بين ان يأتي إلى مكة ليومه فيطوف طواف الحج و يصلى ركعتيه و يسعى سعيه فيحل له الطيب، ثم يطوف طواف النساء و يصلى ركعتيه فتحل له النساء، ثم يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق و هي: [الحادي عشر و الثاني عشر، و الثالث عشر] و يرمى في أيامها. الجمار الثلاث، و أن لا يأتي إلى مكة ليومه بل يقيم بمنى حتى يرمى جماره الثلاث يوم الحادي عشر و مثله: يوم الثاني عشر، ثم ينفر بعد الزوال إذا كان قد اتقى النساء و الصيد. و ان أقام إلى النفر الثاني- و هو الثالث عشر- و لو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضا، ثم عاد إلى مكة للطوافين و السعى، و لا اثم عليه في شي ء من ذلك على الأصح، كما ان الأصح الاجتزاء بالطواف و السعى تمام ذي الحجة، و الأفضل الأحوط هو اختيار الأول بأن يمضي إلى مكة يوم النحر،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 200

بل لا ينبغي التأخير لغده فضلا عن أيام التشريق الا العذر) هذه الصورة التي أفادها المصنف (قدس سره) متفق عليها بين الأصحاب في الجملة و لكن لنا في بعض مواضعها كلام سيأتي في محله (ان شاء اللّه تعالى).

[شرائط حج التمتع]
[أحدها النية]

قوله قده: (يشترط في حج التمتع أمور: أحدها، النية بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحج حين الشروع في إحرام العمرة)

اعتبار النية في حج

التمتع في الجملة مما لا ينبغي التأمل فيه، انما الكلام في انه هل يكفي نية العمرة التمتع فقط بأن يقصد الأعمال من دون ان عنونها بعنوان التمتع أم لا؟ اختلفت ظاهر كلمات الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) في ذلك، فذهب بعض منهم كالشهيد الأول (قدس سره) في الدروس الى أن المراد بها نية الإحرام. و ناقش فيه صاحب الجواهر (ره) حيث قال بعد نقله عنه: [و (فيه): ان ذكرها فيه حينئذ مغن عنه هنا، على أنه لا فرق بينه و بين باقي أفعال الحج و العمرة في اعتبار النية فيها، فلا معنى لتخصيص الإحرام من بينها بذلك، و أن قيل: أن الوجه في ذلك كونه معظم الأفعال و كثير الأحكام، لكنه كما ترى] و قال الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك: (و هو حسن، الا انه كالمستغنى عنه فإنه من جملة الأفعال، و كما تجب النية له تجب لغيره، و لم يتعرضوا لها في غيره بالخصوص). و ذهب بعض آخر منهم الى ان المراد بهذه النية نية الحج بجملته، و قد صرح بذلك سلار (ره) و قد نقل في المدارك عن الشارح ان ظاهر الأصحاب ذلك و في المسالك: (قد تكرر ذكر النية هنا في كلامهم و ظاهرهم أن المراد بها: نية الحج بجملته، و في وجوبها كذلك نظر).

و وجه النظر هو ما أفاده صاحب المدارك (قده): (من ان مقتضاه انه يجب الجمع بين هذه النية و بين نية كل فعل من أفعال الحج على حدة، و هو غير واضح، و الاخبار خالية عن ذلك. إلخ) و في كشف اللثام: (ان المراد النية لكل من العمرة و الحج و كل من أفعالهما المتفرقة من الإحرام

و الطواف و السعى و نحوها، كما يأتي تفصيلها في مواضعها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 201

لا نية الإحرام وحده، كما في الدروس). ثم انه نقل في الجواهر عن سلار هو أن المراد من النية: [نية الخروج إلى مكة] قال في كشف بعد نقله ما في الجواهر: (و لا ارى لظهوره جهة الا انه قدمها على الدعاء للخروج من المنزل و ركوب الدابة و المسير، و ان كان لا شبهة في اشتراط استحقاق الثواب على المسير بهذه النية، و كذا في وجوبها ان وجبت المقدمة أصالة باستئجار و نحوه). و تحقيق الكلام في ذلك هو انه (تارة): يتكلم في هذه المسألة على ما تقتضيه القاعدة، و (اخرى): على ما تقتضيه الأخبار الواردة «عليهم السلام»:

أما (على الأول): فمحصل الكلام فيه هو انه لا إشكال في ان العبادة تحتاج إلى النية لأن قوامها بها، كما هو واضح. و أما لزوم نية العناوين الخاصة- من قبيل عنوان التمتع و الافراد، و حجة الإسلام و غير ذلك- فيحتاج الى دليل خاص، فان قام دليل خاص على لزوم نيتها فهو، و الا فمقتضى القاعدة عدم وجوبها، لأصالة البراءة عن ذلك.

و أما (على الثاني):- و هو مقتضى الاخبار- فيمكن ان يقال ان مقتضى الأخبار الواردة في قلب العمرة المفردة بل انقلابها- إذا بقي إلى شهر ذي الحج، أو الى ان يدركه خروج الناس يوم التروية- إلى المتعة هو عدم اشتراط نية عنوان التمتع في صحته،- كما هو مقتضى القاعدة- بل عدم مضرية الخلاف و لا بأس بذكرها- منها:

1- موثق سماعة بن مهران، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» أنه قال: من حج معتمرا في شوال و من نيته أن يعتمر

و يرجع الى بلاده، فلا بأس بذلك، و ان هو أقام إلى الحج فهو يتمتع، لأن أشهر الحج: [شوال و ذو القعدة و ذو الحجة] فمن أعتمر فيهن فأقام إلى الحج فهي متعة. و من رجع الى بلاده و لم يقم الى الحج فهي عمرة، و ان أعتمر في شهر رمضان أو قبله فأقام إلى الحج فليس، بمتمتع و انما هو مجاور أفرد العمرة، فإن هو أحب أن يتمتع في أشهر الحج بالعمرة إلى الحج فليخرج منها حتى يجاوز ذات عرق أو يتجاوز عسفان، فيدخل متمتعا بعمرته الى الحج، فان هو أحب ان يفرد الحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 202

فليخرج إلى الجعرانة فيلبي منها «1» 2- عن موسى بن القسم، عن محمد بن عذافر. عن عمر بن يزيد «عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من دخل مكة معتمرا مفردا للعمرة فقضى عمرته فخرج كان له ذلك، و ان أقام الى أن يدركه الحج كانت عمرته متعة، و قال: ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج «2».

3- عن صفوان بن يحيى، عن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المعتمر في أشهر الحج؟ فقال: هي متعة «3» و رواه الشيخ «قدس سره» بإسناده عن محمد بن يعقوب و كذا كل ما قبله.

4- خبر وهيب بن حفص قال: سأله أبو بصير و أنا حاضر: عمن أهل بالعمرة في أشهر الحج له أن يرجع؟ قال «عليه السلام»: ليس في أشهر الحج عمرة يرجع منها إلى أهله، و لكنه يحتبس بمكة متى يقضى حجه، لأنه إنما أحرم لذلك «4» 5- صحيح عبد اللّه بن سنان، أنه سأل أبا عبد اللّه، «عليه السلام»

عن المملوك يكون في الظهر يرعى، و هو يرضى ان يعتمر ثم يخرج؟ فقال: ان كان أعتمر في ذي القعدة فحسن و ان كان في ذي الحجة فلا يصلح الا الحج «5» 6- صحيح عمر بن يزيد، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من دخل مكة بعمرة فأقام إلى هلال ذي الحجة فليس له أن يخرج حتى يحج مع الناس «6» 7- صحيحة أخرى عنه عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من اعتمر عمرة مفردة

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب أقسام الحج حديث 1 و في الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 15- من أبواب أقسام الحج حديث 2

(4) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 7

(5) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 11

(6) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 203

فله أن يخرج إلى أهله متى شاء، الا أن يدركه خروج الناس يوم التروية «1» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و في عد المصنف «قدس سره» لمرسل موسى بن القاسم و هو: [من أعتمر في أشهر الحج فليتمتع]. المذكور في المتن من أخبار ما نحن فيه نظر، لان الظاهر منه الأمر بعدم إتيانه من أول الأمر إذا أعتمر الا بالمتعة لا أن ذلك من باب القلب أو الانقلاب، و كيف كان يمكن الاستدلال بهذه الطائفة من الاخبار على عدم اعتبار نية عنوان التمتع في صحته و وقوعه متعة بل عدم مضرية نية الخلاف.

لكن يظهر من طائفة

أخرى من الاخبار اعتبار نية عنوان التمتع- منها:

1- عن محمد بن يعقوب، عن أبى على الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن إسحاق بن عمار، قال: قلت لأبي إبراهيم «عليه السلام»: أن أصحابنا يختلفون في وجهين من الحج يقول بعض: [أحرم بالحج مفردا، فإذا طفت بالبيت، و سعيت بين الصفاء و المروة فأحل و اجعلها عمرة]، و بعضهم يقول: [أحرم و انو المتعة بالعمرة إلى الحج] اى هذين أحب إليك؟ قال: أنو المتعة «2» 2- عن أبى نصر عن أبي الحسن «عليه السلام» قال: سألته عن رجل متمتع كيف يصنع؟ قال: ينوي العمرة و يحرم بالحج «3» 3- عن رفاعة بن موسى، عن أبان بن تغلب، قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: بأي شي ء أهل؟ فقال: لا تسم حجا و لا عمرة و أضمر في نفسك المتعة فإن أدركت كنت متمتعا و الا كانت حاجا «4» 4- عن أحمد بن محمد قال: قلت لأبي الحسن على بن موسى الرضاء «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 9.

(2) الوسائل: ج 21- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج: 9

(3) الوسائل: ج 21- الباب- 22- من أبواب الإحرام حديث: 1

(4) الوسائل: ج 21- الباب- 21- من أبواب الإحرام حديث: 4 و قد ورد ايضا ما روى عن ابان بن تغلب في الباب 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 204

كيف أصنع إذا أردت أن أتمتع؟ فقال: لبّ بالحج، و انو المتعة. فإذا دخلت مكة و طفت بالبيت، و صليت الركعتين خلف المقام، و سعيت بين الصفاء و المروة «و قصرت فنسختها و جعلتها متعة «1»

5- عن عبد اللّه بن جعفر، في قرب الاسناد، عن أحمد بن محمد بن أبى نصر، عن الرضا «عليه السلام»: قال: قلت له: جعلت فداك كيف نصنع بالحج؟ فقال: أما نحن فنخرج في وقت ضيق يذهب فيه الأيام فأفرد فيه الحج، قلت؟ أ رأيت أن أراد المتعة كيف يصنع؟ قال: ينوي المتعة و يحرم بالحج «2» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» هذا و هناك طائفة ثالثة من الاخبار تكون شاهدة للجمع بين هاتين الطائفتين: و هي ما دل على أنه لو أتى أولا بالعمرة المفردة ثم جعلت قلبا أو انقلابا متعة فعمرته تمتع و حجه أفراد و هذا بخلاف ما لو كان قاصدا للمتعة من أول الأمر فإنه حينئذ عمرته و حجه تمتع- منها:

1- عن موسى بن القسم، عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن مسكان عن حمران بن أعين قال: دخلت على أبى جعفر «عليه السلام» فقال لي: بما أهللت؟ فقلت:

بالعمرة فقال لي: أفلا أهللت بالحج و نويت المتعة فصارت عمرتك كوفية و حجتك مكية، و لو كنت نويت المتعة و أهللت بالحج كانت حجتك و عمرتك كوفيتين «3» 2- صحيح عمر بن أذينة «عن أبى جعفر «عليه السلام». في حديث قال: و أفضل العمرة عمرة رجب و قال: المفرد للعمرة إن أعتمر ثم أقام للحج بمكة كانت عمرته تامة

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 22 من أبواب الإحرام حديث: 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 16 و الباب 22 من أبواب الإحرام حديث: 7

(3) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب الإحرام حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 205

و حجته ناقصة مكبة

«1» 3- صحيح زرارة عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: قلت لأبي جعفر: ما أفضل ما حج الناس؟ فقال عمرة في رجب و حجة مفردة في عامها، فقلت: فالذي يلي هذا؟ قال:

المتعة. الى ان قال: قلت: فما الذي يلي هذا؟ قال: القران، و القران ان يسوق الهدى قلت: فما الذي يلي هذا؟ قال: عمرة مفردة و يذهب حيث شاء فإن أقام بمكة إلى الحجّ فعمرته تامة و حجته ناقصة مكية «قلت فما الذي يلي هذا؟ قال: ما يفعله الناس اليوم يفردون الحج، فإذا قدموا مكة و طافوا بالبيت أحلوا، و إذا لبوا أحرموا فلا يزال يحل و يعقد حتى يخرج إلى منى بلا حج و لا عمرة «2» هذا و يتضح من هذه الطائفة من الاخبار غاية الوضوح انه إذا كان وجب عليه حج التمتع فالإتيان بعمرة مفردة ثم انقلابها أو قلبها متعة و الإتيان بالحج غير مجز للتصريح في هذه الاخبار بان حجته مكية فلاحظ و تأمل

قوله قده: (نعم في جملة من الاخبار انه لو أتى بعمرة مفردة في أشهر الحج جاز ان يتمتع بها بل يستحب ذلك إذا بقي في مكة إلى هلال ذي الحجة و يتأكد إذا بقي إلى يوم التروية بل عن القاضي وجوبه حينئذ و لكن الظّاهر تحقّق الإجماع على خلافه)

ما افاده «قدس سره» (أولا): من جواز التمتع بالعمرة المفردة انما يتم بناء علي حمل الأخبار المتقدّمة على ذلك، و الا فظاهرها الانقلاب. و اما مرسل موسى بن القاسم و هو:

[من أعتمر في أشهر الحج فليتمتع] و ان كان قد ينسبق الى الذهن دلالته على ذلك، و لكن قد عرفت ان الظاهر منه ان لا يأتي بالعمرة في أشهر

الحج الا بعنوان المتعة و اما ما افاده (قدس سره) (ثانيا): من انه يستحب إذا بقي إلى هلال ذي الحجة فلما عرفت في صحيح عمر بن يزيد و أما ما أفاده (ثالثا): من انه يتأكد: [أي الاستحباب] إذا بقي إلى يوم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 3- من أبواب العمرة حديث: 2

(2) الوسائل ج 3 الباب- 4- من أبواب أقسام الحج حديث 23

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 206

التروية فلما عرفت في صحيحة أخرى عنه اما ما نقله عن القاضي بالوجوب فيدل على خلافه خبر ابن عمار الآتي

قوله قده: (و مقتضاها: [اى الطائفة الاولى من الاخبار المتقدمة] صحة التمتع مع عدم قصده حين إتيان العمرة، بل الظاهر من بعضها أنه يصير تمتعا قهرا من غير حاجة الى نية التمتع بها بعدها، بل يمكن ان يستفاد منها ان التمتع هو الحج عقيب عمرة وقعت في أشهر الحج بأي نحو أتى بها، و لا بأس بالعمل بها، لكن القدر المتيقن منها هو الحج الندبي، ففيما إذا وجب عليه التمتع فأتى بعمرة مفردة ثم أراد ان يجعلها عمرة التمتع يشكل الاجتزاء بذلك عما وجب عليه سواء كان حجة الإسلام أو غيرها- مما وجب بالنذر أو الاستيجار-)

ما أفاده المصنف «قدس سره» بقوله: (و لا بأس بالعمل بها) ان أريد به أنه لو أتى بالحج بعدها في وقته يحسب حجه تمتعا فهو تنافي الطائفة الثانية من الاخبار المتقدمة الدالة على اعتبار النية في عمرة التمتع، و قد عرفت ايضا ان مقتضى الجمع بين الطائفة الاولى من الاخبار المتقدمة الدالة على صيرورة العمرة المفردة تمتعا قهرا إذا أقام إلى الحج و بين الطائفة الثانية من الاخبار المتقدمة- الدالة على اعتبار

النية في المتعة- هو ذلك حيث أنه بمقتضى الطائفة الثالثة من الأخبار المتقدمة جمعت بينها بأنه إذا نوى المتعة من أول الأمر و اتى بالحج فيحسب حجه التمتع و يجزيه عن الواجب لما عرفت من قوله «عليه السلام» في ذيل خبر حمران بن أعين: (و لو كنت نويت المتعة و أهللت بالحج كانت حجتك و عمرتك كوفيتين) و الا فلا يحسب ما اتى به المتعة و لا يجزيه عن الواجب لما عرفت من قوله «عليه السلام» في ذيل صحيحة عمر بن أذينة: (المفرد للعمرة إن اعتمر ثم اقام الحج بمكة كانت عمرته تامة و حجه ناقصة مكية) و أما ما افاده، قدس سره، بقوله:

(و لكن القدر المتيقن منها هو الحج الندبي) فهو بناء على عدم ثبوت الإطلاق للروايات المتقدمة تمام و الا فلا و لكن يمكن ان يقال ان الطائفة الاولى من الروايات المتقدمة التي ذكرها المصنف (قده) أكثرها في المتن انما وردت في بيان جعل العمرة المفردة متعة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 207

و إلحاقها بحج التمتع و ليست في مقام بيان تنزيله منزلة حج التمتع الواجب بحيث تفرغ به به الذمة إذا كان الحج عليه واجبا سواء كان ذلك بعنوان حجة الإسلام أو غيرها بالنذر و نحوه فشموله للواجب يتوقف على عموم ذلك و هو أول الكلام و لكنه لا يخلو من تأمل لأن نفى الإطلاق منها و القول بورودها في مقام بيان الأمر يجعل العمرة المفردة متعة مشكل

[الثاني أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج]

قوله قده: (الثاني: أن يكون مجموع عمرته و حجه في أشهر الحج فلو اتى بعمرته أو بعضها في غيرها لم يجز له ان يتمتع بها)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى

أسرارهم» قديما و حديثا و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع بقسميه قال في الجواهر:

(بلا خلاف بل الإجماع بقسميه عليه) و يدل عليه صحيحة عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» من دخل مكة معتمر مفردا للحج فيقضى عمرته كان له ذلك. الى ان قال: و ليس تكون متعة إلا في أشهر الحج «1» و موثق سماعة عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» من حج معتمرا في شوال و من نيته أن يعتمرا و رجع الى بلاده فلا بأس بذلك، و ان هو أقام إلى الحج فهو متمتع، لأن أشهر الحج: [شوال و ذو القعدة و ذو الحجة] فمن اعتمر فيهن. فأقام إلى الحج فهي متعة. إلخ) «2»

قوله قده: (و أشهر الحج: [شوال و ذو القعدة و ذو الحجة] بتمامه على الأصح)

اختلفت كلمات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في هذه المسألة على أقوال: (الأول): أنها شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، بتمامه، و اختار المحقق (طاب ثراه) في الشرائع، و ذهب اليه الشيخ «قدس سره» في النهاية، و به قال ابن الجنيد «رحمه اللّه تعالى»، و رواه الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه على ما نقل في المدارك و تبعهم المصنف «قده» (الثاني): انها الشهران الأولان مع العشر الأول من ذي الحجة

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 15 من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 10 من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 208

نقل في الجواهر ذلك عن الحسن، و التبيان، و الجواهر، و روض الجنان. (الثالث):

انها الشهران الأولان مع ثمانية أيام من ذي الحجة نقل عن ابن زهرة في الغنية و

في محكيه:

(لأنه جعلها الشهرين و تسع ليال فيخرج التاسع و (الرابع): مع تسعة أيام و ليلة يوم النحر الى طلوع فجره، حكى عن المبسوط و الخلاف و الوسيلة و الجامع و قد نسب ذلك الى ظاهر جمل العلم و العمل و المصباح و مختصره و مجمع البيان و متشابه القران، لانه عبر فيها بأنها الشهر ان و عشرة من ذي الحجة بالتأنيث الظاهر في ان المراد الليالي فيخرج اليوم العاشر (الخامس): مع تسعة أيام و ليلة يوم النحر الى طلوع شمسه اختاره ابن إدريس على ما حكى في الجواهر. و لكن الصّواب هو ما أفاده المصنف «قده»- من كون أشهر الحجّ شوال و ذو القعدة و ذو الحجّة بتمامه- و يدل عليه قوله تعالى: [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ. إلخ «1» لظهور الشهر في تمامه، كما هو واضح، و الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: أن اللّه تعالى يقول:

[الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلٰا رَفَثَ وَ لٰا فُسُوقَ وَ لٰا جِدٰالَ فِي الْحَجِّ] و هي:

شوال و ذو القعدة و ذو الحجة «2» 2- ما عنه ايضا عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في قول اللّه تعالى: [الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ.] و الفرض هو التلبية و الاشعار و التقليد فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحج و لا يفرض الحجّ إلا في هذه الشهور التي قال اللّه عز و جل الحجّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة «3»

______________________________

(1) سورة البقرة: الآية 192

(2) الوسائل ج 2- الباب- 11- من أبواب أقسام الحج حديث:

1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 11- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 209

3- خبر زرارة عن أبى جعفر عليه السلام قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ شوال و ذي القعدة و ذو الحجة ليس لأحد ان يحرم بالحج فيما سواهن «1» 4- في موثق سماعة. و ان هو أقام إلى الحج فهو متمتع لأن أشهر الحج شوال و ذو القعدة و ذو الحجة. إلخ «2» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» هذا كله بناء على ان النزاع معنوي لا لفظي.

قوله قده: (على أن الظاهر ان النزاع لفظي، فإنه لا إشكال في جواز إتيان بعض الأعمال إلى آخر ذي الحجة، فيمكن ان يكون مرادهم ان هذه الأوقات هي آخر الأوقات التي يمكن بها ادراك الحج)

و قد اعترف به جماعة من الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال العلامة في المنتهى: (و ليس يتعلق بهذا الاختلاف حكم) على ما حكاه صاحب المدارك (قدس سره). و عن المختلف: (التحقيق: ان هذا نزاع لفظي، فإنهم إن أرادوا بأشهر الحج ما يفوت الحج بفواته فليس كمال ذي الحجة من أشهره، لما يأتي من فوات الحج دونه على ما تأتى تحقيقه و ان أرادوا بها ما يقع فيه أفعال الحج فهي الثلاثة كلا لأن باقي المناسك تقع في كمال ذي الحجة فقد ظهر ان النزاع لفظي) و صاحب المدارك بعد ان نقل هذا القول عن المختلف قال: (و هو حسن إذ لا خلاف في فوات وقت الإنشاء بعدم التمكن من ادراك المشعر قبل زوال يوم النحر، كما انه لا خلاف في وقوع بعض أفعال الحج- كالطوافين و السعى و الرّمي- في ذي الحجة بأسره و قد

ظهر من ذلك ان هذا الاختلاف لا يترتب عليه حكم و ان النزاع في هذه المسألة يرجع الى تفسير هذا اللفظ- و هو أشهر الحج- و الظاهر إطلاقها على مجموع الثلاثة حقيقة لأنها أقل الجمع. إلخ) و قال في الجواهر: (الظاهر لفظية الاختلاف في ذلك، كما اعترف به غير

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 11- من أبواب أقسام الحج حديث: 5

(2) الوسائل ج 2- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 210

واحد، للاتفاق على ان الإحرام بالحج لا يتأتى بعد عاشر ذي الحجة و كذا عمرة التمتع و على اجزاء الهدي و بدل الهدى طول ذي الحجة و أفعال أيام منى و لياليها. إلخ)

قوله قده: (إذا أتى بالعمرة قبل أشهر الحج قاصدا بها التمتع فقد عرفت عدم صحتها تمتعا، لكن هل تصح مفردة أو تبطل من الأصل؟ قولان: اختار الثاني في المدارك، لان ما نواه لم يقع، و المفردة لم ينوها. و بعض اختار الأول، لخبر الأحول عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في رجل فرض الحج في غير أشهر الحج؟ قال: يجعلها عمرة و قد يستشعر ذلك من خبر سعيد الأعرج قال: أبو عبد اللّه «عليه السلام»: من تمتع في أشهر الحج ثم أقام بمكة حتى يحضر الحج من قابل، فعليه شاة، و ان تمتع في غير أشهر الحج ثم جاور حتى يحضر الحج فليس عليه دم انما هي حجة مفردة إنما الأضحى على أهل الأمصار «1» و مقتضى القاعدة و ان كان هو ما ذكره صاحب المدارك لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض للخبرين)

قال صاحب المدارك «قدس سره» في شرح قول المحقق (طاب ثراه): [و لو

أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج لم يجز التمتع بها و كذا لو فعل بعضها في أشهر الحج]. هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب و يدل عليه روايات منها صحيحة عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» انه قال: ليس يكون متعة إلا في أشهر الحج «2» ورود المصنف بقوله «و كذا لو فعل بعضها في أشهر الحج» على العامة، حيث ذهب بعضهم الى الاكتفاء بوقوع التحلل من العمرة في أشهر الحج. و ذهب بعض آخر الى ان من اتى بأكثر أفعال العمرة في أشهر الحج صار متمتعا، و لا ريب في بطلانهما و متى لم يصح التمتع بالعمرة انتفى لزوم الهدي، لأنه من توابعه، و ربما لاح من العبارة ان

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 10- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 15- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 211

من أحرم بالعمرة المتمتع بها في غير أشهر الحج تقع عمرته صحيحة لكن لا يتمتع بها، و به جزم العلامة في التذكرة و المنتهى من غير نقل خلاف. بل صرح في المنتهى بما هو أبلغ من ذلك فقال: [ان من أحرم بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد إحرامه للحج و انعقد للعمرة] و استدل عليه بما رواه ابن بابويه عن أبى جعفر الأحول. الى ان قال و هي لا تدل على المطلوب صريحا، لاحتمال أن يكون المراد منها ان من أراد فرض الحج في غير أشهره لا يقع حجه صحيحا. بل ينبغي ان يجعل النسك الذي يريد فعله عمرة و الأصح عدم الصحة مطلقا: أما (عن المنوي): فلعدم حصول شرطه و

اما (عن غيره): فلعدم نيته، و نية المقيد لا يستلزم نية المطلق كما بيناه مرارا) قال في الجواهر بعد نقل ما في المدارك و انه تبعه عليه في كشف اللثام.: و (فيه): انه لا ريب في البطلان بمقتضى القواعد العامة و لكن لا بأس بالقول به للخبر المزبور: [و هو خبر الأحول] مؤيدا بخبر سعيد الأعرج ثم انه (قدس سره) بعد أن نقل ذلك و احتمال الذي ذكره صاحب المدارك «قدس سره» بصورة الدعوى المتقدم عند نقل كلامه قال: (يدفعها ان ذلك لا ينافي الظهور المعلوم كفايته كما هو واضح. إلخ) ما افاده المصنف قده من ان: [مقتضى القاعدة و ان كان ما افاده صاحب المدارك] و (فيه): ما لا يخفى، لانه قد عرفت ان مقتضى القاعدة عدم وجوب نية هذه العناوين، اللهم الا ان يكون على نحو التقييد، فحينئذ لا إشكال في بطلانه لكن ذلك لا يصدر عن عاقل. و أما ما أفاده بقوله: [و لكن لا بأس بما ذكره ذلك البعض: [و هو عدم بطلان العمرة من أصله] للخبرين (فهو متين، لدلالة الخبر الأول عليه و استشعاره من الثاني كما افاده فتدبر.

[الثالث أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة]

قوله قده، (الثالث: أن يكون الحج و العمرة في سنة واحدة، كما هو المشهور المدعى عليه الإجماع. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال في المدارك في شرح قول ماتنه: [و ان يأتي بالحج و العمرة في سنة واحدة]

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 212

(هذا مما لا خلاف فيه بين العلماء. إلخ) و نحوه ما في غيره و في كشف اللثام حكاية الاتفاق عن ظاهر التذكرة عليه، على ما نقل في الجواهر. نقول: (تارة): يتكلم في هذه المسألة

على ما تقتضيه القاعدة. و (اخرى): على ما تقتضيه الأدلة الخاصة: أما (على الأول) فالكلام فيه مبتن على جريان البراءة في الأقل و الأكثر الارتباطيين و عدمه، فبناء على القول بجريان ذلك فيه- كما اخترناه في الأصول- فلا بد من الالتزام به أيضا في المقام فيحكم بمقتضى الأصل العملي- و هو البراءة- بعدم وجوب جمعهما في سنة واحدة، و ذلك لرجوع الشك فيه حينئذ إلى الشك في دخل قيد الاجتماع في حصول المأمور به.

و أما بناء على القول بالاشتغال فيه جرى ذلك أيضا في المقام. و قد حقق في محله: ان جريان البراءة أو الاشتغال في الأقل و الأكثر الارتباطيين يبتنى على كون التقابل بين الإطلاق و التقييد تقابل العدم و الملكة، أو الإيجاب و السلب، أو التضاد، فعلى الأول تجري البراءة، لعدم لزوم المثبتية من جريان الأصل بناء عليه على ما بين في محله و هذا بخلاف الأخيرين و قد اخترنا في الأصول كون التقابل بينهما تقابل العدم و الملكة و التزمنا بجريان الأصل في الأقل و الأكثر بالارتباطيين- كما أشرنا إليه آنفا- و كيف كان تفصيل الكلام في ذلك موكول الى محله. و أما (على الثاني):- و هو مقتضى الأدلة الخاصة- فلا إشكال في ان مقتضاها اشتراط كونهما: [أي العمرة و الحج] في عام واحد، و ذلك لطوائف من الاخبار:

(الأولى): الأخبار المبينة لكيفية حج التمتع مطلقا أو مع خوف فوت الحج.

(الثانية): الأخبار الدالة على انه مرتهن بالحج فإنها ايضا ظاهرة في لزوم ذلك.

(الثالثة): الأخبار الواردة الناهية عن جواز الخروج من مكة بعد الإتيان بالعمرة و قبل الإتيان بالحج المتبادر منها التتابع بين الأعمال- بمعنى إيقاعها في عام واحد.

(الرابعة): الأخبار الدالة على الانقلاب حجه

الى حج الافراد بضيق وقت المتعة- لحيض أو غيره من الأعذار الموجبة لذلك-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 213

(الخامسة): الأخبار الدالة على ارتباط العمرة بالحج [1] و ستأتي جميع هذه النصوص في الفروع الآتية (إن شاء اللّه تعالى) ثم هنا وجوه آخر الا انها لا تصلح جعلها دليلا على المدعى و لكنها مؤيدة للمدعى (الأول)- الإجماع و (فيه) ما تكرر منا مرارا و كرارا ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم «عليه السلام» و في المقام يحتمل أن

______________________________

[1] من السيد دام ظله و لكن لا بأس بذكر بعض الطائفة الأخيرة من الروايات هنا و هو خبر معاوية بن عمار قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام» من ان يفترق المتمتع و المعتمر، فقال «عليه السلام»: ان المتمتع مرتبط بالحج و المعتمر إذا فرع منها ذهب حيث شاء، و قد اعتمر الحسين «عليه السلام» في ذي الحجة ثم راح يوم التروية إلى العراق و الناس يروحون إلى منى، و لا بأس بالعمرة في ذي الحجة لمن لا يريد الحج «1» و أنت ترى دلالته على ارتباط العمرة بالحج و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنه لا مناة بين القول بارتباطها بالحج و بين القول بعدم وجوب إيقاعهما في عام واحد لانه لا يلزم من القول بذلك لزوم اتصالهما فلا يضر الفصل بالسنة، و كيف ما كان يستفاد من هذا الحديث شي ء لا بأس بذكره و هو انه يظهر منه ان ما في بعض الأفواه و في بعض كتب المقاتل من ان الحسين «عليه السلام» جعل عمرته عمرة مفردة الظاهر منه انه اعتمر أولا بعمرة التمتع ثم عدل منها الى الافراد فليس بصحيح، لانه

يستفاد منه انه «عليه السلام» اعتمر من أول الأمر بعمرة مفردة، و يستفاد ذلك ايضا بما في صحيح إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» انه سأل عن رجل خرج في أشهر الحج معتمرا ثم خرج الى بلاده قال «عليه السلام»: لا بأس و ان حج من عامه ذلك و أفرد الحج فليس عليه دم و ان الحسين بن على «عليه السلام» خرج يوم التروية إلى العراق و كان معتمرا «2»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 7- من أبواب العمرة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 214

يكون مدركه ما تقدم من الأدلة و ما سيأتي فالعبرة بها ان تمت دون الإجماع.

(الثاني)- الشهرة بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا و (فيه) ما ذكرناه في الأصول من ان الشهرة ليست بنفسها حجة تعبدية فلا يصار إليها. نعم إذا حصل منها الوثوق و الاطمئنان بالحكم فلا مناص عن الاعتماد عليها- كما يكون كذلك الإجماع- فيكون الاطمئنان حجة.

(الثالث)- قاعدة توقيفية العبادات التي ذكرها المصنف «قدس سره» يمكن المناقشة فيها بأن اقتضائها وجوب الاحتياط بإتيانهما: [أي العمرة و الحج] في عام واحد أول الكلام.

(الرابع)- ما ورد من الأفعال البيانية فإنه لم يرد خبر عن المعصوم «عليه السلام» و لم يسمع أحد بأن يأتي واحد من الحجج الطاهرة (صلوات اللّه عليهم أجمعين) بالتمتع مفرقا بين حجه و بين عمرته و هذا ايضا لا يخلو من الاشكال، و كيف كان لا مجال للمناقشة في أصل اعتبار كون العمرة و الحج في سنة واحدة بعد ثبوت اتفاق جميع الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا عليه

و مضافا الى ما تقدم، فعلى هذا لو أتى بالعمرة في عام و أخر الحج الى العام الأخر لم يصح تمتعا سواء أقام في مكة إلى العام القابل أو رجع الى أهله ثم عاد إليها و سواء أحل من إحرام عمرته أو بقي عليه إلى السنة الأخرى- كما افاده المصنف (قده)

قوله قده: (و لا وجه لما عن الدروس من احتمال الصحة في هذه الصورة:

[و هي ما إذا بقي على إحرامه إلى السنة الأخرى] قال الشهيد الأول في الدروس: (و الاعتبار بالإحلال في أشهر الحج لا بالافعال و الإحلال ثم قال:- لو أتى بالحج في السنة القابلة فليس، بمتمتع. نعم، لو بقي على إحرامه بالعمرة من غير إتمام الأفعال إلى القابل احتمل الاجزاء و لو قلنا انه صار معتمرا بمفردة بعد خروج أشهر الحج و لما يحل لم يجز) على ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره (ثم انه (قدس سره) بعد ان حكى عنه ذلك قال

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 215

(و ان كان فيه ايضا لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا، ضرورة: ان ما ذكره من كون الاعتبار بالإحلال خلاف ظاهر النص و الفتوى الدال على اشتراط وقوع العمرة في أشهر الحج، فإنها اسم لمجموع الأفعال، فيجب وقوعها فيها، و لا يكتفى بالإحلال، كضرورة منافاة ذلك لما سمعت من خبره: [الناس على الإتيان بهما في سنة واحدة] إذ من المعلوم عدم وقوع العمرة بتمامها في سنة الحج في الفرض، لأن من أفعالها الإحرام، و الفرض وقوعه في السنة الماضية، على ان مقتضى قوله: (دخلت العمرة في الحج) كون حكمها حكم الحج «فكما لا يجوز البقاء على إحرام الحج الى العام القابل فكذا العمرة) ما

افاده المصنف «قدس سره» تبعا لصاحب الجواهر (ره) مما لا ينبغي الإشكال فيه.

[الرابع أن يكون إحرام حجه من بطن مكة مع الاختيار]

قوله قده: (الرابع: ان يكون إحرام حجه من بطن مكة مع الاختيار للإجماع و الاخبار. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) و في الجواهر: (بلا خلاف أجده نصا و فتوى. بل في كشف اللثام: الإجماع عليه). و في المدارك: (و قد اجمع العلماء كافة على ان ميقات حج التمتع مكة) و يدل عليه الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» لأهل مكة أن يتمتعوا؟

قال: لا قال: قلت: فالقاطنين بها؟ قال: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة، فإذا أقاموا شهرا فان لهم أن يتمتعوا، قلت: من أين؟ قال: يخرجون من الحرم، قلت: من أين يهلون بالحج؟ فقال: من مكة نحوا مما يقول الناس «1» 2- صحيح ابن أبى عمير عن داود، عن حماد، قال، سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»، عن أهل مكة أ يتمتعون؟ قال: ليس لهم متعة، قلت: فالقاطن بها؟ قال: إذا أقام بها سنة أو سنتين صنع صنع أهل مكة، قلت: فان مكث الشهر؟ قال: يتمتع قلت: من أين

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 216

يحرم؟ قال: يخرج من الحرم قلت: من اين يهل بالحج؟ قال: من مكة نحوا مما يقول الناس «1» و قد تقدم ذكرهما أيضا في حكم المقيم بمكة سنتين.

3- خبر عمرو بن حريث الصيرفي قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: من أين أهل بالحج؟ فقال: ان شئت من رحلك، و ان شئت من الكعبة، و ان شئت من الطرق

«2» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن عمرو بن حريث مثله الا انه قال: في اوله: [و هو في مكة] ثم قال: (و من المسجد) بدل قوله:

(من الكعبة). و استدل ايضا لذلك بصحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كان يوم التروية ان شاء اللّه تعالى فاغتسل، ثم البس ثوبيك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم «عليه السلام» أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فأحرم بالحج. إلخ «3» و قد استدل به صاحب المدارك «قدس سره»، و لكن دلالتها على المدعى قابل للمناقشة و الأشكال، لاشتمالها على المستحبات الموجب لتعين صرف الأمر به فيها الى الاستحباب فتدبر، و كيف كان لا يعارضها خبر إسحاق بن عمار قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن المتمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و الى ذات عرق أو الى بعض المعادن؟ قال:

«عليه السلام»: يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه لان لكل شهر عمرة، و هو مرتهن بالحجّ قلت: فإنه دخل في الشهر الذي خرج فيه؟ قال (عليه السلام) كان ابى مجاورا هاهنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث 7

(2) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب المواقيت حديث: 2

(3) الوسائل ج 2 الباب- 1- من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 2، ص: 217

ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب و كذا كل من كان قبله و لا ما عن يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام» من اىّ المسجد أحرم يوم التروية؟ فقال: من اى المسجد شئت «2» أما (عدم معارضة الأول): فلا مكان القول بعدم صراحته في الخلاف مضافا الى انه محمول على محامل:

1- ان يقال ان المراد بالحج فيه هو عمرته، حيث انها أول إعماله. كما أفاده المصنف «قدس سره» و احتمله ايضا صاحب كاشف اللثام.

2- انه «عليه السلام» أحرم بعنوان حج الافراد لا بعنوان التمتع لجوازه له كما في كشف اللثام 3- ان يحمل على التقية.

4- الحمل على التجديد بأن يقال: [انه أحرم من هناك وجوبا أو استحبابا ثم يجدده في مكة] و لكن المناقشة في جميعها واضحة، و العمدة هو ما ذكر أولا- و هو القول بعدم صراحته في الخلاف- و لكن الحق ان ظاهره معارض للأخبار المتقدمة الا انه موهون بإعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن العمل بظاهره و لذا حملوه على المحامل فلا يصار اليه، لعدم العبرة به بناء عليه.

و أما عدم (معارضة الثاني):- و هو خبر يونس بن يعقوب- فلانه ليس المراد من قوله: [من اى المسجد] هو انه من اى المساجد شئت سواء كان خارج مكة أم داخلها، بل المراد على ما هو الظاهر منه هو انه من اى موضع من مواضع المسجد شئت فأحرم نعم، فيما رأيته من نسخة الجواهر هكذا: [من اى المساجد أحرم يوم التروية؟

فقال: من اى المسجد شئت] و لو ثبت هذه النسخة أيضا لا تقع المعارضة

بينها و بين ما تقدم

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب المواقيت حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 218

من الاخبار الدالة على كون الإحرام من مكة، لعدم شمول إطلاقها لمسجد خارج مكة، كما لا يخفى، كما ان قوله في خبر عمرو بن حريث المتقدم: (و ان شئت من الطريق لا يدل على خلاف المدعى، فان المراد من الطريق هو سكك مكة لا الطريق الذي يؤتى منه الى مكة كما لا يخفى- كما افاده المصنف «قدس سره»- ثم لا يخفى أن أفضل مواضعها: (اى المكة) للإحرام هو المسجد، و عليه اتفاق جميع الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم)، قديما و حديثا كما في المدارك و غيرها و لم ينقل من أحد منهم للخلاف فيه، و ذلك لكونه أشرف الأماكن، و لاستحباب الإحرام عقيب الصلاة التي هي في المسجد أفضل لما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم. قوله «عليه السلام» (و ادخل المسجد حافيا.، الى ان قال: فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة فأحرم بالحج. إلخ) ثم إن أفضل مواضعه، (أى المسجد) المقام أو الحجر مخيرا بينهما. و حكى ذلك عن جماعة من الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» لما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم ايضا و هو قوله «عليه السلام»: فيه:) (ثم صل ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر ثم أقعد حتى تزول الشمس. الى ان قال فأحرم بالحج) و لكن نقل صاحب الجواهر «قدس سره» عن الكافي، و الغنية، و الجامع، و النافع و شرحه، و التحرير، و المنتهى، و التذكرة، و الدروس، القول

بالتخيير بينه و بين تحت الميزاب في الأفضلية) و في كشف اللثام:

(و كان المعنى واحد). و اقتصر في محكي القواعد، و التلخيص، و التبصرة على فضل ما تحت الميزاب، و لم يذكر المقام. قال في الجواهر: (و لم نعثر له شاهد يقتضي فضله على المقام و الأمر في ذلك سهل بعد عدم تعين شي ء منهما قطعا) ثم ان مقتضى الاحتياط هو الاقتصار في حد مكة الذي يجوز الإحرام فيه على ما كان معينا في زمان صدور الرواية و وجهه واضح.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 219

[الخامس ربما يشترط فيه أن يكون مجموع عمرته و حجه من واحد عن واحد]

قوله قده: (الخامس ربما يقال انه يشترط فيه ان يكون مجموع عمرته و حجه من واحد عن واحد فلو استوجر اثنان لحج التمتع عن ميت أحدهما لعمرته و الأخر لحجة لم يجزى عنه. و كذا لو حج عن شخص و جعل عمرته عن شخص و حجه عن آخر لم يصح و لكنه محل تأمل، بل ربما يظهر من خبر محمد بن مسلم عن أبى جعفر «عليه السلام» صحة الثاني حيث انه قال: سألته عن رجل يحج عن أبيه أ يتمتع؟ قال: نعم، المتعة له و الحج عن أبيه)

نقل القول المذكور في مفروض المسألة صاحب الجواهر «قدس سره» عن بعض الشافعية حيث انه بعد أن ذكر شرائط حج التمتع قال: (و ظاهر الأصحاب عدم اشتراط أمر آخر غير الشرائط الأربعة المتقدمة في حج التمتع، (النية- وقوعه في أشهر الحج- لزوم كون العمرة و الحج في سنة واحدة- إحرامه من بطن مكة-) لكن عن بعض الشافعية (اشتراط أمر آخر و هو كون الحج و العمرة عن شخص واحد فلو أوقع المتمتع الحج عن شخص و العمرة عن آخر تبرعا لم يصح

و يمكن ان يكون عدم ذكر أصحابنا لذلك اتكالا على معلومية كون التمتع عملا واحد عندهم و لا وجه لتبعيض العمل الواحد فهو في الحقيقة مستفاد من كون حج التمتع قسما مستقلا و يمكن أن لا يكون ذلك شرطا عندهم لعدم الدليل على الوحدة المزبورة التي تكون العمرة كالركعة الاولى من صلاة الصبح و الا لم تصح عمرته مثلا مع اتفاق العارض عن فعل الحج الى ان فات بل المراد اتصاله بها و إيجاب إردافه بها مع التمكن و حينئذ فلا مانع من التبرع بعمرته عن شخص و بحجه عن آخر لإطلاق الأدلة بل لعل خبر محمد بن مسلم عن أبى جعفر دال عليه. إلخ) و الأقوى في النظر هو القول باعتبار ان يكون مجموع عمرته و حجه من واحد عن واحد لانه القدر المتيقن في باب النيابة التي هي خلاف الأصل- كما تقدم بيانه مفصلا في مبحث حج النيابي فراجعه و ليس لنا إطلاق كي يتمسك به في إثبات صحته فصحة نيابة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 220

شخصين عن واحد أحدهما لعمرته و الآخر لحجة متوقف على الدليل و هو لم يثبت مضافا الى أنه حسب ما يستفاد من الأخبار الواردة عنهم (عليه السلام) هو كون عمرة التمتع و حجه من قبيل العمل الواحد فلا بد من وقوعهما عن شخص واحد و لم يقل أحد بصحة نيابة اثنان لصلاة الصبح مثلا عن ميت أحدهما لركعتها الاولى و الثاني لركعتها الثانية و بناء على الارتباط تصير العمرة التمتع و حجه من قبيل الجزئين للصلاة كما لا يخفى، و كذلك الحكم في الفرض الذي ذكره «قدس سره» ثانيا و أما ما ذكره «قدس سره» في

المتن من خبر محمد بن مسلم تبعا لصاحب الجواهر «رحمه اللّه» ففيه: أما (أولا): فلا جماله و قاصر عن دلالته على مقصوده لان لقول السائل: فيه، (أ يتمتع) احتمالات:

1- يحتمل أن يكون المراد منه أنه يحج حج التمتع عن أبيه.

2- يحتمل أن يكون المراد منه انه يتمتع لنفسه زائدا على حج المتمتع مع عمرته عن أبيه.

3- ما استظهره المصنف «قده» تبعا لصاحب الجواهر «رحمه اللّه تعالى» فعلا هذا لا يبقى مجال للأخذ به لإجماله و على فرض تسليم ظهوره فيما أفاده و الإغماض أيضا عما دل على ارتباط العمرة بالحج فلا بد من الاقتصار على مورده مضافا الى انه يمكن حمله على إهداء الثواب دون النيابة في خصوص الحج بأن يكون متعة له و حجه عن أبيه، فإنه لم يفصل في الحديث بين الحج الواجب و المستحب و من المعلوم انه لو فرض وجوب الحج على أبيه لم تبرأ ذمته بذلك قطعا، فإنه ان كانت ذمته مشغولة بحج الأفراد فهو خلاف ما أتى به و ان كانت مشغولة بالتمتع فالمفروض انه لم يأت بعمرته عنه و انما أتى بحجة فقط بعنوانه فتدبر.

[مسألة 2 لا يجوز الخروج من مكة بعد عمرة التمتع و قبل الحج]

قوله قده: (المشهور انه لا يجوز الخروج من مكة بعد الإحلال من عمرة التمتع قبل ان يأتي بالحج و أنه إذا أراد ذلك عليه ان يحرم بالحج فيخرج محرما به و ان خرج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 221

محلا و رجع بعد شهر فعليه ان يحرم بالعمرة، و ذلك لجملة من الاخبار الناهية عن الخروج. إلخ)

كصحيح زرارة عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: قلت له: كيف أتمتع؟ قال: تأتى الوقت فتلبي بالحج، فإذا أتى مكة طاف و سعى و أحل من كل شي ء

«و هو محتبس، و ليس له ان يخرج من مكة حتى يحج «1» و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام» و نحن بالمدينة، إني اعتمرت في رجب و انا أريد الحج فأسوق الهدى أو أفرد الحج أو أتمتع؟ قال: في كل فضل و كل حسن، قلت:

فأي ذلك أفضل؟ فقال: ان عليا (عليه السلام) كان يقول: لكل شهر عمرة تمتع فهو و اللّه أفضل. ثم قال: ان أهل مكة يقولون ان عمرته عراقية و حجته مكية و كذبوا أو ليس هو مرتبطا بحجه لا يخرج حتى يقضيه «2» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن معاوية بن عمار مثله و ترك قوله: (أن عليا. الى قوله عمرة) و دلالتهما على المدعى واضحة و مقتضى إطلاقهما كما ترى هو حرمة الخروج من مكة حتى الى مكان القريب منها- كالطائف و نحوه- لكنه يقيد بصحيح الحلبي أو حسنه قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل: يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف؟ قال: يهل بالحج من مكة و ما أحب ان يخرج منها الا محرما و لا يتجاوز الطائف انها قريبة من مكة «3» فإن هذا الحديث كما ترى يدل على جواز الخروج إلى الطائف و شبهه، كما يدل ايضا على كراهته بدون الإحرام بالحج، لقوله «عليه السلام» فيه: (ما أحب ان يخرج الا محرما) و عليه فيحمل ما دل بظاهره على حرمة الخروج إلى الطائف و شبهه، بدون ان يحرم بالحج على الكراهة، و هو خبر على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر قال: سألته عن رجل

قدم متمتعا ثم

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 5- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 4 من أبواب أقسام الحج حديث: 18

(3) الوسائل ج 2- الباب- 22 من أبواب أقسام الحج حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 222

أحل يوم التروية إله الخروج؟ قال: لا يخرج حتى يحرم بالحج و لا يجاوز الطائف و شبهها «1» و نحوه خبره الآخر قال: و سألته عن رجل قدم مكة متمتعا فأحل أ يرجع؟ قال: لا ترجع حتى يحرم بالحج و لا يجاوز الطائف و شبهها مخافة ان لا يدرك الحج فإن أحب ان يرجع الى مكة رجع و ان خاف ان يفوته الحج مضى على وجهه الى عرفات «2» و يدل ايضا على جواز الخروج الى ما يقرب من مكة المرسل: و هو عنه عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا جعفر «عليه السلام» في عشر من شوال: فقال: أنى أريد ان أفرد عمرة هذا الشهر؟ فقال: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: ان المدينة منزلي و مكة منزلي و لي بينهما أهل و بينهما أموال؟ فقال له: أنت مرتهن بالحج، فقال له الرجل: فإن لي ضياعا حول مكة و احتاج الى الخروج إليها؟ فقال: تخرج حلالا و ترجع حلالا الى الحج «3» و بالجملة: مقتضى الجمع بين هذه الاخبار هو التفصيل بين الخروج إلى حوالي مكة و بين الخروج الى ما يقرب من مكة- كالطائف و شبهه- و بين الخروج إلى مسافة بعيدة عن مكة «في الحكم بجواز الخروج عنها على الأول بدون إحرام و بجوازه على الثاني أيضا الا انه على كراهية ان لم يحرم بالحج و بعدم جوازه على الثالث.

و لكن

قد وردت طائفة أخرى من الاخبار تدل على جواز مطلق الخروج مع الإحرام بالحج إذا كان له حاجة، فنقيد بها أيضا إطلاق الصحيحين المتقدمين: [صحيح زرارة و صحيح معاوية بن عمار]- فمنها:

1- صحيح حماد بن عيسى أو حسنه، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج لم يكن له أن يخرج حتى يقضى الحج، فان عرضت له حاجة الى عسفان، أو الى الطائف، أو الى ذات عرق خرج محرما و دخل ملبيا بالحج فلا يزال على إحرامه، فإن رجع الى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى،

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 11

(2) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 12

(3) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 223

قلت: فان جهل فخرج الى المدينة أو الى نحوها بغير إحرام ثم رجع في أبان الحج في أشهر الحج يريد الحج فيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ قال: ان رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام و ان دخل في غير الشهر دخل محرما، قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعة الأولى أو الأخيرة؟؟ قال: الأخيرة عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته، قلت: فما فرق بين المفردة و عمرته المتعة إذا دخل في أشهر الحج؟ قال: أحرم بالحج و هو ينوي العمرة ثم أحل منها: و ليس عليه دم. و لم يكن محتسبا، لانه لا يكون ينوي الحج «1» 2- خبر حفص بن البختري عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في رجل قضى متعته و عرضت له حاجة

أراد ان تمضى إليها؟ قال: فقال: فلتغتسل للإحرام و ليهل بالإحرام بالحج و ليمض في حاجته، فان لم يقدر على الرجوع الى مكة مضى الى عرفات «2» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير مثله.

3- مرسل أبان بن عثمان عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: المتمتع محتبس لا يخرج من مكة حتى يخرج الى الحج الا أن يأبق غلامه أو تضل راحلته فيخرج محرما و لا يجاوز الا على قدر ما لا تفوته عرفة «3» و بالجملة الصحيحان المتقدمان [و هما صحيح زرارة و صحيح معاوية بن عمار] و ان كان مقتضى إطلاقهما هو حرمة الخروج من مكة قبل الإتيان بالحج مطلقا، و لكن خرج من إطلاقهما موردان (أحدهما): الخروج منها إلى الطائف و شبهه و لو بدون حاجة مع الكراهة ان لم يحرم إلا إذا خرج الى حوالي مكة لأجل حاجة فيها لجواز الخروج اليه و لو بدون الإحرام من دون كراهة: (ثانيهما): الخروج منها لأجل حاجة و لو الى مسافة بعيدة بشرط الإحرام بالحج بلا ثبوت كراهة فيه، لعدم دليل تعبدي عليه، فان مقتضى الجمع بين الاخبار هو ما ذكرنا لا الحمل على الكراهة، لما قد تقدم منا مرارا و كرارا ان الجمع الموضوعي مقدم على الجمع الحكمي.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 6

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 224

ثم أعلم أن المراد من الحاجة التي توجب لجواز الخروج من مكة قبل الحج معها هو الحاجة العادية لا الحاجة

الضرورية الموجبة فوتها العسر و الحرج، لإطلاق الحاجة على الأعم كما لا يخفى الا أن يقوم دليل تعبدي بالخصوص على كون المراد منها هو الحاجة العظيمة الموجبة فوتها الخسارة، كما قد يستظهر ذلك من مرسل عثمان المتقدم لما فيه: [لا يخرج من مكة حتى يقضي الحج الا ان يأبق غلامه أو تضل راحلته].

قوله قده: (و الأقوى عدم حرمة الخروج و جوازه محلا حملا للاخبار علي الكراهة- كما عن ابن إدريس رحمه اللّه و جماعه أخرى- بقرينة للتعبير به [لا أحب] في بعض تلك الاخبار)

مراده «قدس سره» من بعض تلك الاخبار هو ما تقدم من صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يتمتع بالعمرة إلى الحج يريد الخروج إلى الطائف؟ قال: يهل بالحج من مكة و ما أحب أن يخرج منها الا محرما و لا يتجاوز الطائف انها قريبة و (فيه): انه انما يدل على الكراهة في خصوص الخروج الى ما يقرب من مكة بلا إحرام و لا يصير قرينة على حمل مطلق نواحي الخروج على الكراهة بل بعضها غير قابل لهذا الحمل. و من هنا: ظهر ضعف ما مال اليه صاحب الجواهر «قدس سره» في ذيل المبحث حيث قال:) فالمتجه للاقتصار في الخروج على الضرورة و ان لا يخرج منها الا محرما لإطلاق النصوص المزبورة. الى ان قال: «نعم عن التحرير» و النافع، و المنتهى، و التذكرة. و موضع من السرائر، و ظاهر للتهذيب، و موضع من النهاية و المبسوط، كراهة الخروج لا حرمته، للأصل و الجمع بين النصوص بشهادة قوله:

«ما أحب». الى ان قال: «و هو لا يخلو من وجه»:

قوله قده: (و قوله (ع) في مرسلة الصدوق (قده) إذا أراد

المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه الا ان يعلم انه لا يفوته الحج «1» و نحوه الرضوي. إلخ)

و (فيه): أن مرسلة الصدوق ليس بحجة

______________________________

(1) الوسائل: ج 21- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 225

كي ترفع اليد بها عن ظاهر الاخبار المتقدمة الدالة على الحرمة و أسوأ حالا منها الرضوي.

قوله قده: (بل و قوله في مرسل أبان و لا يتجاوز الا على قدر ما لا تفوته عرفة إذ هو و ان كان بعد قوله فيخرج محرما الا انه يمكن ان يستفاد منه ان المدار فوت الحج و عدمه. إلخ)

يريد به أبان بن عثمان عمن أخبره المتقدم ذكره آنفا، و لكن فيه ما لا يخفى أما (أولا): فلأنه يستفاد منه ذلك في خصوص مورده- اعنى فرض الحاجة و الإحرام بالحج، و جواز الخروج له على قدر لا تفوته عرفة و أما مطلقا فلا. و أما (ثانيا): فلان فيه ضعف من حيث السند فلا عبرة به أصلا.

قوله قده: (بل يمكن أن يقال ان المنساق من جميع الأخبار المانعة ان ذلك للتحفظ عن عدم ادراك الحج و فوته، لكون الخروج في معرض ذلك و على هذا فيكن، دعوى»: عدم الكراهة أيضا مع علمه بعدم فوات الحج منه نعم لا يجوز الخروج لا بنية العود أو مع العلم بفوات الحج منه إذا خرج)

كون المنساق من الاخبار المتقدمة ذلك ممنوع جدا سوى مرسلة الصدوق و الرضوي الذي قلنا بعدم حجيتهما. و أما مرسل أبان فقد تقدم ايضا ما فيه من ضعف السند و اختصاص مفاده- من كون العبرة بالفوت- بمورده و أما ما تقدم

من الخبر الثاني لعلي بن جعفر ففيه: ايضا مضافا الى ضعف سنده اختصاص ما يستفاد منه- من كون العبرة بالفوات و عدمه- بمورده- و هو ما إذا خرج محرما بالحج لا مطلقا-

قوله قده: (ثم الظاهر ان الأمر بالإحرام إذا كان رجوعه بعد شهر انما هو من جهة أن لكل شهر عمرة لا ان يكون ذلك تعبدا. إلخ).

هذا ممنوع جدا لظهور الخبر في الوجوب، كما لا يخفى.

قوله قده: (بل هو صريح خبر إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن المتمتع يجي ء فيقضى متعته ثم تبدو له حاجة فيخرج إلى المدينة أو الى ذات

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 226

عرق أو الى بعض المنازل؟ قال «عليه السلام»: يرجع الى مكة بعمرة ان كان في غير الشهر الذي تمتع فيه، لان لكل شهر عمرة و هو مرتهن بالحج. إلخ «1» و حينئذ فيكون الحكم بالإحرام إذا رجع بعد شهر على وجه الاستحباب لا الوجوب، لأن العمرة التي هي وظيفة كل شهر ليست واجبة)

ما أفاده (قدس سره) من الاستدلال على مدعاه بخبر إسحاق بن عمار فمما لا يمكن المساعدة عليه، لأن ما فيه من التعليل بان: [لكل شهر عمرة] لا ينافي صيرورة هذا العمرة المستحبة واجبة بقصد دخول مكة و أنما يدل على انه رخص في عدم الاعتمار لدخول مكة ان دخل فيها في الشهر الأول و لم يرخص في ذلك له ان دخل في غيره لان لكل شهر عمرة فجعل الامام «عليه السلام» استحقاق كل شهر للعمرة علة لعدم نفى العمرة الواجبة لدخول مكة، و هذا لا يدل على عدم وجوبها إذ دخل فيها في غير الشهر الأول فتأمل.

ثم، الظاهر من هذا الحديث هو أن

العبرة بكون شهر الدخول غير شهر التمتع لا كونه غير شهر الخروج، و عليه يحمل ما تقدم من حديث حماد، لانه لم يصرح فيه بكون العبرة بشهر الخروج و انما جي ء فيه بالضمير لقوله عليه السلام فيه: [ان رجع في شهره دخل مكة بغير إحرام و ان دخلها في غير الشهر دخل محرما.] فهو قابل لهذا الحمل في مقام الجمع. نعم، مرسلة الصدوق تدل على ان العبرة بشهر الخروج لا التمتع و هي:

قال الصادق «عليه السلام»: إذا أراد المتمتع الخروج من مكة الى بعض المواضع فليس له ذلك، لانه مرتبط بالحج حتى يقضيه الا ان يعلم انه لا يفوته الحج، و ان علم و خرج و عاد في الشهر الذي خرج دخل مكة محلا و ان دخلها في غير ذلك الشهر دخلها محرما «2» و لكن الذي يسهل الأمر هو عدم حجيتها لإرسالها و في مرسلة حفص و أبان أيضا ذلك

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(2) الوسائل ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 227

عن رجل عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم قال «عليه السلام»: ان رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام و ان دخل في غيره دخل بإحرام و لكن يرد فيها ما أوردناه في مرسلة الصدوق. ثم الظاهر ان المراد من الشهر هو الشهر الهلالي.

قوله قده: (إذا ترك الإحرام مع الدخول في شهر آخر و لو قلنا بحرمته لا يكون موجبا لبطلان عمرته السابقة فيصح حجه بعدها)

قال الجواهر في آخر البحث:

(ليس في كلامهم تعرض لما لو رجع حلالا

بعد شهر و لو آثما فهل له الإحرام بالحج ثانيا على عمرته الأولى أو انها بطلت التمتع بالخروج شهرا؟ و لكن الذي يقوى في النظر:

الأول، لعدم الدليل على فسادها. إلخ) الكلام في انه إذا دخل مكة بغير إحرام فهل يكفي العمرة السابقة و تكون متعة أو انها بمجرد مضى الشهر تنقلب الى الافراد يمكن ان يقال بالثاني بتقريب ان ما في الاخبار من الأمر بإتيان العمرة ثانيا يكون من قبيل الأمر بشي ء في شي ء الدال على الحكم الوضعي من الجزئية و الشرطية و بضم ذلك الى ما هو المسلم من عدم احتياج حج التمتع الى العمرتين يستكشف سقوط العمرة الأولى عن كونها متعة.

و (فيه): منع ثبوت كون هذا الأمر من قبيل الأمر بشي ء في شي ء و إذا شك في ذلك، فالمرجع حينئذ هو أصالة عدم مانعية ذلك عن كون العمرة متعة و استصحاب بقاء العمرة الأولى على حالتها السابقة من كونها متعة، بل يكفي في نفى القيد الزائد في عمرة التمتع التمسك الإطلاقات المبيّنة و من هنا ظهر: ان كلام صاحب الجواهر «قدس سره» انما يتم بناء على كون الأمر بالإحرام صرف حكم تكليفي و اما بناء على القول بأنه مفيد للحكم الوضعي فلا مجال لاحتساب العمرة الاولى متعة، فيدور الأمر حينئذ بين القول بفسادها و بين القول بانقلابها مفردة.

قوله قده: (الظاهر اختصاص المنع [عن الخروج] على القول به بالخروج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 228

الى المواضع البعيدة فلا بأس بالخروج الى فرسخ أو فرسخين بل يمكن أن يقال باختصاصه بالخروج الى خارج الحرم و إن كان الأحوط خلافه)

قد تقدم عند ذكر الأخبار ان الحق كراهته بلا إحرام.

قوله قده: (ثم الظاهر أنه لا فرق في

المسألة بين الحج الواجب و المستحب فلو نوى التمتع مستحبا ثم أتى بعمرته يكون مرتهنا بالحج و يكون حاله في الخروج محرما أو محلا و الدخول كذلك كالحج الواجب).

ما أفاده (قده) في مفروض المسألة هو الصواب لإطلاق الأخبار المتقدمة.

قوله قده: (ثم أن سقوط وجوب الإحرام عمن خرج محلا و دخل قبل شهر مختص بما إذا أتى بعمرة بقصد التمتع و أما من لم يكن سبق منه عمرة فيلحقه حكم من دخل مكة في حرمة دخوله بغير الإحرام إلا مثل الحطاب و الحشاش و نحوهما. إلخ).

ما أفاده (قدس سره) في مفروض المسألة هو الصواب، و لا ينبغي الكلام فيه.

قوله قده: (و ايضا سقوطه إذا كان بعد العمرة قبل شهر انما هو على وجه الرخصة بناء على ما هو الأقوى من عدم اشتراط فصل شهر بين العمرتين فيجوز الدخول بإحرام قبل الشهر أيضا).

تقدم الكلام في ذلك مفصلا في مبحث العمرة و من أراد الوقوف عليه فليراجعه.

قوله قده: (ثم إذا دخل بإحرام فهل عمرة التمتع هي العمرة الأولى أو الأخيرة مقتضى حسنة حماد انها الأخيرة المتصلة بالحج. إلخ).

ما أفاده (قدس سره) هو الصواب لانه صرح الامام (عليه السلام) بذلك فيه في مقام الجواب عن سؤال السائل حيث قال: السائل: قلت: فأي الإحرامين و المتعتين متعته الأولى أو الأخيرة؟؟ قال (عليه السلام): الأخيرة هي عمرته و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته) قال في الجواهر:

فلو جدد عمرة بخروجه محلا لرجوعه بعد شهر تمتع بالأخيرة و تصير الأولى مفردة لحسن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 229

حماد السابق و لارتباط العمرة التمتع بحجه و ظهور الآية في الاتصال بل في كشف اللثام و لعله اتفاقي.

قوله قده: (و عليه لا يجب

فيها طواف النساء و هل يجب حينئذ في الأولى أولا؟

وجهان؟ اقوائهما: نعم، و الأحوط الإتيان بطواف مردد بين كونه للأولى أو الثانية) قال في الجواهر: (و الظاهر عدم طواف النساء عليه، و ان احتمله بعضهم، لأنه أحل منها بالتقصير و ربما أتى النساء قبل الخروج و من البعيد جدا حرمتهن عليه بعده من غير موجب و قال في كشف اللثام: (و هل عليه طواف النساء للأولى احتمال، كما في الدروس من انقلابها مفردة و من إحلاله منها بالتقصير و ربما أتى النساء قبل الخروج و من البعيد جدا حرمتهن عليه بعده من غير موجب، و هو أقوى)

ما أفاد (قدس سره): من ان الأقوى هو وجوب طواف النساء للعمرة الاولى هو الصواب، لأنه بعد انفصالها عن الحج يستكشف كونها عمرة مفردة من أول الأمر، و قد صرح الامام (عليه السلام) في صحيح حماد أن متعته الأخيرة في مقام الجواب عن سؤال السائل فيجب عليه أن يأتي بطواف النساء بعنوان عمرته الاولى و المفروض انه لم يكن مقيدا بوقت كما هو واضح و (بعبارة اخرى): ان أمر العمرة الاولى يدور بين القول بوقوعها عمرة مفردة واقعا و لكن في الظاهر كانت محكومة بأنها عمرة التمتع و بين القول بفسادها من أصلها بعد ان أحرم ثانيا لها فعلى الثاني يحكم بعدم لزومه كما هو واضح و على الثاني فيتعين الحكم بوجوبه، لما قد ثبت في محله وجوب طواف النساء في العمرة المفردة و من هنا ظهر ضعف ما أفاده صاحب كشف اللثام (رحمه اللّه تعالى) من ان الأقوى عدم وجوبه و كذا ما افاده صاحب الجواهر (قدس سره) تبعا له و وجه الأقوائية حسب ما يستفاد من كلامه

ليس الا مجرد استبعاد الحرمة بعد التحليل و هو كما ترى لعدم المانع من إحلاله من كل شي ء إلا النساء فتدبر.

[مسألة 3 لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل إلى غيره]

قوله قده: (لا يجوز لمن وظيفته التمتع أن يعدل الى غيره- من القسمين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 230

الأخيرين- اختيارا. نعم «ان ضاق وقته عن إتمام العمرة و إدراك الحج جاز له نقل النية الى الافراد و أن يأتي بالعمرة بعد الحج بلا خلاف و لا اشكال، و انما الكلام في حد الضيق المسوغ لذلك و اختلفوا فيه على أقوال: (الأول): خوف فوات الاختياري من وقوف عرفة. (الثاني): فوات الركن من الوقوف الاختياري- و هو المسمى منه.

(الثالث): فوات الاضطراري منه. (الرابع): زوال يوم التروية (الخامس):

غروبه: (أى يوم التروية). (السادس) زوال يوم عرفة. (السابع): التخيير بعد زوال يوم التروية بين العدول و الإتمام إذا لم يخف الفوت، و المنشأ اختلاف الأخبار، فإنها مختلفة أشد الاختلاف. و الأقوى أحد القولين الأولين، لجملة مستفيضة من الاخبار، فإنها يستفاد منها على اختلاف ألسنتها ان المناط في الإتمام عدم خوف فوت الوقت بعرفة)

منشأ الاختلاف في ذلك- كما افاده المصنف «قدس سره»- هو اختلاف الأخبار الواردة في المقام فإنها على طوائف عديدة:

(الأولى): ما دلت على أن العبرة بخوف فوت الوقوف بعرفات- منها:

1- خبر الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل أهل بالحج و العمرة جميعا، ثم قدم مكة و الناس بعرفات فخشي ان هو طاف و سعى بين الصفا و المروة أن يفوته الموقف؟ قال: يدع العمرة، فإذا أتم حجه، صنع كما صنعت عائشة، و لا هدى عليه «1» يمكن الاستدلال به على ان العبرة بخوف فوت الركن من الوقوف بعرفات، حيث انه دل على ترك المتعة

حين ما كان الناس بعرفات و هو بمكة، و مقتضى العادة هو كون الناس بعرفات في أول الزوال من يوم عرفة فلازم ذلك فوت مقدار من الوقوف من أول الزوال فالذي يخاف فوته من الوقوف هو فوت الركن لا انه يخاف فوته عن أول الزوال، لفوته منه ذلك من أول الزوال فيكون مراد السائل خوف فوت مسمى الوقوف و انه يسأل هل

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 231

يجوز له المتعة أولا فأجاب الإمام «عليه السلام» يترك المتعة و يأتي الحج يمكن المناقشة فيه بأن هذه الخصوصية- أعني خوف فوت المسمى- انما هي في كلام السائل و كان مورد السؤال ذاك الرجل فأجاب بما ذكر و بين حكمه به. و اما من كان بمكة قبل الزوال و خاف فوت الوقوف من أول الزوال و لم يبين حكمه، يحتمل ان يكون حكمه ترك العمرة و إتيان الحج فلا يكون لها مفهوم أصلا و لكنه لا يخلو من التأمل 2- خبر يعقوب بن شعيب، قال: سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: لا بأس للمتمتع أن لم يحرم من ليلة التروية متى ما تيسر له ما لم يخف فوت الموقفين «1» و هذا كما ترى وارد في إحرام الحج قال في الوافي و في بعض النسخ: [أن يحرم من ليلة عرفة] مكان: [ان لم يحرم من ليلة التروية]. على ما حكاه صاحب الحدائق «رضوان اللّه تعالى عليه» و غيره 3- خبر محمد بن سرو قال: كتبت الى أبى الحسن الثالث «عليه السلام» ما تقول في رجل متمتع بالعمرة إلى الحج وافى غداة عرفة و خرج الناس

من منى الى عرفات أعمرته قائمة أو قد ذهبت منه الى اى وقت عمرته قائمة إذا كان متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يواف يوم التروية و لا ليلة التروية فكيف يصنع؟ فوقع «عليه السلام» ساعة يدخل مكة (أن شاء اللّه تعالى) يطوف و يصلى ركعتين، و يسعى و يقصر و يخرج بحجته، و يمضى إلى الموقف و يفيض مع الامام «2» قال المحقق الشيخ بن زيد الدين (رحمهما اللّه تعالى) في كتاب المنتقى على ما حكى عنه في الحدائق و الوافي: ان محمد بن سرو هو ابن جزك. و الغلط وقع في اسم أبيه من الناسخين و صاحب الحدائق قبل ان يذكر الحديث قال: (و ما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن سرو و هو مجهول) ثم انه «قدس سره» بعد أن نقل ما في المنتقى- و هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث 5

(2) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 16

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 232

ما عرفت قال: (و حينئذ فالخبر صحيح. لان محمد بن جزك ثقة) أقول: لو ثبت ذلك:

(أى وقوع الغلط في اسم أبيه من الناسخين، كما أفاده المحقق في كتاب المنتقى) فحينئذ لا إشكال في كون الخبر صحيحا و لا بد من الاعتماد عليه و لكن الكلام في تمامية هذا القول، لعدم المستند ظاهرا لكون كلمة سرو غلطا من الناسخين و كونه ابن جزك سوى ان الراوي عنه هو عبد اللّه بن جعفر الحميري (رحمه اللّه تعالى) و هو الذي يروى عن محمد بن جزك، و انه روى عن ابى الحسن الثالث (عليه السلام) و الذي يروى عنه هو محمد

بن جزك. و أما محمد بن سرو فليس له عين و لا أثر في كتب الرجال و انما الموجود فيها هو كون محمد بن جزك من أصحاب أبي الحسن الثالث «عليه السلام» هذا غاية ما يمكن ان يقال في كونه محمد بن جزك و ان كلمة «سرو» غلط من الناسخين و لكن الإنصاف ان هذا كله لا يوجب الاطمئنان بكون كلما سرو غلطا منهم و الصحيح كونها جزك، لاحتمال كونه شخصا آخر الذي أهمل في كتب الرجال و كما أهمل فيها غيره من أشخاص أخر و أنه روى عند عبد اللّه بن جعفر الحميري عن أبى الحسن الثالث (عليه السلام) كما روى عن محمد بن جزك عنه «عليه السلام».

4- خبر أبى بصير قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) تجيى ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت فيكون طهرها يوم عرفة؟ فقال: ان كانت تعلم انها تطهر فتطوف بالمبيت و تحل من إحرامها و تلحق الناس فلتفعل «1» هذا الحديث وارد في خصوص الحائض، و لكنه كما ترى مطلق من حيث الواجب و المسمى و كيف كان فقد افتى بمضمون هذه الاخبار- أعني التحديد بخوف فوت الموقف جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، و لكن المشهور بين تلك الجماعة هو أن العبرة بفوات الركن، و هو الظاهر من هذه الطائفة من الاخبار، فإن الظاهر من كلمة

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 233

فوت الموقف هو فوته تماما، اختاره العلامة «قدس سره» في القواعد، و هو منسوب الى الحلبيين «و ابن إدريس و سعيد «و حكى عن الشهيد الأول «قدس سره» في الدروس تقوية اشتراط ادراك

الموقف الاختياري تمسكا بما عن زرارة قال: سألت أبا جعفر «عليه السلام» عن الرجل يكون في يوم عرفة و بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال «عليه السلام»: يقطع التلبية: تلبية المتعة، و يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر و يمضى اى عرفات، فيقف مع الناس، و يقضى جميع المناسك، و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه «1» و لكن دلالة هذا الحديث على مدعاه- و هو كون العبرة بدرك اختياري عرفة- تأمل، لاحتمال كونه من الاخبار الدالة على التحديد بأول زوال يوم عرفة، فتدبر.

(الثانية): ما دلت على التحديد بزوال الشمس من يوم عرفة- منها.

1- صحيحة جميل بن دراج، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: المتمتع له المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر «2» يمكن الاستدلال به على حد كون ضيق وقت العمرة خوف فوت الركن الاختياري من الوقوف بعرفات، لأنه إذا تمتع الرجل الى زوال الشمس من يوم عرفة كان حينئذ بمكة، فعليه لا يمكنه ان يدرك تمام الوقوف الاختياري بعرفات بل يمكنه درك الركن من الوقوف- و هو المسمى منه. و لكن يمكن المناقشة فيه انه إذا كان المناط هو ادراك المسمى من الوقوف لزم جواز تأخير المتعة الى بعد زوال الشمس بمقدار يمكنه درك المسمى من الوقوف في عرفات مع ان ذلك مخالف لها، حيث انه وقت فيه صريحا حد المتعة إلى زوال الشمس من يوم عرفة فمقتضى هذا التحديد كما ترى عدم جواز التأخير عن أول الزوال من يوم عرفة، فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج

حديث: 7

(2) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب أقسام الحج حديث: 15

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 234

2- مرفوعة سهل بن زياد، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في متمتع دخل يوم عرفة؟ قال: متعته تامة الى ان يقطع التلبية «1» و قطع التلبية كناية عن زال الشمس من يوم عرفة، لانه وقت القطع، يمكن ان يقال أن مقتضاه كفاية درك مسمى الوقوف الاختياري بتقريب الذي تقدم آنفا للاستدلال بصحيحة جميل بن دراج على ذلك، حيث أنه من البعيد إتمام العمرة قبل الزوال من عرفة و إدراك الناس في أول زوال الشمس بعرفات مضافا الى صدق ادراك الموقف إذا أدرك الناس قبل غروب الشمس من يوم عرفة و يمكن المناقشة فيه بما عرفته في الاستدلال بصحيحة جميل بن دراج على ذلك، لأن المنساق منه هو ادراك تمام الواجب الذي لا يتحقق الا باستيعاب تمام ما بين زوال الشمس و غروبها بالوقوف و ان كان الركن هو المسمى، و لكن مع ذلك لا يخلو من تأمل و كيف كان و قد عمل بمضمون هذه الاخبار- أعني التحديد بزوال الشمس من يوم عرفة- جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، كما حكى عن المبسوط و النهاية قال الشيخ في النهاية على ما حكاه صاحب الحدائق «قده»: (فإذا دخل مكة يوم عرفة جاز له ان يتحال ايضا ما بينه و بين زوال الشمس، فإذا زالت الشمس فقد فاته العمرة و كانت حجة مفردة) و حكى ايضا عن الوسيلة و المهذب و الذخيرة و هو منسوب الى صاحب كاشف اللثام و لكن حكى عنه ان ذلك في غير من يتعين عليه التمتع و الا لم يجز العدول ما

لم يخف فوتها بفوت اضطراري عرفة. و اختاره صاحب المدارك «قدّس سرّه»، حيث انه بعد ان نقل من الشيخ (رحمه اللّه تعالى) ما في النهاية بعين ما نقله صاحب الحدائق فيها قال: (و الأصح ما اختاره الشيخ في النهاية- من فوت المتعة بزوال الشمس من يوم عرفة- و استدل لمدعاه بصحيحة جميل بن دراج المتقدم و استشهد بحسنة الحلبي المتقدم عند ذكر الطائفة الاولى من الاخبار)، و كيف كان لا يعارض هاتين الطائفتين من الاخبار ما عن، أبى الحسن موسى

______________________________

(1) الوسائل ج 3- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 235

«عليه السلام» انه قال: أهل بالمتعة بالحج يريد يوم التروية إلى زوال الشمس و بعد العصر و بعد المغرب و بعد العشاء الآخرة ما بين ذلك كله واسع «1» و لا خبر محمد بن ميمون قال:

قدم أبو الحسن «عليه السلام» متمتعا ليلة عرفة فطاف و أحل و أتى جواريه ثم أحرم بالحج و خرج «2» و لا خبر شعيب العقرقوفي قال: خرجت أنا و حديد فانتهينا الى البستان يوم التروية فتقدمت على حمار فقدمت مكة فطفت و سعيت و أحللت من تمتعي ثم أحرمت بالحج و قدم حديد من الليل، فكتبت الى أبى الحسن «عليه السلام» في أمره فكتب الى مره يطوف و يسعى و يحل من متعته و يحرم بالحج و يلحق الناس بمنى و لا يبيتن بمكة «3» أن و الظاهر المراد من ادراك الناس بمنى في الرواية الأخيرة و إدراكهم قبل الوقوف بعرفات لا بعد الوقوف فتأمل.

(الثالثة): ما دلت على التحديد بغروب يوم التروية- منها:

1- صحيح عيص بن القسم، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه

السلام» عن المتمتع يقدم مكة يوم التروية: صلاة العصر، تفوته المتعة؟ فقال: له ما بينه و بين غروب الشمس و قال: قد صنع ذلك رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» «4» 2- خبر إسحاق بن عبد اللّه، قال: سألت أبا الحسن موسى «عليه السلام» عن المتمتع يدخل مكة يوم التروية؟ فقال: للمتمتع ما بينه و بين الليل «5» 3- صحيح عمر بن يزيد. عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا قدمت مكة يوم التروية و أنت متمتع فلك ما بينك و بين الليل ان تطوف بالليل و تسعى و تجعلها متعة «6».

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 13

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 10

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 11

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 12

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 236

4- خبر إسحاق بن عبد اللّه، عن أبى الحسن «عليه السلام» قال: المتمتع إذا قدم ليلة عرفة فليس له متعة يجعلها حجة مفردة. إلخ «1» 5- خبر موسى بن عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المتمتع يقدم مكة ليلة عرفة؟ قال: لا متعة له يجعلها حجة مفردة و يطوف بالبيت و يسعى بين الصفاء و المروة و يخرج إلى منى و لا هدى عليه و انما الهدي على المتمتع «2» 6- خبر زكريا بن آدم قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن المتمتع إذا دخل يوم

عرفة؟ قال: لا متعة له يجعلها عمرة مفردة «3» و لكن يمكن المناقشة في دلالة الخبرين الأخيرين على المقصود أما خبر موسى بن عبد اللّه فلعدم دلالته على التحديد بآخر يوم التروية و غاية ما يدل عليه هو أنه لا متعة له في ليلة عرفة. و أما ان حد انتهاء وقت المتعة ما ذا فلا يستفاد منه فتأمل. و أما خبر زكريا بن آدم فلدلالته على نفى المتعة في يوم عرفة و لا يدل على ما هو الحد، كما لا يخفى، و كيف كان فقد حكى عن الصدوق «قدس سره» في المقنع و الشيخ المفيد «رحمه اللّه تعالى» في المقنعة العمل بمضمون هذه الطائفة من الاخبار حيث قال الصدوق في المقنع: (فان قدم المتمتع يوم التروية فله ان يتمتع له ما بينه و بين الليل و أن قدم ليلة عرفة فليس له ان يجعلها متعة بلى يجعلها حجة مفردة، فإن دخل المتمتع مكة فنسي أن يطوف بالبيت و بالصفاء و المروة حتى كان ليلة عرفة فقد بطلت متعته و يجعلها حجة مفردة) و قال الشيخ المفيد على ما حكاه صاحب المدارك «قدس سره»: (من دخل مكة يوم التروية و طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة فأدرك قبل مغيب الشمس أدرك المتعة «فإذا غايت الشمس قبل أن يفعل ذلك فلا متعة له فيقيم على إحرامه و يجعلها حجة مفردة» و نقل الشهيد الأول «قدس سره» في الدروس عن الحلبي من قدماء أصحابنا انه قال: وقت طواف العمرة إلى غروب الشمس يوم التروية للمختار و المضطر الى ان يبقى ما يدرك

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 9

(2) الوسائل ج

2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 10

(3) الوسائل ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 237

عرفة في آخر وقتها على ما حكى في الحدائق.

(الرابعة): ما دلت على التحديد بأول يوم التروية- منها:

1- صحيحة على بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن موسى «عليه السلام» عن الرجل و المرأة يتمتعان بالعمرة إلى الحج يدخلان مكة يوم عرفة كيف يصنعان؟ قال:

يجعلانها حجة مفردة، و حد المتعة إلى يوم التروية «1» 2- صحيحة جميل بن دراج، قال سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال: تمضى كما هي الى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة «2» قال ابن أبى عمير: (كما صنعت عائشة) و رواه الصدوق بإسناده عن جميل مثله الى قوله: (فتجعلها عمرة) و كيف كان هذا الحديث كما ترى وارد في خصوص الحائض و لا يمكن التعدي من مورده الى غيره، لاحتمال خصوصية لها.

3- صحيح عبد الرحمن بن الحجاج، قال: أرسلت الى أبى عبد اللّه «عليه السلام» أن بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن فكيف نصنع؟ قال تنظر ما بينها و بين التروية فإن طهرت فلتهل، و الا فلا يدخل عليها التروية الا و هي محرمة «3» 4- رواية إسحاق بن عبد اللّه عن أبى الحسن «عليه السلام» قال: المتمتع إذا قدم ليلة ليلة عرفة فليس له متعة يجعلها حجة مفردة إنما المتعة إلى يوم التروية «4» و لم نجد عاملا بها.

(الخامسة): ما دلت على التحديد بأول يوم عرفة- منها:

1- حديث زرارة قال: سألت أبا جعفر «عليه السلام» عن الرجل يكون

في يوم

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 11

(2) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 15

(4) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 238

عرفة و بينه و بين مكة ثلاثة أميال و هو متمتع بالعمرة إلى الحج؟ فقال: يقطع التلبية تلبية: المتعة و يهل بالحج بالتلبية إذا صلى الفجر و يمضى الى عرفات فيقف مع الناس و يقضى جميع المناسك و يقيم بمكة حتى يعتمر عمرة المحرم و لا شي ء عليه «1» و هذا هو الذي تمسك به الشهيد «قدس سره» لتقوية مدعاه في الدروس و قد أشرنا إليه آنفا فإنه يصير دليلا على التحديد بأول عرفة على احتمال، و لكن الإنصاف إجماله كما يظهر من التأمل في متنها.

2- ما تقدم خبر زكريا بن آدم انه سأله السائل فيه عن المتمتع إذا دخل يوم العرفة و أجابه لا متعة له.

3- ما عن دعائم الإسلام عن أبى جعفر «عليه السلام» انه سأل عن المتمتع يقدم يوم التروية؟ قال: إذا قدم مكة قبل الزوال طاف بالبيت و حل فإذا صلى الظهر أحرم و ان قدم آخر النهار فلا بأس أن يتمتع و يلحق الناس بمنى، و ان قدم يوم عرفة فقد فاتته المتعة و يجعلها حجة مفردة «2» هذا الحديث أيضا لا يخلو من الإشكال، لإمكان حمله على الطائفة الآتية من الاخبار، مضافا الى عدم عمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بهذه الطائفة لو تمت سندا و دلالة.

(السادسة): ما دلت على التحديد بإدراك الناس بمنى- منها:

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود

بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 2، ص: 238

1- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: المتمتع يطوف بالبيت و يسعى بين الصفاء و المروة ما أدرك الناس بالمني «3» 2- صحيح مرازم بن حكيم قال: قلت لأبي عبد الله «عليه السلام»: المتمتع يدخل ليلة عرفة أو المرأة الحائض متى يكون لها المتعة، قال: ما أدركوا الناس بمنى «4»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(2) المستدرك ج 2- الباب- 15- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(4) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 239

3- مرسل ابن بكير عن بعض أصحابنا أنه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن المتعة متى تكون؟ قال: يتمتع ما ظن انه يدرك الناس بمنى «1» 4- عن هشام و مرازم و شعيب كلهم عن أبى عبد اللّه عليه السلام في الرجل المتمتع يدخل ليلة عرفة فيطوف و يسعى ثم يحرم و يأتي بمنى؟ فقال: لا بأس «2» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمر الا انه قال: ثم يحل ثم يحرم.

و في دلالة هذا الحديث على التحديد بذلك مناقشة واضحة.

5- خبر أبى بصير قال قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) المرأة تجيى ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة؟ فقال: ان كانت تعلم انها تطهر و تطوف بالبيت و تحل من إحرامها و تلحق الناس بمنى فلتفعل «3» و رواه الشيخ

بإسناده عن أحمد بن محمد عن الحسين عن النضر عن محمد بن أبي حمزة عن أبي بصير و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد مثله و كيف كان هذا الحديث كما ترى وارد في خصوص الحائض فلا بد من الاقتصار على مورده على فرض تماميته سندا الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام».

و بالجملة هذه الطائفة من الاخبار و ان كان بعضها غير تام سندا أو دلالة لكن بعضها تام سندا و دلالة و لكن لم نجد من أفتى بمضمونها من الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) (السابعة): ما دلت على التحديد بزوال الشمس من يوم التروية- منها:

1- صحيحة إسماعيل بن بزيع قال: سألته أبا الحسن الرضاء (عليه السلام) عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحل منى تذهب متعتها؟ قال: كان أبو جعفر «عليه السلام» يقول: زوال الشمس من يوم التروية، و كان موسى «عليه السلام» يقول:

صلاة الصبح من يوم التروية، فقلت جعلت فداك عامة مواليك يدخلون يوم التروية

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 6

(2) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 240

و يطوفون و يسعون ثم يحرمون بالحج؟ فقال: زوال الشمس، فذكرت له رواية عجلان أبى صالح [1]؟ فقال: لا إذا زالت الشمس ذهبت المتعة، فقلت: فهي على إحرامها أو تجدد إحرامها للحج؟ فقال لا هي على إحرامها، قلت: فعليها هدى؟ قال: لا الا ان تحب ان تطوع. ثم قال: أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل ان نحرم فأتتنا

المتعة «1» 2- ما عن الفقه الرضوي، فإن طهرت ما بينها و بين التروية قبل الزوال فقد أدركت متعتها. الى أن قال: و ان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة. و حكى هذا القول عن على بن بابويه «قدس سره» و عن الشيخ المفيد (رحمه اللّه تعالى) و العمدة في وجه هذا القول هو ما عرفته من صحيحة إسماعيل بن بزيع و أما الرضوي فلا عبرة به. أما (أولا): فلعدم ثبوت كونه حديثا. و أما (ثانيا فلضعف سنده، مع أنه ورد في خصوص الحائض.

(الثامنة): ما دلت على التحديد بسحر عرفة- منها، 1- صحيحة محمد بن مسلم قال قلت: لأبي عبد اللّه «عليه السلام» الى متى يكون للحاج

______________________________

[1] رواية عجلان أبى صالح، هي ما رواه ثقة الإسلام في الكافي عن درست، عن عجلان أبى صالح قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»، متمتعة قدمت مكة فرأت الدم كيف تصنع؟ قال: «عليه السلام»: تسعى بين الصفاء و المروة و تجلس في بيتها، فان طهرت طافت بالبيت و ان لم تطهر فإذا كانت يوم التروية أفاضت عليها الماء و أهلت بالحج و خرجت إلى منى فقضت المناسك كلها، فإذا قدمت مكة طاف بالبيت طوافين ثم سعت بين الصفاء و المروة فإذا فعلت ذلك فقد حل لها كل شي ء ما عدا فراش زوجها قال: و كنت أنا و عبد اللّه بن صالح سمعنا هذا الحديث في المسجد فدخل عبيد اللّه على أبى الحسن «عليه السلام» فخرج الى فقال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رواية عجلان فحدثنا بنحو ما سمعنا عن عجلان «2».

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث:

14

(2) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 241

عمرة قال: الى السحر من ليلة عرفة «1» و لكن لم نجد من افتى بمضمونها من الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» فهذه الروايات- كما ترى- معارضة بعضها مع بعض، و يمكن الجمع بينها مع صرف النظر عن أعراض المشهور بوجوه:

(الأول)- حمل الاخبار على تفاوت مراتب الفضل، بان يحمل ما دل على التحديد بزوال الشمس من يوم التروية على كون الإتيان بالعمرة قبله أفضل من الإتيان بها بعده، و ما دل على التحديد بغروب يوم التروية على كون إتيانها قبله أفضل من الإتيان بها بعده، و ما دل على التحديد بأول يوم التروية على كون الإتيان بها قبله أفضل من الإتيان بها بعده، و ما دل على التحديد بسحر عرفة على كون الإتيان بها قبله أفضل من الإتيان بها بعده و هكذا الى ان يصل الى وقت الاجزاء- و هو قبل فوت الموقف- و اختاره الشيخ رحمه اللّه تعالى في التهذيب حيث انه بعد أن ذهب الى ان المتمتع بالعمرة إلى الحج تكون عمرته تامة إذا أدرك الموقفين قبل زوال الشمس من يوم عرفة و إذا زالت تفوته المتعة قال: (الا ان مراتب الناس تتفاضل بالفضل و الثواب، فمن أدرك يوم التروية عند زوال الشمس يكون ثوابه أكثر و متعته أكمل ممن لحق بالليل، و من أدرك بالليل يكون ثوابه دون ذلك و فوق من يلحق يوم عرفة الى بعد الزوال، و الاخبار التي وردت في أن من لم يدرك يوم التروية فقد فاتت المتعة المراد بها فوات الكمال الذي يرجوه بلحوقه يوم التروية و ما تضمنت من قوله: (و

يجعلها حجة مفردة) فالإنسان بالخيار في ذلك بين ان يمضي المتعة و بين ان يجعلها حجة مفردة إذا لم يخف فوات الموقفين و كانت حجته غير حجة الإسلام التي لا يجوز فيها الافراد مع الإمكان حيث ما بيناه و انما يتوجه وجوبها و الحتم على أن تجعل حجة مفردة إن غلب على ظنه أنه ان اشتغل بالطواف و السعى و الإحلال ثم الإحرام بالحج يفوته الموقفان، و مهما حملنا هذه الاخبار على ما ذكرنا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 20- من أبواب أقسام الحج حديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 242

لم يكن قد دفعنا شيئا منها). و اختاره ايضا صاحب المدارك «قدس سره» حيث أنه بعد أن نقل هذا القول من الشيخ «رحمه اللّه تعالى» قال: (و هو في غاية الجودة) و قال صاحب الجواهر و المراد تفاوت مراتب افراد المتعة في الفضل بمعنى أن أفضل أنواع المتمتع ان تكون عمرته قبل ذي الحجة، ثم يتلوه ما تكون عمرته قبل يوم التروية، ثم ما يكون قبل عرفة، ثم ما يمكن معها ادراك الموقفين، ثم من كانت فرضه التمتع يكتفي بإدراك الأخير منها. إلخ) و كيف كان يمكن ان يشهد لهذا الجمع بما في ذيل صحيحة إسماعيل بن بزيع المتقدم عند ذكر الطائفة السابعة من الاخبار و هو قوله «عليه السلام»: (أما نحن فإذا رأينا هلال ذي الحجة قبل ان نحرم فأتتنا المتعة)، فإن المراد بفوت المتعة عند رؤية هلال ذي الحجة انما هو أفضل الأفراد- كما هو واضح- لا فوت وقت المتعة لهم بمجرد رؤيتهم الهلال، و ذلك لجواز الإتيان بالعمرة التمتع في شهر ذي الحجة بلا اشكال و (فيه):

انه جمع بلا شاهد، فلا

يصار اليه. و أما صحيحة إسماعيل بن بزيع فلا يمكن جعلها شاهدا عليه، لاحتمال ان يكون المراد منه فوت وقت المتعة عند رؤية الهلال، لأجل اختصاص الامام (عليه السلام) بالإتيان بها قبل رؤية الهلال من ذي الحجة، فلا ينافي جواز الإتيان بها في شهر ذي الحجة لغير الامام.

و أما ما افاده الشيخ «رحمه اللّه تعالى» في التهذيب- من ان المراد بفوت المتعة إذا لم يدرك يوم التروية هو فوت الكمال (ففيه): أن ذلك لا يلائم الأمر بالعدول الى الافراد الذي هو حقيقة في الوجوب، و قد ذكرنا في الأصول ان الجملة الخبرية إذا وردت في مقام الطلب فهي آكد فيه.

ثم انه على فرض تسليم ذلك و القول بأن له الخيار بين ان يمضي المتعة و بين ان يجعلها حجة مفردة إذا لم يخف فوت الموقفين نقول: انه لا وجه للتخصيص بغير حجة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 243

الإسلام، لشمولها الاخبار، لإطلاق جميع الطوائف من الاخبار [1] (الثاني) حمل الاخبار على بيان ان للعمرة التمتع أوقاتا مختلفة- و هو طريق آخر لحملها على بيان مراتب الفضل 1- ما يكون وقتها الاضطراري- و هو بعد زوال الشمس من يوم عرفة الى ان يدرك المسمى من الوقوف.

2- ما يكون وقتها الاختياري و هو على قسمين: وقت الاجزاء و وقت الفضيلة.

أما (الأول): و هو وقت الاجزاء- فهو يوم عرفة ما قبل زوال الشمس.

و أما (الثاني):- و هو وقت الفضيلة فله مراتب:

1- ما يكون في الفضل الى زوال الشمس من يوم التروية.

2- إلى غروب الشمس من يوم التروية.

3- إلى سحر عرفة. و الشاهد له هو نفس اختلاف الروايات الواردة عنهم «عليهم السلام» في مقام التحديد نظير الجمع بين الروايات

المختلفة الواردة في التحديد في أوقات الصلاة. و لكن لا يخفى ما فيه، و ذلك لعدم إمكان جعل نفس الاختلاف شاهدا على الجمع و أما الجمع بين الاخبار المختلفة الواردة في التحديد في أوقات الصلاة فإنما كان لأجل بعض النصوص الخاصة فيصح هناك تلك الجمع و هذا بخلافه في مفروض المقام، لعدم الشاهد له من الاخبار فلا يصار اليه.

(الثالث)- حملها على اختلاف النّاس من جهة الوصول الى العرفات للوقوف بها- كما ذكره صاحب الجواهر «قدس سره»- لان بعض منهم لا يصل الى عرفات في أول

______________________________

[1] المؤلف: مضافا الى ان صحيح ابن الحجاج المتقدم في التحديد بيوم التروية مورده صرورة النساء فحجهن غير حجة الإسلام، لتصريح السائل فيه بذلك حيث قال: (ان بعض من معنا من صرورة النساء قد اعتللن فكيف نصنع) و اجابه الإمام «عليه السلام»: (بأنها تنظر ما بينها و بين التروية. إلخ).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 244

زوال الشمس من يوم عرفة إلا إذا خرج إليها من أول زوال الشمس من يوم التروية و منهم لا يصل إليها إلا إذا خرج إليها من غروب الشمس من يوم التروية و منهم لا يصل إليها إلا إذا خرج إليها من غروب يوم التروية و منهم لا يصل إليها إلا إذا خرج إليها في سحر عرفة و منهم لا يصل إليها إلا إذا خرج بعد صلاة الفجر من يوم عرفة و يكون حد العمرة هو ما يدرك فيه بعد الإتيان بالعمرة الوقوف بالعرفات. و (فيه) انه جمع بلا شاهد فلا عبرة به.

(الرابع)- حملها على التخيير. و (فيه): ما كان في سابقه، و يمكن ان يقال بالتخيير الأصولي و لكنه لم يلتزم به أحد من الأصحاب

«رضوان اللّه تعالى عليهم» في المقام و كيف كان فالمعارضة باقية على حالها و لكن حيث ان الروايات الدالة على التحديد بزوال الشمس معمولا بها عند الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و ان الظاهر منها هو خوف الواجب من الوقوف الاختياري بعرفات- و هو أول زوال الشمس من يوم عرفة الى غروبه- لتعين العمل بها و لكن الظاهر من الطائفة الأولى- الدالة على التحديد بخوف فوت الموقف- هو وجوب المسمى- كما ذكرنا لان الظاهر من خوف فوت الموقف هو فوته تماما.

و كيف ما كان و أما باقي الطوائف فلم يجرى العمل على طبقها الا الطائفتين منها:

(الأولى): هي الطائفة الثالثة من الاخبار المتقدمة- الدالة على تحديد المتعة إلى غروب يوم التروية- و لم يعمل بها الا الشيخ المفيد «قدس سره» في المقنعة على ما حكى عنه و الصدوق «رحمه اللّه تعالى في المقنع كما ذكرنا ذلك سابقا بعد ذكرها- (و الثانية) هي الطائفة السابعة من الاخبار- الدالة التحديد بزوال الشمس من يوم التروية- و لم يعمل بها أحد إلا ابن بابويه على ما حكى عنه فلأجل ذهاب جل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، الى خلافها فلا يبقى مجال للاعتماد عليها و أما الطوائف الأخر فلم يعمل بها أصلا-

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 245

كما أشرنا الى ذلك عند ذكرها فلا مجال للاعتماد عليها- كما لا يخفى فالعمدة هي الطائفتين الأولتين من الاخبار.

ثم انه بناء على القول بتعارض الروايات و تساقطها كان المرجع هو ما دل علي ان من أدرك المشعر فقد درك الحج و من فاته المشعر فقد فاته الحج فعليه التمتع الا ان لم يدرك المشعر، و ذلك لأنه إذا كان الإتيان بالعمرة موجبا لفوات

المشعر فإنه حينئذ غير متمكن من الحج التمتع- كما هو واضح- فينقلب حج تمتعه الى الافراد و الا فلا دليل على الانقلاب. و (فيه): انه لا يمكن الاستدلال بما دل على ان من أدرك المشعر فقد أدرك الحج في مفروض المقام و ذلك لوروده في صورة كون الوقت مضيقا في حد نفسه لا في صورة كون الإتيان بالعمرة موجبا للضيق- كما هو المفروض- فهو أجنبي عن المقام بل بناء على التساقط لا إشكال في فوت المتعة و الانقلاب الى الافراد إذا كان إتيانه بالعمرة موجبا لفوت الموقف، فإنه القدر المتيقن من اخبار الباب، لان القدر المتيقن منها هو انتهاء وقت العمرة إلى أول زوال الشمس من يوم عرفة، لثبوت التعارض بين الروايات في ما قبل الزوال من يوم عرفة الى أول زوال الشمس من يوم التروية. و أما في ما بعد الزوال من يوم عرفة فقد اتفقت الروايات على عدم جواز إتيان العمرة فيه.

ثم أن في مورد الانقلاب يكون القول بإجزاء الأفراد عن التمتع مشكلا و دلالة قوله عليه السلام: (لا شي ء عليه) في ذيل ما تقدم من حديث زرارة على ذلك بالإطلاق مشكلة كما لا يصح التمسك لذلك بالمرسل عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» عن المتمتع إذا فاتته عمرة المتعة أقام إلى هلال المحرم و اعتمر فأجزأت عنه مكان عمرة المتعة «1» فإنه يكفيه إرساله و أما الاستدلال بأن الإتيان بالحج المفرد واجب عليه بمقتضى ظاهر الأخبار و نضم ذلك الى ما دل على ان الحج انما يجب في العمر مرة واحدة فيستفاد الاجزاء (ففيه): ان

______________________________

(1) الوسائل: ج 21- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 246

ما دل على عدم وجوب الحج في العمر الإمرة واحدة انما هو بمقتضى طبيعته الأولية و لا ينافي ذلك وجوبه بعنوان آخر- كالنذر و اليمين و الشروع في الحج الموجب لإتمامه و لعل ما نحن فيه من هذا القبيل فتدبر- الا ان تقوم حجة تعبدية بالخصوص على الاجزاء

[مسألة 4 اختلفوا في الحائض و النفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر و إتمام العمرة و إدراك الحج]
[أحدها أن عليهما العدول إلى الافراد]

قوله قده: (اختلفوا في الحائض و النفساء إذا ضاق وقتهما عن الطهر و إتمام العمرة و ادراك الحج على أقوال: (أحدها): ان عليهما العدول الى الافراد و الإتمام ثم الإتيان بعمرة بعد الحج،. إلخ)

قال في المدارك في شرح قول المحقق «طاب ثراه»:

[و كذا الحائض و النفساء إذا منعهما عذرهما عن التحلل و إنشاء الإحرام بالحج لضيق الوقت عن التربص]: (هذا هو المشهور بين الأصحاب بل ادعى عليه العلامة في المنتهى الإجماع، و هذه عبارته: «إذا دخلت المرأة مكة متمتعة طافت و سعت و قصرت ثم أحرمت بالحج- كما يفعل الرجل سواء- فان حاضت قبل الطواف لم يكن لها ان تطوف بالبيت إجماعا لأن الطواف صلاة، و لأنها ممنوعة من الدخول في المسجد و تنتظر الى وقت الوقوف بالموقفين فان طهرت و تمكنت من الطواف، و السعى، و التقصير، و ان شاء الإحرام بالحج، و ادراك عرفة، صح لها التمتع، و ان لم تدرك ذلك- و ضاق عليها الوقت أو استمرها الحيض الى وقت الوقوف- بطلت متعتها و صارت حجتها مفردة، ذهب إليه علمائنا أجمع و نحوه قال في التذكرة)، و يدل على ذلك جملة من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام- منها:

1- صحيح جميل قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال «عليه السلام»: تمضى كما هي

الى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر، فتخرج الى التنعيم، فتحرم فتجعلها عمرة «1» قال ابن أبى عمير: (كما صنعت عائشة).

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 247

2- مصحح إسحاق بن عمار عن أبى الحسن «عليه السلام» سألته عن المرأة تجي ء متمتعة فتطمث قبل ان تطوف بالبيت حتى تخرج الى عرفات؟ قال (عليه السلام):

تصير حجة مفردة، قلت عليها شي ء؟ قال: دم تهريقه و هي دم أضحيتها «1» و رواه الصدوق بإسناده عن صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار مثله، الا انه قال: (تصير حجة مفردة و عليها دم أضحيتها).

3- صحيح إسماعيل بن بزيع- السابق- الذي تقدم ذكره عند الطائفة السابعة من الأخبار- الدالة على التحديد بزوال الشمس من يوم التروية- و يستفاد ذلك من بعض أخبار الآتية في هذه المسألة أيضا، و لكنه كما ترى لا يمكن استفادة لزوم الإتمام عليهما منها. نعم، يستفاد من بعضها الانقلاب و إتمام العمرة بعد الحج.

[الثاني أن عليهما ترك الطواف و إدراك الحج و قضاء طواف العمرة بعده]

قوله قده، (الثاني: ما من جماعة من ان عليهما ترك الطواف و الإتيان بالسعي،، ثم الإحلال و ادراك الحج، و قضاء طواف العمرة بعده فيكون عليهما الطّواف ثلاث مرات:

مرّة لقضاء طواف العمرة، و مرّة للحج، و مرّة للنساء،. إلخ)

حكى الشهيد الأول «قدس سره» هذا القول عن على بن بابويه و أبى الصلاح الحلبي و ابن الجنيد، و يدل عليه جملة من الاخبار- منها:

1- ما في الصحيح عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: المرأة المتمتّعة إذا قدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فإن طهرت طافت بالبيت وسعت، و ان لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت و احتشت

ثم سعت بين الصفاء و المروة ثم خرجت إلى منى، فإذا قضت المناسك و زار البيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فإذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شي ء يحل منه المحرم الا فراش زوجها، فإذا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 13

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 248

طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها «1» 2- خبر عجلان أبى صالح، قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: متمتعة قدمت مكة فرأت الدم كيف تصنع؟ قال: عليه السلام تسعى بين الصفاء و المروة. إلخ «2» [1] 3- رواية عجلان الأخرى أنه سمع أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: إذ اعتمرت المرأة ثم اعتلت قبل أن تطوف قدمت السعى و شهدت المناسك، فإذا طهرت و انصرفت من الحج قضت طواف العمرة و طواف الحج و طواف النساء. ثم أحلت من كل شي ء «3» 4- نحوهما رواية الثالثة، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»: عن متمتعته دخلت مكة فحاضت؟ قال «عليه السلام»: تسعى بين الصفاء و المروة، ثم تخرج مع الناس حتى تقضى طوافها بعده «4».

[الثالث التخيير بين الأمرين للجمع بين الطائفتين]

قوله قده: (الثالث ما عن الإسكافي و بعض متأخري المتأخرين من التخيير بين الأمرين للجمع بين الطائفتين بذلك)

صاحب المدارك (قده) بعد ما ذكر فيها ما رواه الكليني. عن عجلان صالح الدّال على القول الثاني و ناقش فيه بضعف السند قال: (و أوضح ما وقفت عليه في ذلك سندا و متنا ما رواه الكليني «رضوان اللّه تعالى عليه» عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبى عمير، عن حفص بن البختري عن العلاء بن صبيح،

و عبد الرحمن الحجاج، و على بن رئاب عن عبد اللّه بن صالح كلهم يروونه عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» ثم انه قدس سره، بعد ان ذكره قال: (و الجواب أنه بعد تسليم السند و الدلالة يجب الجمع بينها و بين الروايات السابقة المتضمنة للعدول الى

______________________________

[1] قد تقدم ذكره عند ذكر الطائفة السابعة من الاخبار الدالة على تحديد المتعة بزوال الشمس من يوم التروية فراجعه.

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 6

(3) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 3

(4) الوسائل ج 2- الباب- 84- من أبواب الطواف حديث: 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 249

الافراد بالتخيير بين الأمرين، و متى ثبت ذلك كان العدول أولى: لصحة مستنده، و صراحته و إجماع الأصحاب عليه، كما عرفت. إلخ) و لكن الجمع بينهما بالتخيير مما لا شاهد عليه، كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره فلا يصار اليه.

[الرابع التفصيل بين ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام أو كانت طاهرا حال الشروع]

قوله قده: (الرابع التفصيل بين ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام فتعدل أو كانت طاهرا حال الشروع فيه ثم طرء الحيض في الأثناء فتترك الطواف و تتم العمرة و تقضى بعد الحج اختاره بعض (بدعوى): أنه مقتضى الجمع بين الطائفتين)

اختاره صاحب الحدائق «قدس سره» حيث قال بعد ذكر الروايات، و الأقوال: (أقول:

و الأظهر في الجمع بين روايات المسألة هو ما دل عليه ما رواه في الكافي عن أبى بصير، قال:

سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: (في المرأة المتمتعة إذا أحرمت و هي طاهر ثم حاضت قبل تقضى متعتها سعت و لم تطف حتى تطهر ثم تقضى طوافها و قد قضت عمرتها، و

ان هي أحرمت و هي حائض لم تسع و لم تطف حتى تطهر) و على هذا فتحمل اخبار البقاء على المتعة و قضاء طواف العمرة بعد المناسك على ما إذا أحرمت و هي طاهر. إلخ) و يدل على ذلك ما في محكي كتاب الفقه الرضوي و إذا حاضت المرأة من قبل ان تحرم فعليها أن تحتشي إذ بلغت الميقات و تغتسل و تلبس ثياب إحرامها و تدخل مكة و هي محرمة و لا تدخل المسجد الحرام، فان طهرت ما بينها و بين يوم التروية قبل الزوال فقد أدركت متمتعا، فعليها ان تغتسل و تطوف بالبيت و تسعى بين الصفاء و المروة و تقضى ما عليها من المناسك، و ان طهرت بعد الزوال يوم التروية فقد بطلت متعتها فتجعلها حجة مفردة، و ان حاضت بعد ما أحرمت سعت بين الصفا و المروة و فرغت من المناسك كلها الا الطواف بالبيت فإذا طهرت قضت الطواف بالبيت و هي متمتعة بالعمرة إلى الحج، و عليها طواف الحج و طواف العمرة و طواف النساء.

[الخامس أنهما تستنيبان للطواف ثم تتمان العمرة و تأتيان بالحج]

قوله قده: (الخامس: ما نقل عن بعض من انها تستنيب للطواف ثم تتم العمرة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 250

و تأتى بالحج لكن لم يعرف قائله)

قال في الجواهر: (و أما ما يحكى عن بعض الناس من استنابتها من يطوف عنها فلم نعرف القائل به و لا دليله، بل مقتضى القواعد فضلا عن الأدلة خلافه. إلخ)

[و الأقوى هو القول الأول]

قوله قده: (و الأقوى من هذه الأقوال هو القول الأول: [أي وجوب العدول الى الأفراد و الإتمام ثم الإتيان بعمرة بعد الحج] للفرقة الاولى من الاخبار التي هي أرجح من الفرقة الثانية، لشهرة العمل بها دونها)

قد حقق في الأصول عدم حجية الشهرة العلمية و على فرض تسليم ذلك و ترجيحها على الفرقة الثانية من الاخبار نقول: انه لا يمكن استفادة لزوم الإتمام منها اللهم الا ان يكون المراد إتمام غير الطواف من الأعمال و لكنه كما ترى لا يستفاد ذلك من الفرقة الاولى من الاخبار بل يستفاد من الفرقة الثانية منها و المفروض انه «قدس سره» لم يعمل بها لترجيحه الاولى منها على الثانية فتأمل.

قوله قده: (و أما القول الثالث و هو التخيير فان كان المراد منه الواقعي بدعوى كونه مقتضى الجمع بين الطائفتين ففيه انهما يعدان من المتعارضين و العرف لا يفهم التخيير منهما و الجمع الدلالي فرع فهم العرف من ملاحظة الخبرين ذلك و ان كان المراد التخيير الظاهري العملي فهو فرع مكافئة الفرقتين و المفروض ان الفرقة الأولى أرجح من حيث شهرة العمل بها)

و لكن الذي يسهل الخطب هو إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عن الطائفة الثانية من الاخبار عدي النادر منهم، فلا تصلح لمعارضة الطائفة الاولى من الاخبار.

قوله قده: (و أما التفصيل المذكور فموهون بعدم

العمل مع ان بعض اخبار القول الأول ظاهر في صورة كون الحيض بعد الدخول في الإحرام. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» (أولا): من الوهن في التفصيل المذكور: [و هو ما إذا كانت حائضا قبل الإحرام فتعدل و ما إذا كانت طاهرا ثم طرء الحيض في الأثناء فتترك الطواف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 251

و تتم العمرة و تقضى بعد الحج] فهو متين، لانه لم ينقل الا من نادر من السابقين على ما نقل. و أما ما أفاده (ثانيا): من ظهور بعض اخبار القول الأول في صورة كون الحيض بعد الدخول في الحرم فهو ايضا كذلك، لما في صحيح إسحاق بن عمار قول السائل:

(سألته عن المرأة تجيى ء متمتعة) و من الواضح أن المراد منه انها تجيى ء إلى مكة متمتعة و من المسلم ان دخول المكة للمتمتع انما يكون بعد الإحرام. و كذا في صحيح ابن بزيع المتقدم عند ذكر الطائفة السابعة من الاخبار الدالة على تحديد المتعة بزوال الشمس من يوم التروية قول السائل: (المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحل)

قوله قده: (و أما القول الخامس: [و هو استنابتها لطوفها] فلا وجه له و لا له قائل معلوم)

لا ينبغي الإشكال في ذلك لأن النيابة كما ذكرنا مرارا خلاف الأصل، فلا يصار إليها إلا إذا قام دليل تعبدي على جوازها، و الظاهر انه لم يرد دليل في المقام على جواز الاستنابة فالمرجع في مفروض المقام هو الاخبار المتقدمة.

قوله قده: (إذا حدث الحيض و هي في أثناء طواف عمرة التمتع، فان كان قبل تمام أربعة أشواط بطل طوافها على الأقوى و حينئذ ان كان الوقت واسعا أتمت عمرتها بعد الطهر و الا فلتعدل الى حج الافراد و

تأتي بعمرة مفردة بعده و ان كان بعد تمام أربعة أشواط فتقطع الطواف و بعد الطهر، تأتى بالثلاثة الأخرى و تسعى و تقصر مع سعة الوقت و مع ضيقه تأتى بالسعي و تقصير ثم تحرم للحج و تأتي بأفعاله ثم تقضى بقية طوافها قبل طواف الحج أو بعده ثم تأتي ببقية أعمال الحج و حجها صحيح تمتعا)

ما أفاده «قدس سره» (أولا): من بطلان طوافها إذا حدث لها الحيض قبل تمام أربعة أشواط:

فالظاهر أنه المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لم ينقل الخلاف الا من الصدوق لصحيح محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن امرأة طافت ثلاثة أطواف ثم رأت دما قال «عليه السلام»: تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت بقيته

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 252

و اعتدت بما مضى «1» و لكنه لا تقاوم الأخبار الآتية الدالة على بطلان الطواف إذا حدث الحيض قبل أربعة أشواط بعد جرى العمل على طبقها و لم يلتزموا الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» العمل بمقتضاه الا الصدوق «قدس سره» على ما حكى عنه فلأجل ذهاب جل الأصحاب إلى خلافه لا يبقى مجال للاعتماد عليه.

و صاحب الجواهر «قدس سره» بعد ما ذكر الأخبار الدالة على صحة المتعة إذا حدث الحيض بعد أربعة أشواط و. قال: (لا ريب في عدم مقاومة الخبر المزبور لغير ما سمعت من وجوه، فمن هنا: كان المتجه حمله على طواف النافلة الذي ستعرف فيما سيأتي جواز البناء فيه على الأقل من الأربع، و ما أبعد ما بينه و بين المحكي عن ابن إدريس من بطلان متعتها بعروض الحيض في أثناء الطواف و لو بعد الأربع، و كأنه مال اليه

صاحب المدارك «قدس سره» لامتناع إتمام العمرة المقتضي، لعدم وقوع التحلل. و لإطلاق صحيح محمد بن إسماعيل [1] و غيره الا انه- كما ترى- اجتهاد في مقابلة النصوص السابقة المعتضدة بالنصوص العامة التي لا يعارضها الإطلاق المزبور المنزل على عروض الحيض قبل حصول الطواف، و لقد أطنب في المنتهى في نقل القولين المزبورين و دليلهما، ثم جعل الإنصاف التوسط بين القولين.)

و أما ما أفاده «قدس سره» (ثانيا): «من أنه إذا حدث الحيض بعد أربعة أشواط فتقطع الطواف فهو ايضا مما لا اشكالا فيه و ذلك للحدث المانع عن صحته. و أما ما أفاده (ثالثا): من انها بعد الطهر تأتى بالثلاثة الأخرى فهو معروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا. قال المحقق (طاب ثراه) في الشرائع: (و لو تجدد العذر

______________________________

[1] «قال: سألت أبا الحسن الرضا [عليه السلام] عن المرأة تدخل مكة متمتعة فتحيض قبل ان تحلى منى تذهب متعتها» ذكرها صاحب المدارك «قدس سره» فيها

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 85- من أبواب الطواف حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 253

و قد طافت أربعا صحت متعتها و أتت بالسعي و بقية المناسك و قضت بعد طهرها ما بقي من طوافها و إذا صح التمتع سقطت العمرة المفردة) قال في المدارك: (ما اختاره المصنف «رحمه اللّه تعالى» من صحة المتعة إذا تجدد العذر بعد الأربع هو المشهور بين الأصحاب ذهب اليه الشيخان و الصدوقان و ابن زهرة و ابن البراج و غيرهم) قال في الجواهر: (كما هو مقتضى إطلاق الأدلة على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، لعموم ما دل على إحراز الطواف بإحراز الأربع منه و خصوص النصوص).

و استدلوا له بما رواه الشيخ

عن أبي إسحاق صاحب اللؤلؤ قال: حدثني من سمع أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: في المرأة المتمتعة إذا طافت بالبيت أربعة أشواط ثم حاضت فمتعتها تامة و تقضى ما فاتها من الطواف بالبيت «1» و بما رواه سعيد الأعرج قال: سأل أبو عبد اللّه «عليه السلام»: عن امرأة طافت بالبيت أربعة أشواط و هي معتمرة ثم طمثت، قال: تتم طوافها و ليس عليها غيره و متعتها تامة و لها ان تطوف بين الصفاء و المروة، و ذلك لأنها زادت على النصف و قد مضت متعتها و لتستأنف بعد الحج «2» و بهذا الاسناد عن إبراهيم بن أبي إسحاق عمن سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) مثله الا انه قال: (و ليس عليها عمرة) و رواه الصدوق كما مر.

و لكن ناقش فيهما صاحب المدارك (قدس سره) بالإرسال حيث قال بعد ما ذكرهما فيها: (و في الروايتين قصور من حيث السند بالإرسال) مضافا الى ان ما تضمنه سعيد الأعرج من قوله: (تتم طوافها و ليس عليها غيره) لا بد من توجيهها، لانه لا معنى لذلك بعد صيرورتها حائضا، و كيف كان تحقيق الكلام في هذه المسألة و بيان ما هو المختار سيأتي في مبحث الطواف (ان شاء اللّه تعالى)

قوله قده: (و كذا الحال إذا حدث الحيض بعد الطواف و قبل صلاته)

هذا هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 86- من أبواب الطواف حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 86- من أبواب الطواف حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 254

المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا. و في الجواهر:

(لو عرض لها الحيض بعد قضاء الطواف اجمع قبل صلاة ركعتين فان متعتها صحيحة لأولويتها من

الصورة الأولى) قال في المدارك: (و لو حاضت بعد الطواف و قبل صلاة الركعتين فقد صرح العلامة و غيره بأنها تترك الركعتين و تسعي و تقصر فإذا فرغت من المناسك قضتهما) يمكن الاستدلال لذلك بصحيح ابى الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثم حاضت قبل ان تصلى الركعتين؟ قال (عليه السلام): إذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام إبراهيم (عليه السلام) و قد قضت طوافها «1».

و بمضمر زرارة قال: سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلى الركعتين؟ فقال: ليس عليها إذا طهرت الا الركعتين و قد قضت الطواف «2» و استدل في المنتهى علي الحكم المزبور بصحيح ابى الصباح. ثم ان صاحب المدارك (قدس سره) بعد ما ذكر صحيح الكناني قال: (و في الدلالة نظر و في الحكم اشكال) قال في الجواهر:

(نعم لا دلالة فيهما على جواز فعل بقية أفعال العمرة ثم الإحلال فيها ثم قضاء الركعتين بعد ذلك مع السعة فالأحوط حينئذ و الاولى انتظارها الطهر مع السعة و لكن قد اتضح دليل الحكم في الفرض الأول).

يمكن ان يكون وجه النظر الذي في كلام صاحب المدارك في الدلالة و هو ما أفاده صاحب الجواهر من انه لا دلالة فيهما على جواز فعل بقية أفعال العمرة. و يمكن ان يكون وجه الاشكال هو عدم الموجب للخروج عما دل على اعتبار الترتيب و لكنه كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- قد اتضح دليل الحكم في الفرض المزبور و لكن التعدي عن الصورة السابقة إلى مفروض المقام لا يخلو من تأمل و كيف كان سيتضح لك تحقيق ذلك و بيان المختار في مبحث الطواف (أن

شاء اللّه تعالى)

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 88- من أبواب الطواف حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 88- من أبواب الطواف حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 255

الفصل العاشر في المواقيت

اشارة

قوله قده: (و هي الواضع المعينة للإحرام أطلقت عليها مجازا أو حقيقة متشرعة [1] و المذكور منها في جملة من الأخبار خمسة)

لا بأس بذكر الأخبار الدالة على انها خمسة- منها:

1- صحيح الحلبي قال: قال أبو عبد اللّه (عليه السلام): الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لا ينبغي لحاج و لا معتمر ان يحرم قبلها و لا بعدها [وقت لأهل المدينة: ذا الحليفة و هو مسجد الشجرة يصل فيه و يفرض الحج- و وقت لأهل الشام: الجحفة- و وقت لأهل نجد: العقيق- و وقت لأهل الطائف: قرن المنازل- و وقت لأهل اليمن: يلملم-] و لا ينبغي لأحد ان يرغب مواقيت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله «1» و رواه الصدوق بإسناده عن عبيد اللّه بن على الحلبي مثله الا انه قال: (و هو مسجد الشجرة كان يصلى فيه و يفرض الحج فإذا خرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حين يحاذي الميل الأول أحرم).

______________________________

[1] المواقيت: و هي جمع ميقات، و هو الوقت المضروب للفعل و الموضع، يقال: هذا ميقات أهل الشام الموضع الذي يحرمون منه قاله الجواهري. و في القاموس: «الوقت المقدار من الدهر و أكثر ما يستعمل في الماضي- كالميقات- ثم قال: «و ميقات الحاج مواضع إحرامهم» و ظاهرهما- كما ترى- ان استعماله في المواضع المذكورة على وجه الحقيقة. اللهم الا ان يكون المراد منه هو حقيقة متشرعة. و كيف ما كان ما أفاده الجوهري و القاموس

مخالف لما صرح به غيرهما.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 256

2- صحيح أبي أيوب الخزاز، قال: قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): حدثني عن العقيق أ وقت وقته رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أو شي ء صنعه الناس؟ فقال:

ان رسول اللّه وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و وقت لأهل المغرب الجحفة،- و هي عندنا مكتوب مهيعة- و وقت لأهل اليمن يلملم، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت «1» و رواه الصدوق في العلل عن أبيه عن على بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان بن يحيى عن أبي أيوب مثله الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم عليهم السلام.

قوله قده: (و في بعضها ستة)

كصحيح معاوية بن عمار، عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من تمام الحج و العمرة ان تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لا تجاوزها الا و أنت محرم، فإنه وقت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق بطن العقيق من قبل أهل العراق «و وقت لأهل اليمن يلملم، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل المغرب الجحفة- و هي مهيعة- و وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فوقته منزله «2» و رواه الصدوق

______________________________

- قال في نهاية ابن الأثير: «قد تكرر ذكر التوقيت و الميقات في الحديث، و التوقيت و التأقيت أن يجعل للشي ء وقت يختص به، و هو بيان مقدار المدة يقال: وقت الشي ء يوقته و وقته يقته إذا بين حده ثم اتسع فيه، فأطلق

على المكان فقيل: الموضع ميقات، و هو مفعال منه، و أصله موقات فقلبت الواو ياء، لكسر الميم.

و قال في كتاب المصباح المنير ايضا: «الوقت مقدار من الزمان مفروض لأمر ما و كل شي ء قدرت له حينا فقد وقته توقيتا، و كذلك ما قدرت له غاية، و الجمع أوقات، و الميقات: الوقت و الجمع مواقيت، و قد أستعير الوقت للمكان، منه مواقيت الحج مواضع الإحرام».

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 257

في العلل عن أبيه عن سعد بن عبد اللّه عن أيوب بن نوح عن صفوان مثله.

قوله قده: (و لكن المستفاد من مجموع الاخبار ان المواضع التي يجوز الإحرام منها عشرة)

لا ينبغي الإشكال في ذلك و عليه فتوى الفقهاء قديما و حديثا و لا بد من الأخذ بجميع الاخبار لعدم الاختلاف بينها فإن أخبار الخمسة مثلا لا تنفى غيرها و هكذا باقي الأخبار. و أما المكان الذي لم يتعين له ميقات فلا بد لأهله إما من المرور من طرق البلاد التي تعين لأهلها ميقات، و إما أن يحرموا من المحاذي بناء على كفاية المحاذاة، و سيجي ء البحث عن ذلك إنشاء اللّه تعالى. ثم، أن المعتبر في تعيين الميقات هو العلم و لا يكفى الظن، لعدم دليل على اعتباره فلا بد من حصول العلم و طريق حصوله منحصر في أمرين: التواتر، و دلالة من جانب المعصوم «عليه السلام».

[أحدها ذو الحليفة و هي ميقات أهل المدينة]

قوله قده: (أحدها ذو الحليفة [1] و هي ميقات أهل المدينة و من يمر علي طريقهم، و هل هو مكان فيه مسجد الشجرة أو نفس المسجد؟ قولان)

قد اختلفت عبارات الفقهاء

«قدس اللّه تعالى أسرارهم» في تعيين الميقات المزبور، ذهب المحقق طاب ثراه في الشرائع إلى كون ميقاتهم هو مسجد الشجرة، حيث قال: (و لأهل المدينة مسجد

______________________________

[1] في القاموس: «ذو الحليفة» موضع على ستة أميال من المدينة، و هو ماء لبني جشم و في الصحاح: «انه موضع». و في تحرير النووي: «بضم الحاء المهملة، و فتح اللام، و بالفاء، على ستة أميال من المدينة، و قيل: سبعة و قيل: أربعة، و من مكة نحو عشر مراحل، و نحوه منه في تهذيبه.

في مصباح المنير: «ماء من مياه بنى جشم ثم سمى به الموضع، و هو ميقات أهل المدينة نحو مرحلة منها، و يقال: على ستة أميال، قلت: و يقال على ثلاثة، و يقال: على خمسة و نصف، و في المبسوط و التذكرة: «انه مسجد الشجرة، و انه على عشرة مراحل مكة، و عن المدينة ميل و وجه بأنه ميل الى منتهى الأمارات في وادي العقيق التي ألحقت بالمدينة».

و قال فخر الإسلام في شرح الإرشاد: «و يقال: لمسجد الشجرة ذو الحليفة و كان قبل الإسلام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 258

الشجرة) و قد نسبه غير واحد الى القواعد و النافع و الجامع. و ذهب بعض آخر منهم الى كون ميقاتهم هو ذو الحليفة، و هو المحكي عن المقنعة و غيرها، و لكن عن المعتبر و المهذب و كتب الشيخ و الصدوق و القاضي و سلار و ابني إدريس و زهرة و التذكرة و المنتهى و التحرير انه ذو الحليفة و أنه مسجد الشجرة، بل عن ابن زهرة منهم: الإجماع على ذلك، على ما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره» و المنشأة اختلاف لسان الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»

في بيان هذا الميقات، فإنها على طوائف:

(الأولى): ما دلت على ميقات أهل المدينة: ذو الحليفة من دون أن تفسرها بشي ء و هي: 1- صحيح أبي أيوب الخزاز المتقدم، قال «عليه السلام» فيه: (وقت لأهل المدينة: ذو الحليفة) «1» و لم تفسره بشي ء. 2- صحيح معاوية ابن عمار قال «عليه السلام» فيه أيضا: (وقت لأهل المدينة ذو الحليفة) «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام».

(الثانية): ما دلت على ان ميقاتهم ذو الحليفة و لكن فسرت بها بالشجرة و هي:

1- صحيح على ابن رئاب قال: سألت أبى عبد اللّه «عليه السلام»: عن الأوقات التي وقتها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) للناس؟ فقال «عليه السلام»: أن رسول اللّه

______________________________

اجتمع فيه ناس و تحالفوا» و نحوه في التنقيح، و قيل: الحليفة تصغير الحلفة بفتحات واحدة الحلفاء و هو النبات المعروف و ينص على ستة أميال صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال: من اقام بالمدينة شهرا، و هو يريد الحج، ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله و سلم) كان من أهل المدينة و وقته من ذي الحليفة و انما كان بينهما ستة أميال.

و قال السمهودي في خلاصة الوفاء: «و قد اختبرت فكان من عتبة باب المسجد النبوي المعروف بباب السلام إلى عتبة مسجد الشجرة بذي الحليفة تسعة عشر الف ذراع و سبعمائة ذراع و اثنان

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 259

(صلى اللّه عليه

و آله): وقت لأهل المدينة: ذو الحليفة، و هي الشجرة. إلخ) «1» (الثالثة): ما دلت على ان ميقاتهم ذو الحليفة، و لكنها قد فسرت فيها بمسجد الشجرة، و هي: 1- صحيح الحلبي المتقدم قال «عليه السلام» فيه: (وقت لأهل المدينة ذو الحليفة، و هو مسجد الشجرة «2» و ما في الأمالي، قال: أن رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) وقت لأهل العراق العقيق، و وقت لأهل الطائف قرن المنازل، و وقت لأهل اليمن يلملم، و لأهل الشام المهيعة: و هي الجحفة، و لأهل المدينة ذو الحليفة، و هو مسجد الشجرة «3» و ما في كتاب المقنع قال: وقت رسول اللّه لأهل الطائف قرن المنازل. الى ان قال:

وقت لأهل المدينة ذو الحليفة و هو مسجد الشجرة. إلخ «4» (الرابعة): ما دلت على ان الميقات هو الشجرة- منها:

1- خبر على بن جعفر عن أخيه قال: سألته عن المتعة في الحج من أين إحرامها و إحرام الحج؟ قال: وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لأهل العراق من العقيق،

______________________________

و ثلاثون ذراعا و نصف ذراع». قال: العلامة (قدس سره) في المنتهى: «ان ذا الحليفة أبعد المواقيت إلى مكة المكرمة، قيل: ان المسافة بين ذي الحليفة و بين مكة المكرمة تقرب: (أربعمائة و أربعة و ستون) كيلو مترا، و هي بينها و بين المدينة المنورة تقرب: «سبعة» كيلو مترا.

و التحقيق أنه لا يترتب على هذا الاختلاف اثر، لكون المسجد معروفا عند المترددين من صدر الإسلام إلى زماننا هذا و صاحب الجواهر «قدس سره» بعد ما ذهب الى ان ميقات أهل المدينة هو مسجد الشجرة قال: و على كل حال فقد ظهر لك على المختار ان المدار البقعة الخاصة

من ذي الحليفة أو هو ذو الحليفة و هي معروفة على وجه لا شك فيها الى زماننا هذا، فان مسجد الشجرة معلوم عند المترددين، فالاطناب في البحث عن ذي الحليفة و انه موضع على ستة أميال عن المدينة، و هو ماء لبني جشم كما عن القاموس. الى ان قال: لا فائدة فيه الآن، لما عرفته من معلومية مسجد الشجرة».

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 7

(2) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 11

(4) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 12

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 260

و لأهل المدينة و من يليها من الشجرة، و لأهل الشام و من يليها من الجحفة، و لأهل الطائف من قرن المنازل، و لأهل اليمن من يلملم، فليس لأحد ان يعدوا من هذه المواقيت الى غيرها «1» 2- صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال، فيكون حذاء الشجرة من البيداء «2» 3- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» من أين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال «عليه السلام»: من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلا محرما «3».

هذا و الطائفة الثانية و الرابعة مجملة، حيث ان من الواضح عدم كون المراد منها هو ان الميقات نفس الشجرة بأن يجب الصعود إليها للإحرام، فيدور الأمر بين ان يكون المراد منه هو كون الميقات المسجد الذي فيه الشجرة، فحينئذ تنطبق

على الطائفة الثالثة من الاخبار و بين ان يكون المراد منه قطعة مخصوصة من الأرض التي فيها المسجد فحينئذ تنطبق على الطائفة الاولى. و الحاصل: ان العمدة هي الطائفة الاولى و الثالثة، و نقول في مقام الحج يجعل الطائفة الثالثة مفسرة للطائفة الأولى، أو حاكمة عليها، فينتج ان ميقات أهل المدينة هو نفس مسجد الشجرة و (بعبارة اخرى): ان ما فسر ذي الحليفة بالمسجد (تارة) يعتبر من باب التعبد و التنزيل، فيكون حاكما على الطائفة الاولى. و (اخرى): يكون اخبارا عن المسمى الخارجي فيكون دليلا على ان ذا الحليفة اسم للمسجد و ليس بأعم حتى يحتاج الى التعبد و الحكومة.

قوله قده: (الأقوى هو أن الإحرام من خارج المسجد و لو اختيارا، و ان قلنا ان وا الحليفة هو المسجد، و ذلك لان مع الإحرام من جوانب المسجد يصدق الإحرام منه عرفا، إذ فرق بين الأمر بالإحرام من المسجد أو بالإحرام فيه)

ما افاده المصنف

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث 9

(2) الوسائل ج 2 الباب- 7- من أبواب المواقيت حديث 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 261

«قدس سره» من صدق الإحرام من المسجد عرفا إذا أحرم من جوانبه ممنوع جدا الا من باب المسامحة في التطبيق التي ليست بحجة على ما قرر في محله.

قوله قده: (هذا مع إمكان (دعوى): ان المسجد حد للإحرام فيشمل جانبيه مع محاذاته، و ان شئت فقل: المحاذاة كافية و لو (مع القرب مع الميقات)

ما أفاده «قدس سره» يرجع الى ان المراد من كون المسجد الميقات هو كونه موضعا لاحرامهم منه بلحاظ بعده عن مكة، فجميع ما يحاذيه

من المواضع المساوية له في ذلك يجوز الإحرام منها و لكن الحق ان هذه الدعوى مما لا دليل عليها بل هي خلاف ظاهر الاخبار المتقدمة الدالة على لزوم صيرورته محرما من المسجد و استفادة ذلك من لفظ: (من) الواقع في الأخبار المتقدمة عرفا ممنوعة. نعم، بناء على القول بكفاية المحاذاة، لما سيأتي من صحيحتي ابن سنان، و بناء على القول بعدم اختصاص ذلك بصورة البعد عن المسجد ايضا يتم حينئذ ما أفاده المصنف (قدس سره) و صح الإحرام من جانبي المسجد، لكن الظاهر ان حديث المحاذاة مختص بالبعيد عن الميقات، فتدبر.

قوله قده: (الأقوى عدم جواز التأخير إلى الجحفة: و هي ميقات أهل الشام اختيارا. نعم، يجوز مع الضرورة- لمرض أو ضعف أو غيرهما من الموانع- إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا، و يدل عليه مضافا الى الاخبار المتقدمة في صدر المبحث المتضمنة: ان مسجد الشجرة ميقات أهل المدينة الظاهرة في تعيين مسجد الشجرة ميقاتا لهم الأخبار الواردة في المقام- منها:

1- رواية إبراهيم عن عبد الحميد عن أبى الحسن موسى «عليه السلام» قال:

سألته عن قوم قدموا المدينة فخافوا كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة، فأرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها؟ قال: «عليه السلام» لا، و هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 262

مغضب: من دخل المدينة فليس له ان يحرم الا من المدينة «1» 2- خبر أبى بصير عبد اللّه (عليه السلام): خصال عابها عليك أهل مكة قال:

و ما هي؟ قلت: قالوا: أحرم من الجحفة و رسول اللّه، «صلى اللّه عليه و آله» أحرم من الشجرة، فقال: الجحفة أحد الوقتين فأخذت بأدناهما و كنت

عليلا «2».

3- خبر أبى بكر الحضرمي قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: اني خرجت بأهلي ماشيا فلم أهل حتى أتيت الجحفة و قد كنت شاكيا فجعل أهل المدينة يسألون عني فيقولون:

لقيناه و عليه ثيابه و هم لا يعلمون، و قد رخص رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لمن كان مريضا أو ضعيفا أن يحرم من الجحفة «3». الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و أنت ترى دلالتها على عدم جواز التأخير من دون ضرورة. و لكنه ذهب بعض الى جواز الإحرام من الجحفة اختيارا و هو خيرة الجعفي على ما حكاه صاحب المدارك «قدس سره» و استدل لذلك بعدة اخبار- منها:

1- صحيحة على بن جعفر، عن أخيه موسى «عليه السلام» قال سألته عن إحرام أهل الكوفة و أهل خراسان و ما يليهم و أهل الشام و مصر من اين هو؟ قال: اما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق، و أهل المدينة من ذي الحليفة، و الجحفة و أهل الشام و مصر من الجحفة، و أهل اليمن من يلملم، و أهل السند من البصرة يعني ميقات أهل البصر «4» 2- صحيح معاوية بن عمار انه سأل أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل من أهل المدينة أحرم من الجحفة؟ فقال «عليه السلام»: لا بأس «5»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 8- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث: 4

(3) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث: 5

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 5

(5) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص:

263

3- صحيح الحلبي، سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» من اين يحرم الرجل إذا جاوز الشجرة؟ فقال «عليه السلام»: من الجحفة و لا يجاوز الجحفة إلا محرما «1» فحينئذ- كما ترى- تقع المعارضة بينهما يمكن الجمع بينهما بحمل الأخبار الدالة على تعيين مسجد الشجرة ميقاتا لأهل المدينة على الأفضلية، فيحكم بجواز تأخير الإحرام لهم إلى الجحفة بدون ضرورة، و لكن الأفضل ان يحرموا من مسجد الشجرة. و (فيه): انه جمع بلا شاهد فلا عبرة به. و لكن يمكن ان يقال في مقام الجمع بينهما بحمل الطائفة الثانية الدالة على جواز الإحرام من الجحفة على صورة الاضطرار، فحينئذ تصير النتيجة انه لا يجوز لهم التأخير إلى الجحفة إلا في حال الضرورة، وفاقا لصاحب الجواهر «قدس سره» حيث قال فيها:

(ان الذي يقتضيه الجمع بين ذلك: [اى الاخبار الدالة على جواز الإحرام من الجحفة مطلقا]. و بين ما يفهم من الرخصة في خبر ابى بكر الحضرمي بل و قوله في خبر ابى بصير:

«و كنت عليلا» المؤيدين بفتوى المعظم هو اختصاص ذلك بالحال المزبور الموافق لقاعدة الاحتياط، بل يقوى الظن بإرادة بيان أصل مشروعية الإحرام منها و انها أحد المواقيت في الجملة في النصوص المزبورة فلا معارضة حينئذ. إلخ) ثم انه لا يخفى ان الروايات الدالة على عدم جواز التجاوز من الميقات الا محرما لا يستفاد منها الا الحكم التكليفي- و هو وجوب الإحرام عند المرور عليه- فإذا تجاوز منه بدون إحرام عصى ثم انه بناء على ثبوت ميقاتين اختياريين لأهل قطر فلا كلام في حرمة المرور منهما على أهل ذلك القطر بلا إحرام إنما الكلام في حرمة المرور عليهم بلا إحرام من الميقات الأول يمكن ان يقال

بعدم حرمته: لعدم كونهما ميقاتا عرضا بل الميقات هو أحدهما على البدل على نحو صرف الوجود، فحينئذ إذا ترك الإحرام منهما فهو حرام مسلما، و الا فلا، و ذلك لحصول امتثال الأمر بالإحرام من الميقات بصرف الوجود

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 264

منه بلا فرق بين حصوله من الأول أو الثاني- كما هو واضح- و اما ما دل على النهي عن المرور من الميقات بلا إحرام فيمكن أن يقال بعدم شموله المقام، و ذلك لعدم صدق التجاوز بلا إحرام في ما نحن فيه الا إذا تجاوز عن كليهما (أى الميقاتين) كذلك و أما إذا خرج من أحدهما بلا إحرام و أحرم من الأخر فلا.

و لكن يمكن المناقشة فيه: بأن لفظ الميقات صار في العرف علما لتلك الأماكن و كذلك شرعا، فعليه يحكم بحرمة المرور على الميقات الأول بلا إحرام و لو أحرم من الميقات الثاني، و ذلك لصدق انه جاوز من الميقات بلا إحرام عرفا في مفروض المقام كصدق ذلك على من كان له ميقات واحد و تجاوز منه بلا إحرام. نعم، يجزيه الإحرام من الميقات الثاني و ان حصل له الإثم بتركه الإحرام من الميقات الأول.

و لكن يمكن ان يقال: ان هذا أنما يتم إذا كان النهى عن المرور من الميقات بلا إحرام نفسيا و أما بناء على القول بكونه إرشادا الى ان اللازم في الحج لمن اراده هو لزوم الإحرام من الميقات فلا مانع له حينئذ ان يأخر الإحرام من الميقات الأول ثم الإحرام من الميقات الثاني بدون حصول العصيان من ذلك، و يمكن ان يقال: ان الظاهر كونه إرشادا اليه، و

ذلك للقاعدة المعروفة: (و هي أنه في المركبات الارتباطية ينعكس الظهور فيكون الأمر بإتيان شي ء في شي ء ظاهرا في الإرشاد إلى الجزئية و النهى عن الإتيان بشي ء في شي ء ظاهرا في الإرشاد إلى المانعية، فعليه ليس الأمر بالإحرام من الميقات امرا مولويا، و كذلك ليس النّهى عنه نهيا نفسيا بل الظّاهر من النهى هنا إرشاد إلى جزئية الإحرام للحج و مانعية ترك الإحرام له، و هذا المعنى جار في جميع الأوامر و النواهي الواردة في مقام بيان ماهيات المخترعة. و لكن يمكن المناقشة فيه: بأنه لا ربط للمقام بتلك القاعدة لعدم كون المقام من قبيل المركبات الارتباطية، لأنه لا ربط للنهى عن التجاوز من الميقات الا محرما بأصل ماهيّة الحج فالنهي عن المرور نفسي و توجب مخالفته الإثم و لكن يمكن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 265

ان يقال ان التنظير انما يتم بناء على القول بجزئية الإحرام للحج و اما بناء على القول بشرطية له فلا، فيجوز له التأخير إلى الميقات الثاني بلا حصول عصيان منه و لكنه لا يخلو من تأمل.

قوله قده: لكن قد خصها بعضهم بخصوص المرض و الضعف، لوجودهما في الاخبار، فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات و الظاهر ارادة المثال فالأقوى جوازه مع الضرورة. إلخ)

و المراد من البعض هو صاحب الجواهر «قدس سره» حيث انه يستفاد التخصيص بصورة المرض و الضعف بما أفاده في ذيل المبحث بقوله: (و كيف كان فهذا ميقاتهم مع الاختيار و أما عند الضرورة التي هي المرض و الضعف فالجحفة) و كيف كان الأقوى في النظر هو الاقتصار على المرض و الضعف لقوله «عليه السلام» في خبر أبى بكر الحضرمي المتقدم: (و قد رخص رسول اللّه

«صلى اللّه عليه و آله» ذلك لمن كان مريضا أو عليلا «1» فلا يلحق بهما غيرهما من الضرورات الأخر، خلافا لما افاده المصنف (قده) و وفاقا لما يستفاد من ظاهر كلام صاحب الجواهر (قدس سره) و ذلك لاحتمال خصوصية فيهما. فلا بد من الاقتصار على المورد. نعم، يمكن التعدي عن المورد الى غيره إذا حصل القطع بالمناط، أو قام دليل تعبدي على جواز التسرية، و لكن كلاهما غير حاصلان. اما (الأول): فلعدم إمكان حصوله في الشرعيات بعد الالتفات إلى قضية أبان، و غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و لا دليل على اعتباره. و أما (الثاني): فلعدم ثبوته في المقام ظاهرا فتسرية الحكم من المورد الى غيره قياس، و هو ليس من مذهب أهل الحق «فتأمل».

قوله قده: (يجوز لأهل المدينة و من أتاها العدول الى ميقات آخر- كالجحفة أو العقيق- فعدم جواز التأخير إلى الجحفة انما هو إذا مشى من طريق ذي الحليفة. إلخ)

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب المواقيت حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 266

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم). قال في المدارك: (و انما يتوقف التأخير على الضرورة على القول به مع مروره على ذي الحليفة، فلو عدل ابتداء عن ذلك الطريق جاز و كان الإحرام من الجحفة اختياريا) قال صاحب الجواهر: (ثم لا يخفى عليك ان الاختصاص بالضرورة مع المرور على الميقات الأول، فلو عدل عن طريقه و لو من المدينة ابتداء جاز، و أحرم منها اختيارا، لأنها أحد الوقتين يمكن ان يقال بعدم جواز العدول الى ميقات آخر لأهل المدينة و من أتاها، و ذلك لخبر عبد الحميد المتقدم ذكره قال فيه: (انه

سأل الكاظم (عليه السلام) عن قوم قدموا المدينة فخافهم كثرة البرد و كثرة الأيام يعني الإحرام من الشجرة، فأرادوا ان يأخذوا منها الى ذات عرق فيحرموا منها؟ قال (عليه السلام): لا و هو مغضب من دخل المدينة فليس له الا ان يحرم الا من المدينة «1» و هو- كما ترى- ظاهر في عدم جواز العدول الى ميقات آخر لأهل المدينة و من أتاها. و لكن المصنف (قدس سره) في ذيل المسألة نزله على الكراهة، تبعا لصاحب الجواهر. و لكن العمدة هو ضعف سنده فلا يصار اليه- كما أفاده صاحب المدارك «قدس سره».

قوله قده: (الحائض تحرم خارج المسجد على المختار، و يدل عليه- مضافا الى ما مر- مرسلة يونس في كيفية إحرامها و لا تدخل المسجد و تهل بالحج بغير صلاة. إلخ)

يشير «قدس سره» بها الى ما رواه محمد بن يحيى، عن احمد بن محمد، عن ابن فضال عن يونس بن يعقوب قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الحائض تريد الإحرام؟

قال: تغتسل و تستثفر و تحتشي بالكرسف، و تلبس ثوبا دون ثياب إحرامها و تستقبل القبلة، و لا تدخل المسجد، و تهل بالحج بغير صلاة «2» و الظاهر من قوله «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 8 من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2 الباب- 48- من أبواب الإحرام حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 267

و تهل بالحج. إلخ) هو ورودها في إحرام الحج فعليه لا ربط لها بالمقام كي يتم استدلال المصنف بها في المقام. اللهم الا ان يقال: ان العمرة جزء من الحج- كما بيناه سابقا- (فتصح ان يقال انه تهل بالحج): في صورة ما إذا كان المراد الإهلال

بالعمرة فيتم دلالته بناء عليه على مدعاه. فتأمل. ثم ان ما أفاده المصنف بقوله: (مرسلة يونس) فهو مما لا يمكن المساعدة عليه لانه- كما ترى- مسندة. ثم، انه يجوز للحائض الإحرام من المسجد في حال الاجتياز، و صاحب الوسائل (رضوان اللّه تعالى عليه) بعد ما ذكرها مسندة قال:

(أقول: المراد لا تدخل المسجد: فتلبث فيه، أو تصلي فيه، بل تحرم مجتازة به أو من خارجه أو يحمل النهى على الكراهة، أو خوف تعدى النجاسة، و يحتمل ان يكون المراد المسجد الحرام. إلخ)

قوله قده: (و أما على القول بالاختصاص بالمسجد فمع عدم إمكان صبرها الى ان تدخل المسجد و تحرم في حال الاجتياز إن أمكن، و ان لم يمكن- لزحم أو غيره- أحرمت خارج المسجد و جددت في الجحفة أو محاذاتها)

ما أفاده المصنف «قدس سره» (أولا) بقوله: (فمع عدم إمكان صبرها. إلخ) فلا نحتاج في الحكم بجواز إحرامها حينئذ من المسجد في حال الاجتياز الى ذلك القيد، لجواز إحرامها منه كذلك حتى إذا أمكنها صبرها. و أما ما أفاده (ثانيا): بقوله: (و ان لم يمكن لزحم أو غيره أحرمت من خارج المسجد) فهو مما ذهب إليه جماعة من الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» لا بأس بذكر ما أفاده صاحب المستند «رضوان اللّه تعالى عليه» في ذيل هذا المبحث قال: (و إذ عرفت تعيين الإحرام من مسجد الشجرة، فلو كان المحرم جنبا أو حائضا أحرما عنه مجتازين، لحرمة اللبث، فان تعذر بدونه فهل يحرمان من خارجه- كما صرح به الشهيد الثاني و المدارك و الذخيرة- لوجوب قطع المسافة من المسجد إلى مكة محرما، أم يؤخر أنه إلى الجحفة، لكون العذر ضرورة مبيحة للتأخير؟؟ الأحوط: الإحرام منهما و ان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 268

كان الأظهر: الثاني لما ذكر و لعدم الدليل على توقيت الخارج لمثلهما، و منع وجوب قطع المسافة محرما عليه، و تمثيل الضرورة في الاخبار بالمرض و الضعف لا يوجب التخصيص بعد اتحاد العلة قطعا و لعدم القول بالفصل ظاهرا). لا يخفى ما في كلامه من المناقشة و الاشكال:

أما في ما أفاده بقوله: (و تمثيل الضرورة في الاخبار بالمرض و الضعف. إلخ) ففيه:

أنه يوجب التخصيص و لا يمكن التعدي من مورد الخبر الى غيره. نعم، إذا حصل القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص عن التعدي الا انه مجرد فرض. لا واقع له، لعدم العلم بالملاكات و موانعها، فتدبر و على فرض تسليم ذلك نقول: أن إلحاق الحيض بالضرورة محل تأمل و وجهه واضح.

[الثاني العقيق و هو ميقات أهل نجد و العراق]

قوله قده: (الثاني: العقيق [1] و هو ميقات أهل نجد و العراق و من يمر عليه من غيرهم)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا و في المستند: (ثم كون العقيق: ميقاتا لمن ذكر مما لا خلاف فيه بل نقل عليه الإجماع مستفيضا) و يدل على كونه ميقات أهل نجد، و العراق، و من يمر عليه من غيرهم، جملة من الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» قد ذكر الأول- و هو أهل نجد- في صحيح أبي أيوب الخزاز المتقدم قال «عليه السلام» فيه: «و وقت لأهل نجد: العقيق و ما أنجدت «1» و في صحيح رفاعة قال «عليه السلام» فيها: وقت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله العقيق:

لأهل نجد و قال: هو وقت لما أنجدت الأرض و أنتم منهم «2» و في صحيح على بن رئاب قال «عليه السلام»:

و لأهل نجد العقيق «3» و في صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه «عليه

______________________________

[1] و هو في اللغة: كل واد عقه السيل- اى شقه فأنهره و وسعه- و سمى به أربعة أودية في بلاد العرب «أحدها»: الميقات: و هو واد يندفق سيله في غوري تهامة- كما عن تهذيب اللغة.

و في المستند: «و له طرفان و وسط، فأوله المسلخ: بفتح الميم و كسرها- كما في السر، ثم

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب المواقيت حديث: 10

(3) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب المواقيت حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 269

السلام»: و وقت لأهل نجد: العقيق «1» و ذكر الثاني- و هو أهل العراق- في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»: من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه: «صلى اللّه عليه و آله» لا تتجاوزها الا و أنت محرم، فإنه وقت لأهل العراق و لم يكن يومئذ عراق: بطن العقيق من قبل أهل العراق. إلخ «2» و في صحيح على بن جعفر عن أخيه «عليهما السلام»: أما أهل الكوفة و خراسان و ما يليهم فمن العقيق «3» و في صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لأهل المشرق العقيق نحوا من يريد ما بين يريد البعث إلى غمرة «4» و في خبر على بن جعفر وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لأهل العراق: من العقيق «5» و قد ذكر الثالث- و هو من يمر عليه من غيرهم- في صحيح الخزاز

المزبور قال «عليه السلام»: و وقت لأهل نجد العقيق و ما أنجدت) و أنجدت: الدخول في أرض النجد اى وقته لمن دخل في أرض النجد. و في صحيح رفاعة المزبورة قال: العقيق لأهل نجد، و قال:

هو وقت لما أنجدت الأرض و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام».

قوله قده: (و أوله المسلخ و أوسطه غمرة و آخره ذات عرق و المشهور جواز

______________________________

ثم بالمهملتين- كما عن فخر المحققين و التنقيح اى الموضع العالي، أو مكان أخذ السلاح و لبس لامة الحرب، و يناسبه تسميته ببريد البعث ايضا- كما يأتي- أو بالخاء المعجمة- كما حكاه الشهيد الثاني عن بعض الفقهاء- اى موضع النزع سمى به لانه ينزع فيه الثياب للإحرام، و مقتضى ذلك تأخير التسمية عن وضعه ميقاتا.

و أوسطه غمرة بالمعجمة ثم الميم الساكنة، و قيل: المكسورة، ثم المهملة: منهلة من مناهل طريق مكة، و هي فصل ما بين نجد و تهامة- كما عن الأزهري- و في القاموس: «سميت بها لزحمة الناس فيها»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 3

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 5

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 6

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 270

الإحرام من جميع مواضعه اختيارا و أن الأفضل الإحرام من المسلخ ثم من غمرة و الأحوط عدم التأخير إلى ذات عرق الا لمرض أو تقية فإنه ميقات العامة لكن الأقوى ما هو المشهور. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» بقوله: (و أوله المسلخ. إلخ) فمما لا ينبغي الإشكال فيه و

هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» و يدل عليه الروايات الواردة في المقام- منها:

1- خبر أبى بصير قال: سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول حد العقيق أوله المسلخ و آخره ذات عرق «1» 2- مرسل الصدوق «رحمه اللّه تعالى» قال و قال الصادق «عليه السلام»: وقت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله لأهل العراق العقيق و أوله المسلخ و وسطه غمرة و آخره ذات عرق و أوله أفضل «2» 3- خبر إسحاق قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن التمتع يجي ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة و الى ذات عرق أو الى بعض المعادن؟ قال «عليه السلام»: يرجع الى مكة بعمرة. الى أن قال «عليه السلام»: كان أبى مجاورا ها هنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج «3» فالظاهر أنه لا خلاف في ذلك التحديد قال الشهيد الأول «قدس سره»

______________________________

و آخره ذات عرق، بالمهملة المكسورة: و هو الجبل الصغير، سميت بها، لانه كان به عرق من الماء- اى قليل- و قيل: انها كانت قرية فخربت. و قيل: «إنها قرية تبعد عن مكة المكرمة تقريبا: (أربعة و تسعون) كيلو مترا و سميت بها لأن بها جبلا يسمى عرقا.

و في المدارك: «قال في القاموس: أنها بالبادية ميقات العراقين. الى ان قال: و نقل العلامة في المنتهى عن سعيد بن جبير: انه رأى رجلا يريد ان يحرم بذات عرق فأخذ يده حتى أخرجه من البيوت و قطع به الوادي فاتى به المقابر ثم قال: هذه ذات عرق الأولى».

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب

المواقيت حديث: 7

(2) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب المواقيت حديث: 9

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 271

في الدروس: (و لأهل العراق العقيق و أفضله المسلخ، و أوسطه غمرة، و آخره ذات عرق، على ما حكى عنه و في الحدائق: (صرح الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم بان العقيق المتقدم في الاخبار أوله المسلخ، و وسطه غمرة، و آخرة ذات عرق، و أن الأفضل الإحرام من أوله ثم وسطه، نعم في صحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: أول العقيق يريد البعث و هو دون المسلخ بستة أميال مما يلي العراقي و بينه و بين غمرة أربعة و عشرون ميلا بريدان «1» و مقتضاها- كما ترى- تقدم مبدء العقيق على المسلخ بستة أميال فتكون مخالفا لما تقدم في أول العقيق «فحينئذ تقع المعارضة بينها و بين الاخبار المتقدمة يمكن أن يقال انه لا معارضة في البين أصلا لأن المراد من الصحيحة هو مطلق العقيق و الاخبار المتقدمة تبيينه بأن المراد من العقيق الذي جعل ميقاتا هو المكان الذي أوله المسلخ، فلا تهافت في البين- كما لا يخفى- مضافا الى كونها خلاف ما اتفقت عليه الأصحاب فلا مجال للعمل بها فتدبر.

ثم انه قد ورد بعض أخبار تدل على خروج ذات عرق منه و هو ما في خبر أبى بصير الآخر عن أحدهما قال: حد العقيق ما بين المسلخ الى عقبة غمرة «2» و ظاهره- كما ترى- خروج غمرة فضلا عن ذات عرق عن العقيق، و صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: وقت رسول اللّه (صلى اللّه

عليه و آله) لأهل المشرق العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث [1] إلى غمرة، و وقت لأهل المدينة ذو الحليفة و لأهل النجد قرن النازل، و لأهل الشام الجحفة، و لأهل اليمن يلملم «3» فيكونان- كما ترى-

______________________________

[1] قال في الوافي: «و البعث بالموحدة ثم المهملة ثم المثلثة أول العقيق و هو بمعنى الجيش كأنه بعث الجيش من هناك و لم نجده في اللغة اسما لموضع و كذلك ضبط من يعتمد عليه من أصحابنا فما يوجد في بعض النسخ على غير ذلك لعله مصحف، هذا كله على ما حكاه صاحب الحدائق (قده)

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب المواقيت حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب المواقيت حديث: 5

(3) الوسائل ج 2- الباب- 1- من أبواب المواقيت حديث: 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 272

مخالفين لما تقدم من الأخبار الواردة في أن آخر العقيق ذات عرق و التحقيق: انه ان ثبت إعراض الأصحاب عن الطائفة الثانية فهو موجب لسقوطها عن الحجية، و لكن الكلام في ذلك، لان حكى القول بمضمونها عن على بن بابويه و عن ولده في المقنع و الشيخ في النهاية و ظاهر المدارك الميل إليها حيث قال: (و لا ريب ان الاحتياط يقتضي ان لا يتجاوز غمرة إلا محرما، لضعف الخبرين المتضمنين لتحديده بذات عرق) و لذلك قد يقوى في النظر حمل الطائفة الأولى على التقية، لما رواه الثقة الجليل أحمد بن أبى طالب الطبرسي، في كتاب الاحتجاج، عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري في جملة من كتبه الى صاحب الزمان (عجل اللّه تعالى فرجه) انه كتب إليه يسأله على الرجل يكون مع بعض هؤلاء و

يكون متصلا بهم يحج و يأخذ عن الجادة و لا يحرم هؤلاء من المسلخ فهل يجوز لهذا الرجل ان يأخر إحرامه إلى ذات عرق فيحرم معهم لما يخاف من الشهرة أم لا يجوز ان يحرم الا من المسلخ؟؟ فكتب إليه في الجواب يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب و يلبي في نفسه فإذا بلغ الى ميقاتهم أظهره «1» و في كشف اللثام (لا ريب انه أحوط) و في الجواهر قلت: (لعل الوجه في الجمع بين النصوص المزبورة بعد تعارف إحرام العامة من ذات عرق ما عن ابن إدريس من انه وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لأهل العراق العقيق فمن أى جهاته و بقائه أحرم فيعقد الإحرام منها الا ان له ثلاثة أوقات: (أولها):

المسلخ و هو أفضلها عند ارتفاع التقية و (أوسطها): غمرة و هي يلي المسلخ في الفضل عند ارتفاع التقية و (آخرها): ذات عرق و هي أدونها في الفضل الا عند التقية و الشناعة و الخوف، فذات عرق هي أفضلها في هذا الحال، و حينئذ فما في مكاتبة الحميري تعليم للجمع بين مراعاة الفضل و التقية) و هذا الجمع لا يخلو من الإشكال.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب المواقيت حديث: 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 273

[الثالث الجحفة و هي لأهل الشام و مصر و المغرب]

قوله قده: (الثالث الجحفة [1] و هي لأهل الشام و مصر و المغرب و من يمر عليهم عليها من غيرهم إذا لم يحرم من الميقات السابق عليها. إلخ)

الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و لم ينقل من أحد منهم للخلاف فيه و قد ذكر الأول- و هو أهل الشام- في صحيح ابن رئاب المتقدم عن أبى عبد اللّه

«عليه السلام» قال: (و وقت لأهل الشام الجحفة) و في صحيح رفاعة بن موسى قال (عليه السلام) (و وقت لأهل الشام المهيعة و هي الجحفة) و في صحيح الحلبي قال: (و وقت لأهل الشام الجحفة) و قد ذكر الثاني- و هو أهل مصر- في صحيح على بن جعفر «عليه السلام» قال عليه السلام فيه: «و أهل الشام و مصر من الجحفة» و قد ذكر الثالث- و هو أهل المغرب- في صحيح الخزاز المتقدم: (و وقت لأهل المغرب الجحفة و هي عندنا مكتوب مهيعة) و في صحيح معاوية بن عمار قال «عليه السلام»: (و وقت لأهل المغرب الجحفة و هي مهيعة). و قد ذكر الرابع- و هو من يمر عليها من غيرهم- في صحيح صفوان بن يحيى عن أبى الحسن الرضا «عليه السلام» قال: كتبت اليه: ان بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل و عليهم في ذلك مؤنة شديدة و يعجلهم أصحابهم و جمالهم من وراء بطن عقيق بخمسة عشرة ميلا، منزل فيه ماء و هو منزلهم الذي

______________________________

[1] الجحفة في تحرير النووي و تهذيبه: «بجيم مضمومة، فحاء مهملة، ففاء على سبع مراحل من المدينة، و ثلاث من مكة». و في تهذيبه: «بينها و بين البحر نحو ستة أميال». و قيل.

بينها و بين البحر ميلان. و لا تناقض لاختلاف البحر باختلاف الأزمنة.

و في القاموس: «كانت قرية جامعة على اثنين و ثلاثين ميلا من مكة يسمى مهيعة تنزل بها بنو عبيد و هم اخوة عاد و كان أخرجهم العماليق من يثرب فجائهم سيل فاجحفتهم فسميت جحفة».

و في مصباح المنير: «منزل بين مكة و المدينة قريب من رابغ بين بدر

و خليص» و قيل:

انه كانت قرية معمورة في زمن السابق و لكن الآن خربة و كانت تسمى: (مهيعة) و تبعد من مكة المكرمة تقريبا: (مأتين و عشرون) كيلو مترا. و في الجواهر: «فهي كما في جملة من النصوص المهيعة و انما سميت الجحفة لإجحاف السيل بها و بأهلها.

و في كشف اللثام: المهيعة: «بفتح الميم، و سكون الهاء، و فتح الياء، المثناة التحتانية، قيل و يقال: كمعيشة من الهيع: و هو السيلان، و يقال: ارض هيعة: اى واسعة مبسوطة، و طريق مهيع اى واسع بين و انما سميت الجحفة لأن السيل أجحف بها و بأهلها.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 274

ينزلون فيه فترى ان يحرموا من موضع الماء لرفقه بهم و خفته عليهم؟ فكتب: ان رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» وقت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها و فيها رخصة لمن كانت به علة فلا تجاوز الميقات الا من علة «1»

[الرابع يلملم و هو لأهل اليمن]

قوله قده: (الرابع: يلملم [1] و هو لأهل اليمن)

لا ينبغي الكلام في ذلك، و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب و لم ينقل من أحد منهم للخلاف فيه، و قد ذكر كونه ميقات أهل اليمن في صحيح الحلبي المتقدم في صدر المبحث قال «عليه السلام»:

(و وقت لأهل اليمن يلملم) و في صحيح معاوية بن عمار: (و وقت لأهل اليمن يلملم)، و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»

______________________________

[1] يلملم: في القاموس و مصباح المنير: «قيل: الأصل: المسلم، فخففت الهمزة، و قد يقال: يرموم.

و في اصطلاح المنطق: «انه واد». و كذا في شرح الإرشاد لفخر الإسلام.

و في كشف اللثام: «و على كل فهو من ألملم بمعنى الجمع و هو

على مرحلتين من مكة بينهما ثلاثون ميلا و في القواعد: «هو جبل».

و في الجواهر: «جبل، آو واد، يقال له: يلملم، و ألملم، و يرمرم، و هو على مرحلتين من مكة» و قيل: انه جبل من جبال تهامة، و يبعد عن مكة للمكرمة تقريبا: (أربعة و تسعون) كيلو مترا.

و في كتاب البلدان على ما حكى عنه: «من مكة إلى صنعاء احدى و عشرون مرحلة فأولها المكان ثم يلملم و منها يحرم حاج اليمن ثم الليث. إلخ».

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 15- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 275

[الخامس قرن المنازل و هو لأهل الطائف]

قوله قده: (الخامس: قرن المنازل [1] و هو لأهل الطائف)

بلا اشكال و لا خلاف فيه و هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) و قد صرح ذلك في صحيح الخزاز المتقدم عن أبى عبد اللّه عليه السلام: (و وقت لأهل الطائف قرن المنازل) و في صحيح الحلبي: (و وقت لأهل نجد العقيق و وقت الطائف قرن المنازل) و في صحيح معاوية بن عمار: (و وقت لأهل الطائف قرن المنازل) و نحوها غيرها من الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و أما ما في صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لأهل المشرق: العقيق نحوا من بريد ما بين بريد البعث إلى غمرة و وقت لأهل المدينة ذو الحليفة و لأهل نجد قرن المنازل. إلخ «1» و ما في صحيح على بن رئاب قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الأوقات التي وقتها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) للناس؟ فقال: ان رسول اللّه وقت لأهل المدينة ذو الحليفة و هي

الشجرة و وقت لأهل الشام الجحفة و وقت لأهل اليمن قرن المنازل. إلخ «2» حيث انه يستفاد من الأول ان ميقات أهل النجد قرن المنازل مع أنه قد سبق ان ميقاتهم العقيق و من الثاني أن ميقات أهل اليمن قرن المنازل مع أنه قد سبق ان ميقاتهم يلملم فلا بد من التوجيه

______________________________

[1] قرن المنازل: بفتح القاف، و سكون الراء، و هو ميقات: أهل الطائف، و هو قرية عند الطائف، أو اسم الوادي كله كما في القاموس قال: «و غلط الجوهر: في تحريكه و في نسبته أويس القرني إليه، لأنه منسوب الى قرن بن دومان بن ناجية بن مراد. بل قيل: اتفق العلماء في تغليطه فيهما و انما أويس من بنى قرن من بطن مراد، و لا يخفى انه لم يصرح بالتحريك و لا بنسبته أويس اليه و انما قال: و القرن حي من اليمن و منه أويس القرن».

و في شرح القاموس نص عبارة الصحاح: «و القرن موضع و هو ميقات أهل نجد و منه أو يس القرني». و في مجمع البلدان عن الصحاح على ما حكى عنه انه قال: «قرن بالتحريك ميقات».

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 2- من أبواب المواقيت حديث 6

(2) الوسائل ج 2 الباب- 2- من أبواب المواقيت حديث 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 276

كان يقال: أن للنجد طريقين. (أحدهما): يمر بالعقيق. و (ثانيهما): يمر بقرن المنازل فيجب عليهم الإحرام عند مرورهم بأحد الميقاتين و كذلك في الثاني و لا تهافت بين النصوص

[السادس مكة و هي لحج التمتع]

قوله قده: (السادس مكة و هي لحج التمتع).

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا قال في المدارك: قد أجمع العلماء كافة على

أن ميقات حج التمتع مكة و يدل عليه روايات منها صحيحة عمرو بن حريث الصيرفي قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: من أين أهل بالحج، فقال: أن شئت من رحلك، و ان شئت من الكعبة، و ان شئت من الطريق «1» و المراد من الطريق هو سكك مكة لا خارجها و في الجواهر: (بلا خلاف أجده نصا و فتوى بل في كشف اللثام الإجماع عليه).

و في المستند: (بلا خلاف كما قيل بل بإجماع العلماء كما في المدارك و المفاتيح و شرحه و غيرها) و استدل بصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» لأهل مكة أن يتمتعوا؟ قال «عليه السلام:» لا قلت: فالقاطنين بها؟ قال «عليه السلام»: إذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا

______________________________

و في مجمع البحرين قال: «و القرن موضع و هو ميقات أهل نجد و منه أويس القرني و يسمى أيضا قرن المنازل و قرن الثعالب».

و في كشف اللثام انه يقال له: «قرن الثعالب و قرن بلا اضافة و هو جبل مشرف على عرفات على مرحلتين من مكة و قيل: قرن الثعالب غيره، و انه جبل مشرف على أسفل منى بينها و بين مسجده الف و خمسمائة ذراع القرن الجبل الصغير أو قطعة منفردة من الجبل و قيل: ان قرن جبل مشرف على عرفات و يقال له: قرن المنازل و يبعد عن مكة المكرمة تقريبا [أربعة و تسعون] كيلو مترا و قيل: القرن بالإسكان. اسم الجبل. و بالفتح. الطريق ثم ان اختلاف عبارة ما نقل عن الصحاح يمكن ان يكون لأجل اختلاف النسخ.

ثم لا يخفى انه بعد ما نقل الاتفاق على عدم كون أويس القرني منسوبا الى قرن المنازل و مع

ذلك قد نسبه الصحاح اليه و كذلك مجمع البحرين و كيف ما كان ان قرن المنازل ميقات لأهل الطائف و هو معلوم عد المترددين فلا يترتب على هذا الاختلافات اثر كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 21- من أبواب المواقيت حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 277

كما صنع أهل مكة فإذا أقاموا شهرا فان لهم ان يتمتعوا، قلت: من أين؟ قال «عليه السلام» يخرجون من الحرم. قلت: من أين يهلون بالحج؟ فقال «عليه السلام»: من مكة نحوا مما يقول الناس «1» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و ما في خبر إسحاق عن أبى الحسن «عليه السلام» من قوله: (كان أبى مجاورا ها هنا فخرج يتلقى بعض هؤلاء فلما رجع فبلغ ذات عرق أحرم من ذات عرق بالحج و دخل و هو محرم بالحج «2» حيث ان المستفاد منه جواز الإحرام بالحج من غير مكة محمول على محامل و قد تقدم ذكرها في شرائط حج التمتع عند ذكر شرط الرابع منها بناء على تماميتها كما انه تقدم ذكر جميع الاخبار و البحث عنها فيه و من أراد الوقوف على ذلك فليراجعه. و كيف كان لا ينبغي الإشكال في ذلك بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق من جميع الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» عليه

[السابع دويرة الأهل أى المنزل و هي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكة]

قوله قده: (السابع: دويرة الأهل: أى المنزل و هي لمن كان منزله دون الميقات إلى مكة. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال في المدارك: (هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب. إلخ). قال في الجواهر: (بلا خلاف فيه بل الإجماع بقسميه عليه. بل في المنتهى: (انه قول أهل العلم كافة إلا مجاهدا. إلخ) و

يدل عليه جملة من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: من كان منزله دون الوقت إلى مكة فليحرم من منزله «3» قال في محكي التهذيب بعد ما روى ذلك: (و قال في حديث آخر: إذا كان منزله دون الميقات إلى مكة فليحرم من دويرة أهله «4» 2- عن الحسن بن محبوب عن على بن رئاب عن مسمع عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب أقسام الحج حديث: 3

(2) الوسائل ج 2 الباب- 22- من أبواب أقسام الحج حديث: 8

(3) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 1

(4) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 278

قال: إذا كان منزل الرجل دون ذات عرق إلى مكة فليحرم من منزله «1» 3- عن صفوان بن يحيى، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أبى سعيد، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عمن كان منزله دون الجحفة إلى مكة؟ قال: يحرم منه «2» 4- عن محمد بن فضل، عن ابن أبى عمير، عن صفوان، عن معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في حديث قال: و من كان منزله خلف هذه المواقيت مما يلي مكة فميقاته (فوقته) منزله «3» 5- عن صفوان بن يحيى، عن عاصم بن حميد، عن رياح ابن أبى نصر، قال:

قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): يروون أن عليا (عليه السلام) قال: من تمام حجك إحرامك من دويرة أهلك؟ فقال: سبحان اللّه لو كان كما يقولون لم يتمتع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) بثيابه

إلى الشجرة!؟ و انما معنى دويرة أهله من كان اهله وراء الميقات إلى مكة «4» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) المتفقة في الدلالة على اعتبار القرب إلى مكة- كما صرح غير واحد به من الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم- قال في الجواهر: (خلافا للمصنف عن موضع من المعتبر. فاعتبر القرب الى عرفات، و لم نقف له على دليل. و ان كان قد يؤيده الاعتبار فيما إذا كان الإحرام للحج الذي لا يتوقف على الدخول إلى مكة، بخلاف ما إذا كان للعمرة التي لا مدخلية لها بعرفات. و لعله لذا قال في المسالك: «لو لا النصوص أمكن اختصاص القرب في العمرة بمكة و في الحج بعرفة، إذ لا يجب المرور على مكة في إحرام الحج من المواقيت»: بل جزم أول الشهيدين في اللمعة:

باعتبار القرب الى عرفات في حج الأفراد لغير النائي فقال: «يحج من منزله لأنه أقرب إليها من الميقات مطلقا، إذا قرب المواقيت إلى مكة مرحلتان هي: (ثمانية و أربعون ميلا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 4

(3) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 8

(4) الوسائل ج 2- الباب- 17- من أبواب المواقيت حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 279

و هي منتهى مسافة حاضري مكة» و أشكله في الروضة: بإمكان زيادة منزله بالنسبة الى عرفات و المساواة فيتعين الميقات فيهما». و الجميع كما ترى، إذ هو كالاجتهاد في مقابلة النص المصرح فيه باعتبار القرب إلى مكة) و هو كما ذكره «قدس سره» و قال في المدارك بعد ذكر النصوص: (و يستفاد من هذه

الروايات أن المعتبر: القرب إلى مكة و اعتبر المصنف القرب: الى عرفات و الأخبار تدفعه)

قوله قده: (بل لأهل مكة ايضا على المشهور- و أن استشكل فيه بعضهم- فإنهم يحرمون لحج القران و الافراد من مكة. إلخ)

قال في الجواهر: (الكلام في أهل مكة من حيث عدم اندراجهم في اللفظ المزبور المقتضي للمغايرة، لكن عن صريح ابني حمزة و سعيد و ظاهر الأكثر الإحرام منها بالحج، لإطلاقهم الإحرام من المنزل لمن كان منزله دون الميقات أو ورائه بل في الرياض بعد نسبته إلى الشهرة حاكيا لها عن جماعة من الأصحاب، قال: «بل زاد بعضهم فنفى الخلاف فيه بينهم مشعرا بدعوى: الإجماع عليه- كما حكاه في الذخيرة، قلت و يؤيده النبوي: «فمن كان دونهن فمهله من أهله» بل و المرسل: «عن رجل منزله خلف الجحفة من أين يحرم؟ قال: منزله» لكن قد سمعت سابقا في الصحيحين الواردين في المجاور أمره بالإحرام بالحج من الجعرانة، و هو بإطلاقه شامل لمن انتقل فرضه الى فرض أهل مكة أم لا و يمكن ان يقيد بالأخير أو بجعل ذلك من خصائص المجاور- كما في الحدائق- أو يحمل على الأفضل، لبعد المسافة، و حينئذ فالمراد من الإحرام من المنزل رخصة لا عزيمة و لذا كان المحكي عن الكافي و الغنية و الإصباح ان الأفضل لمن منزله أقرب الإحرام من الميقات) و في كشف اللثام: (وجهه ظاهر لبعد المسافة.

و طول الزمان و كل من حج على ميقات لزمه الإحرام منه و هو واضح) و لكن الأخبار المتقدمة لا تشمله، لاختصاصها بمن كان منزله بين مكة و الميقات و اما المرسل و النبوي فالمناقشة فيهما واضحة قال في المستند: (ثم الحكم يعم أهل مكة ايضا

على المشهور بين

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 280

الأصحاب بل نفى بعضهم الخلاف فيه، و يدل عليه مرسلة الصدوق المتقدمة و ما روى عن النبي. الى ان قال: بل يمكن الاستدلال بجميع اخبار الباب المتقدمة سوى المرسلة الأخيرة بأن يفسر نحو قوله: (من كان منزله دون الميقات إلى مكة) بأن المراد من كان منزله في جميع ذلك الموضع المبتدء بدون الميقات المنتهى الى مكة، و استشكل بعضهم فيهم من جهة ان الأقربية إلى مكة يقتضي المغايرة و من جهة الصحيحين الواردين في المجاور و انه يحرم من الجعرانة سواء انتقل فرضه إلى أهله أم لا «و لا يخفى ان الأقرب انما ورد في كلام الأصحاب دون أخبار الأطياب و الصحيحان واردان في حكم المجاور فلعل هذا مختص به. إلخ) و كيف كان هذا الفرع بعد يحتاج إلى التأمل.

قوله قده: (بل كذا المجاور الذي انتقل فرضه الى فرض أهل مكة، و ان كان الأحوط إحرامه من الجعرانة، و هي أحد مواضع أدنى الحل، للصحيحين الواردين فيه المقتضي إطلاقهما عدم الفرق بين من انتقل فرضه أو لم ينتقل، و ان كان القدر المتيقن:

الثاني فلا يشمل ما نحن فيه، لكن الأحوط ما ذكرنا عملا بإطلاقهما. إلخ)

و يشير «قدس سره» بالصحيحين الى ما رواه يعقوب، عن أبى على الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: انى أريد الجوار بمكة فكيف اصنع؟ فقال، «عليه السلام»: إذا رأيت الهلال: هلال ذي الحجة فاخرج الى الجعرانة و أحرم منها للحج. الى ان قال: ان سفيان فقيهكم أتاني فقال:

ما يحملك على ان تأمر أصحابك يأتون الجعرانة فيحرمون منها؟! قلت:

هو وقت من رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» فقال: و أى وقت من مواقيت رسول اللّه هو؟ فقلت أحرم منها حين قسم غنائم حنين و مرجعه إلى الطائف فقال: ان هذا شي ء أخذته عن عبد اللّه بن عمر، كان إذا رأى الهلال صاح بالحج: فقلت أ ليس قد كان عندكم مرضيا؟ فقال: بلى، و لكن أما علمت: ان أصحاب رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أحرموا من المسجد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 281

فقلت: إن أولئك كانوا متمتعين في أعناقهم الدماء، و أن هؤلاء قطنوا مكة فصاروا كأنهم من أهل مكة، و أهل مكة لا متعة لهم، فأحببت أن يخرجوا من مكة الى بعض المواقيت و ان يستغبوا به أياما؟ فقال لي: و انا أخبره أنها وقت من مواقيت رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله» يا أبا عبد اللّه: فإني أرى لك أن لا تفعل، فضحكت، و قلت: و لكني أرى لهم ان يفعلوا. إلخ «1» و الى ما رواه أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان عن أبى الفضل، قال: كنت مجاورا بمكة فسألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» من أين أحرم بالحج؟

فقال «عليه السلام»: من حيث أحرم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» من الجعرانة أتاه في ذلك المكان فتوح فتح الطائف و فتح خيبر و الفتح، فقلت متى اخرج؟ قال: إذا كنت صرورة فإذا مضى من ذي الحجة يوم و ان كنت قد حججت قبل ذلك فإذا مضى من الشهر خمس «2»

[الثامن فخ و هو ميقات الصبيان في غير حج التمتع عند جماعة]

قوله قده: (الثامن: فخ [1] و هو ميقات الصبيان في غير حج التمتع عند جماعة بمعنى جواز تأخير إحرامهم الى هذا المكان

لا انه يتعين ذلك)

و استدلوا لذلك بصحيح أيوب قال: سأل أبو عبد اللّه «عليه السلام» عن الصبيان من أين تجرد الصبيان؟ قال «عليه السلام»: كان أبى يجردهم من فخ «3» و رواه الكليني عن عدة من أصحابنا عن سهل بن

______________________________

[1] بفتح الفاء، و تشديد الخاء المعجمة: بئر معروف على نحو فرسخ من مكة، كما قيل. و في القاموس: «موضع بمكة، دفن فيه ابن عمر» في نهاية ابن الأثير: «موضع عند مكة. و قيل: واد دفن عبد اللّه بن عمر».

و في السرائر: «انه موضع على رأس فرسخ من مكة قتل فيه الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي أمير المؤمنين عليه [أفضل الصلاة و السلام]. على ما حكاه صاحب كشف اللثام [قدس سره].

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 5

(2) الوسائل ج 2- الباب- 9- من أبواب أقسام الحج حديث: 6

(3) الوسائل ج 2- الباب- 18- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 282

زياد، عن أحمد بن محمد بن أبى نصر، عن عبد الكريم أخي أديم مثله. محمد بن الحسن بإسناده عن موسى بن القسم، عن صفوان، عن عبد اللّه بن مسكان، عن أيوب بن الحر نحوه هذا مما لا كلام فيه انما الكلام- كما افاده صاحب الجواهر- في ان ذلك كفاية عن جواز إحرامهم منه- كما صرح به بعض الفقهاء بل ربما نسب إلى الأكثر بل في الروضة يظهر من آخر عدم الخلاف فيه- أو ان إحرامهم من الميقات و لكن رخص لهم في لبس المخيط الى فخ فيجردون منه- كما عن التحرير و المقداد و الكركي قولان؟ مقتضى ظاهر صحيح المتقدم هو

الثاني، و يمكن ان يستدل لذلك ايضا بما في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: انظروا من كان معكم من الصبيان إلى الجحفة أو الى بطن مر، ثم يصنع بهم ما يصنع بالمحرم و يطاف بهم و يرمى عنهم و من لا يجد الهدى منهم فليصم عنه وليه «1» و رواه الكليني عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار مثله و رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القسم عن صفوان عن معاوية بن عمار مثله و زاد بعد قوله: «و يطاف بهم» «و يسعى بهم» كان على بن الحسين عليه السلام يضع السكين في يد الصبي ثم يقبض على يديه الرجل فيذبح و كيف كان انما تتم دلالته على ما ذكر بناء على ان بطن مر غير خارج عن الميقات كما افاده صاحب الجواهر في ذيل المبحث و نحوه صحيح على بن جعفر عن أخيه عليه السلام و صاحب الجواهر «قدس سره» اختار الثاني من القولين حيث قال: (أقواهما الثاني، لعموم نصوص المواقيت و النهى عن تأخير الإحرام عنها. الى ان قال: و ليس في الخبرين الا التجريد الذي لا ينافي ذلك على ان فخ انما هو طريق المدينة أما لو كان غيره فلا رخصة لهم في تجاوز الميقات بلا إحرام الذي صرح في النص بأن الإحرام من غيره كالصلاة أربعا في السفر، و احتمال حمل أدنى الحل من سائر الطرق على فخ الذي هو أدناه في طريقها. بل قيل: انه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 283

يعطيه كلام التذكرة واضح الضعف،

و تخصيص أدلة لزوم الكفارة على الولي بما دل على الرخصة في اللبس الى فخ متحقق على القولين، إذ لا كلام و لا خلاف في جواز الإحرام بهم من الميقات. و اما الصحيح عن الصادق: «قدموا من كان معكم من الصبيان. إلخ» فقد استدل به بعضهم على المختار بناء على ان بطن مر غير خارج عن الميقات لكن في الرياض: «انه على خلافه أرجح و لعله، لخروج بطن مر عن الميقات» ثم قال: و المسألة قوية الاشكال، و حيث أن المستفاد من جماعة عدم إشكال في جواز الإحرام بهم من الميقات بل و أفضليته و ان التأخير إلى فخ انما هو على سبيل الجواز كان الإحرام بهم من الميقات أولى و أحوط. قلت: مضافا الى معلومية كون الحكمة في التأخير إلى فخ ضعف للأطفال عن البرد و الحر و نحوهما، و ستعرف انه متى كان ذلك في المكلف أحرم من الميقات و جاز له اللبس للضرورة، فالمتجه حينئذ هنا ذلك ايضا و في خبر يعقوب قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): ان معي صبية صغارا و انا أخاف عليهم البرد فمن أين يحرمون؟ فقال: ائت بهم العرج فليحرموا منها فإنك إذا أتيت العرج وقعت في تهامة ثم قال فان خفت عليهم فائت بهم الجحفة «1» و هو ظاهر في مراعاة الميقات و لو ميقات الاضطرار و لعل التخيير بين لجحفة و بطن مر و غيرهما لاختلاف الأزمنة و اختلاف حال الصبيان كما انه قد يطلق الإحرام بهم من غير الميقات على إرادة التجريد مجازا). و لكن صاحب المدارك (قدس سره» قال في شرح قول ماتنه: [و يجرد الصبيان من فخ] المراد بالتجريد الإحرام- كما صرح

به المصنف في المعتبر و العلامة في جملة من كتبه الى ان قال: و قد ذكر المحقق الشيخ على «رحمه اللّه تعالى» أن المراد بالتجريد التجريد من المخيط خاصة فيكون الإحرام من الميقات كغيرهم لان الميقات موضع الإحرام فلا يتجاوزه الا محرما و هو ضعيف لمنع ما ادعاه من العموم بحيث يتناول غير المكلف و ظهور التجريد في المعنى الذي ذكرناه) و لكن

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 284

لا يخفى ما في كلامه «قدس سره» من الاشكال قال في الحدائق: (لا يخفى أن ما ذكره الشيخ على «قده» لا يخلو من قرب فان ظاهر لفظ التجريد يساعد و ما ادعاه (يعنى السيد قدس سره) من ظهور التجريد في معنى الإحرام لا يخفى ما فيه فان التجريد لغة انما هو نزع شي ء من شي ء كما يقال جردته عن ثيابه اى نزعتها عنه و المعتبر في الإحرام أمور عديدة لا يدخل منها شي ء تحت هذا اللفظ سوى نزع المخيط و ما ادعاه من منع العموم لا يخلو من شي ء أيضا. إلخ).

قوله قده: (ثم ان جواز التأخير على القول الأول انما هو إذا مروا على طريق المدينة و أما إذ سلكوا طريق لا يصل الى فخ فاللازم إحرامهم من ميقات البالغين)

لا ينبغي الإشكال في ذلك لاختصاص الدليل بناء على تماميته به فيرجع بالنسبة إلى غيره إلى الأدلة المقتضية لزوم الإحرام من الميقات الشاملة بإطلاقها الصبي كما هو واضح.

[التاسع محاذاة أحد المواقيت الخمسة و هي ميقات من لم يمر على أحدها]
اشارة

قوله قده: (التاسع: محاذاة أحد المواقيت الخمسة و هي ميقات من لم يمر على أحدها و الدليل عليه صحيحتا ابن سنان و لا يضر اختصاصهما بمحاذاة مسجد الشجرة

بعد فهم المثالية و عدم القول بالفصل و مقتضاهما محاذاة أبعد الميقاتين إلى مكة إذا كان في طريق يحاذي اثنين فلا وجه للقول بكفاية أقربهما إلى مكة. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدّس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و يدل عليه صحيحتا ابن سنان: (الاولى): ما عن محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من أقام بالمدينة شهرا و هو يريد الحج ثم بدا له ان يخرج في غير طريق أهل المدينة الذي يأخذونه فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء «1» و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله الى قوله: «ستة أميال» الا انه ترك لفظ: (غير) قال الكليني: و في

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 7- من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 285

رواية أخرى: يحرم من الشجرة ثم يأخذ أي طريق شاء «1» لكن ما ذكره «قدس سره» مرسل لا ينهض للمعارضة. (الثانية): ما عن الحسن محبوب، عن عبد اللّه سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من اقام بالمدينة و هو يريد الحج شهرا أو نحوه ثم بدا له ان يخرج في غير طريق المدينة فإذا كان حذاء الشجرة و البيداء مسيرة ستة أميال فليحرم منها «2» و أنت ترى دلالتهما على المدعى. لكن في خصوص محاذاة مسجد الشجرة، لكونه موردهما، فلا كلام في كفاية الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة، إنما الكلام في انه هل يمكن التعدي عن موردهما إلى سائر المواقيت- كما ذهب

اليه المصنف و غيره من الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم- أولا؟؟ يمكن أن يقال بجواز التعدي إليها، و ما يمكن الاستدلال به على ذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع و عدم القول بالفصل. و (فيه): انه قد تكرر منا مرارا و كرارا أن الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم «عليه السلام» و في المقام من المحتمل كون مدركه ما سيأتي، فلا عبرة به، الا ان يدعى حصول الاطمئنان منه.

(الثاني)- دعوى: استفادة العموم من صحيحتي ابن سنان- و أن ذكر الشجرة فيهما كان من باب المثال- و لكن القول بأن ذكرها فيهما من باب المثال أول الكلام لاحتمال خصوصية لها.

(الثالث)- دعوى: القطع بوحدة المناط. و (فيه): ايضا ما لا يخفى بعد الالتفات إلى قضية أبان، و قد تكرر: أن تنقيح المناط المعتبر هو القطعي منه، و هو غير ممكن أصلا في الشرعيات، و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن، و هو لا يغني من الحق شيئا نعم، إذا حصل القطع بالمناط و عدم مانع عن الجعل ايضا فلا محيص حينئذ من التعدي،

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 7 من أبواب المواقيت حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 7 من أبواب المواقيت حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 286

و لكنه مجرد فرض لا واقع له، فتسريه الحكم من المورد الى غيره قياس. و (من هنا): يشكل الحكم بكفاية المحاذاة بالنسبة إلى مسجد الشجرة أيضا في غير مورد النص و هو:

1- الإقامة بالمدينة شهرا.

2- انه كان يريد الحج في إقامته بها.

3- ان يخرج في غير طريق أهل المدينة فالأحوط في غير مورد النص هو إتيان الميقات للإحرام و لكن هذه المسألة بعد تحتاج إلى التأمل.

[كيفية تحقق المحاذاة]

قوله قده: (و تتحقق المحاذاة بان يصل في طريقه الى مكة إلى موضع يكون بينه و بين مكة باب و هي بين ذلك الميقات و مكّة بالخط المستقيم. و بوجه آخر: ان يكون الخط من موقفه الى الميقات اقصر الخطوط في ذلك الطريق. ثم، ان المدار على صدق المحاذاة عرفا فلا يكفي إذا كان بعيدا عنه فيعتبر فيها المسامتة كما لا يخفى. إلخ)

يمكن تفسير المحاذاة المطلوبة في ما نحن فيه بوجوه:

(الأول)- ان تكون المسافة بينه و بين مكة بمقدار المسافة بينها و بين الميقات، و لعله مراد المصنف «قدس سره» من قوله: (بينه و بين مكة. إلخ) و الظاهر وقوع غلط في العبارة- كما يظهر ذلك بأدنى تأمل فيها- و (فيه): انه لا يصلح هذا الوجه ان يكون ضابطا للمحاذاة، لإمكان تفاوت النقطتين من مكة و عدم كونهما في عرض واحد.

(الثاني) ما أفاده المصنف «قدس سره» بقوله: (و بوجه آخر: ان يكون الخط من موقفه الى الميقات اقصر الخطوط في ذلك الطريق) و يمكن المناقشة فيه: ان مقتضى إطلاقه- كما ترى- كفاية المحاذاة من الخلف أو الإمام عند التوجه إلى مكة المكرمة إذا كان في جانبهما اقصر الخطوط الى الميقات اللهم الا ان يكون المراد منه هو خصوص الخطوط

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 287

المتصلة من اليمين أو اليسار- كما هو الظاهر- و كيف كان فظاهر ذلك هو اعتبار المحاذاة الحقيقية. و (فيه): انه لا ينبغي الإشكال في كفاية المحاذاة العرفية، لأنها كسائر المفاهيم العرفية، فالعبرة بنظرهم.

(الثالث)- ان يقع الميقات في حال السير على يمينه أو على يساره سواء كان مواجها إلى مكة المكرمة أولا و (فيه): ان هذا الإطلاق خلاف ما يستفاد من

ظاهر الحديث كما لا يخفى.

(الرابع)- ان يفرض خط مستدبر حول مكة تصل قطعة منه الى الميقات، فيجوز له الإحرام من ذلك الخط. و (فيه): انه يلزم من ذلك جواز الإحرام من ذلك الخط و لو مع البعد الكثير و لا يمكن الالتزام به.

(الخامس)- ان يقع الميقات على يمينه أو على يساره حينما كان متوجها الى مكة المعظمة هذا هو الحق في النظر، و لكن لا مطلقا بل بقيد عدم بعد كثير بينه و بين الميقات و هذا ليس من جهة عدم صدق المحاذاة عرفا مع البعد الكثير، لأنه كما تصدق المحاذاة عرفا مع القرب كذلك تصدق مع البعد بل انما يكون ذلك لأجل عدم إطلاق في صحيح بن سنان حتى يشمل البعد الكثير، لوروده في مورد خاص و هو المحاذاة للشجرة بمسيرة ستة أميال عن المدينة و من الواضح حصول المحاذاة بذلك مع قرب المسافة بين الشخص و الشجرة فلا يمكن التعدي منه الى مطلق المحاذاة العرفية لأنه يحتاج الى دليل تعبدي و هو لم يثبت ثم، انه لا يشترط في ذلك ان يكون سيره في طريق مستقيم إلى مكة المكرمة بل يكفيه الإحرام فيه و لو اتفق له ذلك في الطريق الاعوجاجى مع كونه قاصدا إليها. فظهر: ان الضابط في المحاذاة كون الميقات عن يمين الشخص أو يساره حين ما كان مواجها لمكة المكرّمة سواء كان في طريق مستقيم أو في طريق اعوجاجى، بشرط عدم كونه في بعد كثير. ثم، انه إذا أحرم من مكان المحاذاة ثم خرج منه بواسطة اعوجاج الطريق ثم عاد اليه لم يجب عليه تجديد إحرامه، و انما هو

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 288

نظير وصول الشخص ثانيا بعد

التجاوز عن الميقات الأول محرما الى ميقات ثاني فتدبر.

[و اللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن]

قوله قده: (و اللازم حصول العلم بالمحاذاة إن أمكن، و الا فالظن الحاصل من قول أهل الخبرة، و مع عدمه أيضا فاللازم الذهاب الى الميقات أو الإحرام من أول موضع احتماله و استمرار النية و التلبية إلى آخر مواضعه و لا يضر احتمال كون الإحرام قبل الميقات حينئذ مع انه لا يجوز، لانه لا بأس به إذا كان بعنوان الاحتياط، و لا يجوز إجراء أصالة عدم الوصول الى المحاذاة، أو أصالة عدم وجوب الإحرام، لأنهما لا يثبتان كون ما بعد ذلك محاذيا، و المفروض لزوم كون ان شاء الإحرام من المحاذاة و يجوز لمثل هذا الشخص ان ينذر الإحرام قبل الميقات فيحرم في أول موضع الاحتمال أو قبله على ما سيأتي من جواز ذلك مع النذر. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» (أولا): بقوله: «و اللازم حصول. إلخ» فهو مما لا شبهة فيه، و وجهه واضح. و أما ما أفاده (ثانيا): بقوله:

«و الا فالظن.» فهو مما لا يمكن المساعدة عليه، لعدم الدليل على اعتباره، فإذا ظهر ضعف ما حكى عن المبسوط و الجامع، و التحرير. و التذكرة. و المنتهى، و الدروس من كفاية الظن في ذلك. بل ظاهر المحكي عنهم الاكتفاء به و لو مع إمكان العلم، و استدل لهم في الجواهر: بالحرج، و الأصل، و انسباق ارادة الظن في أمثال ذلك، و كأنه مال اليه صاحب الجواهر «قدس سره» حيث قال في ذيل المبحث: (نعم قد يقال: ان المتجه اعتبار العلم بالمحاذاة، لكن صرحوا بكفاية الظن و لعله للحرج، و الأصل، و انسباق ارادة الظن في أمثال ذلك، بل لا يبعد الاجتزاء به لو تبين فساد ظنه،

لقاعدة الإجزاء. نعم، لو تبين فساد ظنه بتقدم الإحرام على محل المحاذاة و كان لم يتجاوزه أعاد حينئذ لكن أطلق في الدروس و المسالك، الإعادة لو ظهر التقدم و عدمها لو ظهر التأخر، و هو مشكل ان لم ينزل علي ما ذكرنا، لإطلاق قاعدة الإجزاء. إلخ) و لكن المناقشة في الأدلة المذكورة لكفاية الظن بها واضحة. أما (في الأول):- و هو الحرج- فلمنعه،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 289

و ذلك اما مع إمكانه الذهاب الى الميقات فمنعه واضح، و أما مع عدم إمكانه فيحتاط بالكيفية التي سيأتي و لا يلزم منه الحرج أصلا. و اما (في الثاني):- و هو الأصل- فلا مجال له أصلا- كما هو واضح. و اما (في الثالث):- و هو انسباق ارادة الظن في أمثال ذلك- فهو أول الكلام بل ليس في البين ذلك فمع عدم إمكان العلم بالمحاذاة يتعين عليه اما بالذهاب الى الميقات أو بالاحتياط بتجديد الإحرام في النقاط الداخلة في علمه الإجمالي، بناء على ما هو الحق من كون الامتثال الإجمالي في عرض الامتثال التفصيلي، أو نذر الإحرام من مكان خاص بناء على جواز تقديم الإحرام بالنذر على الميقات- كما سيتضح لك تحقيق ذلك في الفروع الآتية (ان شاء اللّه تعالى). ثم، انه إذا اختار الاحتياط بتجديد الإحرام في جميع النقاط الداخلة في العلم الإجمالي لم يضره احتمال صدور الإحرام قبل الميقات الذي هو المنهي عنه- كما افاده المصنف قدس سره-، و ذلك لان حرمته تشريعية لا ذاتية، فلا بأس به إذا كان بعنوان الاحتياط ثم انه لا بأس بذكر ما في الجواهر من الاشكال على الاحتياط المزبور قال: (و لو لم يعرف حذو الميقات لا علما و لا

ظنا فمن المنتهى و ير: احتاط و أحرم من بعد بحيث يتيقن انه لم يجاوز الميقات الا محرما. و أشكل: بأنه كما يمتنع تأخير الإحرام عن الميقات كذا يمتنع تقديمه عليه، و تجديد الإحرام في كل مكان يحتمل فيه المحاذاة مشكل، لانه تكليف شاق لا يمكن إيجابه بغير دليل. و (يدفع): بأن ذلك لا ينافي كونه طريق احتياط عليه بل قد لا ينافيه على الوجوب ايضا، بناء على أن النية هي الداعي، إذ لا مشقة في استمرارها في أماكن الاحتمال فتأمل جيدا). بل يكون كذلك حتى بناء على القول بعدم انعقاد الإحرام بمجرد النية و يحتاج إلى عقده بالتلبية لأن لزوم المشقة و الحرج منه غير معلوم.

[ثم إن أحرم في موضع الظن بالمحاذاة]

قوله قده: (ثم إن أحرم في موضع الظن بالمحاذاة و لم يتبين الخلاف فلا اشكال، و ان تبين بعد ذلك كونه قبل المحاذاة و لم يتجاوزه أعاد الإحرام، و أن تبين كونه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 290

قبله و قد تجاوز أو تبين كونه بعده فإن أمكن العود و التجديد تعين، و الا فيكفي في الصورة الثانية و يجدد في الاولى في مكانه، و الاولى التجديد مطلقا و لا فرق في جواز الإحرام في المحاذاة بين البر و البحر. إلخ)

ما أفاده قدس سره (أولا): أن أحرم في موضع الظن.) انما يتم بناء على القول بكفاية الظن و أما ما أفاده (ثانيا): من إعادة الإحرام لو تبين وقوع إحرامه قبل المحاذاة مع عدم تجاوزه عنها فهو لأجل أنه يكشف به بطلان إحرامه، لوقوعه قبل المحاذاة. و أما ما أفاده (ثالثا): من أنه أمكن العود.) أما في (الفرض الأول): فمن جهة وقوع إحرامه قبل الميقات يحكم ببطلان إحرامه، خلافا لما

تقدم من صاحب الجواهر من ميله الى الاجزاء لو ظهر التقدم لقاعدة الأجزاء التي قد قرر في الأصول عدم تماميتها و أما (الفرض الثاني): فبعض الفقهاء أطلق عدم الإعادة لو ظهر، التأخر و لكن في المدارك في آخر البحث: (قال: الثالث: لو أحرم كذلك بالظن ثم تبينت الموافقة و استمر الاشتباه اجزء، و لو تبين تقدمه قبل تجاوز محل المحاذاة أعاد.

و لو كان بعد التجاوز أو تبين تأخره عن محاذاة المواقيت، ففي الإعادة وجهان: من المخالفة، و من تعبده بظنه المقتضي للاجزاء) و يظهر المناقشة ما في أفاده صاحب المدارك «قدس سره» أخيرا بقوله، (و لو كان بعد التجاوز أو تبين تأخره عن محاذاة المواقيت ففي الإعادة. إلخ) مما بينا لك فلاحظه

[الظاهر انه لا يتصور طريق لا يمر على ميقات و لا يكون محاذيا لواحد منها]

قوله قده: (ثم أن الظاهر انه لا يتصور طريق لا يمر على ميقات و لا يكون محاذيا لواحد منها إذا المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب فلا بد من محاذاة واحد منها و لو فرض إمكان ذلك فاللازم الإحرام من أدنى الحل و عن بعضهم انه يحرم من موضع يكون بينه و بين مكة بقدر ما بينها و بين أقرب المواقيت إليها و هو مرحلتان لانه لا يجوز لأحد قطعه الا محرما. و (فيه): أنه لا دليل عليه لكن الأحوط الإحرام منه و تجديده في أدنى الحل)

هذا هو المعروف بين الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم قال في المدارك:

(و لو سلك طريقا لم يؤد الى محاذاة ميقات قيل: يحرم من مساواة أقرب المواقيت الى

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 291

الى مكة. الى أن قال و استقرب العلامة في القواعد و ولده في الشرح وجوب الإحرام من ادنى الحل و هو حسن لأصالة البراءة

من وجوب الزائد و قولهم ان هذه المسافة لا يجوز قطعها الا محرما في موضع المنع لان ذلك انما يثبت مع المرور على الميقات لا مطلقا و في القواعد على ما حكى عنه: (و لو لم يؤد الطريق الى المحاذاة فالأقرب ان ينشأ الإحرام من أدنى الحل و لكن في الجواهر: (و كيف كان و من التأمل في ما ذكرناه يستفاد سقوط فرض ما ذكره من أنه: «لو سلك طريقا لم يكن فيه محاذاة لميقات من المواقيت، و أن كان قد عرفت أن فيه الاحتمالين بل القولين: [الإحرام من مقدار أقرب المواقيت- أو من أدنى الحل]:

ضرورة: أنه بناء على اعتبار الجهة المزبورة لا يخلو طريق منها بالنسبة إلى محاذاة ميقات منها، لأنها محيطة بالحرم، و لعله على ذلك ينزل ما عن ابن إدريس من أن ميقات أهل مصر و من صعد البحر جدة بناء على انها تحاذي أحدها لأنها ميقات بخصوصها و ان كان المصنف قد أشار الى خلافه بقوله: «و كذا من حج في البحر في اعتبار المحاذاة المزبورة».)

و قال النراقي «قدس سره» في المستند على ما حكى عنه: (و اختلفوا في حكم من سلك طريقا لا يحاذي شيئا منها و هو خلاف لا فائدة فيه، إذ المواقيت محيطة بالحرم من الجوانب).

و لكن لم يعلم إحاطة المواقيت بالحرم، بل الظاهر حسب ما نقل انها غير محيطة به، و ذلك لان ذا الحليفة و الجحفة كليهما في شمال الحرم على خط واحد تقريبا، و قرن المنازل في المشرق منه، و العقيق بين الشمال و المشرق فتبقى يلملم وحدها لثلاثة أرباع الدورة المحيطة بالحرم، و بينها و بين قرن المنازل أكثر من ثلاثة أثمان الدورة، و

منها إلى الجحفة قريب من ذلك فعليه لا يمكن القول بإحاطتها به، فلا يتم حينئذ ما أفاده المصنف «قدس سره» من أنه:

(لا يتصور طريق لا يمر على ميقات الا يكون محاذيا إذ المواقيت بالحرم). لإمكان تصوير سيره من طريق يصل الى الدائرة و لا يكون محاذيا لأخذها ثم أنه على فرض تسليم أنها محيطة بالحرم و فرض أيضا أنه علم بتحقيق المحاذاة فلا إشكال في كفاية الإحرام منه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 292

من دون احتياج إلى الإحرام من أدنى الحل، بناء على القول بكفاية مطلق محاذاة المواقيت، و لو شك في موضع الميقات فقد تقدم انه يحتاط و بين كيفيته أو ينذر الإحرام قبله فيحرم في أول موضع الاحتمال أو قبله. و أما إذا لم يعلم بتحقق المحاذاة فإن أمكنه الإحرام من ميقات أهل أرضه فهو و الا فمن مواقيت آخر و أما إذا لم يمكنه فمن أدنى الحل و لا ينبغي الإشكال فيه.

[العاشر أدنى الحل و هو ميقات العمرة المفردة]

قوله قده: (العاشر: أدنى الحل و هو ميقات العمرة المفردة بعد حج القران أو الافراد. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع قال في الجواهر: (قد ذكر غير واحد من الأصحاب اعتبار الخروج إلى أدنى الحل في العمرة المفردة للقارن و المفرد بعد الحج بل في كشف اللثام: «لا نعلم في ذلك خلافا». بل حكى عن المنتهى نفى الخلاف في ذلك أيضا. إلخ) و قال في الحدائق: (و أما العمرة المفردة بعد حجى القران و الافراد فميقاتهم أدنى الحل- كما تقدم) و استدل له- مضافا الى اتفاق الأصحاب عليه قديما و حديثا بما رواه ابن

بابويه في الصحيح عن عمر بن يزيد، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر فليعتمر من الجعرانة، أو الحديبية، أو ما أشبههما «1» قال: و أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أعتمر ثلاث عمر متفرقات كلها في ذي القعدة عمرة أهل فيها من عسفان و هي عمرة الحديبية. و عمرة للقضاء، أحرم فيها من الجحفة، و عمرة أهل فيها من الجعرانة، و هي بعد أن رجع من الطائف من غزاة حنين «2» و يمكن أن يستدل لذلك أيضا بصحيح جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية؟ قال «عليه السلام»: تمضى كما هي الى عرفات

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 22- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 293

فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج الى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة «1» قال ابن أبى عمير: (كما صنعت عائشة و رواه الصدوق بإسناده عن جميل مثله الى قوله: (فتجعلها عمرة)

قوله قده: (بل لكل عمرة مفردة. إلخ)

قال في المستند: (و إطلاقها يشمل كل من أراد العمرة المفردة من مكة أيضا، و ان لم يكن مفردا أو قارنا. إلخ) و لكن لا يخفى ان صحيح جميل بن دراج فهو ورد في خصوص العمرة المفردة بعد حج القران أو الأفراد كما هو واضح.

قوله قده: (و الأفضل أن يكون من الحديبية أو الجعرانة أو التنعيم فإنها منصوصة و هي من حدود الحرم على اختلاف بينها في القرب و البعد)

و في الجواهر: (لكن يستحب أن يكون من الجعرانة. أو

من التنعيم منه، للنصوص السابقة. و عن التذكرة:

«ينبغي الإحرام من الجعرانة، فإن النبي «صلى اللّه عليه و آله» أعتمر منها، فمن فاتته فمن التنعيم، لأنه أمر (ص) عائشة بالإحرام منه فمن فاته فمن الحديبية). و في كشف اللثام بعد ما نقل عن التذكرة بعين ما ذكرناه عنه من الجواهر قال: (لانه «صلى اللّه عليه و آله» لما غفل من حنين أحرم بالجعرانة، و لعل هذا دليل تأخير الحديبية و التنعيم عن الجعرانة فضلا، و تفصيل لما ذكره أو لا عن اعتماره منه) في الدروس نحو ذلك لكن فيه «ثم الحديبية، لاهتمامه به، و كأنه أراد الاهتمام بذكرها، حيث اختصت بالذكر في خبر عمر بن يزيد مع الجعرانة و في المحرم، و الأفضل الجعرانة، ثم الحديبية، ثم التنعيم. إلخ) و في الجواهر: (و ان كان استفادة الترتيب المزبور من النصوص لا يخلو من اشكال. إلخ) ما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره» هو الصواب، لعدم دلالة النصوص المتقدمة على ذلك و لا يمكن إثبات الأفضلية لأحدها فضلا عن لزوم الترتيب بفعل النبي «صلى اللّه عليه و آله» و وجه عدم إمكان لزوم الترتيب بفعل النبي (صلى اللّه عليه و آله) في مفروض المقام واضح.

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 21 من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 294

قوله قده: (فان الحديبية [1])

بالتخفيف أو التشديد بئر يقرب مكة على طريق جدة دون مرحلة ثم أطلق على الموضع. إلخ

قوله قده: (و الجعرانة [2])

بكسر الجيم و العين و تشديد الراء أو بكسر الجيم و سكون العين و تخفيف الراء موضع بين مكة و الطائف على سبعة أميال. إلخ

______________________________

[1] الحديبية: «بضم الحاء المهملة، ففتح الدال المهملة،

ثم ياء مثناة تحتانية ساكنة، ثم باء موحدة، ثم ياء مثناة تحتانية، ثم تاء التأنيث: و هي في الأصل اسم بئر خارج الحرم على طريق جدة عند مسجد الشجرة التي كانت عندها بيعة الرضوان». قال الفيومي: «دون مرحلتين». و قال النووي: «على نحو مرحلة من مكة». و عن الواقدي: «أنها على تسعة أميال من المسجد الحرام. و قيل: اسم شجرة حدباء ثم سميت بها قرية هناك ليست بكبيرة قيل: أنها من المحل. و قيل: من الحرم. و قيل: بعضها في الحل و بعضها في الحرم و يقال:

انها أبعد أطراف الحل إلى الكعبة، يخفف ياؤها الثانية، و يثقل فيكون منسوبا إلى المخففة». و في تهذيب الأسماء، عن مطالع الأنوار: «ضبطناها بالتخفيف عن المتقنين، و أما عامة الفقهاء و المحدثين فيشددونها انتهى».

و قال السهيلي: «: (التخفيف اعرف عند أهل العربية، و قال احمد بن يحيى: لا يجوز فيها غيره، و كذا عن الشافعي): و قال أبو جعفر النحاس (سالت كل من لقيت ممن أثق بعلميته من أهل العربية عن الحديبية فلم يختلفوا على في أنها مخففة. و قيل: (ان التثقيل لم يسمع من فصيح). انتهى ما في كشف اللثام قال في الحدائق: (قال ابن إدريس في السرائر: (الحديبية اسم بئر، و هو خارج الحرم يقال: الحديبية بالتخفيف و التثقيل. و سالت ابن العطار الفرهي؟؟ فقال: (أهل اللغة يقولون بالتخفيف، و أصحاب الحديث يقولونها بالتشديد، و خطه عندي بذلك و كان إمام اللغة ببغداد).

[2] الجعرانة: «بكسر الجيم و العين المهملة و تشديد الراء المهملة المفتوحة- كما عن الجمرة-» و عن الأصمعي و الشافعي: «بكسر الجيم، و إسكان العين، و تخفيف الراء قيل: العراقيون يثقلونه، و الحجازيون يخففونه». و

حكى عن ابن إدريس:

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 295

قوله قده: (و التنعيم [1]

موضع قريب مكة و هو أقرب أطراف الحل إلى مكة و يقال بينه و بين مكة أربعة أميال و يعرف بمسجد عائشة كذا في مجمع البحرين. إلخ).

قوله قده: (و أما المواقيت الخمسة، فعن العلامة «رحمه اللّه» في المنتهى: أن أبعدها من مكة ذو الحليفة، فإنها على عشرة مراحل من مكة، و يليه في البعد الجحفة، و المواقيت الثلاثة الباقية على مسافة واحدة بينها و بين مكة ليلتان قاصدتان. و قيل أن الجحفة على ثلاثة مراحل من مكة).

قد تقدم مقدار بعدها عن مكة المكرمة عند ذكرها و من أراد الوقوف على ذلك فليراجعها.

______________________________

«بفتح الجيم و كسر العين و تشديد الراء ايضا: و هي موضع بين مكة و الطائف، من الحل بينها و بين مكة ثمانية عشر ميلا على ما ذكره الباحي، سميت بريطة بنت سعد بن زيد مناة من تميم أو قريش كانت تلقب بالجعرانة. و يقال: انها المرادة: «بالتي نقضت غزلها». قال الفيومي: «انها على سبعة أميال عن مكة و هو سهو في سهو في سهو فان الحرم من جهته تسعة أميال أو بريد كما يأتي انتهى ما في كشف اللثام.

[1] التنعيم: «بلفظ المصدر سمي به موضع على ثلاثة أميال من مكة أو أربعة.

و قيل على فرسخين على طريق المدينة، به مسجد أمير المؤمنين (عليه السلام) و مسجد زين العابدين (عليه السلام) و مسجد عائشة. و سمي به، لان عن يمينه جبلا اسمه نعيم، و عن شماله جبلا اسمه ناعم، و اسم الوادي نعمان، و يقول. هو أقرب أطراف الحل إلى مكة»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 296

فصل في أحكام المواقيت

[مسألة 1 لا يجوز الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد]

قوله قده: (لا يجوز

الإحرام قبل المواقيت و لا ينعقد و لا يكفى المرور عليها محرما بل لا بد من ان شاءه جديدا. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه و النصوص وافية في الدلالة عليه). قال في المدارك: (فقال في المنتهى أنه قول علمائنا أجمع و الأخبار الواردة بعدم انعقاد الإحرام قبل هذه المواقيت مستفيضة) و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح ابن أبي عمير عن ابن أذينة قال: قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: من أحرم بالحج في غير أشهر الحج فلا حج له و من أحرم دون الميقات فلا إحرام له «1» 2- صحيح عبيد اللّه على الحلبي عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) لا ينبغي لحاج و لا معتمر أن يحرم قبلها و لا بعدها و ذكر المواقيت ثم قال: و لا ينبغي لأحد أن يرغب عن مواقيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله «2» 3- عن أحمد بن محمد عن على بن النعمان عن على بن عقبة عن ميسر قال: دخلت على أبى عبد اللّه «عليه السلام» و أنا متغير اللون، فقال لي: من أين أحرمت؟ قلت: من موضع كذا و كذا، فقال «عليه السلام»: رب طالب خير يزل قدمه. ثم قال: أ يسرك ان صليت الظهر في السفر أربعا!؟ قلت: لا: قال: فهو و اللّه ذاك «3»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 11 من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(2) الوسائل ج 2- الباب- 11 من أبواب المواقيت حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 11

من أبواب المواقيت حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 297

4- خبر زرارة عن أبى جعفر «عليه السلام» في حديث قال: و ليس لأحد أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) فإنما مثل ذلك من صلى في السفر أربعا و ترك اثنتين «1» و رواه الشيخ عن محمد بن يعقوب مثله.

قوله قده: (نعم يستثني من ذلك موضعان (أحدهما): إذا نذر الإحرام قبل الميقات، فإنه يجوز و يصح. إلخ)

هذا هو المعروف، بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا و في الجواهر: (كما صرح به كثير بل المشهور نقلا ان لم يكن تحصيلا. إلخ) و في كشف اللثام بعد ما حكم بعدم جواز الإحرام قبل هذه المواقيت للنصوص و الأصل و الإجماع خلافا للعامة قال: (الا لناذر الإحرام من مكان قبل الميقات فعليه الإحرام منه كما في النهاية و المبسوط و الخلاف و التهذيب و المراسم و المهذب و الوسيلة و النافع و الشرائع و الجامع و حكى عن المفيد «رحمه اللّه». إلخ) لا ينبغي الإشكال في ذلك و يدل عليه الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- ما رواه محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين، عن أحمد بن محمد بن أبى نصر، عن عبد الكريم عن سماعة، عن أبى بصير عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال:

سمعته، يقول: لو أن عبدا أنعم اللّه عليه نعمة أو ابتلاه ببلية فعافاه من تلك البلية فجعل على نفسه أن يحرم من خراسان كان عليه أن يتم «2».

2- ما رواه عن الحسين بن سعيد عن حماد، عن الحلبي أو على على اختلاف النسخ قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن

رجل جعل للّه عليه شكرا أن يحرم من الكوفة قال: فليحرم من الكوفة و ليف للّه بما قال «3».

3- ما رواه أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد بن إسماعيل. عن صفوان، على على بن

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 11- من أبواب المواقيت حديث 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 13 من أبواب المواقيت حديث: 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 13 من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 298

حمزة، قال: كتبت الى أبى عبد اللّه «عليه السلام» أسأله عن رجل: جعل للّه عليه أن يحرم من الكوفة؟ قال: يحرم من الكوفة «1». و لكن خالف في ذلك جماعة من الفقهاء و منهم ابن إدريس على ما حكاه صاحب كشف اللثام فلم يعتبر هذا النذر لانه نذر غير مشروع- كنذر الصلاة في غير وقتها، أو إيقاع المناسك في غير مواضعها- مع ضعف الاخبار و أما العلامة و أن حكم بصحة خبر الحلبي في المنتهى على ما نقل عنه إلا ان أكثر نسخ التهذيب بل قيل جميعها متفقة على ان السائل فيه: (على) و الظاهر انه ابن حمزة (على ما حكى في كشف اللثام) فان السند هكذا: (عن الحسين بن سعيد عن حماد عن على) و انما الحلبي بدله مذكور في نسخ الاستبصار على ما قيل مع ان السند فيه هكذا: (الحسين بن سعيد عن حماد عن الحلبي) و المعروف في الحلبي مطلقا عبيد اللّه و أخوه محمد، و حماد ان كان ابن عيسى فتبعد روايته عن عبيد اللّه بلا واسطة و ان كان ابن عثمان فتبعد رواية الحسين ابن سعيد عنه بلا واسطة و تبعد أيضا إرادة عمران من إطلاق الحلبي و التحقيق

انه على فرض تسليم عدم تماميتها من حيث السند فلا يضر ذلك بالاستدلال بها، لانجبارها بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» كما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره» في ذيل البحث حيث قال:

(و المناقشة في السند لو سلمت في الجميع مدفوعة بالشهرة، و في الدلالة: باحتمال ارادة المسير للإحرام من الكوفة أو خراسان أو نحو ذلك كما ترى على انها لا تنافي الظهور الذي هو المدار في الأحكام خصوصا مع عدم المعارض سوى قاعدة اعتبار مشروعية متعلق النذر في نفسه التي يجب الخروج عنها بما عرفت، سيما مع وجود النظير الذي قد مر في الصوم، فالاستناد إليها، كما عن الحلي و الفاضل في المختلف بل عن المصنف الميل إليه في المعتبر «بل في كشف اللثام: انه الأقوى كالاجتهاد في مقابلة النص. إلخ) و في المدارك: (احتج المانعون: بأن نذر التقديم نذر عبادة غير مشروعة فكان معصية فلا ينعقد نذرها و الجواب

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 13- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 299

ان هذه القاعدة مخصوصة بما نقلنا من الروايات، و لا استبعاد في ان يقول الشارع: ان الفعل محرم بدون النذر، و واجب معه، لمصلحة لا نعلمها، و بالجملة فقول ابن إدريس:

متجه لو لا ورود الرواية الصحيحة بالجواز) ثم انه لا فرق بين ان يكون نذره من كوفة أو خراسان أو غيرهما من البلاد و أما ما ذكر في منطوقها: (الكوفة و الخراسان) فلا يضر بعد فهم المثالية منهما فلا خصوصية لهما (كما هو واضح)

قوله قده: (و لا يضر عدم رجحان ذلك بل مرجوحيته قبل النذر، مع ان اللازم كون متعلق النذر به راجحا و ذلك لاستكشاف رجحانه بشرط النذر

من الاخبار و اللازم رجحانه حين العمل و لو كان ذلك للنذر و نظيره مسألة الصوم في السفر المرجوح أو المحرم من حيث هو مع صحته و رجحانه بالنذر و لا بد من دليل يدل على كونه راجحا بشرط النذر فلا يرد: ان لازم ذلك صحة نذر كل مكروه أو محرم و في المقامين المذكورين الكاشف هو الاخبار. إلخ)

ما أفاده المصنف «قدس سره» بقوله أن اللازم رجحانه حين العمل و لو كان ذلك للنذر بظاهره غير صحيح، لاستلزامه للدور، لان المفروض ان صحة النذر متوقفة على الرجحان و هو على الفرض متوقف على النذر، و هذا- كما ترى- دور صريح المجمع على بطلانه اللهم الا ان يقال: ان الاخبار الواردة في المقام الدالة على صحة النذر هنا انما تدل على رجحان العمل حين النذر لا على ان رجحانه آت من قبل النذر حتى يلزم الدور، فان من الممكن ان يكون رجحانه متوقفا على إرادة النذر أو على النذر الجامع لشرائط الصحة سوى شرط الرجحان، و كيف كان فلا حاجة الى إثبات رجحان العمل من دون توقف ذلك على النذر فان غاية الأمر ان تكون الأخبار الواردة في ما نحن فيه مخالفة لما دل على اشتراط الرجحان في متعلق النذر فنقول: انها تقدم عليه بالأخصية هذا كله بناء على اعتبار الرجحان في متعلق النذر- كما هو المشهور- و الا فلا اشكال حتى نحتاج الى الجواب فتقدم اخبار ما نحن فيه على الاخبار الدالة على عدم جواز الإحرام

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 300

قبل الميقات بالأخصية.

قوله قده: (فالقول بعدم الانعقاد كما عن جماعة لما ذكر لا وجه له لوجود النصوص و إمكان تطبيقها على القاعدة. إلخ)

يظهر

من كلام صاحب الجواهر (قدس سره) المتقدم ان المراد بالجماعة المذكورة في المتن هو الحلي و العلامة في المختلف و عن المحقق في المعتبر الميل اليه و صاحب كشف اللثام «قدس سرهم»

قوله قده: (و في إلحاق العهد و اليمين بالنذر و عدمه وجوه: ثالثها: إلحاق العهد دون اليمين و لا يبعد الأول، لإمكان الاستفادة من الاخبار، و الأحوط: الثاني لكون الحكم على خلاف القاعدة. إلخ)

يمكن ان يتوهم ان كلام المصنف في ما نحن فيه، و هو: (لكون الحكم على خلاف القاعدة) مع ما سبق منه من تطبيقه لصحة النذر في ما نحن فيه على القاعدة متهافتان، لكن الظاهر عدم التهافت بينهما، و ذلك لان مراده (قدس سره) مما ذكر في ما سبق من إمكان التطبيق على القاعدة، هو كونه كذلك من حيث اشتراط الرجحان أو عدم المرجوحية في متعلق النذر، لأنه يكفي الرجحان حين العمل و الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) فيما نحن فيه كاشفة عنه حينه. و أما مراده (قدس سره) مما ذكره هنا من كونه على خلاف القاعدة: اى انه على خلاف الإطلاقات الواردة في عدم جواز الإحرام قبل الميقات المقتضية لعدم الرجحان و ثبوت المرجوحية مطلقا. ثم ان ما أفاده المصنف «قدس سره» بقوله: «لا يبعد الأول». و هو انما يكون لأجل انه لم يذكر في اخبار الباب عنوان النذر أو العهد أو اليمين فمقتضى إطلاقها شمول جميعها. لكن التحقيق أن الظاهر من قوله: (جعل للّه عليه أن يحرم من كذا) هو ارادة النذر فلا تشمل غيره نعم يمكن استفادة التعميم من إطلاق قوله: (فجعل على نفسه ان يحرم) الواقع في خبر أبى بصير المتقدم لا من جهة ما قيل من

كونها من باب واحد و حقيقة واحدة و وجه شمول إطلاقه للعهد و اليمين هو انه كما ترى لم يذكر فيه صيغة النذر و هو: (للّه) فالعبرة انما يكون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 301

على الالتزام و الجعل على النفس و هذا المعنى كما يحصل بسبب النذر كذلك يحصل بسبب العهد و اليمين كما لا يخفى.

قوله قده: (و لا يلزم التجديد في الميقات و لا المرور عليها و ان كان الأحوط التجديد خروجا عن شبهة الخلاف. إلخ)

قال في كشف اللثام: (و طريق الاحتياط واضح و هو ما في المراسم و حكى عن الراوندي من الإحرام مرتين في المنذور و في الميقات و لكن التحقيق، انه لا وجه له أصلا بعد تمامية أدلة المتقدمة الدالة علي صحة إحرام المنذور و أشكل مما ذكر هو ما حكاه صاحب كشف اللثام «رضوان اللّه تعالى عليه» عن بعض:

(من أنه إذا نذر إحراما واجبا وجب تجديده في الميقات و الا استحب) فإنه- مضافا الى عدم تمامية أصل الحكم- انه لا وجه لهذا التفصيل أصلا. كما لا يخفى.

قوله قده: (و الظاهر اعتبار تعيين المكان فلا يصح نذر الإحرام قبل الميقات مطلقا فيكون مخيرا بين الأمكنة، لأنه القدر المتيقن بعد عدم الإطلاق في الاخبار، نعم.

لا يبعد الترديد بين المكانين بأن يقول: «للّه على أن أحرم أما من الكوفة أو من البصرة» و أن كان الأحوط خلافه. إلخ)

الظاهر عدم ثبوت إطلاق للأخبار الواردة في المقام يشمل فرض الترديد، فلا فرق بين ما إذا نذر الإحرام قبل الميقات مطلقا أو مرددا، لان كلا منهما غير المتيقن من الإطلاق بل صورة الترديد يكون أسوء حالا من صورة الإطلاق لأنه كما بين في محله لا

بد و أن يكون للنذر مصبا كي يحكم بتحققه و فرض الترديد ليس كذلك و أما عنوان المردد و ان كان له مفهوما و لكن ليس له مصداقا خارجيا كي تعلق النذر به كما لا يخفى و قد مر تفصيل الكلام في ذلك في محله.

قوله قده: (و لا فرق بين كون الإحرام للحج الواجب و المندوب أو للعمرة المفردة. إلخ)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لإطلاق النصوص المتقدمة.

قوله قده: (نعم لو كان للحج أو عمرة التمتع يشترط أن يكون في أشهر الحج

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 302

لاعتبار كون الإحرام لهما فيها و النصوص انما جوزت قبل الوقت المكاني فقط. إلخ)

لا ينبغي الإشكال في ذلك ايضا لعدم ورود أخبار الباب في مقام البيان من هذه الجهة حتى يستفاد من إطلاقها سقوط قيد الزمان الخاص و غاية ما دلت عليها هي دلالتها على صحة النذر إذا قدمه على الميقات و أما صحة نذره إذا نذر تقديم الإحرام على أشهر الحج أيضا فلا بعبارة أوضح أنها دلت على الصحة في صورة التقديم من حيث المكان و أما مطلقا حتى من حيث الزمان فلا فتدبر.

قوله قده: (ثم لو نذر و خالف نذره فلم يحرم من ذلك المكان نسيانا أو عمدا لم يبطل إحرامه إذا أحرم من الميقات نعم عليه الكفارة إذا خالفه عمدا)

لا ينبغي الإشكال في ذلك أما وجه عدم بطلان إحرامه إذا تركه نسيانا فهو واضح و أما إذا تركه عمدا فلأجل أنه غاية ما في الباب هو تحقق العصيان بالنسبة إلى مخالفته النذر و هذا لا يدل على عدم صحة إحرامه من الميقات كما لا يخفى الا على القول باقتضاء الأمر بالشي ء للنهى عن ضده و لكن

قد قرر في الأصول عدم اقتضاءه له و أما ثبوت الكفارة في هذا الفرض فلأجل تحقق الحنث المتحقق بتركه. فاحرامه من الميقات صحيح.

قوله قده: ( «ثانيهما»: إذا أراد إدراك عمرة رجب و خشي تقضيه إن أخر الإحرام إلى الميقات فإنه يجوز له الإحرام قبل الميقات و تحسب له عمرة رجب و أن أتى لبقية الأعمال في شعبان. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا قال في الجواهر في شرح قول ماتنه: [و لمن أراد العمرة المفردة في رجب و خشي تقضيه]» بلا خلاف أجده فيه. بلى عن المعتبر: «عليه اتفاق علمائنا» و في المنتهى: «و على ذلك فتوى علمائنا». و في المسالك: «هو موضع نص و وفاق»). لا ينبغي الإشكال في ذلك و يدل عليه- مضافا الى اتفاق الأصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم- ما رواه صفوان بن يحيى عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 303

«عليه السلام»: عن الرجل يجي ء معتمرا ينوي عمرة رجب فيدخل عليه الهلال (هلال شعبان) قل أن يبلغ العقيق فيحرم قبل الوقت و يجعلها لرجب أم يؤخر الإحرام إلى العقيق و يجعلها لشعبان؟ قال: يحرم قبل الوقت لرجب فيكون لرجب فضلا و هو الذي نوى «1» و رواه الكليني عن أبى على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان و الذي قبله عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن معاوية. و ما رواه الحسين بن سعيد عن فضالة عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: ليس ينبغي أن يحرم دون الوقت الذي وقته رسول اللّه «صلى اللّه عليه و

آله» الا أن يخاف فوت الشهر في العمرة «2». و مقتضى إطلاق الثانية جواز ذلك حتى لإدراك عمرة غير رجب، حيث أن لكل شهر عمرة- كما أفاده المصنف «قدس سره»- و لكن الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» خصصوا ذلك برجب قال في الجواهر: (لكن الظاهر اختصاص الحكم المزبور في عمرة رجب و الصحيح الأول [مراده قدس سره منه صحيحة معاوية بن عمار] و أن كان مطلقا الا انه لم أجد به عاملا في غير رجب، و لعله للعلة التي أشار الإمام في الصحيح الآخر. إلخ).

قوله قده: (و الأولى و الأحوط مع ذلك التجديد في الميقات كما أن الأحوط التأخير إلى آخر الوقت و أن كان الظاهر جواز الإحرام قبل الضيق إذا علم عدم الإدراك إذا أخره إلى الميقات. إلخ)

لكن التحقيق: أنه لا يعتبر وقوع الإحرام بعد الضيق إذا علم عدم الإدراك قبله بل يجوز له الإحرام في المقام و لو قبل الضيق، و ذلك لإطلاق الأخبار الواردة في المقام نعم الاحتياط مطلب آخر فما أفاده صاحب الجواهر في مفروض المقام بقوله: (و ان كان الأقوى الجواز فيه مطلقا مع خوف الفوات) هو الصواب و لكن لو علم عدم الإدراك و أحرم قبل الميقات ثم بان الخلاف فيجب عليه الإحرام من الميقات

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 12- من أبواب المواقيت حديث 2.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 12- من أبواب المواقيت حديث 1.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 304

بناء على ما هو الحق من عدم الاجزاء في صورة كشف الخلاف على ما بين في محله و أن قيل بالاجزاء في مسألة البدار في صورة القطع بعدم زوال العذر الى آخر الوقت مع كشف الخلاف فيه.

قوله قده:

(و الظاهر عدم الفرق بين العمرة المندوبة و الواجبة بالأصل أو بالنذر و نحوه)

لكن الظاهر ليس كذلك لان المنساق منها هو العمرة المندوبة فتأمل

[مسألة 2 و كذلك لا يجوز تأخير الإحرام عن المواقيت]

قوله قده: (كما لا يجوز تقديم الإحرام على الميقات كذلك لا يجوز التأخير عنها. إلخ)

لا ينبغي الكلام في ذلك و هو المعروف بين الفقهاء قديما و حديثا و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع بقسميه، و يدل عليه الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام»- منها:

1- صحيح صفوان بن يحيى، عن أبى الحسن الرضا «عليه السلام» قال: كتبت اليه: بعض مواليك بالبصرة يحرمون ببطن العقيق و ليس بذلك الموضع ماء و لا منزل.

الى ان قال: فكتب ان رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» وقت المواقيت لأهلها و من أتى عليها من غير أهلها، و فيها رخصة لمن كانت به علة، فلا تجاوز الميقات الا من علة «1» 2- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» و لا تجاوزها الا و أنت محرم «2» 3- صحيح ابن أبي عمر عن حماد، عن الحلبي، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حديث: (و لا تجاوز الجحفة إلا محرما «3». و أنت ترى أن مقتضاها عدم جواز التجاوز عن الميقات اختيارا لمن أراد الحج أو العمرة أو دخول مكة بدون إحرام- كما أفاده المصنف «قدس سره» في المتن-

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 15- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 16- من أبواب المواقيت حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 16- من أبواب المواقيت حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 2، ص: 305

قوله قده: (بل الأحوط عدم المجاوزة عن محاذاة الميقات أيضا إلا محرما و ان كان أمامه ميقات آخر. إلخ)

يمكن أن يقال بعدم حرمة المرور من المحاذاة بلا إحرام، لعدم كونه كالميقات في جميع الآثار كي يحرم المرور عليه، لعدم الدليل على عموم المنزلة في أن المحاذاة بمنزلة الميقات في جميع الآثار، لانه لم يرد في لسان الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» عنوان: أن المحاذاة بمنزلة الميقات، كي يجرى عليه جميع أحكامه، فعليه تكون كالميقات في جواز الإحرام له منها.

لكن التحقيق: هو حرمة المرور منها بلا إحرام، كما يكون كذلك المرور من الميقات بلا إحرام، و ذلك لما تقدم من صحيحتي ابن سنان، لان قوله «عليه السلام» فيهما:

(فليكن إحرامه من مسيرة ستة أميال. إلخ) ظاهر في الوجوب فتركه حرام. نعم، إذا لم يرد الأعمال فلا مانع له من أن يمر من المحاذاة بلا إحرام و لو كان مريدا لدخول مكة لقوله (عليه السلام) فيهما: (و هو يريد الحج) و هذا بخلاف الميقات، لحرمة المرور منه بلا إحرام لمن أراد دخول مكة، بل و كذا الحرم بناء على حرمة الدخول في الحرم أيضا بلا إحرام على ما دل عليه بعض النصوص الآتي ان لم نقل بكونه معرضا عنه.

قوله قده: (فلو لم يحرم منها وجب العود إليها مع الإمكان إلا إذا كان امامه ميقات آخر فإنه يجزيه الإحرام منها و ان أثم بترك الإحرام من الميقات الأول)

. يشكل ما أفاده (قدس سره) في المقام تبعا لهم بما سيأتي (أن شاء اللّه تعالى) من الاخبار الآمرة لمن ترك الإحرام جهلا أو نسيانا بالرجوع الى ميقات أهل أرضه.

قوله قده: (و أما إذا لم يرد النسك و لا

دخول مكة بأن كان له شغل خارج مكة و لو كان في الحرم فلا يجب الإحرام. نعم، في بعض الأخبار وجوب الإحرام من الميقات إذا أراد دخول الحرم و ان لم يرد دخول مكة، لكن قد يدعى الإجماع على عدم وجوبه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 306

و ان كان يمكن استظهاره من بعض الكلمات).

مراده (قدس سره) من بعض الاخبار هو ما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر عن عاصم بن حميد قال: قلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام» يدخل الحرم أحد إلا محرما؟ قال: لا الا مريض أو مبطون «1» و ما رواه محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام): هل يدخل الرجل: الحرم بغير إحرام؟ قال: لا الا أن يكون مريضا أو به بطن «2» و مقتضى ظاهرهما- كما ترى- عدم جواز دخول الحرم بغير إحرام، فحينئذ ان ثبت إعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنهما فلا يمكن العمل بهما حينئذ لخروجهما عن حين دليل الحجية و الاعتبار فالمتعين هو الطرح أو الحمل على صورة إرادة دخول مكة من دخول الحرم لأنه أولى من الطرح و الا فلا موجب لرفع اليد عن ظاهرهما. و صاحب المدارك «قدس سره» و ان ادعى إجماع العلماء على عدم وجوب الإحرام لمن مر على الميقات و هو لا يريد دخول مكة بل يريد حاجة في سواها الا أن ثبوته غير معلوم لما في محكي المستند: (و مقتضى بعض هذه الأخبار عدم جواز دخول الحرم بغير إحرام كما حكى الفتوى به عن جمع و هو الأحوط بل الأظهر).

[مسألة 3 لو أخر الإحرام من الميقات عالما عامدا]

قوله قده: (لو أخر الإحرام من الميقات عالما عامدا و لم يتمكن من العود إليها- لضيق الوقت أو

لعذر آخر- و لم يكن أمامه ميقات آخر بطل إحرامه و حجه على المشهور الأقوى. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء، «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا قال في الجواهر: (أما لو أخره عامدا مريدا للنسك لم يصح إحرامه للحج حتى يعود الى الميقات و حينئذ فلو تعذر لم يصح إحرامه وفاقا للأكثر بل المشهور بل ربما يفهم من غير واحد عدم خلاف فيه بيننا مؤاخذة له بسوء فعله و لإطلاق ما دل على اعتبار الوقت في صحة الإحرام المقتصر في تقييده على من عرفت بخلاف الفرض و إطلاق صحيح الحلبي غير معلوم الشمول له- كما اعترف به بعضهم- و (دعوى): تنزيل إطلاق

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 50 من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 50 من أبواب الإحرام حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 307

دليل الشرطية على غير صورة التعذر ليس بأولى من تنزيل إطلاق صحيح الحلبي على غير الفرض بل هو أولى من وجوه فحينئذ لا يصح إحرامه من غيره حتى لو كان الحج واجبا عليه مضيقا لما عرفت خلافا للمحكي عن جماعة من المتأخرين. بل قيل: انه يحتمل إطلاق المبسوط و المصباح و مختصره و على كل حال فلو جاء بالمناسك من دون إحرام أو معه دون الميقات كان حجه فاسدا و وجب عليه قضاءه) لا ينبغي الإشكال في ذلك و هذا مما تقتضيه القاعدة و لكن يمكن دعوى الخروج عن مقتضاها بصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ فقال: يرجع الى ميقات بلاده الذي يحرمون منه فيحرم فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم من مكانه فان استطاع أن

يخرج من الحرم فليخرج «1» ب (دعوى): شمول إطلاقه لفرض ترك الإحرام عن عمد- كما أفاده صاحب المستند «قدس سره»- و لكن يمكن المناقشة فيه بمنع شمول إطلاق صحيح الحلبي لهذا الفرض، لانه لا يوجد ظاهرا من كان عالما بالحكم و الموضوع و قاصدا للحج و متحملا للمشاق الكثيرة من الذهاب و الإياب و مع ذلك ترك الإحرام منه عمدا و على فرض وجوده فهو نادر بحكم العدم فيكون الفرض خارجا عن مورد الصحيحة فحجة في مفروض المقام- كما أفاده المصنف تبعا للأكثر- باطل لان الاضطرار و عدم المكنة من العود إليها لضيق الوقت أو غيره انما يكون موجبا للاكتفاء بالإحرام من مكانه إذا كان منشأه النسيان أو الجهل و أما إذا كان العمد فلا و من هنا أشكل في نظائره:

1- أشكل الحكم بجواز التيمم و صحة الصلاة به لمن ترك التوضؤ عمدا الى ان ضاق الوقت، للمناقشة في شمول ما دل على كون التيمم بدلا عن الوضوء في صورة العذر، لمثل الفرض لان مورده هو ما إذا كان عدم التمكن من الوضوء لأجل ضيق الوقت الناشئ من تركه لعذر

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 308

و أما إذا كان ذلك لأجل العمد فلا.

2- أشكل شمول ما دل على كون درك ركعة من الصلاة في الوقت بدلا عن الوقت الاختياري- و هو دركها تماما في الوقت- لصورة العمد، للقول بأن مورده ما إذا لم يأت بالعمل الى قريب آخر الوقت لأجل العذر فحينئذ درك ركعة في الوقت بدل عن دركها تماما و أما إذا كان التأخير مستندا الى سوء اختياره و عمده فلا.

3- أشكل شمول

ما دل على كون النصف من الليل الى طلوع الفجر بدلا عن الوقت الاختياري- و هو من أول الليل الى نصفه- لمثل الفرض، للقول بأن مورده هو ما إذا كان التأخير الى ذلك الوقت لأجل عذر يعذره اللّه تعالى بحيث لم يكن متمكنا من الإتيان بها في وقتها الاختياري و أما إذا كان تركها في وقتها الاختياري بدون عذر فلا. و لكن يمكن رفع الإشكال في المقام بمثل ما رفعناه في نظائره على ما بيناه في محله و كيف كان ان قلت: أن القاعدة تقتضي سقوط خصوصية الميقات عنه بعد فرض كون رجوعه اليه مفوتا للموقف فيقدم الموقف عليها بالأهمية نظير سقوط بعض شرائط صحة الصلاة عند مزاحمته للوقت لاهمية الوقت و لو كانت مزاحمته بسوء اختياره فلا نحتاج حينئذ إلى التمسك بإطلاق الحديث كي يشكل قلت: لا يخفى ما فيه، أما (أولا): فلمنع أهمية الموقف من وقوع الإحرام من الميقات لعدم ورود دليل تعبدي على ذلك. و (ثانيا): يمكن أن يقال عدم كفاية صرف أهمية الموقف في ذلك بل يشترط فيه أيضا أهمية الفورية و لم يرد دليل على ذلك. و (ثالثا): انه بعد فرض تسليم أهمية الموقف و الفورية نقول: ان من المحتمل أن لا يكون لمطلق الإحرام و لو من غير الميقات مطلوبية أصلا حتى يحكم بسقوط القيد الزائد عليه و هو كونه من الميقات و الحاصل: أن مقتضي القاعدة في ما تعذر جزئه أو شرطه و لو من جهة المزاحمة مع جزء آخر أو شرط كذلك هو البطلان فظهر انه لا يمكن القول بسقوط قيد الميقات كما انه ظهر عدم إمكان القول ايضا بسقوط أصل الإحرام.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 309

قوله قده: (و وجب عليه قضاءه إذا كان مستطيعا و أما إذا لم يكن مستطيعا فلا يجب و أن أثم بترك الإحرام بالمرور على الميقات خصوصا إذا لم يدخل مكة و القول بوجوبه عليه و لو لم يكن مستطيعا ب (دعوى): وجوب ذلك عليه إذا قصد مكة فمع تركه يجب قضاءه لا دليل عليه خصوصا إذا لم يدخل مكة، و ذلك لان الواجب عليه انما كان الإحرام لشرف البقعة- كصلاة التحية في دخول المسجد- فلا قضاء مع تركه)

ما أفاده «قدس سره» (أولا): من وجوب قضاءه- اى أدائه في العام القابل- إذا كان مستطيعا و ما أفاده (ثانيا): من عدم الوجوب مع عدم الاستطاعة و ما أفاده من عدم الدليل على القول بوجوبه جميعها صحيح و لا ينبغي الإشكال فيها و لكن قال الشهيد (قدس سره) في المسالك على ما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره»: (و حيث تعذر رجوعه مع التعمد يبطل نسكه و يجب عليه قضاءه و ان لم يكن مستطيعا للنسك بل كان وجوبه بسبب ارادة دخول الحرم فان ذلك موجب للإحرام فإذا لم يأت به وجب قضائه كالمنذور. نعم، لو رجع بعد تجاوز الميقات و لما يدخل الحرم فلا قضاء عليه و ان أتم بتأخير الإحرام و ادعى العلامة في التذكرة الإجماع عليه) و اعترضه عليه صاحب المدارك «قدس سره» فيها حيث قال: (على ما حكاه صاحب الجواهر: (هو غير جيد لان القضاء فرض مستأنف فيتوقف على الدليل و هو منتف هنا، و الأصل سقوط القضاء- كما اختاره في المنتهى و استدل عليه: بأصالة البراءة من القضاء، و بأن الإحرام مشروع لتحية البقعة فإذا لم يأت سقط- كتحية المسجد- و هو حسن). قال

صاحب الجواهر بعد ما نقل كلام صاحب المدارك: (قلت:

و يمكن ان يريد الشهيد وجوب القضاء على تارك الإحرام من الميقات و مع ذلك قد دخل الحرم حاجا و لو بإحرام من دونه). و لكن فيه ما لا يخفى أما (أولا): فلأنه خلاف ظاهر قوله: (فان ذلك موجب للإحرام) و (ثانيا): انه لم يرد دليل تعبدي على وجوب القضاء في ما نحن فيه، فبدونه كيف يمكن القول به و إذا شك فالمرجع هو الأصل العملي

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 310

- أي البراءة- فما ذا أفاده المصنف «قدس سره» في مفروض المقام تبعا لصاحب المدارك هو الصواب.

قوله قده: (مع أن وجوب الإحرام لذلك لا يوجب وجوب الحج عليه. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» هو الصواب، لانه على فرض تسليم وجوب قضاء الإحرام لا يقتضي ذلك وجوب الحج عليه، لانه لا مانع أن يحرم و لو للعمرة المفردة و أما وجوب الحج عليه حينئذ فليس له دليل.

قوله قده: (و ذهب بعضهم إلى انه لو تعذر عليه العود الى الميقات أحرم من مكانه- كما في الناسي و الجاهل- نظير: ما إذا ترك التوضؤ الى أن ضاق الوقت، فإنه يتيمم و تصح صلاته و ان أثم بترك الوضوء متعمدا، و (فيه): ان البدلية في المقام لم تثبت بخلاف مسألة التيمم و المفروض انه ترك ما وجب عليه متعمدا).

و قد حكاه هذا القول- و هو إحرامه من مكانه لو تعذر عليه العود الى الميقات في مفروض المقام- صاحب الجواهر «قدس سره» عن جماعة من المتأخرين، حيث قال: (لا يصح إحرامه من غيره حتى لو كان الحج واجبا عليه مضيقا، لما عرفت، خلافا للمحكي عن جماعة من المتأخرين بل قيل: انه

يحتمل إطلاق المبسوط و المصباح و مختصره). و قواه صاحب كشف اللثام.

و صاحب المستند بعد ما حكم بأن ذا المانع من الإحرام كالناسي و الجاهل من حيث الحكم، و كذا من لا يريد النسك أو لا ممن لا يريد دخول مكة، أو جاز له دخول مكة بغير إحرام- كالمتكرر مثلا- إذا قصد النسك بعد مروره على الميقات أو تجدد له قصد دخول مكة بعد المرور عليه قال: (بل و كذا تارك الإحرام عمدا عصيانا فإنه كمن ذكر في جميع الأحكام، اما في الرجوع الى الميقات و الإحرام منه فبالإجماع، و وجهه ظاهر. و أما ما في الأحكام، فوفاقا للمحكي عن المبسوط و المصباح و مختصرة و جماعة من متأخري المتأخرين لإطلاق صحيحة الحلبي الاولى. و (دعوى): عدم انصرافه الى العامد ممنوعة، و خلافا

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 311

للأكثر فحكموا بفوات الحج عنه، لعدم ثبوت الاذن له من الشارع، و للإطلاقات المتقدمة النافية للإحرام عمن أحرم دون الميقات. و يرد: بثبوت الاذن، بما مر، و شمول الإطلاقات لما قبل الميقات أيضا فيكون أعم مطلقا فيجب تخصيصها بما مر قطعا).

و نتيجة كلام صاحب المستند «قدس سره»- كما ترى- هو تنزيل إطلاق أدلة التوقيت على غير فرض التعذر من الرجوع الى الميقات. و لكن يمكن المناقشة فيه- مضافا الى إمكان دعوى انصراف إطلاق صحيحة الحلبي عن هذا الفرض، لما عرفت سابقا لعدم وجود شخص كذلك و على فرض وجوده فنادر و هو بحكم العدم- بما أفاده صاحب الجواهر «قدس سره» في كلامه المتقدم و هو أن تنزيل إطلاق أدلة التوقيت على غير صورة التعذر ليس بأولى من إطلاق صحيحة الحلبي على غير هذا الفرض و هو

غير العامد و لكنه لا يخلو من تأمل.

[مسألة 4 لو كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمدا]

قوله قده: (لو كان قاصدا من الميقات للعمرة المفردة و ترك الإحرام لها متعمدا يجوز له أن يحرم من أدنى الحل و ان كان متمكنا من العود الى الميقات فادنى الحل له مثل كون الميقات امامه و أن كان الأحوط مع ذلك العود الى الميقات و لو لم يتمكن من العود و لا الإحرام من ادنى الحل بطلت متعته).

ما أفاده «قدس سره» بقوله أولا، (يجوز له أن يحرم. إلخ مما لا اشكال فيه، لكون أدنى الحل ميقات اختياري للعمرة المفردة- كما عرفته في الميقات العاشر- و أما مروره على الميقات بلا إحرام فهو لا يوجب خروج الأدنى الحل عن كونه ميقاتا لها بل غاية ما في الباب هو تحقق الإثم لذلك و في الجواهر:

(ثم أن ظاهر المتن و القواعد و غيرهما بطلان الإحرام منه و لو للعمرة المفردة و حينئذ فلا يباح له دخول مكة حتى يحرم من الميقات بل عن بعض الأصحاب التصريح بذلك لكن قد يقال: أن المراد بطلان الإحرام لا للعمرة المفردة التي أدنى الحل ميقات لها اختياري و ان أثم بتركه الإحرام عند مروره بالميقات، بل قيل: أن الأصحاب صرحوا بذلك لا بطلانه مطلقا و يمكن صرف ظاهر المتن و غيره اليه و لعله أقوى). اللهم ألا ان يقال أن ما دل على

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 312

ان أدنى الحل ميقات للعمرة المفردة لا يشمل مفروض المقام لاختصاصه بمن أراد أن يخرج من مكة ليعتمر كما هو صريح الرواية المتقدمة، فعليه يكون المرجع ما دل على التوقيت الشامل بإطلاقه للعمرة المفردة، فيتعين عليه الرجوع الى ميقاته، و لكن فيه تأمل واضح

و ذلك لان ما ورد: ان من أراد أن يخرج من مكة ليعتمر انما يستفاد منه انه لما كان لمن أراد ان يعتمر من مكة ميقات و هو أدنى الحل لا يلزمه الذهاب الى ميقات آخر بعيد و هذا لا يدل على اختصاصه به بعد ان كان ادنى الحل ميقاتا اختياريا للعمرة المفردة كما لا يخفى، ثم أن ما افاده المصنف «قدس سره» بقوله:) و لو لم يتمكن من العود. إلخ «فهو ايضا مما لا ينبغي الإشكال فيه، لان الظاهر اختصاص الأخبار الآتية الدالة على جواز الإحرام من موضعه إذا لم يتمكن من الرجوع الى الميقات بالحج التمتع أو غيره.

ان قلت: انه يجرى الحكم في العمرة المفردة بالأولويّة. قلت: ان المعتبر منها- كما بيّنا مرارا و كرارا- هو القطيعة لا الظنّية، و حصول ذلك في المقام غير معلوم، لعدم العلم بملاكات الأحكام و موانعها، فلا يمكن التّعدي عن موردها الى مفروض المقام.

لانه قياس و هو باطل.

[مسألة 5 لو كان مريضا لم يتمكن من النّزع و لبس الثوبين يجزيه النيّة و التلبية]

قوله قده: (لو كان مريضا لم يتمكن من النّزع و لبس الثوبين يجزيه النيّة و التلبية فإذا زال عنه عندها نزع و لبسهما و لا يجب حينئذ عليه العود الى الميقات. إلخ)

يمكن الاستدلال لذلك بمرسل أبى شعيب المحاملي عن بعض أصحابنا عن أحدهما قال: إذا خاف الرجل على نفسه أخر إحرامه إلى الحرم «1» و صحيح صفوان المتقدم قال (عليه السلام) فيه:

(فلا تجاوز الميقات الا من علة) قال في الجواهر: (لا يجوز تأخير الإحرام اختيارا إجماعيا بقسميه و نصوصا، نعم لو أخره عن الميقات لمانع من مرض و نحوه جاز، على ما صرح به الشّيخ في محكي النّهاية قال فيها: (ان من عرض له مانع من الإحرام جاز له

ان يؤخر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب المواقيت حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 313

عن الميقات فإذا زال المانع أحرم من الموضع الذي انتهى اليه و لعله للحرج و قول أحدهما. الى أن قال: لكن عن ابن إدريس أن المراد من ذلك تأخير الصورة الظاهر للإحرام من التعري و لبس الثوبين دون غيرهما، فان المرض و التقية و نحوهما لا تمنع النية و التلبية. إلخ.

قوله قده: (نعم لو كان له عذر عن أصل إن شاء الإحرام- لمرض أو إغماء ثم زال وجب عليه العود الى الميقات إذا تمكن، و الا كان حكمه حكم الناسي في الإحرام من مكانه إذا لم يتمكن الا منه، و ان تمكن العود في الجملة وجب. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» من وجوب العود الى الميقات على من زال عذره لمن كان معذورا عن أصل أن شاء الإحرام فمما لا ينبغي الإشكال فيه، و وجهه واضح. و أما ما أفاده من أن حكمه حكم الناسي في الإحرام إذا لم يتمكن العود فيمكن المساعدة عليه، لإطلاق بعض الأخبار الآتي الوارد في نسيان الإحرام من الميقات، ان لم نقل بانصرافه عنه،

قوله قده: (و ذهب بعضهم إلى انه إذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره، لمرسل جميل عن أحدهما في مريض أغمي عليه فلم يفق حتى أتى الموقف؟ قال «عليه السلام»:

يحرم عنه رجل «1» و الظاهر، أن المراد انه يحرمه رجل و يجنّبه عن محرمات الإحرام، لا انه ينوب عنه في الإحرام)

قد ذهب إليه جماعة من الفقهاء، و هو المحكي عن النهاية و المبسوط و غيرهما. و في محكي الدروس: و لو جن في الميقات أو أغمي عليه أحرم عنه وليه

و جنبه ما يتجنبه المحرم) و نحوه كلام غيره.

قوله قده: (و مقتضى هذا القول عدم وجوب العود الى الميقات بعد إفاقته و ان كان ممكنا و لكن العمل به مشكل، لإرسال الخبر و عدم الجابر، فالأقوى العود مع الإمكان، و عدم الاكتفاء به مع عدمه).

ما أفاده «قدس سره» من أن العمل به

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب المواقيت ذيل حديث: 1

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 2، ص: 314

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 314

مشكل لأجل إرساله انما يتم في صورة عدم حصول الاطمئنان بصحة الخبر لأجل ذهاب جماعة من الأصحاب إلى العمل به و الا فلا بأس بالعمل به كما لا يخفى

[مسألة 6 إذا ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا]

قوله قده: (إذا ترك الإحرام من الميقات ناسيا أو جاهلا بالحكم أو الموضوع وجب العود اليه مع الإمكان. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا، بل الظاهر عدم الخلاف فيه، و هو على طبق القاعدة، و يدل عليه جملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل نسي أن يحرم حتى دخل الحرم؟ قال «عليه السلام»: قال أبى «عليه السلام»: يخرج الى ميقات أهل أرضه فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «1» 2- صحيحة الآخر، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ فقال «عليه السلام»: يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه فيحرم، فإن خشي أن يفوته الحج فليحرم

من مكانه، فان استطاع أن يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «2».

3- صحيح معاوية بن عمار، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن امرأة كانت مع قوم فطمثت فأرسلت عليهم فسألتهم فقالوا: ما ندري أ عليك إحرام أم لا و أنت حائض فتركوها حتى دخلت الحرم؟ فقال «عليه السلام»: أن كان عليها مهملة فترجع الى الوقت فلتحرم منه، فان لم يكن عليها وقت فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا تفوتها «3».

4- خبر على بن جعفر «عليه السلام» عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 7

(3) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 315

قال: سألته عن رجل ترك الإحرام حتى أنتهي الى الحرم كيف يصنع؟ قال يرجع الى ميقات أهل بلاده الذي يحرمون منه «1» و يقيد بهذه الأخبار إطلاق خبر أبى الصباح الكناني، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل جهل أن يحرم حتى دخل الحرم كيف يصنع؟ قال: يخرج من الحرم ثم يهل بالحج «2» و خبر سورة بن كلب، قال:

قلت لأبي جعفر) عليه السلام»: خرجت معنا امرأة من أهلنا فجهلت الإحرام فلم تحرم حتى دخلنا مكة و نسينا أن نأمرها بذلك؟ قال: فمروها فلتحرم من مكانها من مكة أو من المسجد «3» نعم يعارضها خبر على بن جعفر «عليه السلام» عن أخيه «عليه السلام» قال سألته عن رجل ترك الإحرام حتى انتهى الى الحرم فأحرم قبل ان يدخله؟ قال «عليه السلام»: أن كان فعل ذلك

جاهلا فليبن مكانه ليقضي فإن ذلك يجزيه أن شاء اللّه تعالى، و ان رجع الى الميقات الذي يحرم منه أهل بلده، فإنه أفضل «4» هذا الحديث و ان كان صريحا في عدم لزوم الرجوع الى ميقات أهل بلاده للإحرام و لو في صورة التمكن لكنه لا مجال للاعتماد عليه بعد إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عنه، لخروجه بذلك عن حين دليل الاعتبار، مضافا الى ضعفه سندا كما قيل به.

قوله قده: (و مع عدمه فالى ما أمكن. إلخ)

و ذلك لما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم من قوله «عليه السلام»: (فلترجع الى ما قدرت عليه بعد ما تخرج من الحرم بقدر ما لا تفوتها العرفة). و لكن مقتضى غيره من الاخبار هو خصوص الخروج من الحرم مع عدم إمكان رجوعه الى الميقات كما تقدم من صحيحتي الحلبي و خبر أبى الصباح الكناني، و نحوها صحيح عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل مر على الوقت الذي يحرم الناس منه فنسي أو جهل فلم يحرم حتى أتي مكة فخاف ان

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 9

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 5

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 10

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 316

رجع الى الوقت أن يفوته الحج؟ فقال: يخرج من الحرم و يحرم و يجزيه ذلك «1» اللهم الا أن يقال: ان هذه الاخبار انما دلت بالنصوصية على لزوم الخروج من الحرم مع الإمكان. و أما كفاية الخروج من الحرم و أن تمكن من الذهاب

إلى أزيد من ذلك فإنما تدل عليها بالإطلاق فنقيدها بصحيح معاوية بن عمار المتقدم و لكن لا يخفى: أن هذا التقريب على فرض تماميته انما يثبت به لزوم الخروج الى مقدار لا يفوته الحج بذلك في خصوص الجاهل. و أما في الناسي فيشكل القول بوجوبه. لان الدليل انما دل على وجوبه في خصوص الجاهل ان لم نقل بلزوم الاقتصار على خصوص فرض الطمث و كيف كان لا ينبغي الإشكال في لزوم الخروج من الحرم مع التمكن منه، لما تقدم، و يقيد بذلك ما دل على كفاية الإحرام من مكانه مطلقا، و هو ما مضى من خبر سورة بن كلب، لما فيه قوله:

(فمروها فلتحرم من مكانها أو من المسجد). و نحوه خبر زرارة عن أناس من أصحابنا حجوا بامرأة معهم فقدموا الى الميقات و هي لا تصلى، فجهلوا أن مثلها ينبغي أن يحرم فمضوا بها كما هي حتى قدموا مكة و هي طامث حلال فسألوا الناس؟ فقالوا: تخرج الى بعض المواقيت فتحرم منه فكانت إذا فعلت لم تدرك الحج، فسألوا أبا جعفر «عليه السلام»؟

فقال: تحرم من مكانها قد علم اللّه نيتها «2»، و من هنا ظهر ضعف ما استظهره صاحب المدارك حيث قال: (و لو وجب العود فتعذر ففي وجوب العود الى ما أمكن من الطريق وجهان أظهرهما العدم للأصل و ظاهر الروايات المتضمنة لحكم الناسي)، و ذلك أما الأصل فلا مجال له أصلا، كما هو واضح، و أما الروايات الواردة في الناسي فلا بد من تقييدها بصحيحة معاوية بن عمار الدالة على لزوم الخروج الى ما أمكن بقدر ما لا تفوت العرفة، و لكن ذلك انما يتم بناء على كون حكم الجهل و النسيان في

المقام واحد و أما إذا قلنا بعدم تمامية ذلك فلا، فلا بد من الاقتصار على مورد الصحيحة و الاخبار الواردة في الناسي

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث 2.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث 6.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 317

- كما ترى- تدل على لزوم خروجه من الحرم إذا استطاع له، فلاحظها.

قوله قده: (و كذا إذا جاوزها محلا لعدم كونه قاصدا للنسك و لا لدخول مكة ثم بدا له ذلك فإنه يرجع الى الميقات مع التمكن. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا، و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و صاحب المدارك «قدس سره» بعدا ان ادعى إجماع العلماء على عدم وجوب الإحرام لمن مر على الميقات و هو لا يريد دخول مكة بل أراد حاجة في ما سواها، و استدل له أيضا بالأصل، و بان النبي «صلى اللّه عليه و آله» أتى بدرا مرتين و مر على ذي الحليفة و هو محل قال: (و لو تجدد له ارادة الدخول إلى مكة أو تجدد لمن لا يلزمه الإحرام لدخول مكة إرادة النسك فقد قطع الأصحاب بمساواته للناسي في وجوب العود الى الميقات مع المكنة فيحرم منه، و مع التعذر يحرم من موضعه، أما انه لا يجب عليه العود مع التعذر فلا ريب فيه، لان من هذا شأنه أعذر من الناسي و انسب بالتخفيف. و اما وجوب العود مع الإمكان فاستدل عليه في المعتبر: بأنه يتمكن من الإتيان بالنسك على الوجه المأمور به فيكون واجبا. إلخ) و في الجواهر: (بلا خلاف أجده في مساواته للناسي في الحكم المزبور لفحوى النصوص الواردة فيه

و في الجاهل بل هو أعذر من الناسي و انسب بالتخفيف.

إلخ) يمكن الاستدلال لذلك بصحيح الحلبي، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل ترك الإحرام حتى دخل الحرم؟ فقال: يرجع الى ميقات أهل بلده الذي يحرمون منه، و ان خشي ان يفوته الحج فليحرم من مكانه، فان استطاع ان يخرج من الحرم فليخرج ثم ليحرم «1» (بدعوى): شمول إطلاق قوله: (رجل ترك الإحرام.) لمن تركه من جهة جواز تجاوزه عن الميقات بلا إحرام. اللهم الا ان يقال بانصرافه عن المقام لوروده في حق من ترك الإحرام من الميقات نسيانا أو جهلا و هو مريد للنسك. و لكن

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 14- من أبواب المواقيت حديث: 7

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 318

يمكن المناقشة فيه: بأنه (أولا): لا انصراف في البين، و على فرض ثبوته فبدوى ثانيا فلا عبرة به، لعدم كونه بمنزلة القرينة الحافة بالكلام الذي هو المعتمد في الانصراف الصالح للتقييد على ما قرر في محله.

قوله قده: (و الى ما أمكن مع عدمه. إلخ)

هذا لا يخلو من اشكال، لورود ما دل على صحة الإحرام من غير الميقات إذا تجاوز عنه محلا في خصوص الناسي و الجاهل دون غيرهما، الا ان يدعى إطلاق بعضها، فتدبر.

[مسألة 8 لو نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة ثم ذكر وجب عليه العود]

قوله قده: (لو نسي المتمتع الإحرام للحج بمكة ثم ذكر وجب عليه العود مع الإمكان و الا ففي إمكانه. إلخ)

هذا ما تقتضيه القاعدة، و لكن يمكن الاستدلال على خلافها بما رواه على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله؟ قال: يقول: اللهم على كتابك و سنة نبيك فقد تم إحرامه فإن

جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ان كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه «1» اللهم الا ان يقال بتقييده بما دل على لزوم الإحرام من الميقات مع المكنة منه، فعليه يحمل على صورة عدم التمكن من الرجوع الى الميقات.

قوله قده: (لو أحرم له من غير مكة مع العلم أو العمد لم يصح و ان دخل مكة بإحرامه بل وجب عليه الاستئناف مع الإمكان و الا بطل حجه)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لانه مقتضى دليل التوقيت الموجب لبطلان الإحرام من غيره عمدا و أما بطلان حجه فلانتفاء الكل بانتفاء جزئه بناء على القول بأن الإحرام جزء للحج، و لانتفاء كل مشروط بانتفاء شرطه بناء على القول بكونه شرطا له.

قوله قده: (لو نسي الإحرام و لم يذكر حتى أتى بجميع الأعمال- من الحج و العمرة- فالأقوى صحته عمله).

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 319

أسرارهم) قديما و حديثا قال النراقي (قدس سره) في المستند: (لو نسي الإحرام أو جهل حتى قضى المناسك كله يجزيه و لا قضاء عليه، وفاقا للتهذيبين و النهاية و المبسوط و الجمل و العقود و الاقتصاد و الوسيلة و المهذب و الجامع و المعتبر و القواعد و التحرير و المنتهى و التنقيح و النكت و المسالك و غيرها، بل الأكثر كما قيل. و عن المسالك: «انه فتوى المعظم» و عن الدروس: «انه فتوى الأصحاب عد الحلبي». لا كلام لنا في ذلك من حيث الفتوى، انما الكلام في دليله و مداركه، و ما يمكن الاستدلال لذلك وجوه:

(الأول)- الإجماع. (و فيه): ما تكرر

منا مرار و كرارا: أن الإجماع المعتبر هو التعبدي منه الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم (عليه السلام) لا المدركى، و في المقام يحتمل ان يكون مدركه بعض الوجوه الآتية، فالعبرة بالمدرك لا بالإجماع، الا ان يدعى حصول الاطمئنان منه في المقام، فيكون الاطمئنان حجة.

(الثاني)- انه كما هو المفروض فات منه الإحرام نسيانا لا عمدا و لا يوجب ذلك فساد حجه كما يكون كذلك لو نسي الطواف. و (فيه): انه كما ترى ان الناسي للإحرام غير آت بالمأمور به على وجهه و ذلك لإتيانه به فاقدا للجزء بناء على كونه جزءا و فاقدا للشرط بناء على كونه شرط فعلى القاعدة لا يفرغ ذمته عن الواجب بما أتى به، لعدم انطباق المأتي به في المقام على المأمور به، لفقدانه الجزء أو الشرط- كما هو واضح- و هذا انما يجرى في جميع الموارد التي أتى بالعمل فاقدا للجزء أو الشرط، و لا يختص بالمقام، و أما الحكم بصحة الحج مع نسيان الطواف فإنما كان لأجل النص الخاص، و لولاه لما قلنا بها فيه ايضا فعلى القاعدة يحكم ببطلان العمل الفاقد الجزء أو الشرط الا انه لا بد ان ترفع اليد عنها فيما إذا ثبت الصحة بدليل خاص- كما في نسيان الطواف- أن قلت: انه يمكن التعدي عن مورد الطواف الى غيره- و هو صورة نسيان الإحرام- بتنقيح المناط. قلت: انه قد مر مرارا أن تنقيح المناط المعتبر هو القطعي منه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 320

دون الظني و هو غير ممكن في الشرعيات، لعدم العلم بملاكات الأحكام و موانعها، و غاية ما يحصل منه هو الظن، و لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا عن كونه

قياسا المجمع على بطلانه عند مذهب أهل الحق، لاحتمال خصوصية في الطواف دون غيره. نعم، إذا حصل القطع بالمناط و بملاك الحكم فيمكن التعدي عن مورد النص، و لكنه مجرد فرض لعدم السبيل اليه.

(الثالث)-: قوله «صلى اللّه عليه و آله»: (رفع عن أمتي الخطأ و النسيان).

و (فيه): ما أفاده بعض المحققين من أن المرتفع في الخطأ و النسيان هو المؤاخذة خاصة لا جميع الأحكام، فعليه لا يبقى مجال لجريانه لإثبات الصحة في مفروض المقام أصلا «بل بناء على رفع جميع الآثار ايضا لا مجال لجريانه في المقام، لان جريانه- كما قد قرر في محله- لا بد و ان يكون بلحاظ أثر شرعي حتى يرتفع بدليل التعبد، و في المقام ليس أثر شرعي في البين لان الفرض هو ترك الإحرام نسيانا و ليس للترك أثر شرعي في المقام كما لا يخفى. نعم، يفرض الأثر بلحاظ المنسي فيه- و هو الأعمال- و لكنه لا مجال لجريانه بلحاظه، و ذلك لأنه ان أريد منه: عدم الاجتزاء و هو كما ترى خلاف المقصود، و ان أريد منه: الاجزاء و هو أمر عقلي فلا ربط له بالمقام، لعدم كونه اثر شرعيا كي يرتفع بدليل التعبد، و في المقام لما لا يفرض أثر شرعي فمرجعه الى رفع المؤاخذة الذي هو أمر تكويني، و كيف كان قد مر تفصيل الكلام في ذلك في محله.

(الرابع)- هو انه مع استمرار النسيان يكون مأمورا بإتيان بقية الأركان و الأمر يقتضي الاجزاء. و (فيه): انه و ان كان الأمر يقتضي الاجزاء مع الإتيان بالمأمور به جامعا للشرائط، لحصول الامتثال به الا انه لا مجال له في المقام، لانه- كما ترى- لم يتحقق الامتثال بالنسبة الى ذلك

الجزء المنسي، و من الواضح ان الكل يعدم على القاعدة بعدم جزءه ما لم يكن دليل تعبدي على سقوط ذلك الجزء المنسي في حال النسيان فبدونه و مع نسيان الجزء

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 321

أو الشرط و الإتيان بباقي الاجزاء و الشرائط لا ينطبق على المأتي به المأمور به كي يحكم بالاجزاء، لحصول الامتثال- كما لا يخفى.

(الخامس)- ما رواه الشيخ في الصحيح عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن رجل متمتع خرج الى عرفات و جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى أهل بلده؟ قال «عليه السلام»: إذا قضى المناسك كلها فقد تم حجه «1». و (فيه): أنه كما ترى أنما تدل على صحة الحج إذا ترك الإحرام جهلا و هو خلاف محل البحث، فما نحن فيه خارج عن مورد الرواية- كما لا يخفى- و أما الاستدلال لشمولها المورد ب (دعوى): أولوية الناسي، لأنه أعذر من الجهل و أنسب بالتخفيف أو (دعوى): شمول معناه الحقيقي اللغوي للناسي- كما أفاده النراقي صاحب المستند «قدس سره»،- و حكى أيضا عن العلامة الأصبهاني- رحمه اللّه تعالى- في كشف اللثام دعوى شموله له فلا يمكن المساعدة عليه.

(السادس)- مرسل جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما: في رجل نسي أن يحرم أو جهل و قد شهد المناسك كلها و طاف و سعى؟ قال «عليه السلام»: يجزيه نيته إذا كان قد نوى ذلك فقد تم حجه و ان لم يهل «2». و يمكن المناقشة فيه بأنه و ان كانت دلالته واضحة على المقصود الا انه ضعيف سندا فلا عبرة به، و لكن التحقيق: انه لا مجال للمناقشة في أصل

الحكم بعد ثبوت الوفاق و الاتفاق من الفقهاء، قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا، و ما رواه جميل بن دراج و أن كان مرسلا الا أنه لا مجال للمناقشة فيه، لانجبار ضعفه بعمل المشهور مع أن المرسل هو مثل جميل الذي هو من أصحاب الإجماع و الراوي عنه في هذا الحديث هو ابن أبى عمير الذي هو أيضا من أصحاب الإجماع. و خالف في هذا الحكم- و هو صحة الحج- فيما لو نسي الإحرام

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب المواقيت حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب المواقيت حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 322

و لم يذكر حتى أتى بجميع الأعمال من الحج و العمرة ابن إدريس (رحمه اللّه تعالى) و احتج على ما ذهب اليه بقوله: (إنما الأعمال بالنيات). حيث قال بعد ذكر قول المشهور و إسناده الى ما روى في أخبارنا ما صورته: «و الذي تقتضيه أصول المذهب انه لا يجزى و تجب عليه الإعادة لقوله «صلى اللّه عليه و آله»: (إنما الأعمال بالنيات) و هذا عمل بلا نية فلا يرجع عن الأدلة بأخبار الآحاد و لم يوردها و لم يقل به أحد من أصحابنا سوى شيخنا أبى جعفر، فالرجوع إلى الأدلة أولى من تقليد الرجال). و اعترضه المحقق (طاب ثراه) في المعتبر فقال بعد نقل استدلاله بالخبر: (و لست أدرى كيف تخيل له هذا الاستدلال و لا كيف توجيهه، فان كان يقول: ان الإخلال بالإحرام إخلال بالنية في بقية المناسك فنحن نتكلم على تقدير إيقاع كل على وجهه ظانا أنه أحرم أو جاهلا بالإحرام فالنية حاصلة مع إيقاع كل نسك، فلا وجه لما قاله). و

أجاب عنه الشهيد «قدس سره»:

(بأن مراد ابن إدريس: ان فقد نية الإحرام يجعل باقي الأفعال في حكم العدم، لعدم صحة نيتها محلا فتبطل، إذ العمل بغير نية باطل) و نوقش في ذلك ايضا: (أن ما ادعاه- من أن فقد نية الإحرام تجعل باقي الأفعال في حكم العدم- ممنوع و أماما أفاده بقوله: (لعدم صحة نيتها محلا) ففيه: ان أريد بكونه محلا يعني عالما حين الإتيان بتلك الأفعال انه محل فهو مسلم و لكنه خارج عن حريم النزاع و ان أريد في الواقع و نفس الأمر حيث ان ظن الإتيان بالإحرام أو جهله فهو ممنوع لان التكاليف انما نيطت بالظاهر في نظر المكلف لا نفس الأمر و الواقع و حينئذ فما ذكره من بطلان تلك الأفعال باطل على ان المتبادر من العمل بغير النية انما هو ترك النية بالكلية لا الإتيان بنيته و ان ظهر بطلانها. إلخ) و لا يخفى ان الظاهر ان كلام ابن إدريس تعريض على الشيخ «قدس سره» و لذا قال العلامة «رضوان اللّه تعالى عليه» في المنتهى على ما حكى عنه: (الظاهر ابن إدريس و هم في هذا الاستدلال لان الشيخ اجتزأ بالنية عن الفعل فتوهم أنه اجتزأ بالفعل بغير نية) و ناقش في ذلك صاحب

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 323

الحدائق «قدس سره» و حاصله: انه ان أراد بالنية التي اكتفى بها الشيخ يعني النية المقارنة للإحرام فهو غير متجه، إذ ليس في كلام الشيخ دلالة على اعتبارها بوجه- كما صرح به صاحب المدارك ايضا- و ان أراد اجتزاءه بالعزم المتقدم كما يحتمل حيث قال: (فان لم يذكر أصلا حتى فرغ من جميع مناسكه فقد تم حجه و لا شي ء

عليه إذا كان قد سبق في عزمه الإحرام). و لكنه بعيد عن ظاهرة العبارة. إلخ) و كيف كان تحصل انه أتى بالأعمال مع النية. نعم، انه ترك جزءا نسيانا و مقتضي القاعدة و ان كان بطلان العمل بدونه و لكنه ليس بطلان العمل من جهة فقد النية بل انما يكون من جهة فقد الجزء كما لا يخفى، فلا مجال للاستدلال به في المقام، لانه كما ترى لا يظهر له وجه ضرورة: أن في مفروض المقام ليس إحرام أصلا لأجل نسيانه لا صحته بلا نية حتى يحكم بعدم صحته بلا نية لقوله (إنما الأعمال بالنيات) بل ان كان التعريض على الشيخ ففيه: أنه قد عرفت ان المحكي عن الشيخ انه نية بلا عمل لا عمل بلا نية، كما انه لو أراد عدم نية بقية المناسك، ففيه:

كون المفروض حصولها مع النية و لكن بدون إحرام و (دعوى): فساد نياتها فممنوع الا أن يريد البطلان على القاعدة حيث أنه لا ينطبق المأتي به على المأمور به كما عرفت.

ثم لا يخفى أن مورد المرسل هو فرض نسيان إحرام الحج بقرينة قوله «عليه السلام» فيه (قد تم حجه). فلا بد من الاقتصار على مورده لاحتمال خصوصية فيه فلا يمكن التعدي إلى نسيان إحرام عمرة حجى القران و الافراد و كذا مطلق العمرة المفردة لاحتمال خصوصية المورد و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه صاحب المستند «قدس سره» من شموله لغير المورد.

ثم ان المتبادر من قوله: (إذا كان قد نوى ذلك) هو انه نوى الحج بجميع اجزاءه جملة لا انه نوى الإحرام لأنه لا يأتي نيته من الجاهل- كما هو ظاهر- فكذا الناسي أيضا- كما أفاده صاحب المدارك و غيره

من الفقهاء (قدس سرهم).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 324

[مسألة 9 لو نسي الإحرام و لم يذكر حتى أتى بجميع الأعمال]

قوله قده: (و كذا لو تركه جهلا حتى أتى بالجميع)

هذا هو المعروف الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) و يدل عليه ما تقدم من مرسل جميل بن دراج قال السائل فيه: (في رجل نسي أن يحرم أو جهل. إلخ «1» و ذيل خبر على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال سألته عن رجل نسي الإحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله قال: يقول: اللّهم على كتابك و سنة نبيّك فقد تم إحرامه فإن جهل ان يحرم يوم التروية بالحج حتى رجح الى بلاده ان كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه «2»

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 20- من أبواب المواقيت حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 14 من أبواب المواقيت حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 325

فصل في مقدمات الإحرام

[يستحب قبل الشروع في الإحرام أمور]
[أحدها توفير شعر الرأس]

قوله قده: (يستحب قبل الشروع في الإحرام أمور: أحدها: توفير شعر الرأس، بل و اللحية لإحرام الحج مطلقا لا خصوص التمتع، كما يظهر من بعضهم، لإطلاق الاخبار من أول ذي القعدة بمعنى عدم إزالة شعرهما، لجملة من الاخبار، و هي و ان كانت ظاهرة في الوجوب الا انها محمولة على الاستحباب لجملة أخرى من الاخبار ظاهرة فيه فالقول بالوجوب كما هو ظاهر جماعة ضعيف. إلخ)

استحباب توفير شعر الرأس معروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قال في الجواهر: (و أما المقدمات فكلها مستحبة و هي أمور منها: توفير شعر رأسه من أول ذي القعدة إذا أراد التمتع، و يتأكد عند هلال ذي الحجة على الأشبه، وفاقا للمشهور شهرة عظيمة، و خصوصا بين المتأخرين. بل لعل كافتهم عليه، إذ ابن إدريس و ان حكى عنه الخلاف، لظهور أول كلامه فيه، لكن كما قيل صرح

بعد ذلك بالندب. بل لم أجد فيه خلافا من غيرهم أيضا، الا من الشيخين في المقنعة و النهاية و الاستبصار، مع أن الأول منهما انما قال: (إذا أراد الحج فليوفر شعر رأسه في مستهل ذي القعدة، فإن حلقه في ذي القعدة كان عليه دم يهريقه). و الثاني في الأول: (إذا أراد الإنسان ان يحج متمتعا فعليه ان يوفر شعر رأسه و لحيته من أول ذي القعدة و لا يمس شيئا منها). و نحوه في الثاني و لا صراحة بذلك في الوجوب نصوصا بعد معلومية التسامح من مثلهم بإطلاق لفظه و ارادة الندب فضلا عن التعبير المزبور و على تقديره فلا ريب في ضعفه. إلخ) يستفاد من طائفة من الاخبار الواردة في المقام وجوب التوفير و عدم الإزالة- منها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 326

1- صحيح عبد اللّه بن مسكان عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: لا تأخذ من شعرك و أنت تريد الحج في ذي القعدة و لا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة «1» و بإسناده عن موسى بن القسم عن عبد الرحمن عن عبد اللّه بن مسكان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» مثله الا انه قال: (تريد فيه العمرة).

2- عن عبد اللّه بن بكير عن محمد بن مسلم عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال:

خذ من شعرك إذا أزمعت على الحج شوال كله الى غرة ذي القعدة «2».

3- صحيح معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومٰاتٌ: [شوال و ذو القعدة و ذو الحجة] فمن أراد الحج وفر شعره إذا نظر الى هلال ذي القعدة و من أراد العمرة وفر شعره شهرا «3»

4- صحيح عبد اللّه سنان، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة و للعمرة شهرا «4».

5- ما رواه سعيد بن عبد اللّه الأعرج عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: لا يأخذ الرجل إذ رأى هلال ذي القعدة و أراد الخروج من رأسه و لا من لحيته «5» 6- ما رواه ابن حمزة عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: لا تأخذ من شعرك و أنت تريد الحج في ذي القعدة و لا في الشهر الذي تريد فيه الخروج إلى العمرة «6» 7- ما عن الحسين بن أبى العلاء قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»: عن الرجل يريد الحج أ يأخذ من رأسه في شوال كله ما لم ير الهلال؟ قال: لا بأس ما لم ير الهلال «7» و هذه الاخبار كما ترى ظاهرة في الوجوب لان بعضها تضمن النهى عن أخذ الشعر فتركه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 5

(5) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 6

(6) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام حديث: 7

(7) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 327

به الأوامر المقدمة عليه، فإنها للندب بغير خلاف.)

و لكن يمكن المناقشة في ما أفاده صاحب المدارك: أما في الأصل، فلانقطاعه بالدليل و اما الأمر بالغسل فظاهره الوجوب، و اما ذكره في عداد المستحبات فلا يوجب انصراف، الأمر

إلى الاستحباب، لإمكان القول: بأنه إذا أمر الشارع بأشياء عديدة فظاهر الإطلاق كونه بداعي الجد في الجميع، ففي ما قامت قرينة على الاستحباب ترفع اليد عن الإطلاق بالنسبة اليه و اما فيما لم تقم قرينة على ذلك فتؤخذ بظهوره، اللهم الا ان يقال: ان نفس وحدة السياق مع فرض استحباب ما ذكر فيه يوهن الظهور الإطلاقي في وجوب الباقي مضافا الى ذهاب المشهور الى الخلاف فتأمل.

ثم، انه يمكن ان يستدل لوجوب غسل الإحرام بما رواه محمد بن عيسى عن يونس عن بعض رجاله عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: الغسل في سبعة عشر موطنا: الفرض ثلاثة: غسل الجنابة، و غسل من غسل ميتا، و الغسل للإحرام. و لكن فيه ما لا يخفى أما (أولا): فلما أفاده صاحب المدارك «قدس سره» من ان محمد بن عيسى ضعيف، و ما يرويه عن يونس لا يعمل به، كما ذكره ابن بابويه عن ابن الوليد، و أما (ثانيا): بعد الغض عن تضعيف محمد فلضعف سنده بالإرسال المانع عن العمل به و أما (ثالثا): بعد تسليم سنده فلاعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه فلا مجال للاستناد إليه في وجوب الغسل و من هنا يشكل حمله على الاستحباب أيضا، لأنه متجه بعد البناء على الصدور و بدونه لا مجال للحمل على الندب. نعم لا بأس بهذا الحمل بناء على قاعدة التسامح في أدلة السنن عند القائلين بها لكنه في حين المنع، كما حققنا من الأصول.

ثم ان ما أفاده «قدس سره» من استحباب الغسل للإحرام في خصوص الميقات فهو مما لا اشكال فيه، و يدل عليه صحيح معاوية ابن عمار و غيره من الاخبار المتقدمة قال «عليه السلام» فيه: إذا

انتهيت الى بعض المواقيت التي وقت رسول اللّه (ص) فانتف

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 328

به و السواك و النورة «1» و ما رواه محمد بن الخالد الخزاز قال سمعت أبا الحسن «عليه السلام» يقول: أما أنا فآخذ من شعري حين أريد الخروج إلى مكة للإحرام «2» و لكن يمكن المناقشة فيها: أما «في الأول»: فبأن كونه من الصحاح غير معلوم و على فرض كونه منها فأيضا لا يمكن الحكم باستحباب عدم الإزالة مطلقا به و سيظهر وجهه في ذيل المسألة و أما في الثاني: فبأن الاجزاء كما ترى؟؟؟ ل؟؟؟ لانه لم يدر انه مجز عن الواجب أو المستحب و اما «في الثالث»: فبما عرفته من كلام صاحب المدارك «قدس سره» حيث أنه ناقش فيها بضعف السند و قصور الدلالة أما من جهة الدلالة فلأنه- كما ترى- لم ترد في شعر الرأس و اللحية مضافا الى ان أشهر الحج من ذي القعدة و غيره- كما لا يخفى- فلا تنافي الاخبار و لذا حمله الشيخ «رحمه اللّه تعالى» على ما سوي ذي القعدة- كشوال- و في الوسائل: «و يمكن حمله على الجواز و غيره على الكراهة و استحباب الترك أو يحمل القفاء و محل الحجامة على ما دون حد الرأس. و أما (في الرابع): فبأنه لا بد من توجيهه حتى على القول المشهور، لاشتماله على شي ء لا يمكن الالتزام بظاهره و هو مواظبة الإمام (عليه السلام) على ترك المستحب مع انه ليس كذلك قطعا، و في الوسائل بعد ما ذكره قال: «جوز الشيخ حمله على ما سوى شعر الرأس، و على ما سوى ذي القعدة، لما مر، و الأقرب حمله على ارادة بيان الجواز و

نفى التحريم دون الكراهة،.

و لكن قال: في الجواهر بعد ذكر الاخبار: «فيجب الجمع بينهما بتفاوت مراتب الندب- كما فهمه المشهور- الذي قد يؤيده أيضا خبر على بن جعفر عن أخيه المروي عن قرب الاسناد من أراد الحج فلا يأخذ من شعره إذا مضت عشرة من شوال «3» المعلوم عدم إرادة الحرمة منه، بل لم أعثر على مفت فيه بالكراهة

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث 3.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 4- من أبواب الإحرام حديث 5.

(3) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب الإحرام حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 329

عدا الحر في الوسائل ثم انه قال «قدس سره»: (و على كل حال فوسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور عملا بالأمر و النهى المزبورين في النصوص السابقة مقتصرا على ذكر موثقة عمار في المعارضة طاعنا فيه في السند، بل و الدلالة باعتبار إمكان إرادة ذي القعدة، من أشهر الحج فيه في غير محلها بل هو ناشئ من اختلاف الطريقة و من قصور الباع، لما عرفت من الشهرة العظيمة و صحيح على بن جعفر و غيره). و لكن هذا الجمع كما ترى لعدم كونه عرفيا و لا مما له شاهد، و مجرد فهم المشهور لا عبرة به الا إذا أوجب الظهور العرفي، و هو لم يثبت ايضا، و أما خبر على بن جعفر (عليه السلام) ايضا لا يؤيد الجمع المزبور، لان ظاهره حرمة أخذ الشعر بعد مضى عشر أيام و عدم حرمته قبله، و هو مما لم يفت به أحد. و حمله على خلاف الظاهر: و هو الكراهة لا يجعله قرينة على حمل تلك الاخبار على مراتب الاستحباب، لأن القرينة

تستند الى الظهور العرفي لا الى المعنى التأويلي الذي لا يصار اليه الا لضرورة ملزمة بذلك، و كيف كان فلا عبرة بالجمع الذي ذكره صاحب الجواهر «قدس سره».

مضافا الى انه يمكن الجمع الموضوعي بين الطائفتين من الاخبار، و قد قرر في محله:

أنه إذا أمكن الجمع الموضوعي لا تصل النوبة إلى الجمع الحكمي و هو ان تقيد الأخبار الدالة على جواز أخذ الشعر و عدم وجوب التوفير بالاخبار الناهية الظاهرة منها عدم جواز الأخذ من أول ذي القعدة، فيحكم بجواز الأخذ الا من أول ذي القعدة فيحرم. اللّهمّ الا ان يقال: انه تقع المعارضة بين ما رواه على بن جعفر و بين الطائفة الاولى من الاخبار لاشتماله على: (ما لم يحرم). لإمكان القول بأن الظاهر وروده في مقام التحديد، فعليه تقع المعارضة بينه و بين ما دل على عدم جواز الأخذ من أول ذي القعدة، فلا تصل النوبة إلى الجمع الموضوعي، فحينئذ يمكن أن يقال: انه ترفع اليد عن ظاهر الطائفة الاولى من الاخبار به، لانه نص في الجواز قبل الإحرام و هذا بخلافها. لكونها ظاهرا في عدم الجواز،

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 330

فترفع اليد عن الظاهر بواسطة النص، و لكن فيه (أى القول بالمعارضة) ما لا يخفى، و كيف كان لا يمكن الفتوى بالوجوب في مفروض المقام، لذهاب جميع الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» إلى الاستحباب فلا بد في مقام الفتوى من الاحتياط بناء على الجمع الموضوعي ثم أنه بناء عليه يقيد أيضا إطلاق حديث أبى الصباح الكناني بالطائفة الاولى من الاخبار الناهية عن الأخذ من أول شهر ذي القعدة و هو أنه قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يريد الحج

أ يأخذ شعره في أشهر الحج؟ فقال: لا و لا من لحيته، لكن يأخذ من شاربه و من أظفاره و ليطل ان شاء اللّه «1» فتدبر.

قوله قده: (لا ينبغي ترك الاحتياط بإهراق دم لو أزال شعر رأسه بالحلق حيث يظهر من بعضهم وجوبه أيضا، لخبر محمول على الاستحباب، أو على ما إذا كان في حال الإحرام)

يشير «قدس سره» بالخبر الى ما رواه جميل بن دراج، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن متمتع حلق رأسه بمكة؟ قال «عليه السلام»: ان كان جاهلا فليس عليه شي ء، و ان تعمد ذلك في أول الشهور للحج بثلاثين يوما فليس عليه شي ء، و ان تعمد ذلك بعد الثلاثين التي يوفر فيها للحج فان عليه دما يهريقه «2» و أجاب في المدارك عنه (أولا): بالطعن في السند باشتماله على على بن حديد و قال الشيخ في موضع من التهذيب: «انه ضعيف جدا لا يعول على ما ينفرد به» و (ثانيا): بالمنع من الدلالة فإنها إن تضمنت لزوم الدم بالحلق بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج، و هو خلاف المدعى مع ان السؤال انما وقع عن حلق رأسه بمكة و الجواب مقيد بذلك السؤال بعود الضمير الواقع فيه الى المسؤول عنه فلا يمكن الاستدلال بها على لزوم الدم بذلك على وجه العموم، و بالجملة فهذه الرواية ضعيفة السند متهافة المتن، فلا يمكن الاستناد إليها في إثبات حكم مخالف للأصل).

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 4- من أبواب الإحرام حديث: 4

(2) الوسائل ج 2- الباب- 5 من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 331

و قد اعترض صاحب الحدائق «قدس سره» على جواب صاحب المدارك حيث قال (أقول: فيه:

(أولا): ان الطعن في السند لا يقوم حجة على المتقدمين كالشيخ و نحوه ممن لا اثر لهذا الاصطلاح عندهم كما أشرنا إليه في غير موضع مما تقدم. و (ثانيا): ان هذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه عن جميل بن دراج و طريقه إليه في المشيخة صحيح، كما لا يخفى على من راجع ذلك و هو انما نقل الرواية عن التهذيب، و هي فيه ضعيفة- كما ذكره- و (ثالثا): ان ما طعن به على الدلالة مردود، بأن ظاهر سؤال السائل و ان كان خاصا بمن حلق رأسه مكة، و ظاهره ان ذلك بعد عمرة التمتع الا ان الامام «عليه السلام» أجابه بجواب مفصل يشمل على شقوق المسألة كملا في مكة أو غير مكة فتبين حكم الجاهل و المتعمد و انه على تقدير التعمد ان كان في أول شهور الحج: (يعنى شوال) في مدة ثلاثين يوما فلا شي ء عليه و ان تعمد بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر يعنى بعد دخول الثلاثين المذكورة، و المراد ذو القعدة كما مر في الاخبار من انه يوفر الشعر من أول ذي القعدة لا ان معناه بعد مضى الثلاثين- كما توهمه- فإنه معني مغسول عن الفصاحة لا يمكن نسبته الى تلك الساحة، و بالجملة فإنه لا بد من تقدير مضاف في البين و ليس تقدير المعنى الذي هو في الفساد أظهر من ان يراد بأولى من تقدير الدخول الذي به يتم المراد و تنتظم الرواية مع الروايات السابقة على وجه لا يعتريه الشك و الإيراد، و بذلك يظهر صحة الرواية و وضوح دلالتها على المدعى و ان مناقشته فيها و ان تبعه فيها من تأخر عنه، كما هي عادتهم غالبا

مما لا ينبغي ان يلتفت اليه و لا يعرج في مقام التحقيق عليه).

و لكن التحقيق: عدم قصور في دلالته على وجوب الدم إذا حلق في ذي الحجة لظهوره فيه، و لكنه أجنبي عن المدعى، و لذا لا بد من التصرف فيه: اما بحمله على الاستحباب- كما أفاده المصنف «قدس سره» و غيره- أو على صورة وقوعه في الإحرام- بقرينة وقوعه في مكة التي لا يجوز دخولها للحاج بغير إحرام للعمرة- و اما بتقدير مضاف فيه «يعنى و ان تعمد بعد دخول الثلاثين، كما سمعته في كلام صاحب الحدائق «قدس

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 332

سره» و لكنه بعد تحتاج إلى التأمل، للتهافت بين صدرها و ذيلها، كما يظهر من التأمل فيه و لكن في الجواهر ضعف سنده و دلالته، حيث قال: (و أما ما سمعته من المفيد فلم أجد ما يدل عليه سوى خبر جميل السابق المطعون في سنده بعلي بن حديد، و حمله بعضهم على الندب، و آخر على وقوع ذلك بعد الإحرام «لتقييد السؤال بكونه بمكة مع تقييد الجواب به، لعود الضمير فيه الى المسؤول عنه. و من هنا قيل: انه ساقط، لكونه ضعيف السند متهافت المتن، فلا يصلح لإثبات حكم شرعي: لكن في كشف اللثام: قد استدل به على تأكد الندب عند هلال ذي الحجة الذي ذكره المحقق، و تبعه الفاضل. ثم، قال: و يحتمل اختصاصه بمتمتع دخل مكة، و هو حينئذ محرم «و ألزمه المفيد الدم بعد الحلق بعد هلال ذي القعدة و هو الذي أوجب نسبة وجوب التوفير اليه. لكن ابن سعيد وافقه مع أنه قال: «ينبغي لمن أراد الحج توفير شعر رأسه و لحيته». قلت: و من هنا

قلنا لا صراحة في كلامه بالمخالفة، و ان قلنا بوجوب الدم مع إمكان إرادته الندب منه ايضا).

قوله قده: (و يستحب التوفير للعمرة شهرا).

في موثق إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن موسى «عليه السلام»: مرئي كم أوفر شعري إذا أردت العمرة؟ فقال: ثلاثين يوما «1» و في رواية عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: اعف شعرك للحج إذا رأيت هلال ذي القعدة و للعمرة شهرا «2»

[الثاني قص الأظفار و الأخذ من الشارب و إزالة شعر الإبط و العانة]

قوله قده: (الثاني: قص الأظفار و الأخذ من الشارب و ازالة شعر الإبط و العانة بالطلي أو الحلق أو النتف. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا، و الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و لم ينقل من أحد منهم للخلاف فيه، و تدل على ذلك روايات كثيرة- منها:

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 3 من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب الإحرام: حديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 333

1- صحيحة معاوية بن عمار، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا انتهيت الى بعض المواقيت التي وقت رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» فانتف إبطيك و احلق عانتك، و قلم أظفارك، و قص شاربك، و لا يضر بأي ذلك بدأت، ثم استك و اغتسل و البس ثوبيك «1».

2- صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»، قال: إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام ان شاء اللّه فانتف إبطك، و قلم أظفارك، و أطل عانتك، و خذ من شاربك و لا يضر بأي ذلك بدأت «2» 3- صحيح حريز قال: سألت أبا عبد

اللّه (عليه السلام): عن التهيؤ للإحرام؟

فقال: تقليم الأظفار و أخذ الشارب و حلق العانة «3» 4- صحيحة الأخر عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: السنة في الإحرام تقليم الأظفار و أخذ الشارب و حلق العانة «4» ثم انه كما ترى قد ذكر خصوص اطلاء العانة في في صحيح معاوية الأخير، قال فيه: (و أطل عانتك)، و قد ذكر الحلق في صحيحة الأول قال فيه: (و احلق عانتك) و كذا ذكر في صحيح حريز الأول و الثاني قال فيهما:

(و حلق العانة) و لكنه كما ترى لم يذكر النتف فيها. و اما الإبط فقد ذكر نتفه في الصحيح الأول و الثاني، لمعاوية بن عمار دون الحلق و الطلي، و لكنه ذكر فيما رواه الكليني عن عبد اللّه بن أبى يعفور قال: كنا في المدينة فلاحاني زرارة في نتف الإبط و حلقه، قلت:

حلقه أفضل، و قال زرارة: نتفه أفضل، فاستأذنا عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) فاذن لنا و هو في الحمام يطلى قد اطلى إبطيه، فقلت لزرارة يكفيك؟ قال: لا، لعله فعل هذا لما يجوز

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث: 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث: 3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث: 1

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث: 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 334

لي ان أفعله، فقال في ما أنتما؟ فقلت: ان زرارة لاحاني في نتف الإبط و حلقه، فقلت:

حلقه أفضل و قال زرارة: نتفه أفضل، فقال: أصبت السنة، و أخطأها زرارة، حلقه أفضل من نتفه، و طليه أفضل من حلقه. ثم، قال: لنا اطليا؟ فقلنا: فعلنا منذ

ثلاثة، فقال (عليه السلام: أعيدا، فإن الاطلال طهور «1» و لكنه كما ترى وارد في غير ما نحن فيه، فما أفاده المصنف (قدس سره) من عدم الفرق بين الإبط و العانة من حيث ازالة الشعر بالطلي و النتف و الحلق لا يخلو من تأمل، لظهور التعبير في الاخبار بالطلي و الحلق في العانة و بالنتف في الإبط في الفرق بينهما، فتأمل.

قوله قده: (و الأفضل الأول (أي الطلي) ثم الثاني (أي الحلق). إلخ)

ما أفاده «قدس سره» من كون الطلي أفضل انما يتم بالنسبة إلى الإبطين، لما عرفت في خبر ابن أبى يعفور، قال (عليه السلام) فيه: (حلقه أفضل من نتفه و طليه أفضل من حلقه) و أما بالنسبة إلى العانة فلا، الا ان يقوم دليل على ذلك.

قوله قده: (و لو كان مطليا قبله يستحب له الإعادة و ان لم يمض خمسة عشر يوما. إلخ).

قد اختلفت عبارات الأصحاب رضوان اللّه تعالى في هذه المسألة على نحوين (الأول): انه إذا اطلى قبل الإحرام يستحب له إعادته و ان لم يمض خمسة عشرة يوما من زمان طليه الى زمان إحرامه، و هو المحكي عن الشيخ (قدس سره) في النهاية و العلامة في المنتهى (الثاني): انه إذا اطلى قبل الإحرام أجزأه إذا لم يمض خمسة عشرة يوما و هو الذي أفاده المحقق (طاب ثراه) في الشرائع، و قد نسبه صاحب الحدائق ايضا الى أكثر الأصحاب، و مستند الثاني هو ما رواه الشيخ «عن على بن أبي حمزة، قال:

سأل أبو بصير أبا عبد اللّه (عليه السلام) و أنا حاضر؟ فقال: إذا طليت للإحرام الأول كيف أصنع في الطلية الأخيرة و كم بينهما؟ قال: إذا كان بينهما جمعتان خمسة عشر يوما فاطل

______________________________

(1) الوسائل: ج 1- الباب- 85- من أبواب آداب الحمام حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 335

و رواه الصدوق بإسناده عن على بن أبي حمزة مثله الا انه قال: كيف لي أن أصنع في الطلية الأخيرة و كم حد ما بينهما «1» و روى عن أبى بصير، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال لا بأس بأن يطلي قبل الإحرام بخمسة عشر يوما «2» و ظاهر هذا الرواية هو الاكتفاء بالطلية المتقدمة على الإحرام بخمسة عشر يوما «و انه لا يستحب إعادة الطلية للإحرام بعد مضى هذه المدة مع ان ظاهر الاولى هو استحباب الإعادة بعد مضى خمسة عشر يوما و عدم استحباب الطلية قبل مضيها و في صحيح معاوية بن عمار انه سأل أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل يطلى قبل ان يأتي الوقت بستة ليال؟ قال: لا بأس، و سأل عن الرجل يطلى قبل ان يأتي مكة بسبع أو ثمان؟ قال: لا بأس به «3» و الظاهر ان التحديد بالخمسة عشر المذكور انما هو لبيان أقصى غاية الاجزاء فلا ينافيه استحباب ذلك قبل مضى المدة المذكورة فالتحقيق: هو ما افاده المصنف «قدس سره» و هو استحباب إعادة الطلي و ان لم يمض خمسة يوما، و ذلك لما في خبر ابن يعفور المتقدم، و هو قوله (عليه السلام):

[أعيدا] فإن الاطلال طهور، و خبر ابى بصير قال «عليه السلام»: تنور فقال: انما تنورت أول أمس و اليوم الثالث، فقال (عليه السلام): اما علمت انها طهر فتنور «4» و اما خبر علي ابن أبي حمزة المتقدم فيمكن ان يقال بخروجه عن ما نحن فيه، لان ظاهرها- كما ترى- تدل على وقوع الإطلاء للإحرام مع

صدور الإحرام منه فهو خارج عما نحن فيه- كما هو واضح- فتبقى الروايات الباقية، و مقتضاها- كما ترى- هو الاجتزاء بالاطلاء للإحرام قبل الإحرام بخمسة عشر أو أقل من ذلك، و اما أكثر منه فلا دلالة لها على الاجتزاء إذا لم يكن للإحرام، فالمستفاد منها هو استحبابه لنفسه في كل وقت و استحبابه عند الإحرام أيضا و يمكن الاجتزاء به قبله بخمسة عشر يوما أو أقل و اما أزيد منه بمقدار لا يصدق كونه للإحرام فلا. بل يمكن ان يقال: انه ليس في عبارة المحقق (طاب

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 7- من أبواب الإحرام حديث 4.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 7- من أبواب الإحرام حديث 5.

(3) الوسائل ج 2 الباب- 7- من أبواب الإحرام حديث 6.

(4) الوسائل ج 1- الباب 31 من أبواب آداب الحمام حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 336

ثراه) و غيره ما ينافي ذلك، لعدم المنافاة بين الاجزاء و الفضل بينهما فلا ينافي استحباب الإعادة قبل ذلك فتدبر.

قوله قده: (و يستحب أيضا إزالة الأوساخ من الجسد، لفحوى ما دل على المذكورات و كذا يستحب الاستياك)

لا ينبغي الإشكال في ذلك و لكن الظاهر: انه لم يرد دليل تعبدي بالخصوص على ذلك في ما نحن فيه، و لكنه لا ينبغي الارتياب في رجحان ذلك في حد نفسه، لما دل على رجحان النظافة و لكنه لا ربط له بما نحن فيه من الاستحباب بالخصوص للإحرام قال في المستند: (زاد في المستحبات تنظيف الجسد من الأوساخ و ازالة الشعر منه مطلقا و لا بأس به بعد فتوى الفقيه و اشعار تعليل الإطلاء في بعض الاخبار بأنه طهور) و اما استحباب الاستياك للإحرام فهو مما

لا اشكال فيه، لما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم، قال (عليه السلام) فيه: (ثم استك و اغتسل).

[الثالث الغسل للإحرام في الميقات]
اشارة

قوله قده: (الثالث: الغسل للإحرام في الميقات. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قال في الجواهر في شرح قول ماتنه: [و الغسل للإحرام]: (للأمر به في النصوص المستفيضة أو المتواترة المحمول عليه إجماعا محكيا عن التذكرة و التحرير ان لم يكن محصلا بل عن المنتهى: «فلا نعرف فيه خلافا» و كأنه لم يعتد بما حكاه في المختلف عن الحسن من الوجوب) و في المدارك (قال الشيخ في التهذيب انه سنة بغير خلاف و نقل عن ابن عقيل «رحمه اللّه تعالى» انه واجب و المعتمد: الاستحباب، لنا: أصالة البراءة مما لم يثبت وجوبه و ما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى وقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام «ان شاء اللّه تعالى فانتف. الى ان قال:

و اغتسل و البس ثوبيك «1» و الظاهر من الأمر ان الأمر بالغسل للاستحباب، كما يشعر

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 337

واجب و أجاب عنها العلامة «قدس سره» في المختلف على ما حكاه صاحب المدارك بأن المستحب مأمور به كالواجب، و استدل على الاستحباب بأصالة البراءة. و بما رواه سماعة عن الصادق (عليه السلام) قال: سألته عن الحجامة و حلق القفاء في أشهر الحج؟ فقال:

لا بأس به و السواك و النورة). و اعترض عليه صاحب المدارك «قدس سره» حيث قال:

(و لا يخفى ما في هذا الجواب و الاستدلال من النظر، اما «الأول»:

فلأنه ان أراد بكون المستحب مأمورا به انه يستعمل فيه صيغة افعل حقيقة منعناه، لأن الحق انها حقيقة في الوجوب» كما هو مذهبه «رحمه اللّه تعالى» في كتبه الأصولية. و ان أراد ان المندوب يطلق عليه هذا اللفظ- أعني المأمور به- سلمناه و لا ينفعه. و اما «الثاني»: فلان الأصل يخرج عنه بما نقلناه من الأدلة، و رواية سماعة ضعيفة السند قاصرة الدلالة،. إلخ) ثم انه على فرض تماميتها من حيث السند ايضا لا تنهض للمعارضة لتقييدها بها فتأمل ثم انه لا يخفى انه ليس في شي ء من الاخبار المتقدمة ما يدل على التقييد بالتمتع كما هو المذكور في كلامهم على ما قيل به في كشف اللثام كما عن النهاية و المبسوط و الوسيلة و السرائر و التحرير و التذكرة و الإرشاد و المنتهى و التبصرة فالقول بالتعميم هو المتعين و بذلك صرح جملة من متأخري المتأخرين لما يقتضيه إطلاقها. ثم انه يمكن ان يستدل لعدم وجوب التوفير بطائفة أخرى من الاخبار منها ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن الرجل إذا هم بالحج يأخذ من شعر رأسه و لحيته و شاربه ما لم يحرم قال: عليه السلام لا بأس «1» و ما رواه هشام بن الحكم و إسماعيل بن جابر جميعا عن الصادق عليه السلام انه يجزى الحاج ان يوفر شعره شهرا «2» و ما رواه سماعة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته عن الحجامة و حلق القفاء في أشهر الحج؟ فقال عليه السلام: لا بأس

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 4 من أبواب الإحرام حديث: 6

(2) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب

الإحرام: حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 338

إبطيك. الى ان قال: ثم استك و اغتسل و البس «1» و كذلك يدل عليه ما دل على جواز تقديمه عند إعواز الماء، لان الظاهر منه ان تشريعه كان في الميقات و سيأتي ذكره (ان شاء اللّه تعالى)

[و مع العذر عنه التيمم]

قوله قده: (و مع العذر عنه التيمم. إلخ)

قال المحقق طاب ثراه في الشرائع: (قيل ان لم يوجد ماء تيمم له) قال في المدارك في شرح كلامه: (القول للشيخ رحمه اللّه تعالى و هو ضعيف جدا، لأن الأمر انما تعلق بالغسل فلا يتناول غيره. إلخ) و ظاهر كلام المحقق ايضا- كما ترى- التوقف في ذلك. و في كشف اللثام في شرح قول ماتنه: [فان تعذر فالتيمم] قال: (كما في المبسوط و المهذب قال في التذكرة: لأنه غسل مشروع فناب عنه التيمم كالواجب و ضعفه ظاهر) و التحقيق: أنه لم يرد في ما نحن دليل بالخصوص على بدلية التيمم عن الغسل و لأجله يشكل الحكم بذلك. اللهم الا ان يقال: انه يكفى الحكم ببدلية التيمم في المقام التمسك بعموم بدلية التراب عن الماء. و انه يكفى عشر سنين، و كونه مثل الماء، و ان التراب أحد الطهورين و نحو ذلك، فمع الشك في بدلية التيمم في مورد لا بأس بالتشبث بهذه العمومات، الا ان يناقش فيها: بأنها ليست في مقام تشريع أصل البدلية حتى يقال بعموم البدلية، بل في مقام إثبات طهورية التراب و تنزيله منزلة الماء في موارد مشروعية التيمم و بعبارة أوضح المستفاد من هذه العمومات هو كون التراب طهورا فيما شرع فيه التيمم فلا مجال للتمسك بها إذا شك في أصل مشروعية التيمم في مورد نظير عدم صحة

التشبث بقاعدة السلطنة في معاملة شك في أصل مشروعيتها لعدم اندراجها تحت أحدى المعاملات المعهودة فالأولى التيمم رجاء كما لا يخفى نعم إذا ثبت ان كل ما يكون غاية للغسل غاية للتيمم أيضا فحينئذ يثبت مشروعيته في مفروض المقام و لا إشكال في استحبابه و الا فيحتاج إثبات المشروعية بدليل خاص فتدبر.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 339

[و يجوز تقديمه على الميقات]

قوله قده: (و يجوز تقديمه على الميقات مع خوف إعواز الماء. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب قال في الجواهر في شرح قول المحقق «طاب ثراه»: [و يجوز له تقديمه على الميقات إذا خاف عوز الماء فيه].: (بلا خلاف أجده فيه كما اعترف به في الذخيرة و الرياض و غيرهما، بل في المدارك: «إجماع العلماء عليه» لكن في النافع: «و قيل: يجوز تقديم الغسل على الميقات لمن خاف عوز الماء و يعيد لو وجده). مشعرا بتمريضه. و فيه ان النصوص دالة عليه. إلخ) لا ينبغي الارتياب، في ذلك بعد ثبوت تطابق الفتاوى و النصوص عليه كصحيح هشام بن سالم، قال: أرسلنا الى أبى عبد اللّه «عليه السلام» و نحن جماعة و نحن بالمدينة إنا نريد أن نودعك فأرسل إلينا أن اغتسلوا بالمدينة فإني أخاف عليكم أن يعز (يعوز خ ب) عليكم الماء بذي الحليفة فاغتسلوا بالمدينة و البسوا ثيابكم التي تحرمون فيها ثم تعالوا فرادى أو مثاني «1» و رواه الصدوق بإسناده عن ابن ابى عمير و زاد: (فلما أردنا أن نخرج قال «عليه السلام»: لا عليكم أن تغتسلوا ان وجدتم ماء إذا بلغتم ذي الحليفة.

قوله قده:

(بل الأقوى جوازه مع عدم الخوف أيضا. إلخ)

و يدل عليه جملة من النصوص الواردة عنهم عليهم السلام في المقام- منها:

1- صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يغتسل بالمدينة للإحرام أ يجزيه عن غسل ذي الحليفة؟ قال (عليه السلام). نعم «2». و نحوه خبر أبي بصير.

2- ما رواه الحسين بن سعيد، عن حماد عن معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) و نحن بالمدينة عن التهيؤ للإحرام؟ فقال: اطل بالمدينة و تجهز بكل

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 8- من أبواب الإحرام حديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 8- من أبواب الإحرام حديث 5.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 340

ما تريد، و اغتسل، و ان شئت استمعت بقميصك حتى تأتى مسجد الشجرة «1» الى غير ذلك من النصوص الواردة عنهم عليهم السلام الدالة على جواز تقديم الغسل على الميقات مع عدم خوف إعواز الماء، و قد مال اليه صاحب المدارك «قدس سره» حيث قال: (لا يبعد جواز التقديم مطلقا) ثم استدل على ذلك بصحيح الحلبي، و بصحيح معاوية بن وهب المزبورين، و مال إليه أيضا صاحب كشف اللثام و الذخيرة و نسبه في محكي الذخيرة إلى ظاهر جملة من الروايات، ثم ذكر صحيح الحلبي و خبرا بصير المتقدمين قال في المستند و مقتضى الأولين): أي صحيح معاوية بن وهب و الحلبي) جواز التقديم مطلقا و ان لم يخف عوز الماء و هو الأقرب) و حينئذ فالأخذ بالإطلاق- و هو جواز تقديم الغسل على الميقات مطلقا سواء خاف عوز الماء أولا- في محله و ليس ببعيد. و لكن في التنقيح بعد ان اعترف باقتضاء الإطلاق ذلك قال: (و الشيخ

قيده بالخوف و هو جيد، إذ العمل بالإطلاق لم يقل به قائل) و لكن يمكن المناقشة فيه- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- بان عدم القائل لا ينافي وجوب العمل بالخبر الجامع لشرائط الحجية ما لم يتحقق الإجماع على خلافه، و لا سيما مع ذهاب جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» الي العمل به نعم، إذا قام الإجماع على خلافه فكلامه في محله. و لكنه ليس كذلك. ثم، ان التنظير بغسل الجمعة التي يقدم يوم الخميس للخوف لا يقتضي ذلك- كما في الجواهر- ثم انه قال في الجواهر: (فمن الغريب ما في الرياض: من جعل ما في التنقيح إجماعا منقولا و قيد به النصوص، بل تردد في تناول إطلاق النصوص لصورة عدم الخوف، إذ لا يخفى عليك ما فيه. نعم، قد يقال ان التعليل في الصحيح الأول (و هو صحيح هشام) مؤيدا بذلك يقتضي التقييد المزبور الا ان الإنصاف قصوره عن ذلك على وجه يقتضي عدم المشروعية لزيادة التنظيف فالجزم بذلك (اى التقييد) كما في الرياض لا يخلو من منع). ما افاده (قدس

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 7- من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 341

سره) من ان الإنصاف قصوره عن ذلك على وجه يقتضي عدم المشروعية. إلخ هو الصواب لاحتمال رجوع التعليل الى وجه تعين أحد الأفراد عقلا إرشادا الى ما هو لا يفوته به الغسل، فليس خوف الإعواز شرطا للمشروعية حتى يصلح للتقييد. نظير ان يقال في النذر الموسع: (ف بنذرك). فإني أخاف عليك الموت، و عليه فالجزم بالتقييد كما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره» عن الرياض مما لا يخلو من اشكال، فتدبر.

ثم أنه قد يقال بتعارض الأخبار

الواردة في المقام مع ما دل على ان مكان الغسل الميقات، حيث ان ظاهره التحديد المقتضى لاختصاص المشروعية بالميقات، فينافي ما دل على مشروعيته في غير الميقات. لكن يمكن دفع المعارضة: بأن يكون الغسل في غير الميقات بدلا عنه فيه، و لكنه لا يخلو من تأمل، و وجهه هو ان الحمل على البدلية خلاف الظاهر، و لا يصار اليه الا بالقرينة- كما لا يخفى.

[و الأحوط الإعادة في الميقات]

قوله قده: (و الأحوط الإعادة في الميقات)

قال المحقق «طاب ثراه» في الشرائع: (و لو وجده استحب له الإعادة). قال في المدارك: (و أما استحباب الإعادة إذا وجد الماء في الميقات فيدل عليه قوله «عليه السلام» في آخر صحيحة هشام المتقدمة:

«لا عليكم أن تغتسلوا ان وجدتم ماء إذا بلغتم ذا الحليفة» و لكن لا يخفى: انه على فرض إمكان استفادة الاستحباب منه يحكم باستحبابه فيه حتى في صورة خوف الإعواز، و لكن التحقيق: أنه لا دلالة فيه على الندب الذي هو أخص من نفى البأس. و لكن في المستند:

«و هل يستحب الإعادة لو وجد الماء في الميقات أم لا؟، فيه: قولان: الأقرب: هو الثاني. للأصل، و استدل للأول بذيل صحيحة هشام. الى ان قال: «ورد بأن نفى البأس غير الاستحباب الا ان يتيمم بأنه إذا لم يكن به بأس كان راجحا لكونه عبادة راجحة». ثم قال: «أقول: لا يتعين تقدير البأس بل الظاهر منه نفى أصل الغسل فهو لدليل الثاني أقرب و أشبه».).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 342

[و يكفي الغسل من أول النهار الى الليل و من أول الليل الى النهار]
اشارة

قوله قده: (و يكفي الغسل من أول النهار الى الليل و من أول الليل الى النهار.

إلخ)

قال في الجواهر: (و كيف كان فلا خلاف أجده في انه يجزى الغسل في أول النهار ليومه إذا أراد الإحرام فيه، و في أول الليل لليلته ما لم ينم، بل قيل: انه مقطوع به في كلام الأصحاب) و قد نفى الخلاف عن ذلك صاحب المستند (قدس سره) لا بأس بذكر الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) في المقام فنقول: في صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: غسل يومك ليومك، و غسل ليلتك لليلتك «1». و في خبر على

بن أبي حمزة عن أبى بصير في حديث قال: أتاه رجل و أنا عنده، فقال: اغتسل بعض أصحابنا فعرضت له حاجة حتى أمسى؟ فقال: يعيد الغسل يغتسل نهارا ليومه ذلك و ليلا لليلته «2». و في رواية عثمان بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال من اغتسل بعد طلوع الفجر كفاه غسله الى الليل في كل موضع يجب فيه الغسل و من أغتسل ليلا كفاه غسله الى طلوع الفجر «3» و في خبر سماعة بن مهران عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال من أغتسل قبل طلوع الفجر و قد استحم قبل ذلك ثم أحرم من يومه أجزأ غسله و ان أغتسل في أول الليل ثم أحرم في آخر الليل أجزأ غسله «4» هذا بناء على ان المراد طلوع الفجر من قوله: (قبله فيه). فيه ما لا يخفى و في وافى الكاشاني: (كان المراد بالاستحمام تنظيف البدن

قوله قده: (بل الأقوى كفاية غسل اليوم الى آخر الليل و بالعكس. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قال في المدارك: (و الا ظهر الاكتفاء بغسل اليوم لليلته أيضا و غسل الليلة لليوم) و قال في المستند: (بل المستفاد من بعضها كفاية غسل الليل لليوم و اليوم لليل، و أفتى به جماعة أيضا و لا بأس به).

و قال في الجواهر: (و قد أفتى به جماعة من متأخري المتأخرين تبعا للمحكي عن المقنع

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب الإحرام حديث: 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب الإحرام حديث: 3

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب الإحرام حديث: 4

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 9- من أبواب الإحرام حديث: 5

كتاب

الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 343

و نفى عنه البأس في الرياض. إلخ) و نحوها كلام غيرهم يمكن الاستدلال لذلك بصحيح جميل عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: غسل يومك يجزيك لليلتك، و غسل ليلتك يجزيك ليومك «1» و خبر سماعة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام): من اغتسل قبل طلوع الفجر و قد استحم قبل ذلك ثم أحرم من يومه أجزأه غسله. إلخ «2» و يمكن ان يقال: انه لا تهافت بينهما و بين ما دل على عدم اجزاء غسل الليل ليومه و غسل اليوم لليلة، و ذلك لحمل خبر سماعة: على الغسل بعد الفجر. و كذلك حمل اللام في صحيح الجميل على معنى: الى كما مال اليه صاحب الوسائل (قدس سره) فحينئذ يكون التوافق بين الأحاديث حاصلا و لكن الإشكال في ذلك ظاهر. لكونه خلاف الظاهر، فلا يصار اليه بلا قرينة

[و يستحب إعادته خصوصا في النوم]

قوله قده: (و يستحب إعادته خصوصا في النوم. إلخ)

يدل عليه صحيح نضر بن سويد عن أبى الحسن «عليه السلام» قال: سألته عن الرجل يغتسل للإحرام ثم ينام قبل أن يحرم؟ قال «عليه السلام»: عليه اعادة الغسل «3» و خبر على بن أبي حمزة، قال سألت أبا الحسن «عليه السلام»: عن رجل اغتسل للإحرام ثم ينام قبل ان يحرم؟ قال: عليه اعادة الغسل «4» و يمكن أن يؤيد بما دل عليه في من اغتسل لدخول مكة و هو صحيح عن الرجل يغتسل لدخول مكة ينام فيتوضأ قبل أن يدخل أ يجزيه ذلك أم يعيد؟ قال: لا يجزيه ذلك، لأنه إنما دخل بوضوء «5» و بما دل عليه في من اغتسل للطواف و هو ما رواه أبو حمزة عن أبى الحسن «عليه السلام»

قال: قال لي: ان اغتسلت بمكة ثم نمت قبل أن تطوف فأعد غسلك «6» و لكن ينافيها صحيح عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يغتسل للإحرام بالمدينة و يلبس ثوبين

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 9 من أبواب الإحرام حديث: 5

(3) الوسائل ج 2- الباب- 10- من أبواب الإحرام حديث: 1

(4) الوسائل ج 2- الباب- 10- من أبواب الإحرام حديث: 2

(5) الوسائل ج 2- الباب 6 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 1

(6) الوسائل ج 2- الباب 6 من أبواب مقدمات الطواف حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 344

ثم ينام قبل ان يحرم؟ قال «عليه السلام»: ليس عليه غسل «1» الا انه قد يجمع بينها بحمل صحيح العيص بن القاسم على نفى التأكد كما افاده صاحب المدارك «قدس سره» حيث قال بعد ذكره: «و الظاهر ان المراد نفى تأكّد الغسل» لا على نفى الوجوب، كما عن الشيخ، لان سوق الخبر- كما افاده صاحب المدارك- يقتضي أن سقوط الإعادة انما كان لأجل الاعتداد بالغسل الأول و عدم انتفاضة بالنوم لا لكونه غير واجب و (بعبارة اخرى): ان السؤال فيه لم يكن عن الوجوب و عدمه بل انما كان عن الاعتداد بالغسل الأول و عدمه قال في الجواهر: «و لكن مقتضى الجمع بينهما و بين صحيح العيص بن القاسم استحباب الإعادة لا انتفاض الغسل، و احتمال كون المراد من صحيح العيص عدم مشروعية الإعادة كما عن بن إدريس مقتضي لطرح ما سمعته من النصوص المؤيدة بأنها مبالغة في التنظيف، فالأولى حمله على ارادة عدم النقض على معنى انه ليس عليه ذلك

كمن لم يغتسل، و لعله أولى من حمله على عدم التأكد. إلخ) و التحقيق: معارضة صحيحة العيص للاخبار الآمرة بإعادة الغسل ضرورة: كون عليه اعادة الغسل، و ليس عليه الغسل عند أبناء المحاورة من أوضح مصاديق المتعارضين فان الغسل المثبت و المنفي يراد به الغسل المشروع للإحرام فلا محيص عن التعارض، الا ان يقول باعراض المشهور عن صحيح العيص الموجب، لعدم صلاحيّة للمعارضة فالمعوّل هو النّصوص الآمرة بإعادة الغسل كما نسب الى المشهور ثم ان الرّوايات الواردة عنهم (عليهم السلام) في المقام كلها واردة في النوم و لم يتعرض فيها لغيره من الأحداث فقال في الجواهر: (و في القواعد: «و لو أحدث بغير النوم فإشكال ينشأ من التنبيه بالأدنى على الأعلى و من عدم النص «بل في الدروس:

«الأقرب ان الحدث كذلك». و نفى عنه في المسالك: البأس، و لعله لكونه مساويا له، أو أقوى باعتبار تلويثه للبدن. بل في كشف اللثام: «الظاهر ان النوم انما صار حدثا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 10 من أبواب الإحرام حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 345

لان معه مظنة الأحداث فحقائقها اولى». بل في المختلف تعليل الإعادة للنوم: «بأنه يبطل الطهارة الحقيقية فالوهمية أولى». بل في المدارك: «الاتفاق على نقض الحدث غيره مطلقا و الخلاف فيه على بعض الوجوه»، و التحقيق: ان هذه الوجوه لا تصلح دليلا على التعدي من النوم الى غيره من النواقض- كما أفاده صاحب الجواهر قدس سره- و العمدة استفادة عدم الخصوصية من الأخبار الواردة في النوم، و لكنه- كما ترى- يحتمل للنوم خصوصية، فلذلك لا بد من الاقتصار على المورد، و عدم التعدي.

ان قلت: انه يمكن التعدي عن المورد- أى النوم- الى غيره من

النواقض بتنقيح المناط. قلت: انه قد تكرر ان المعتبر منه هو القطعي، و هو غير حاصل في الشرعيات، و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن و لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن كونه قياسا غير مشروع عندنا، لاحتمال خصوصية في النوم دون غيره من النواقض و لو فرضناها أقوى و لا دافع لهذا الاحتمال الا فهم المثالية من النوم (بدعوى): ظهوره فيها و لكنها غير مسموعة لكون الظاهر على خلافها. نعم، إذا قطعنا بملاك الحكم و عدم مانع عن الجعل أيضا فلا محيص عن التعدي من النوم الى غيره من النواقض، و لكنه مجرد فرض لا واقع له، لعدم العلم بالملاكات- كما لا يخفى- و من هنا ظهر: قوة أفاده صاحب المدارك «قدس سره» من ان الأصح عدم الاستحباب، لانتفاء الدليل. ثم أنه قال: (و ربما كان في صحيحة الجميل اشعار بذلك) و قد دل صحيح جميل المتقدم على كفاية غسل اليوم ليوم و ليل لليلة، و لكن يمكن المناقشة فيما أفاده: من انه ربما كان في صحيحة الجميل اشعار بذلك: بأنه لا تعرض فيه للحدث و انما يدل على الاكتفاء بغسل النهار الى آخر النهار فيكون النظر فيه الى الزمان.

و لكن قال صاحب الحدائق بعد ما نقل كلام المدارك المزبور: (أقول ما ذكره

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 346

من اشعار الصحيحة المذكورة بذلك صحيح، لانه يبعد ان لا يحدث الإنسان من أول اليوم لو اغتسل في أوله إلى آخر تلك الليلة، و كيف كان لا يمكن التعدي عن مورد الاخبار الى مطلق الحدث بعد فرض احتمال الخصوصية للنوم. نعم، مصحح إسحاق بن عمار- قال: سألته عن غسل الزيارة

يغتسل بالنهار و يزور بالليل بغسل واحد؟ قال «عليه السلام»: يجزيه ان لم يحدث، فإن أحدث ما يوجب وضوءا فليعد غسله «1»- يدل على الإعادة لمطلق الحدث لكن يكون مورده غسل الزيادة، و لا يمكن التعدي منه الى ما نحن فيه، و ان قيل: أن بناءهم على عدم الفرق بينه و بين المقام.

قال في الحدائق بعد ذكره: (و بذلك يظهر قوة ما نقله في المدارك عن الشهيدين:

(و هو إلحاق باقي النواقض بالنوم) و حينئذ فيجب تخصيص صحيحة جميل و نحوها بهذه الأخبار الدالة على الإعادة بحدث النوم أو غيره، و يظهر: ان ما ذهب إليه في المدارك و ان كان هو ظاهر المشهور بمحل من الضعف و القصور). ما أفاده «قدس سره» انما يتم بناء على عدم الفرق بينهما و دون إثبات التساوي بين غسلي الإحرام و الزيارة في الأحكام مطلقا أو في خصوص هذا الحكم خرط القتاد إذ لا دافع لاحتمال الخصوصية في غسل الزيارة الموجبة لانتفاضه بمطلق الحدث المفقودة في غسل الإحرام فتدبر.

أما صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سألت أبا إبراهيم «عليه السلام»: عن الرجل يغتسل لدخول مكة ثم ينام فيتوضأ قبل ان يدخل أ يجزيه ذلك أو يعيد؟ قال «عليه السلام»: لا يجزيه. لانه إنما دخل بوضوء «2» قال في الحدائق أنها مشيرة أيضا بأنه ينبغي ان يكون الدخول بالغسل من غير ان ينقضه بناقص من حدث و غيره، لان قوله:

(لا يجزيه انما دخل بوضوء) مما يشير إلى انه لا بد ان يكون الدخول بغسل غير منتقض بشي ء من النواقض) و هو جيد بل دعوى ظهور الصحيح المزبور في التعميم في غاية المتانة

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 3- من أبواب

زيارة البيت: حديث 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 3- من أبواب زيارة البيت: حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 347

لان تعليل عدم الاجزاء بكون الدخول بالوضوء ظاهر عرفانى علية ناقض الوضوء له لأنه الموجب لانتقاض الغسل و كون الدخول بالوضوء و من المعلوم ان ناقض الوضوء أعم من النوم و غيره فليس التعدي عن النوم الى غيره من النواقض من القياس المسدود بابه و الممنوع استشمامه كما لا يخفى و لكنه بعد يحتاج إلى التأمل.

[كما ان الاولى إعادته إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه]

قوله قده: (كما ان الاولى إعادته إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم بل و كذا لو تطيب. إلخ)

لجملة من النصوص- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذ لبست ثوبا لا ينبغي لك لبسه أو أكلت طعاما لا ينبغي لك أكله، فأعد الغسل «1».

2- صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا اغتسلت للإحرام فلا تقنع و لا تطيب، و لا تأكل طعاما فيه طيب فتعيد الغسل «2».

3- خبر محمد بن مسلم عن أبى جعفر «عليه السلام» قال: إذا اغتسل الرجل و هو يريد ان يحرم فلبس قميصا قبل أن يلبى فعليه الغسل «3» 4- خبر على بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن رجل اغتسل للإحرام ثم لبس قميصا قبل أن يحرم؟ قال (عليه السلام): قد انتقض غسله «4» لكن ظاهر هذه النصوص- كظاهر كلمات الأصحاب- هو الاستحباب بل الوجوب الا ان التسالم على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهورها في الوجوب، و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه فلا محيص عن الالتزام به و لم يظهر

وجه معتد به لعدول المصنف «قدس سره» عن الاستحباب إلى الأولوية، و لعله أراد بها الأولوية الشرعية التي هي عبارة أخرى عن الندب لا الأولوية العقلية في مقام إحراز الواقع و امتثاله

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 13- من أبواب الإحرام حديث 1.

(2) الوسائل ج 2 الباب- 13- من أبواب الإحرام حديث 2.

(3) الوسائل ج 2- الباب- 11- من أبواب الإحرام حديث: 2

(4) الوسائل ج 2- الباب- 11- من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 348

فتأمل جيدا و أما ما أفاده المصنف «قدس سره»: بل و كذا التطيب، فهو الصواب لصحيح عمر بن يزيد المتقدم

[بل الاولى ذلك في جميع تروك الإحرام]

قوله قده: (بل الاولى ذلك في جميع تروك الإحرام فلو أتى بواحد منها بعدها قبل الإحرام الاولى إعادته. إلخ)

قال في محكي المدارك: (و الظاهر عدم استحباب الإعادة بفعل ما عدا ذلك من تروك الإحرام، لفقد النص، و لو قلم أظفاره بعد الغسل لم يعده و يمسحها بالماء، لما رواه الشيخ في الحسن عن جميل بن دراج عن بعض أصحابه عن أبى جعفر (عليه السلام): في رجل أغتسل للإحرام ثم قلم أظفاره؟ قال (عليه السلام):

يمسحها بالماء و لا يعيد الغسل «1» ما أفاده صاحب المدارك «قدس سره» هو الصواب، إلا إذا حصل القطع بالمناط، فحينئذ يجوز التعدي من مورد الأخبار المتقدمة الدالة على استحباب اعادة الغسل إذا أكل أو لبس ما لا يجوز أكله أو لبسه للمحرم، و لكنه لا سبيل الى ذلك فتأمل. ثم انه على تقدير التعدي عن مورد النصوص المتقدمة إلى سائر تروك الإحرام فلا بد من الالتزام باستحباب اعادة الغسل، لما عرفت من ظهور النصوص في ذلك، فلاحظ

[و لو أحرم بغير غسل]
[أتى به و أعاد صورة الإحرام]

قوله قده: (و لو أحرم بغير غسل أتى به و أعاد صورة الإحرام سواء تركه عالما أو جاهلا أو ناسيا)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» و يدل عليه صحيح الحسين بن سعيد عن أخيه الحسن: قال: كتبت الى العبد الصالح أبى الحسن «عليه السلام» رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما ما عليه ذلك و كيف ينبغي له أن يصنع؟ فكتب: يعيده «2» بعد حمل الأمر فيه على الندب، كما يشعره السؤال، لتعلقه بما ينبغي أن يصنع و عن الوظيفة الاستحبابية لا بما يجب و هذا بقرينة قوله: [ينبغي] فيكون المراد من الجواب ايضا كذلك حتى يحصل

التطابق بينهما، للزوم ذلك،

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 12 من أبواب الإحرام حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 20 من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 349

و لكن ناقش فيه صاحب الحدائق «قدس سره» حيث قال بعد نقل كلام صاحب المدارك: و هو حمل الإعادة على الاستحباب بقرينة السؤال: (و فيه ما قدمنا ذكره في غير مقام ان لفظ: (ينبغي) و (لا ينبغي) في الاخبار أكثر كثير في معنى الوجوب و التحريم و ان استعمل في هذا المعنى الذي ذكره أحيانا و ان الحمل على أحدهما يتوقف على القرينة. إلخ).

لكن التحقيق: انه على فرض تسليم عدم ظهور كلمة: (ينبغي) الواقع في الرواية في الاستحباب، فلا أقل من الإجمال فلا يكون الكلام ظاهرا في الوجوب مع ان نفى الوجوب إجماعي، فعليه لا يبقى مجال للقول بالوجوب. بل في الجواهر (لا أجد له وجها، ضرورة: عدم تعقل وجوب الإعادة مع كون المتروك مندوبا) و قول الشيخ في النهاية: «من أحرم من غير صلاة و غير غسل كان عليه إعادة الإحرام بصلاة و غسل) لا صراحة فيه بالوجوب خصوصا بعد قوله في المبسوط: «كان إحرامه منعقدا غير انه يستحب له إعادة الإحرام بصلاة و غسل» نعم ما يحكى عن أبى علي: ثم اغتسل و لبس ثوبي الإحرام و صلى لإحرامه لا يجزيه غير ذلك إلا الحائض، فإنها تحرم بغير صلاة: قال: «و لا ينعقد الإحرام إلا في الميقات بعد الغسل و التجرد و الصلاة ظاهر في وجوب الغسل و الصلاة و حينئذ يتجه وجوب الإعادة. إلخ) و أما ما أفاده المصنف «قدس سره» بقوله: (و أعاد صورة الإحرام) فقال ابن إدريس على ما في الجواهر

بعد ما حكى عن الشيخ (رحمه اللّه تعالى) القول بإعادة الإحرام في الفرض: (ان أراد به انه نوى الإحرام و أحرم و لبى من دون صلاة و غسل فقد انعقد إحرامه فأي اعادة تكون عليه و كيف يتقدر ذلك و ان أراد أنه أحرم بالكيفية الظاهرة من دون النية و التلبية فيصح ذلك و يكون لقوله وجه) و اعترض عليه العلامة «رحمه اللّه تعالى» في المختلف على ما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره» بأنه انما قصد الشيخ انه

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 350

إذا عقد إحرامه بالتلبية و النية و لبس الثوبين التي هي أركان الإحرام و اجزاءه من غير غسل و لا صلاة استحب له إعادة التلبية و لبس الثوبين و النية عملا برواية الحسين بن سعيد الصحيحة و الاستبعاد في استحباب اعادة الفرض لأجل النفل، كما في الصلاة المكتوبة إذا دخل فيها المصلى بغير أذان و لا إقامة فإنه يستحب له إعادتها).

و قد أشكل عليه الشهيد الثاني (رضوان اللّه تعالى عليه) في محكي المسالك بما حاصله (وضوح الفرق بين المقامين، فإن الصلاة تقبل الابطال بفعل منافياتها و لو نية الابطال بخلاف الإحرام الذي لا يقبله إلا بالإتمام أو ما يقوم مقامه) و تبعه على ذلك العلامة الأصبهاني في كشف اللثام حيث قال: (و ليس كالصلاة التي تبطل بمنافياتها و بالنية فلا يتجه ما في المختلف من أنه كالصلاة التي يستحب إعادتها إذا نسي الأذان و الإقامة و الجواب: ان الإعادة لا تفتقر إلى الإبطال لم لا يجوز ان يستحب تجديد النية و تأكيدها للخبر، و قد ينزل عليه ما في المختلف و لكن لا يبقى حينئذ ان أيهما اى الإحرامين المعتبر اشكال،

بل الأول متعين لذلك و كذا يجب الكفارة بالمتخلل بينهما من موجباتها. إلخ) و كذلك تبعه في المدارك حيث قال، (و أنكر ابن إدريس استحباب الإعادة و هو جيد على أصوله و قد نص الشهيدان على ان المعتبر هو الأول إذ لا سبيل إلى إبطال الإحرام بعد انعقاده و على هذا فلا وجه لاستئناف النية بل ينبغي ان يكون المعاد بعد الغسل و الصلاة التلبية و اللبس خاصة) و في الرياض على ما حكى عنه أصر على بطلان الإحرام بإعادته، مستظهرا له من لفظ الإعادة في الصحيح مستشهدا عليه بما ذكره الأصوليون بأن الإعادة الإتيان بالشي ء ثانيا بعد الإتيان به أولا لوقوعه على نوع خلل كتجرد عن شرط معتبر أو التزامه بأمر مبطل) تنقيح المقام هو انه يستفاد من ظاهر كلام ابن إدريس المتقدم عدم مشروعية الإعادة إلا إذ أحرم بالكيفية الظاهرة من دون النية و التلبية فهو- كما ترى- خارج عن

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 351

فرض السؤال في الصحيح، و يستفاد من ظاهر كلام صاحب المدارك المتقدم مشروعية صورة الإحرام بلبس الثوبين و التلبية بلا نية أن شاءه. و لا يخفى ما فيه: لأن صورة الإحرام- كما ترى- ليست اعادة مع انه كتب «عليه السلام» في جواب سؤال السائل: (يعيده) الظاهر في إعادة أصل الإحرام الذي يتوقف على النية و غيرها و يستفاد من ظاهر كلام صاحب الجواهر قدس سره في آخر البحث مشروعية إنشاءه ثانيا مع البناء على صحة الإحرام الأول حيث قال: (لبقاء صحة الإحرام الأول، و ان استحب الإعادة التي لا تبطله، بل هو حكم تعبدي شرعي لتدارك الفضيلة نحو إعادة الصلاة جماعة، و يحسب له في الواقع أفضلها

نحو ما ورد في الصلاة جماعة و ان بقيت الأحكام الظاهرية على الأول المحكوم بصحته ظاهرا. إلخ) فلازم ما ذكره «قدس سره»- كما ترى- هو انه أحرم إحرامين حقيقيين. و لكن كلام صاحب الجواهر لا يخلو من المناقشة و الاشكال أما (أولا): فلكونه مخالفا لبناء الأصحاب، لعدم إمكان تكرار الإحرام و تأكده. و (ثانيا)، فلكونه خلاف ما يستفاد من ظاهر الصحيح، لانه يراد من الإعادة المذكورة في الصحيح كون العبرة بالإحرام الثاني ليتحقق امتثال الأمر بالإحرام بالإحرام الثاني لعدم حصول الامتثال بالإحرام الأول، لعدم انطباق المأمور به عليه، و لازم ما ذكره صاحب الجواهر «قدس سره» هو البناء على حصول الامتثال بهما في عرض واحد، و هو خلاف ظاهر الصحيح هذا و لكن يمكن دفعه بأن الإعادة انما تكون لإدراك الخصوصية الفائتة في الإحرام الأول و لما كانت الخصوصية الغسلية مثلا مطلوبة في الإحرام بنحو تعدد المطلوب و كانت قابلة للتدارك فصارت داعية للأمر بإعادة أصل الإحرام و من هنا يظهر وجه صحة، الإحرام الأول أيضا و اندفاع اشكال تسالم الأصحاب على عدم مشروعية تعدد الإحرام كما لا يخفى بأدنى تأمل.

ثم انه لا يخفى فما أفاده بقوله: (من انه يحسب له أفضلهما نظير ما ورد في الصلاة

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 352

جماعة) متين جدا و يكفى دليلا على ذلك ما ورد في الأمر بالإعادة بعد فرض استحباب الغسل و عدم مبطلية تركه للإحرام فتنظيره بالصلاة المعادة في محله ثم انه يستفاد من ظاهر كلام العلامة «رضوان اللّه تعالى عليهم» في المختلف هو مشروعية الإحرام ثانيا حقيقة و بطلان الإحرام الأول، و هذا هو الظاهر من الصحيح.

ثم لا يخفى أن مورد الصحيح المتقدم: هو

الجاهل و العالم، قال فيه: (رجل أحرم بغير صلاة أو بغير غسل جاهلا أو عالما. إلخ) فشموله للناسي متوقف على القول بكون النّاسي من مصاديق العالم، و لكنه لا يخلو من اشكال، لاحتمال انصرافه الى العامد. اللهم الا ان يقال: انه لا انصراف في البين أولا، و على فرض ثبوته فبدوىّ ثانيا. لعدم كونه بمنزلة القيد المذكور في الكلام الذي هو المعتمد في الانصراف الصالح للتقييد على ما قرر في محله. ثم أنه قد يظهر من بعض الفقهاء الاقتصار في موضوع المسألة على الناسي و (فيه) أن الصحيح المتقدم- كما ترى- ورد في الجاهل و العالم من دون تعرض للناسي و لكن قال في الجواهر: (اللّهم ان يفهم لحوقه بالفحوى) و لكنه لا يخلو من اشكال.

[و لكن إحرامه الأول صحيح باق على حاله]

قوله قده: (و لكن إحرامه الأول صحيح باق على حاله فلو أتى بما يوجب الكفّارة بعده و قبل الإعادة وجبت عليه. إلخ)

ما أفاده انما يتم بناء على القول بصحة الإحرام الأول و اما بناء على القول ببطلانه و عدم كونه موضوعا للامتثال فلا، ثم أنه يستحب عند الغسل أو بعده كما أفاده المصنف (قدس سره) ان يقول: (بسم اللّه و باللّه اللّهم اجعله لي نورا و طهور و حرزا و أمنا من كل خوف و شفاء و من كل داء و سقم، اللّهمّ طهّرني و طهّر قلبي و اشرح لي صدري، و أجر على لساني محبتك، و مدحك و الثناء عليك، فإنه لا قوة إلا بك، و قد علمت ان قوام ديني التسليم لك، و الاتّباع لسنة نبيك، صلواتك عليه و آله)

[الرابع ان يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة]
اشارة

قوله قده: (الرابع: ان يكون الإحرام عقيب صلاة فريضة أو نافلة و قيل بوجوب ذلك. لجملة من الاخبار الظاهرة فيه المحمولة على الندب، للاختلاف الواقع بينها

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 353

و اشتمالها على خصوصيات غير واجبة. إلخ)

ذهب الإسكافي على، ما حكى عنه الى وجوب ذلك و يستدل لذلك بجملة من النصوص الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال «عليه السلام»:

صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة «1» 2- صحيحة الآخر عنه «عليه السلام» إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها «2» 3- صحيحة الأخر عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم و ان كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت

في دبرهما فإذا انفتلت في صلاتك فاحمد اللّه و أثن عليه و صل على النبي صلى اللّه عليه و آله. «3»

4- خبر أبى بصير، قال: تصلى للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها «4» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» فظاهرها- كما ترى- وجوب كون الإحرام في عقيب أحدهما، و لكن لا بد من رفع اليد عن ظاهرها، لتسالم الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على خلافها الموجب لرفع اليد عن ظهورها في الوجوب و أما الاستحباب فلا موجب لرفع اليد عنه كما لا يخفى ثم أنه استدل في كشف اللثام على عدم الوجوب بالأصل و لاستلزامه وجوب نافلة الإحرام إذا لم ينفق في وقت فريضة حيث قال:

(و يستحب إيقاع الإحرام عقيب صلاة للنصوص، و لا يجب، كما يظهر من أبى على وفاقا للمشهور، للأصل. و لاستلزامه. إلخ) و لكن لا يخفى ما فيه من المناقشة و الاشكال: أما (الأصل): فلانه مقطوع بالدليل. و أما (استلزامه المحذور): فلان الالتزام به لا محذور

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 18 من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل ج 2- الباب 18 من أبواب الإحرام حديث: 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 16- من أبواب الإحرام حديث: 1

(4) الوسائل: ج 2- الباب- 18- من أبواب الإحرام حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 354

فيه فتدبر ثم أن ما افاده المصنف في وجه حملها على الندب بقوله: للاختلاف بينها و اشتمالها على خصوصيات غير واجبة) فلا يوجب ذلك رفع اليد عن ما هو ظاهر في الوجوب فالعمدة في وجه ذلك هو ذهاب الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» الى الخلاف الموجب لرفع اليد عن ظاهرها فتأمل.

[و الاولى أن يكون بعد صلاة الظهر في غير إحرام حج التمتع]

قوله قده: (و الاولى أن

يكون بعد صلاة الظهر في غير إحرام حج التمتع فإن الأفضل فيه أن يصلى الظهر بمنى. إلخ)

ما أفاده قدس سره بقوله: (فإن الأفضل فيه. إلخ) فيشهد له صحيح عمر بن يزيد، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صل ركعتين خلف المقام، ثم أهل بالحج فان كنت ماشيا فلب عند المقام، و ان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك، و صل الظهر ان قدرت بمنى «1» و صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: إذا انتهيت إلى منى فقل. الى ان قال: ثم تصلى بها الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة و الفجر، و الامام يصلى بها الظهر لا يسعه الا ذلك، و موسع عليك ان تصلى بغيرها أن لم تقدر، ثم تدركهم بعرفات «2». و موثق أبى بصير عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال ثم تلبي من المسجد الحرام، كما لبيت حين أحرمت، و تقول: لبيك بحجة تمامها و بلاغها عليك، و ان قدرت ان يكون رواحك إلى منى زوال الشمس، و الا فمتى ما تيسر لك من يوم التروية «3» و لا يعارضها صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كان يوم التروية» ان شاء اللّه تعالى» فاغتسل ثم البس ثوبك و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صلى ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 46 من أبواب الإحرام حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب 4- من أبواب الحج و الوقوف بعرفة حديث: 5

(3) الوسائل ج 2- الباب- 2- من أبواب

إحرام الوقوف بعرفة حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 355

حتى تزول الشمس، فصل المكتوبة ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة: و أحرم بالحج و عليك السكينة و الوقار فإذا انتهيت الى الرقطاء دون الردم فلب فإذا انتهيت الى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى «1» و وجهه واضح

[الخامس صلاة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين للإحرام]
اشارة

قوله قده: (الخامس: صلاة ست ركعات أو أربع ركعات أو ركعتين للإحرام. إلخ)

و يدل على الأول خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال:

«تصلى للإحرام ست ركعات تحرم في دبرها «2» و ما رواه ايضا عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم. الى ان قال ثم أنت المسجد الحرام فصل فيه ست ركعات قبل ان تحرم و تقول اللهم انى أريد الحج.

الى أن قال أحرم لك شعري و بشرى و لحمي و دمي «3» و يدل على الثاني ما عن ابن إدريس بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»: عن الرجل يأتي بعض المواقيت بعد العصر كيف يصنع؟ قال: يقيم الى المغرب قلت: فان أبى جماله ان يقيم عليه؟ قال: ليس عليه ان يخالف السنة قلت: إله أن يتطوع بعد العصر؟ قال: لا بأس به و لكني أكرهه للشهرة و تأخيره ذلك أحب الى قلت كم أصلي إذا تطوعت؟ قال: اربع ركعات «4» و يدل على الثالث صحيح معاوية بن عمار المتقدم قال عليه السلام فيه: (و ان كانت نافلة صليت ركعتين) و في صحيحة الآخر المتقدم أيضا قال عليه السلام (إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة

فريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها)

[و الأولى الإتيان بها مقدما على الفريضة]

قوله قده: (و الأولى الإتيان بها مقدما على الفريضة و يجوز إتيانها في أي وقت

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 1- من أبواب إحرام الحج و الوقوف بعرفة: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 18- من أبواب الإحرام: حديث 4

(3) الوسائل ج 2- الباب- 21- من أبواب المواقيت: حديث 4

(4) الوسائل ج 2- الباب- 19- من أبواب الإحرام: حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 356

بلا كراهة حتى في الأوقات المكروهة و في وقت الفريضة حتى على القول بعدم جواز النافلة لمن عليه فريضة لخصوص الأخبار الواردة في المقام)

و كأنه يشير الى صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: سمعت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول خمس صلوات لا يتركن على حال: إذا طفت بالبيت و إذا أردت أن تحرم «1» و خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه عليه السلام قال: خمس صلوات تصليها في كل وقت منها صلاة الإحرام «2». و أما ما أفاده «قدس سره» بقوله: «و الأولى الإتيان بها مقدما على الفريضة» فنقول: ان كلمات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» مختلفة في هذا المقام يستفاد من ظاهر بعضها عدم الجمع بين الفريضة و النافلة كما هو ظاهر كلام المحقق «طاب ثراه» في الشرائع حيث قال:

«و ان تحرم عقيب فريضة الظهر أو فريضة و ان لم يتفق صلى للإحرام ست ركعات» و أقله ركعتان. إلخ) قال في المدارك: (مقتضى العبارة: أنه مع صلاة الفريضة لا يحتاج إلى سنة الإحرام و انها انما تكون إذا لم يتفق وقوع الإحرام عقيب الظهر أو فريضة). و يستفاد من ظاهر بعضها: الجمع بين الفريضة و النافلة

و الإحرام عقيب الفريضة و هو ظاهر كلام الشهيد «قدس سره» في المسالك حيث قال في محكيه: (و ظاهر العبارة «أي عبارة المحقق طاب ثراه» يقتضي أنه مع صلاة فريضة لا يحتاج إلى سنة الإحرام و انما يكون عند عدم فعل ظهر أو فريضة و ليس كذلك و انما السنة أن يصلى سنة الإحرام أولا ثم يصلى الظهر أو غيرها من الفرائض ثم يحرم، فان لم يتفق ثمة فريضة اقتصر على سنة الإحرام.» الى ان قال: و قد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا) و في المدارك بعد نقل كلامه المتقدم قال (و على ذلك دلت الأخبار كصحيحة معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) انه قال: لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و ان كانت نافلة صليت ركعتين

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 19 من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 19 من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 357

و أحرمت في دبرها فإذا انفتلت من الصلاة فاحمد اللّه عز و جل، و أثن عليه، و صلى على النبي (ص) و يقول: اللهم إني أسألك. الحديث «1» و في رواية أخرى صحيحة لمعاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا أردت الإحرام في غير وقت صلاة فريضة فصل ركعتين ثم أحرم في دبرها «2» و من هنا يظهر: ان ما ذكره الشارح- من ان المراد ان السنة أن يصلى سنة الإحرام أولا ثم يصلى الظهر أو غيرها من الفرائض ثم يحرم في دبرها و ان لم يتفق ثمة فريضة

اقتصر على سنة الإحرام- غير جيد و من العجب قوله «رحمه اللّه تعالى»: (و قد اتفق أكثر العبارات على القصور عن تأدية المراد هنا، إذ لا وجه لحمل عبارات الأصحاب على معنى الذي ذكره فإن الأخبار ناطقة خلافه كما بيناه. إلخ و في كشف اللثام: (و يقدم نافلة الإحرام على الفريضة مع السعة، وفاقا المشهور.، الى ان قال و في الجمل و العقود و المهذب و الإشارة و الغنية و الوسيلة العكس، و يشعر به كلام الحسن، و هو أظهر، لأن الفرائض يقدم على النوافل إلا الراتبة قبلها، إذ لا نافلة في وقت فريضة. إلخ) و نحوها كلام غيرهم من الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» و كيف ما كان مقتضى ظاهر الاخبار المتقدمة هو ما أفاده صاحب المدارك «قدس سره».

و لكن يمكن أن يستدل لما نسبه صاحب كشف اللثام الى المشهور- و هو الجمع بين الفريضة و النافلة مع تأخير الفريضة و الإحرام عقيبها- بما عن الفقه المنسوب الى الرضا «عليه السلام» و هو فان كان وقت صلاة فريضة فصل هذه الركعات قبل الفريضة ثم صل الفريضة، و روى ان أفضل ما يحرم الإنسان في دبر صلاة الفريضة ثم أحرم في دبرها فيكون أفضل. و قال في الجواهر بعد ذكرها: (و ربما يدل عليه أيضا قول الصادق

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 16 من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 18 من أبواب الإحرام: حديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 358

«عليه السلام»، في صحيح معاوية بن عمار خمس صلاة لا تترك على حال إذا طفت بالبيت و إذا أردت أن تحرم «1» و في خبر أبى بصير أيضا خمس صلوات يصليها في

كل وقت منها صلاة الإحرام «2» و لكنها لا تخلو من المناقشة و الأشكال أما (ما عن الفقه الرضوي): فهو و ان كانت دلالته تامة الا انه ضعيف سندا فلا يصار اليه و أما (صحيح معاوية و خبر أبى بصير) فعدم إمكان استفادة الجمع بين النافلة و الفريضة مع تأخير الفريضة و الإحرام عقيبها واضح و من هنا ظهر: قوة ما أفاده صاحب المدارك «قدس سره» فتأمل.

[و الاولى أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد التوحيد و في الثانية الجحد]

قوله قده: (و الاولى أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الحمد التوحيد و في الثانية الجحد لا العكس كما قيل)

قال في الجواهر: (أما كيفية القراءة فيهما فلم أقف فيها الا على خبر معاذ بن مسلم عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال لا تدع ان تقرء قل هو اللّه أحد و قل يا أيها الكافرون في سبع مواطن: في الركعتين قبل الفجر، و ركعتي الزوال، و الركعتين بعد المغرب، و ركعتين من أول صلاة الليل، و ركعتي الإحرام، و الفجر إذا أصبحت. و ركعتي الطواف لكن في التهذيب بعد أن ورد ذلك قال: و في رواية اخرى انه يقرأ في هذا كله بقل هو اللّه أحد «و في الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون، إلا في الركعتين قبل الفجر، فإنه يبدأ بقل يا أيها الكافرون ثم يقرأ في الركعة الثانية بقل هو اللّه أحد و الأمر في ذلك سهل بعد كون الحكم ندبيا).

[يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن يستعمل الحناء]

قوله قده: (يكره للمرأة إذا أرادت الإحرام أن يستعمل الحناء إذا كان يبقى أثره. إلخ)

سيجي ء البحث عن ذلك في التروك (ان شاء اللّه تعالى).

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 19 من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 19 من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 359

فصل في كيفية الإحرام

اشارة

قوله قده: (في كيفية الإحرام)

قد وقع الخلاف في انه هل الإحرام عبارة عن مجموع النية و التلبية و لبس الثوبين، أو هو عبارة عن بعضها، أو غير ذلك و تظهر الثمرة في حكم تارك الإحرام ناسيا أو جاهلا، و أيضا تظهر الثمرة: في أنه لو جعل نية ترك محرمات الإحرام جزأ للإحرام أو تمام الإحرام كان ارتكاب محرم منها حين الإحرام مانعا عن انعقاده و هذا بخلاف ما لو لم يجعل كذلك فنقول: قد اختلفت عبارات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في حقيقة الإحرام على أقوال على ما حكاه صاحب المدارك «قدس سره»: فذكر العلامة «قدس سره» في المختلف في مسألة: تأخير الإحرام عن الميقات ان الإحرام ماهية مركبة: من النية، و التلبية، و لبس الثوبين، و مقتضاه انه ينعدم بانعدام أحد اجزاءه. و حكى الشهيد «رحمه اللّه تعالى» في الشرح عن ابن إدريس (رض) انه جعل الإحرام عبارة عن النية و التلبية و لا مدخلية للتجرد و لبس الثوبين فيه. و عن ظاهر المبسوط و الجمل انه جعله أمرا واحد بسيطا، و هو النية. ثم، قال: و كنت قد ذكرت في رسالة ان الإحرام هو توطين النفس على ترك المنهيات المعهودة الى ان يأتي بالمناسك، و التلبية هي الرابطة لذلك التوطين، نسبتها إليه كنسبة التحريمة إلى الصلاة. ثم أطال الكلام في ذلك و قال

في آخر كلامه: «فعلى هذا يتحقق نسيان الإحرام بنسيان النية و بنسيان التلبية).

و كيف كان فالظاهر أنه لم يرد دليل يدل على كون لبس الثوبين داخلا في ماهية الإحرام و أما ما دل على وجوبه فلا ينهض دليلا على كونه داخلا في ماهيته و ذلك لان وجوبه أعم من ذلك، كما لا يخفى نعم يمكن الاستدلال على دخالة كل من النية و التلبية و ما يقوم مقام التلبية

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 360

- أعنى الاشعار و التقليد- في ماهية الإحرام بطائفة من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) و سيجي ء ذكرها «إن شاء اللّه تعالى» ثم انه بناء على كون النية داخلة في الإحرام على نحو الجزئية أو كونها بنفسها إحراما فيقع الكلام في ان المراد منها نية ترك محرمات الإحرام أو المراد نية الأعمال، يمكن استظهار كل واحد منهما بطائفة من الاخبار و الاخبار الواردة في المقام على طوائف: (الأولى)، ما يظهر منها كون الإحرام عبارة عن نية ترك المحرمات (الثانية) ما يظهر منها كونه عبارة عن نية الأعمال (الثالثة) ما يظهر منها كونه عبارة عن التلبية و الاشعار و التقليد و يمكن الجمع بينها بجعل كل واحد واحد منها جزء للإحرام و كيف كان.

أما (الطائفة الأولى): فمنها صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: لا يكون الإحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم. و ان كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرهما فإذا انفلت من صلاتك فاحمد اللّه و أثن عليه و صلى على النبي (صلى اللّه عليه و آله) و تقول: اللهم إني أسألك أن تجعلني ممن

استجاب لك. الى ان قال فيه: أحرم لك شعري و بشرى و لحمي و دمي و عظامي و مخي و عصبي من النساء و الثياب و الطيب «1». و منها ما عن ابن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا أردت الإحرام و التمتع، فقل: اللهم إني أردت ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج فليس ذلك لي و تقبله منى و اعنى عليه و حلني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت على أحرم لك شعري و بشرى من النساء و الطيب و الثياب، و ان شئت قلت: حين تنهض و ان شئت فأخره حتى تركب بعيرك و تستقبل القبلة فافعل «2» و أما (الطائفة الثانية «: فمنها عن أبى الصلاح مولى بسام الصيرفي قال: أردت

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 16- من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 16- من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 361

الإحرام بالمتعة فقلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): كيف أقول؟ قال: تقول: اللهم انى أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك، و ان شئت أضمرت الذي تريد «1» و نحوه غيره من الاخبار، و هناك أخبار أخر قابلة للحمل على كل واحدة من هاتين الطائفتين: و هي الأخبار الدالة على كون الإحرام قبل التلبية كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»: في الرجل يقع على اهله بعد ما يعقد الإحرام و لم يلب؟

قال: ليس عليه شي ء «2» و صحيحة الأخر قال: انه صلى ركعتين في مسجد الشجرة و عقد الإحرام ثم خرج فاتى بخبيص فيه زعفران فأكل منه «3» و رواه الصدوق بإسناده عن

عبد الرحمن بن الحجاج مثله الا انه قال: (فأكل قبل ان يلبى منه) و صحيح جميل بن دراج عن بعض أصحابنا عن أحدهما انه قال: في رجل صلى في مسجد الشجرة و عقد الإحرام و أهل بالحج ثم مس الطيب و أصاب أو وقع على اهله؟ قال: ليس بشي ء حتى يلبى «4» و خبر حفص بن البختري عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل أن يلبى؟ قال: ليس عليه شي ء «5» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» هذا و التحقيق: أن ما تقدم في حديث أبى الصباح من الأمر بأن يقول عند الإحرام انى أريد التمتع بالعمرة إلى الحج لا يدل على كون نفس الإحرام عبارة عن نية الأعمال كما لا يخفى، فالمرجع مع قطع النظر عما سيجي ء (ان شاء اللّه تعالى) من اخبار الطائفة الثالثة هو الطائفة الأولى الظاهرة في أن الإحرام عبارة عن نية ترك المحرمات لقوله: (أحرم لك شعري و بشرى من النساء و الطيب و الثياب) هذا و لكن التحقيق: ان هذه الجملة أيضا لا تدل على ان الإحرام عبارة عن نية التروك بل ظاهرها: انه عبارة عن ان شاء الالتزام بالتروك: و هو المناسب للمعنى العرفي و اللغوي من الإحرام و هو التحريم

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 17 من أبواب الإحرام حديث: 2

(2) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب الإحرام حديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب الإحرام حديث 3

(4) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب الإحرام حديث 5

(5) الوسائل ج 2 الباب- 14- من أبواب الإحرام حديث 13

كتاب الحج (للشاهرودي)،

ج 2، ص: 362

فان قوله: (أحرم لك) ان شاء الالتزام بذلك مقترنا بالنية، و من الواضح ان جميع العبادات لا بد و ان تكون مقترنة بالنية. و الحاصل: ان القول بكون الإحرام عبارة عن النية أو كون النية جزء منها لا وجه له، و انما هو عمل عبادي محتاج إلى النية هذا و جميع الأخبار المتقدمة الدالة على كون الإحرام أمرا يعقد قبل التلبية محمولة على ما ذكرنا من كون الإحرام عبارة عن ان شاء الالتزام بالتروك، فتحصل: انه لا معارضة بين ما تقدم من الأخبار و المستفاد منها من حيث المجموع هو ما ذكرنا.

و لكن يعارضها الطائفة الثالثة من الاخبار: و هي ما دلت على ان الإحرام عبارة عن نفس التلبية و الاشعار أو التقليد لا انه أمر يعقد قبل ذلك- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية، و الاشعار، و التقليد، فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم «1» 2- ما رواه سهل بن زياد، عن احمد بن محمد بن ابى نصر، عن جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كانت البدن كثيرة قام فيها بين ثنتين، ثم أشعر اليمنى، ثم اليسرى و لا يشعر أبدا حتى يتهيأ للإحرام، لأنه إذا أشعر و قلد و جلل وجب عليه الإحرام و هي بمنزلة التلبية «2».

3- ما رواه حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد اللّه عن ابي عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كانت بدن كثيرة فأردت أن تشعرها دخل الرجل بين كل بدنتين فيشعرها هذه من الشق الا يمن و يشعر هذه من الشق الا يسر و لا

يشعرها ابدا حتى يتهيأ للإحرام، فإنه إذا أشعرها و قلدها وجب عليه الإحرام، و هو بمنزلة التلبية «3».

4- صحيح معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيها و الأشعار و التقليد بمنزلة التلبية «4».

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج حديث: 20

(2) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج حديث: 7

(3) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج حديث: 19

(4) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج حديث: 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 363

5- ما رواه بن أبى عمير، عن حماد، عن ابن معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»: عن التهيؤ للإحرام؟ فقال: في مسجد الشجرة، فقد صلى فيه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و قد ترى أناسا يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون، كما أنتم في محاملكم تقول: لبيك، اللهم لبيك «1».

6- ما رواه الحلبي، عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حديث: انه وقعت (يعنى رسول اللّه) «صلى اللّه عليه و آله» ذو الحليفة، و هو مسجد الشجرة كان يصلى فيه و يفرض الحج، فإذا اخرج من المسجد و سار و استوت به البيداء حتى يحاذي الميل الأول أحرم «2» هذا و مقتضى الجمع بين هذه الطائفة من الاخبار و الطائفة السابقة منها هو: ان الإحرام عبارة عما عرفته من ان شاء الالتزام بالتروك، و اما التلبية فهي دخيلة في لزومه و عدم جواز نقضه بالإتيان بمحرمات الإحرام، حيث انه لا اشكال و لا خلاف في جواز ارتكابها بعد ان شاء الالتزام بالتروك قبل إيجابه

بالتلبية- كما هو صريح أخبار كثيرة كصحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمين- و على هذا فيمكن ان يقال: ان التلبس بمحظورات الإحرام حين الإحرام لا يمنع عن انعقاده، و ذلك لما عرفت من عدم كون الإحرام عبارة عن نية التروك حتى ينافي ذلك ارتكابها بل انما هو عبارة عن الإنشاء و ذلك لا ينافي التلبس بها- نظير: من ينشأ تمليك المال للغير و مع ذلك يتصرف فيه غصبا- و حرمة تلك المحرمات انما هي حكم على المحرم، و لا يضر مخالفته بنفس الإحرام و لو حين الإحرام، فتدبر.

و يمكن أيضا الجمع بين هذه الطائفة و الطائفة السابقة من الاخبار به (دعوى): ان الإحرام مركب من شيئين: (أحدهما): ما دل عليه بعض الأخيار: و هو ان شاء الالتزام

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 34 من أبواب الإحرام حديث: 3

(2) الوسائل ج 2- الباب 1- من أبواب المواقيت حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 364

بالتروك. و (ثانيهما): ما دل عليه البعض الآخر من الاخبار: و هو التلبية أو الإشعار أو التقليد، فتدبر.

[الأول النية]
اشارة

قوله قده: (و واجباته ثلاثة: (الأول): النية بمعنى القصد اليه، فلو أحرم من غير قصد أصلا بطل سواء كان عن عمد أو سهو أو جهل، و يبطل نسكه أيضا إذا كان الترك عمدا، و أما مع السهو و الجهل فلا يبطل، و يجب عليه تجديده من الميقات إذا أمكن و الا فمن حيث أمكن على التفصيل الذي مر سابقا في ترك أصل الإحرام)

ما أفاده «قدس سره» من وجوب القصد إليه في الإحرام مما لا ينبغي لإشكال فيه «لكونه من العناوين القصدية التي تمنع تحققها الا بقصدها، و هو المعروف بين الفقهاء (قدّس اللّه تعالى

أسرارهم) بل في الجواهر في شرح قول المحقق طاب ثراه: [بلا خلاف محقق فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، بل المحكي منه مستفيض، مضافا الى عموم الأدلة و خصوصها كما ستمر عليك. إلخ) و لكن بناء على ما عرفت من كون الإحرام عبارة عن إنشاء الالتزام بالتروك فتصير النية حينئذ من مقومات الإحرام، و مما يتوقف الإحرام عليها عقلا، إذ المفروض كونه عنوانا قصديا فلا يتحقق الا بالقصد مضافا الى دلالة بعض النصوص الواردة في كيفية النية على ذلك.

[مسألة 1 يعتبر فيها القربة و الخلوص]

قوله قده: (يعتبر فيها القربة و الخلوص- كما في سائر العبارات- فمع فقدهما أو أحدهما يبطل إحرامه)

هذا ايضا مما لا ينبغي الإشكال فيه بعد وضوح كون الإحرام من العبادات.

[مسألة 2 يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه]

قوله قده: (يجب أن تكون مقارنة للشروع فيه فلا يكفى حصولها في الأثناء فلو تركها وجب تجديده)

لا ينبغي الارتياب في ذلك، لانه بعد ما ثبت كونه عبادة فلا بد من وجود النية فيه من أوله الى آخره، بحيث لو انعدمت في جزء منه لبطل، فلو تركها من الأول و نوى في الأثناء وجب تجديده- كما أفاده المصنف قدس سره.

و من هنا ظهر: ضعف ما حكى عن الشيخ. «رحمه اللّه تعالى» في المبسوط: من ان الأفضل ان تكون مقارنة للإحرام فإن فاتت جاز تجديدها الى وقت التحلل. و لذلك قال العلامة «رضوان اللّه تعالى عليه» في المختلف: (فيه نظر فإن الأولى: إبطال ما لم يقع بنيته لفوات الشرط) على ما حكاه صاحب الجواهر (قدس سره).

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 365

و التحقيق: هو بطلانه قهرا لأنه قضية تقيد ارتباطية الواجب بقيد، فان كل جزء من اجزاء المركب الارتباطي يقيد بذلك القيد مثلا الطهارة شرط لكل جزء من اجزاء الصلاة بحيث يكون كل جزء منها مقيدا بالطهارة، فإذا فقدت في الجزء الأخير من الصلاة تبطل الصلاة كلها. نعم إذا دل الدليل على عدم بطلان المقيد بفوات القيد في بعض الأحوال كفقدان النية في الصوم في بعض الموارد فذاك خارج بالتعبد فتأمل.

قوله قده: (و لا وجه لما قيل من ان الإحرام تروك و هي لا تفتقر إلى النية، و القدر المسلم من الإجماع على اعتبارها انما هو في الجملة و لو قبل التحلل، إذ نمنع أولا:

كونه تروكا، فان التلبية

و لبس الثوبين من الأفعال. و ثانيا: اعتبارها فيه على حد اعتباره في سائر العبادات في كون اللازم تحققها حين الشروع فيها.)

قال في كشف اللثام على ما حكاه صاحب الجواهر «قدس سره»: (و قد يكون النظر الى ما أمضيناه من ان التروك لا تفتقر إلى النية و لما اجمع على اشتراط الإحرام بها- كالصوم- قلنا بها في الجملة و لو قبل التحلل بلحظة، إذ لا دليل على أزيد من ذلك. و لو لم يكن في الصوم نحو قوله «صلى اللّه عليه و آله»: (لا صيام لمن لم يبت الصيام) قلنا فيه بمثل ذلك و انما كان الأفضل: المقارنة، لأن النية شرط في ترتب الثواب على الترك) و لكن في كلامه «قدس سره» ما لا يخفى:

أما (أولا): فلما عرفت من أن التحقيق: هو أن الإحرام عبارة عن إنشاء الالتزام بالتروك لا انه نفس التروك، و لذلك إذا ارتكب المحرم جميع محرمات الإحرام لا يخرج عن هذا العنوان- و هو كونه محرما- و الوجه فيه هو ان الإحرام بعد تحققه جامعا للشرائط بنفسه باق الى ان حصل المحلل و لو ارتكب جميع المحرمات، لان المفروض عدم كونه التروك حتى يقال ببطلانه بفعل المحرمات و هذا بخلاف الصوم لعدم كونه بنفسه باقيا حتى لو أتى بالمفطر لكون بقائه و زواله باختيار الصائم، لخروجه عن هذا العنوان بمجرد ارتكابه المفطر بل

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 366

بنفس عدم القصد حيث ان الصوم هو ترك المفطرات في كل آن مع النية، فإذا فقدت هذه النية في آن من الآنات فضلا عن نية الخلاف أو عن ارتكاب مفطر يبطل الصوم و هذا بخلاف الإحرام لأنه لو قصد الخلاف لا يبطل.

و

يؤيد ما استفدناه من الروايات- من كون الإحرام إنشاء الالتزام بالتروك لا نفس التروك- اتفاق جميع الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» على عدم خروجه من الإحرام بصرف إتيانه ببعض المحرمات بل جميعها- كما أشرنا إليه آنفا.

و أما (ثانيا): فلا جماع الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) على كونه كسائر العبادات فلا بد من وجود النية حين الشروع فيها، كما يكون الأمر كذلك بالنسبة إلى سائر العبادات، فعليه لا يتحقق الإحرام بدون النية و اما النية قبل التحلل فلبست نية للإحرام كما لا يخفى.

و لا يقاس الإحرام بالصوم الذي لا يقترن أول جزء منه بالنية في بعض الموارد كالجهل بكون اليوم من شهر رمضان أو نسيانه فان وقت النية حينئذ موسع الى الزوال و كذا الواجب الغير المعين الممتد وقت نيته ايضا الى الزوال و المندوب الذي يجوز نيته قبيل الغروب، و ذلك لان الدليل الخاص قام على ذلك فنخرج به عن عموم قاعدة الشرطية بخلاف الإحرام، لعدم قيام دليل على جواز الاكتفاء بالنية في أثنائه، و عليه فمقتضى إطلاق شرطية النية هو اقتران الإحرام حين تحققه بالنية و عدم الاكتفاء بالنية في أثنائه كما لا يخفى، و لا مجال للتعدي عن مورد ذلك الدليل الى ما نحن فيه أصلا ان قلت: انه يجوز ذلك به (دعوى): تنقيح المناط قلت: انه لا مجال له أصلا في المقام و على فرض التسليم غاية ما يحصل منه هو الظن بالحكم و هو لا يغني من الحق شيئا

[مسألة 3 يعتبر في النية تعيين كون الإحرام لحج أو عمرة]

قوله قده: (يعتبر في النية تعيين كون الإحرام لحج أو عمرة، و ان الحج تمتع أو قران أو أفراد، و انه لنفسه أو نيابة عن غيره، و انه حجة الإسلام أو

الحج النذري

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 367

أو الندبي، فلو نوى الإحرام من غير تعيين و أوكله الى ما بعد ذلك بطل، فما عن بعضهم من صحته و ان له صرفه إلى أيهما شاء من حج أو عمرة لا وجه له، إذ الظاهر انه جزء من النسك فتجب نيته، كما في اجزاء سائر العبادات، و ليس مثل الوضوء و الغسل بالنسبة إلى الصلاة. نعم، الأقوى كفاية التعيين الإجمالي حتى بأن ينوي الإحرام لما سيعينه، من حج أو عمرة، فإنه نوع تعيين و فرق بينه و بين ما لو نوى مرددا مع إيكال التعيين الى بعد)

لا إشكال في ان العبادة لا تتحقق بدون النية و من المعلوم توقفها على قصد جميع الخصوصيات المعتبرة في موضوع الأمر فإن المأمور به ليس هو الجامع بين الخصوصيات حتى يكتفى بقصده بل المأمور به هو المتخصص بالخصوصية فما لم تنو الخصوصية لا يتحقق امتثال أمرها، فمقتضى القاعدة لزوم التعيين- كما افاده المصنف قدس سره- و ما أفاده بقوله: (نعم: الأقوى كفاية التعيين الإجمالي. إلخ) هو الصواب إذ لا دليل على اعتبار التعيين التفصيلي بعد وضوح كون التعيين لأجل نية الخصوصية الدخيلة في موضوع الأمر ليتحقق التعبد بها و هذه النية تحصل بالتعيين الإجمالي ضرورة: ان قوله (أحرم لما سأعينه) مشير الى ذلك المعين الواقعي الذي يحصل له العلم التفصيلي به بعد التعيين و لا دليل على اعتبار التعيين التفصيلي بالخصوصيات حين النية لما عرفت من ان اعتبار قصد خصوصيات موضوع الأمر انما هو لأجل التعبد بها و من المعلوم حصول التعبد بها بالتعيين الإجمالي كما لا يخفى و أما ما أفاده بقوله (و فرق بينه و بين ما لو نوى

مرددا. إلخ) فحاصل الفرق ان الخصوصية تنوي في التعيين الإجمالي حين الشروع في الإحرام بخلاف المردد فإن الخصوصية لا تنوي من أول الإحرام بل بعده و بدون النية من أول الأمر لا يحصل التعبد بالخصوصية- كما لا يخفى-

[مسألة 4 لا يعتبر فيها نية الوجه]

قوله قده: (لا يعتبر فيها نية الوجه- من وجوب أو ندب. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» مما لا ينبغي الإشكال فيه، لما قد حقق في محله من عدم اعتباره.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 368

قوله قده: (و كذا لا يعتبر فيها التلفظ، و لا الاخطار بالبال فيكفي الداعي).

اما عدم اعتبار التلفظ فيها فيدل عليه مضافا الى الأصل ما رواه حماد بن عثمان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: قلت له: انى أريد التمتع بالعمرة إلى الحج فكيف أقول؟

فقال: تقول: [اللهم انى أريد أن أتمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك] و ان شئت أضمرت الذي تريد «1» و نحوه غيره من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) و أما ما أفاده بقوله: (و لا الاخطار بالبال.) فلما قد حقق في محله: أن النية عبارة عن الداعي.

[لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرماته]

قوله قده: (لا يعتبر في الإحرام استمرار العزم على ترك محرماته بل المعتبر العزم على تركها مستمرا، فلو لم يعزم من الأول على استمرار الترك بطل و أما لو عزم على ذلك و لم يستمر على عزمه بان نوى بعد تحقق الإحرام عدمه أو إتيان شي ء منها لم يبطل فلا يعتبر فيه استدامة النية- كما في الصوم- و الفرق ان التروك في الصوم معتبرة في صحته بخلاف الإحرام فإنها فيه واجبات تكليفية)

قد عرفت سابقا ان شاء الالتزام بالتروك دخيل في تحقق أصل الإحرام فبعد ان تحقق جامعا للشرائط لا يوجب ارتكابه المحرمات فساده فلا يعتبر فيه استدامة النية بل قصد الخلاف ايضا لا يضره و هذا بخلاف الصوم

[مسألة 6 لو نسي ما عينه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد]

قوله قده: (لو نسي ما عينه من حج أو عمرة وجب عليه التجديد. إلخ)

تحقيق الكلام في هذا المقام هو ان ما أتى به من الإحرام باق على حاله و لم يرتفع لعدم إتيانه بالمحلل فعليه لا معنى للقول بوجوب تجديد الإحرام لأنه لا إحرام في الإحرام. نعم يبقى الكلام في المقام في ما هو وظيفته فعلا، فنقول: (تارة): يفرض ان هذا الشخص لم يكن الحج و العمرة واجبا عليه لأجل الاستطاعة أو النذر أو غير ذلك من أسباب الوجوب و أنما وجب عليه ذلك بعد الإحرام من ناحية أمر الشارع بإتمام الحج و العمرة، و عليه

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17- من أبواب الإحرام: حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 369

فيحصل له العلم الإجمالي بوجوب أحدهما، فعليه تفريغ ذمته بالاحتياط في مقام الإتيان بالأعمال مثلا إذ تردد ما وجب عليه بين حج الافراد و العمرة المفردة أتى أولا باعمال الحج ثم أتى باعمال مكة

بنية ما عليه من الحج أو العمرة و على هذا فبناء على شرطية الإحرام للأعمال كان عليه الإتيان بما وجب عليه من أول الأمر من حج أو عمرة، لأن المفروض كونه شرطا من قبيل شرطية الوضوء لما يشترط به، فيصح له الإتيان بأي نوع من هذه الأعمال به و لو فرض أنه في الواقع أحرم بنية نوع آخر.

و أما العلم الإجمالي بوجوب الحج أو العمرة عليه بعد إحرامه من ناحية الأمر بالإتمام فمنحل الى علم تفصيلي بوجوب ما كان عليه من أول الأمر و شك بدوي في طرو وجوب آخر عليه هذا بناء على كونه شرطا لها و أما بناء على كون الإحرام جزءا للأعمال فأيضا لا مانع له من الإتيان بالأعمال به، و ذلك لقاعدة التجاوز و جريانها في ما إذا كان الشك في المنوي و ان كان موردا للخلاف بين الاعلام الا انه اخترنا في محله جريان القاعدة فيه- كجريانها في ما إذا كان الشك في أصل النية الذي لا مانع من ذلك فيه.

[مسألة 7 لا تكفي نية واحدة للحج و العمرة]

قوله قده: (لا تكفي نية واحدة للحج و العمرة بل لا بد لكل منهما من نيته مستقلا إذ كل منهما يحتاج إلى إحرام مستقل فلو نوى كذلك وجب عليه تجديدها و القول بصرفه الى المتعين منهما إذا تعين عليه أحدهما و التخيير بينهما إذا لم يتعين و صح منه كل منهما كما في أشهر الحج لا وجه له كالقول بأنه لو كان في أشهر الحج بطل و لزم التجديد و ان كان في غيرها صح عمرة مفردة)

و في الجواهر و لو أحرم بالحج و العمرة لم يقع لهما، لأنهما لا يقعان بنية واحدة و في إحرام واحد بل عن

الشيخ في المختلف: «الإجماع على عدم جواز القران بينهما بإحرام واحد» و لكن هل هي فاسدة لفساد المنوي و ان كان في أشهر الحج كما قربه الفاضل أو أنه متى فعل ذلك و كان في أشهر الحج كان مخيرا بين الحج و العمرة إذا لم يتعين عليه أحدهما و الا كان للمتعين، و إن كان في غير أشهر الحج تعين للعمرة المفردة، كما

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 370

عن المختلف و المبسوط، بل في كشف اللثام هو قوى على ما ذكرناه فإنهما إذا لم يدخلا في حقيقة الإحرام فكأنه نوى أن يحرم ليوقع بعد ذلك النسكين و ليس فيه شي ء و ان عزم على ايقاعهما في هذا الإحرام و ان لم يكن في أشهر الحج. و فيه: ما لا يخفى بعد الإحاطة بما ذكرنا بل لا ينبغي التأمل في البطلان مع فرض ملاحظة المعينة التي لا أمر بها و من هنا قال المصنف:

لو قيل بالبطلان في الأول و لزوم تجديد النية كان أشبه بأصول المذهب و قواعده، الا ان ظاهره الصحة في الثاني و لعله لان الحج لما لم يكن في غيرها لم يكن التعرض له الا لغوا محضا بل خطأ. و فيه: ان اللغوية أو الخطائية لا تنافي حصول البطلان باعتبار عدم الإتيان بالمأمور به على وجهه، اللهم الا ان يفرض ملاحظة امتثال أمر كل منهما من غير ملاحظة الاجتماع فيتجه الصحة في الثاني باعتبار عدم منافاة الصحة الضم المضموم اليه بخلاف الأول الفاقد للتعيين باعتبار صلاحية الوقت لكل منهما. هذا و في المسالك نسبة القول بالصحة في الأول الى ابن أبى عقيل و جماعة تبعا للكركي. و (فيه): ان ابن عقيل و

ان قال بصحة الإحرام بالحج و العمرة في نية واحدة بشرط سياق الهدى لكن لا يقول بالتخيير بل يقول بوجوب العمرة أولا ثم الحج و انه لا يحل من العمرة بعد الإتيان بأفعالها و انما يحل بعد الإتيان بأفعال الحج و على كل حال فليس في خبر يعقوب بن شعيب دلالة على جواز الإحرام بهما قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام فقلت: كيف ترى لي ان أهل؟ فقال:

ان شئت سميت و ان شئت لم تسم شيئا، فقلت: كيف تصنع أنت؟ قال: اجمعهما، فأقول لبيك بحجة و عمرة معا، ثم قال: أما انى قلت لأصحابك غير هذا «1» لان الظاهر ارادة حج التمتع الذي دخلت العمرة فيه الى يوم القيامة. إلخ) و قال في المدارك في شرح قول المحقق (طاب ثراه) (و لو أحرم بالحج و العمرة و كان في أشهر الحج كان مخيرا. إلخ) القول بالتخيير في هذه الصورة منقول عن الشيخ

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 17- من أبواب الإحرام: حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 371

رحمه اللّه تعالى في الخلاف و هو ضعيفة جدا لأن المنوي أعني وقوع الإحرام الواحد للحج و العمرة معا لم يثبت جوازه شرعا فيكون التعبد به باطلا و غيره لم يتعلق به النية. إلخ) تحقيق الكلام في هذه المسألة هو انه لو نوى في إحرام واحد ان يكون لكلا الواجبين معا فبناء على الجزئية لا ينبغي الإشكال في بطلانه مطلقا و وجهه واضح، و أما بناء على الشرطية فلا ينبغي الإشكال في صحته، لانه بناء عليه و ان كان يشترط في صحته نية نوع خاص لعدم كونه مطلوبا نفسيا الا انه ضم قصد نوع أخر في

حال النية لا يوجب بطلانه فيكون الإحرام بناء عليه صحيحا فتدبر.

[مسألة 8 لو نوى كإحرام فلان]

قوله قده: (لو نوى كإحرام فلان فان علم انه لما ذا أحرم صح. و ان لم يعلم فقيل بالبطلان، لعدم التعيين، و قيل بالصحة، لما عن على (عليه السلام) و الأقوى الصحة، لأنه نوع تعيين. نعم، لو لم يحرم فلان أو بقي على الاشتباه فالظاهر البطلان و قد يقال:

أنه في مقام الاشتباه يتمتع، و لا وجه له، الا إذا كان في مقام يصح له العدول الى التمتع)

أما صحة إحرامه مع علمه بان فلانا لما ذا أحرم فلا ينبغي الإشكال فيه و في الجواهر في شرح قول المحقق «طاب ثراه»: [و لو قال كإحرام فلان و كان عالما بماذا أحرم صح] بلا خلاف و لا اشكال لوجود المقتضى من النية و التعيين و عدم المانع) و ما أفاده بقوله: (و قيل بالصحة لما عن على «عليه السلام») قال في الجواهر: (قيل: و القائل الشيخ و الفاضل في محكي المنتهى و التذكرة يصح) و استدل لذلك بما رواه معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم انزل اللّه عليه [وَ أَذِّنْ فِي النّٰاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجٰالًا وَ عَلىٰ كُلِّ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ] «1» فأمر المؤذنين أن يؤذنوا بأعلى أصواتهم بأن رسول اللّه يحج من عامه هذا، فعلم به من حضر المدينة و أهل العوالي و الاعراب، فاجتمعوا، فحج رسول اللّه و انما كانوا تابعين ينتظرون

______________________________

(1) سورة الحج الآية 23

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 372

ما يؤمرون به فيتبعونه أو يصنع شيئا فيصنعونه. الى ان قال فيه:

ان عليا (عليه السلام) قدم من اليمن على رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و هو بمكة، فدخل على فاطمة و هي قد أحلت. الى أن قال فيه: و أنت يا على بما أهللت؟ قال (عليه السلام): قلت: يا رسول اللّه إهلالا كإهلال النبي، فقال له رسول اللّه: كن على إحرامك مثلي و أنت شريكي في هديي. إلخ «1» و نحوه ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» لانه ذكر فيه انه قال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله»: يا على بأي شي ء أهللت؟ فقال: أهللت بما أهل النبي «صلى اللّه عليه و آله» فقال: لا تحل أنت، فأشركه في الهدى، و جعل له سبعا و ثلاثين و نحر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله و سلم». إلخ «2» و لكنه كما ترى لا يمكن الاستدلال به على ذلك لان ظاهر قوله في صحيح معاوية بن عمار: «أنت شريكي في هديي» و في صحيح الحلبي: «فأشركه في الهدى» هو عدم سوقه المانع من نية القرآن، و على فرض التسليم فالحكم مختص به، لان مجرد نية الإحرام كإحرام النبي مع عدم سوقه الهدى لا يوجب اشتراكه في هديه- كما هو واضح- بل عن الفقيه و كان النبي «صلى اللّه عليه و آله» ساق معه مأة بدنة فجعل لعلى «عليه السلام» منها أربعا و ثلاثين و لنفسه ستا و ستين و نحرها كلها بيده الى أن قال: و كان على «عليه السلام» يفتخر على الصحابة، و يقول: من فيكم مثلي، و أنا شريك رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» في هديه، من فيكم مثلي و أنا الذي ذبح رسول اللّه هديي

بيده «3» مضافا الى ان المذكور في ذيل صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (و كان الهدي الذي جاء به رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أربعا و ستين أو ستا و ستين و جاء على «عليه السلام» بأربعة و ثلاثين أو ست و ثلاثين فنحر رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» ستا و ستين، و نحر على «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 2- من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(2) الوسائل ج 2- الباب 2- من أبواب أقسام الحج حديث: 14

(3) ذكر في الجواهر: (ج 3 ص 365)

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 373

أربعا و ثلاثين بدنة. إلخ) و كذلك في خبر الفضل بن الحسن الطبرسي في إعلام الورى و ذكر فيه أنه خرج رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» متوجها الى الحج في السنة العاشرة لخمس بقين من ذي القعدة و أذن في الناس بالحج فتهيأ الناس للخروج معه و أحرم من ذي الحليفة و أحرم الناس معه، و كان قارنا للحج ساق ستا و ستين بدنة، و حج على «عليه السلام» من اليمن و ساق معه أربعا و ثلاثين بدنة، و خرج بمن معه من العسكر الذي أصحبه إلى اليمين فلما قارب رسول اللّه مكة من طريق المدينة قاربها على «عليه السلام» من طريق اليمن، فتقدم الجيش الى رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» فسر بذلك و قال له: بما أهللت يا على؟ فقال له يا رسول اللّه: انك لم تكتب لك الى بإهلالك فقلت: هلالا كإهلال نبيك فقال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أنت شريكي في حجى و مناسكي فأقم على إحرامك و عد الى

جيشك و عجل بهم الى حتى نجتمع بمكة «1» و أنت ترى ان مقتضاه ان على «عليه السلام» كان ناويا للقرآن و ساق الهدى كما نواه رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و ساق الهدى فعليه لم يكن إجمال في نية على «عليه السلام» فلا ربط لهذه الاخبار بالمقام كي يتم الأخذ بها بل بعد الغض عن ذلك نقول: انه يمكن أن يقال: ان المقصود من قوله «عليه السلام»:

[كاهلالك] أى أهللت بالحج، لأن المتعة إنما شرعت في حجة الوداع بعد وصول النبي إلى مكة فرسول اللّه انما كان محرما بالحج و كذا كل من كان معه فعلى عليه السلام إنما أحرم بالحج كما أحرم رسول اللّه فإذا ساق الهدى، كما هو المستفاد من بعض الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» كان حجه قرانا و الا فيكون أفرادا، فلا إجمال في ما نواه أصلا. و من هنا ظهر ضعف ما في المدارك حيث قال: (و انما الخلاف في الصحة مع الجهل و الأصح صحته ايضا لما صح عن الصادق «عليه السلام» انه قال: ان أمير المؤمنين علي «عليه السلام» لما قدم من اليمن أحرم كذلك و لم يكن عالما بما أحرم به النبي) ثم انه لا بأس بذكر

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب أقسام الحج حديث: 32

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 374

ما في الجوار قال قدس سره بعد ذكر صحيح الحلبي و صحيح معاوية بن عمار المتقدمين:

(. انهما غير صريحين و لا ظاهرين في جهله بما أحرم به النبي «صلى اللّه عليه و آله» و لا في أنه نوى كذلك لاحتمالهما أن يكون نوي حج القران كما نواه النبي صلى اللّه عليه

و آله بل لعل (قلت) في الأخير بمعنى: (لفظت، أو نويت) بل ربما قيل (أن إهلالا) مفعوله. إلخ) ثم أن ما أفاده المصنف «قدس سره» من البطلان في صورة ما لو لم يحرم فلان فمما لا ينبغي الإشكال فيه، لعدم الموضوع- كما هو واضح- ثم أن ما أفاده بقوله (و قد يقال أنه. إلخ) قال في المدارك بعد نقل كلامه المتقدم: (قال في محكي الخلاف: إذا أحرم كإحرام فلان و تعين له ما أحرم به عمل عليه و ان لم يعلم حج متمتعا) و (فيه):

ما أفاده صاحب الجواهر: (أن العدول يسوق في حج الإفراد خاصة إذا لم يكن متعينا عليه على أن العدول على خلاف القواعد و الثابت منه حال معلومية المعدول عنه لا مشكوكيته فيه. إلخ

[مسألة 9 لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره بطل]

قوله قده: (لو وجب عليه نوع من الحج أو العمرة فنوى غيره بطل)

بلا كلام في ذلك

[مسألة 10 لو نوى نوعا و نطق بغيره كان المدار على ما نوى]

قوله قده: (لو نوى نوعا و نطق بغيره كان المدار على ما نوى دون ما نطق)

ما أفاده «قدس سره» هو الصواب لأن العبرة انما تكون بالنية دون النطق و هو مقتضى القاعدة و لا يبعد دلالة خبر على بن جعفر عليه و هو ما عنه عن موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن رجل أحرم قبل التروية فأراد الإحرام بالحج يوم التروية فأخطأ فذكر العمرة؟ قال «عليه السلام»: ليس عليه شي ء فليعتد الإحرام بالحج «1».

[مسألة 11 لو كان في أثناء نوع و شك في أنه نواه أو نوى غيره]

قوله قده: (لو كان في أثناء نوع و شك في أنه نواه أو نوى غيره بنى على انه نواه).

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لقاعدة التجاوز التي قد مر تفصيل الكلام فيها في الأصول

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 22 من أبواب الإحرام حديث: 8

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 375

[مسألة 12 يستفاد من جملة من الاخبار استجاب التلفظ بالنية]

قوله قده: (يستفاد من جملة من الاخبار استجاب التلفظ بالنية، و الظاهر تحققه بأي لفظ كان، و الاولى أن يكون بما في صحيحة معاوية بن عمار و هو أن يقول:

[اللهم أني أريد ما أمرت به من التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك «صلى اللّه عليه و آله» فيسر ذلك لي، و تقبله منى، و أعنى عليه، فان عرض شي ء يحبسني فحلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت على، اللهم ان لم تكن حجة فعمرة أحرم لك شعري و بشرى و لحمي و دمي و عظمي و مخي و عصبي من للنساء و الطيب أبتغي بذلك وجهك و الدار الآخرة]

روى عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» أنه قال: لا يكون إحرام إلا في دبر صلاة مكتوبة، أو نافلة، فإن كانت مكتوبة أحرمت في دبرها بعد التسليم، و ان كانت نافلة صليت ركعتين و أحرمت في دبرها، فإذا انفتلت، من الصلاة فاحمد اللّه، و اثن عليه، و صلى على النبي «صلى اللّه عليه و آله» و تقول: [اللهم انى أسئلك أن تجعلني ممن استحباب لك، و آمن بوعدك، و اتبع أمرك، فإني عبدك و في قبضتك الا أوقى الا ما وقيت و لا أخذ إلا ما أعطيت، و قد ذكرت الحج فأسألك أن تعزم لي عليه على كتابك، و سنة نبيك «صلى اللّه عليه و

آله». الى ان قال: [اللهم فتمم لي حجتي و عمرتي اللهم انى أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك و سنة نبيك فان عرض لي عارض. الى أخر ما في المتن «1» ثم يشير قدس سره بالأخبار إلى صحيح حماد بن عثمان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: قلت له: انى أريد التمتع بالعمرة إلى الحج فكيف أقول؟ فقال: تقول:

[اللهم أنى أريد أن أتمتع بالعمرة الي على كتابك و سنة نبيك] و أن شئت أضمرت الذي تريد «2» و خبر أبى الصلاح مولى بسام الصيرفي، قال: أردت الإحرام بالمتعة فقلت لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: كيف أقول، قال: تقول: [اللهم انى أريد التمتع بالعمرة الى

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 16 من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 17 من أبواب الإحرام حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 376

الحج]. إلخ «1» و صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا أردت الإحرام بالتمتّع، فقل: [اللّهم أنى أريد ما أمرت به من التّمتع بالعمرة إلى الحجّ فيسر ذلك لي، و تقبّله منّى، و أعنّى عليه، و حلّني حيث حبستني بقدرك الذي قدرت على، أحرم لك شعري و بشرى من النّساء و الطيّب و الثّياب] «2». ثم أن ما أفاده المصنف بقوله (بأي لفظ كان) فلأجل أن الاخبار كما ترى مختلفة و بذلك يستكشف عدم خصوصية في لفظ بعينه ثم انه ما أفاده (و الاولى أن يكون بما في صحيحة ابن عمار) فلم يظهر وجه ذلك فبعد يحتاج إلى التأمل.

[مسألة 13 يستحب ان يشترط عند إحرامه على اللّه ان يحله إذا عرض مانع]
اشارة

قوله قده (يستحب ان يشترط عند إحرامه على اللّه ان يحله إذا عرض مانع من إتمام نسكه من

حج أو عمرة، و ان يتمم إحرامه عمرة إذا كان للحج و لم يمكنه الإتيان، كما يظهر من جملة من الاخبار)

هذا هو المعروف بين الفقهاء قدس اللّه تعالى أسرارهم قديما و حديثا قال في الجواهر: (بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك نصا و فتوى نعم أنكره جماعة من العامة) و يشير (قدس سره) بالأخبار إلى خبر أبى الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام»: عن الرجل يشترط في الحج كيف يشترط؟ قال (عليه السلام): يقول حين يريد ان يحرم: (ان حلّني حيث حبستني فإن حبستني فهي عمرة «3» و خبر فضيل بن يسار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: المعتمر عمرة مفردة يشترط على ربّه أن يحلّه حيث حبسه و مفرد الحج يشترط على ربه ان لم تكن حجة فعمرة «4». و خبر حنان بن سدير قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» يقول: إذا أتيت مسجد الشجرة فافرض، قلت: و أي شي ء الفرض؟ قال: تصلى ركعتين ثم تقول:

[اللّهم أنى أريد أن أتمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فإن أصابني قدرك فحلّني حيث حبستني بقدرك]. إلخ «5»

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 17- من أبواب الإحرام حديث 2

(2) الوسائل (ج) 2 الباب 16 من أبواب الإحرام حديث 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الإحرام حديث 1

(4) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الإحرام حديث 2

(5) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الإحرام حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 377

[اختلفوا في فائدة هذا الاشتراط]

قوله قده: (و اختلفوا في فائدة هذا الاشتراط فقيل: انها سقوط الهدى، و قيل انها تعجيل التحلل و عدم انتظار بلوغ الهدي محله، و قيل: سقوط الحج من قابل، و

قيل أن فائدته إدراك الثواب، فهو مستحب تعبدي، و هذا هو الأظهر، و يدل عليه قوله «عليه السلام» في بعض الاخبار: هو حل حيث حبسه اشترط أو لم يشترط. إلخ)

اختلفت كلمات الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» في فائدة هذا الاشتراط على أقوال (الأول): ان فائدته سقوط الهدى، و هو المحكي عن الانتصار و السرائر و الجامع و التحرير و المنتهى و التذكرة و غيرها و استدل له بصحيح ذريح المحاربي الآتي.

(الثاني): ان فائدته جواز التحلل من غير تربص الى ان يبلغ الهدى محله فإنه ان لم يشترط لم يجز له التعجيل، و هو ظاهر المحقق (طاب ثراه) في الشرائع، و صريحه في النافع حيث قال في الأول على ما في الحدائق: (الرابعة إذا اشترط في إحرامه ان يحله حيث حبسه ثم أحصر تحلل، و هل يسقط الهدى؟ قيل: نعم، و قيل لا، و هو الأشبه، و فائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار و قيل: بجواز التحلل من غير شرط و الأول أظهر) و في الثاني (و لا يسقط هدى التحلل بالشرط بل فائدته جواز التحلل المحصور من غير تربص) على ما نقل في المدارك و حكى عن الخلاف و المبسوط و المهذب في المحصور و الوسيلة في المصدود و غيرها و استشهد له بصحيحة معاوية بن عمار و بخبر عبد اللّه بن عمار الآتي.

(الثالث): ان فائدة هذا الشرط سقوط الحج عنه في العام القابل، و هو المحكي عن الشيخ «قدس سره» في التهذيب و استدل عليه بصحيح ضريس بن أعين الآتي (الرابع). ان فائدة هذا الشرط ادراك الثواب بذكره في عقد الإحرام، و هو خيرة الشهيد الثاني «رحمه اللّه تعالى» في جملة من مصنفاته قال

في المسالك بعد ذكر الفوائد الثلاث المذكورة: (و كل واحدة من هذه الفوائد لا تأتى على جميع الأفراد التي يستحب فيها الاشتراط، اما سقوط الهدى فمخصوص بغير السائق إذ لو كان قد ساق هديا لم يسقط، و أما تعجيل التحلل فمخصوص

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 378

بالحصر دون الصد، و أما كلام التهذيب فمخصوص بالتمتع، و ظاهر أن ثبوت التحلل بالأصل و العارض لا مدخل له في شي ء من الأحكام، و استحباب الاشتراط ثابت لجميع أفراد الحج، و من الجائز كونه تعبدا أو دعاء مأمورا به يترتب على فعله الثواب و تبعه المصنف قدس سره و استدل له بمصحح زرارة و خبر حمزة بن مهران الآتي.

قال في المدارك بعد نقل الأقوال المذكورة: (و الذي يقتضيه النظر ان فائدته سقوط التربص عن الحصر، كما يستفاد من قوله «عليه السلام»: [و حلني حيث حبستني] و سقوط الهدى عن المصدود، لما ذكرناه من الأدلة مضافا الى ضعف دليل وجوبه بدون الشرط- كما سنبينه في محله- بل لا يبعد سقوطه مع الحصر ايضا- كما ذهب اليه المرتضى و ابن إدريس- و لا ينافي ذلك قوله «عليه السلام» في حسنة زرارة: (هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط). لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين و نحن نقول به، و لا يلزم من ذلك تساويهما من كل وجه، فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط و لزومه بدونه و اللّه تعالى أعلم بحقائق أحكامه).

قال في الحدائق بعد نقل كلام المدارك: (أقول لا يخفى أن الظاهر من حسنة زرارة المذكورة الدالة على انه حل إذا حبسه شرط أو لم يشترط، و مثلها ما رواه في

الفقيه عن حمزة بن مهران قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الذي يقول: حلني حيث حبستني؟ فقال: هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل و رواه مثله عن حمران بن أعين انما هو التحلل بمجرد الحبس الذي هو عبارة عن الصد و الحصر و هو بالنسبة إلى المصدود ظاهر لما دلت عليه الاخبار. مضافا: الى اتفاق أكثر الأصحاب من انه يتحلل بذبح الهدى في مكانه. أما المحصور الذي دلت الأخبار المعتضدة بكلام الأصحاب على انه لا يتحلل حتى يبلغ الهدى محله من منى ان كان في حج، و مكة ان كان في عمرة، و مع هذا يبقى عليه تحريم النساء الى ان يأتي بالمناسك في العام القابل ان كان الحج واجبا أو طواف النساء ان كان

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 379

مستحبا كما سيأتي «ان شاء اللّه تعالى» جميع ذلك مفصلا في بابه فكيف يصدق عليه أنه حل حيث حبسه شرط أو لم يشترط، إذ المتبادر من هذه العبارات انما هو حل بمجرد الحبس من غير توقف على أمر آخر و هو في المحصور مع عدم الاشتراط ليس كذلك، و أما مع الاشتراط فيبني على الخلاف. و بالجملة فظاهر الخبرين المذكورين بناء على ما عرفت لا يخلو من الاشكال، و بذلك يظهر لك ما في قوله: [لأن أقصى ما يستفاد من الرواية ثبوت التحلل مع الحبس في الحالين] و نحن نقول به فان فيه انه إذا أراد ثبوت التحلل مع الحبس بالنسبة إلى الحصر بمجرد الحبس و ان كان مع عدم الشرط فهو لا يقول به و لا غيره، و ان أراد في الجملة و لو بعد بلوغ الهدى محله فهو

خلاف ظاهر الخبر المذكور و كذا الخبر الآخر و الظاهر ايضا من اخبار هدى المحصور ان الغرض منه انما هو التحلل به و ان كان صاحبه يبقى على إحرامه إلى يوم الوعد بينه و بين أصحابه ثم يحل في الساعة التي و أعدهم و حينئذ فإن كان مجرد الحبس للحل- كما هو ظاهر الروايتين المذكورتين- فلا وجه للهدي حينئذ لأن الغرض من الهدى بمعاونة الأخبار المشار إليها انما هو التحلل و هو قد تحلل بمجرد الحبس- كما دل عليه الخبران المذكوران- و بذلك يظهر ما في قوله «قدس سره»:

(فيجوز افتراقهما بسقوط الدم مع الشرط و لزومه بدونه) بل لا فرق بينهما بظاهر الخبرين المشار إليهما، و العجب انه تبعه على هذه المقالة جمع ممن تأخر عنه منهم الفاضل الخراساني في الذخيرة و المحدث الكاشاني في الوافي و لم ينتبهوا لما فيه من الاشكال المذكور و بالجملة فالمسألة عندي من جهة هذين الخبرين محل اشكال و اللّه العالم).

و التحقيق: ان الاشتراط بما ورد من أنه يحله حيث حبسه يفيد عدم وجوب هدى عليه في غير القارن إذا أحصر، و ذلك لصحيح ذريح المحاربي عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل متمتع بالعمرة إلى الحج و أحصر بعد ما أحرم كيف يصنع؟ قال: فقال: أو ما اشترط على ربه قبل ان يحرم ان يحله من إحرامه عند

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 380

عارض عرض له من أمر اللّه تعالى؟ فقلت: بلى قد اشترط ذلك، قال: فليرجع إلى أهله حلالا لا إحرام عليه، أن اللّه أحق من و في بما اشترط عليه، قال: قلت: أ فعليه الحج من قابل؟

قال: لا «1» فان قوله عليه السلام: (فليرجع إلى أهله حلالا) كالصريح فيما ذكرنا و حمله على تعجيل التحلل بالذبح في مكانه خلاف الظاهر جدا، و لكنه يعارضه عدة من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- ما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن محرم انكسرت ساقه أي شي ء يكون حاله و أي شي ء عليه؟ قال: هو حلال من كل شي ء فقلت من النساء و الثياب و الطيب؟ فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم ثم قال: أما بلغك قول أبي عبد اللّه «عليه السلام» حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت؟ قلت: أصلحك اللّه ما تقول في الحج؟ قال: لا بد من ان يحج من قابل فقلت: أخبرني عن المحصور و المصدور هما سواء فقال: لا قلت: فأخبرني عن النبي صلى اللّه عليه و آله حين صده المشركون قضى عمرته؟ قال: لا و لكن اعتمر بعد ذلك «2» و (فيه): ان هذا الحديث- كما ترى- تدل على حلية مطلق المحرمات حتى النساء بالحصر و هذا مما لم يفت به أحد من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و أعرضوا عنه فلا عبرة به، لخروجه بإعراضهم عنه عن حين دليل الحجية و الاعتبار.

2- ما روى في الجواهر عن عامر بن عبد اللّه بن جذاعة المروي عن الجامع من كتاب المشيخة لابن محبوب في رجل خرج معتمرا فاعتل في بعض الطريق و هو محرم؟ قال ينحر بدنة و يحلق رأسه و يرجع الى رحله و لا يقرب النساء فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما، فإن برأ من مرضه اعتمر ان كان لم يشترط على ربه في إحرامه و ان

كان قد اشترط فليس عليه أن يعتمر الا ان يشاء فيعتمر و يجب ان يعود للحج الواجب المستقر و للأداء

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 24 من أبواب الإحرام حديث: 3

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 8- من أبواب الإحصار و الصد: حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 381

ان استمرت الاستطاعة في قابل و العمرة الواجبة كذلك في الشهر الداخل و ان كانا متطوعين فهما بالخيار، و (فيه): انه ضعيف سندا فلا يصار اليه.

3- ما رواه موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل أحصر فبعث بالهدي فقال: يوعد أصحابه ميعادا فان كان في حج فمحل الهدى يوم النحر و ان كان يوم النحر فليقصر من رأسه و لا يجب عليه الحلق حتى يقضى مناسكه، و ان كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة و الساعة يعدهم فيها فإذا كان تلك الساعة قصر و أحل و ان كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فأراد الرجوع الى أهله رجع و نحر بدنة أن أقام مكانه و ان كان في عمرة فإذا برأ فعليه العمرة واجبة و ان كان عليه الحج فرجع الى أهله و اقام ففاته الحج كان عليه الحج من قابل، فان ردوا الدراهم عليه و لم يجدوا هديا ينحرونه و قد أحل لم يكن عليه شي ء و لكن يبعث من قابل و يمسك أيضا، و قال: ان الحسين بن علي «عليه السلام» خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا ذلك و هو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا و هو مريض فقال: يا بنى ما تشتكي؟ فقال:

اشتكى رأسي فدعا على «عليه السلام»

ببدنة فنحرها و حلق رأسه و رده الى المدينة فلما برأ من وجعه اعتمر «1» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن ابى عمير عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان و ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار الا انه ترك منه حكم رد الدراهم عليه و كيف كان للحديث المزبور ذيل و هو: فقلت: أ رأيت حين برا من وجعه أحل له النساء؟ فقال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفاء و المروة، نقلت: فما بال النبي «صلى اللّه عليه و آله» حين رجع الى المدينة حل له النساء و لم يطف بالبيت؟ فقال: ليس هذا، مثل هذا، النبي (صلى اللّه عليه و آله) كان مصدودا، و الحسين

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 2 من أبواب الإحصار و الصد: حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 382

(عليه السلام) كان محصورا «1». وجه المعارضة (دعوى): ان الحسين (عليه السلام) كان قد اشترط في إحرامه، و ذلك لانه لا يترك المستحب و مع ذلك نحر الهدى. و (فيه):

انه لا دليل على انه «عليه السلام» لا يترك المستحب.

4- ما رواه على بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبى عمير، عن حماد بن عثمان، عن زرارة، عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: هو حل إذا حبسه اشترط أو لم يشترط «2» 5- ما رواه ابن بكير عن حمزة بن بكران قال: سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الذي يقول: حلني حيث حبستني؟ قال: هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل «3» فان مقتضى إطلاق هذين الحديثين- كما ترى- عدم وجوب الهدى على المشترط

و غيره لكن التحقيق ان إطلاقهما مقيد فان حكمه «عليه السلام» بالحلية لا ينافي ثبوت توقفها على الهدى بدليل منفصل فإنه قد ورد النص على لزوم الهدى في مطلق المحصور- كما مضى من صحيح معاوية بن عمار و غيره- خرج عن هذا الإطلاق المشترط لما مضى من صحيح ذريح المحاربي الدال على عدم وجوب الهدى عليه و بقي الباقي فتدبر ثم أنه استدل للقول بأن فائدة الشرط سقوط الحج من قابل بصحيح ضريس بن أعين قال: سألت أبا جعفر «عليه السلام» عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر؟ فقال: يقيم على إحرامه و يقطع التلبية حتى يدخل مكة فيطوف، و يسعى بين الصفاء و المروة: و يحلق رأسه و ينصرف إلى اهله ان شاء، و قال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه فان لم يكن اشترط فان عليه الحج من

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 1 من أبواب الإحصار الصد حديث 3

(2) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الإحرام حديث 1

(3) الوسائل ج 2 الباب 25 من أبواب الإحرام حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 383

قابل «1» و فيه: ما لا يخفى أما (أولا): فلأنه وارد في المتمتع الذي لم يدرك الموقفين فلا بد من الاقتصار على مورده و لا يمكن التعدي عن مورده الى غيره، لان التعدي يحتاج الى تنقيح المناط القطعي، و هو غير ممكن في الشرعيات و (ثانيا): انه لا عبرة به أصلا لأجل إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عنهم» عنه.

ثم انه قد تقدم في ذيل صحيح ذريح المحاربي الوارد في المشترط نفى ثبوت الحج عليه من قابل قال فيه السائل: (قلت فعليه

الحج من قابل قال لا) و لكن تعارضه جملة من النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام)- منها:

1- ما رواه سهل عن ابن أبى نصر عن رفاعة عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال سألته عن الرجل يشترط و هو ينوي المتعة فيحصر هل يجزيه ان لا يحج من قابل؟ قال: يحج من قابل و الحاج مثل ذلك إذا أحصر الحديث «2» 2- ما رواه حمزة بن مهران انه سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام): عن الذي يقول حلني حيث حبستني؟ فقال: هو حل حيث حبسه قال أو لم يقل و لا يسقط الاشتراط عنه الحج من قابل «3» 3- ما رواه موسى بن القسم عن ابن ابى عمير عن عبد اللّه بن مسكان عن ابى بصير يعنى ليث بن البختري قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يشترط الحج ان يحله حيث حبسه عليه الحج من قابل؟ قال: نعم «4».

4- ما رواه محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه السلام و عن فضالة عن ابن أبى عمير عن رفاعة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) انهما قالا: القارن يحصر و قد قال: و اشترط فحلني حيث حبستني؟ قال: يبعث بهديه، قلنا، هل يتمتع في قابل؟ قال: لا، و لكن

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 27 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب 8- من أبواب الإحصار و الصد حديث: 2

(3) الوسائل ج 2- الباب 8- من أبواب الإحصار و الصد حديث: 3

(4) الوسائل ج 2- الباب 8- من أبواب الإحصار و الصد حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 384

يدخل في مثل ما خرج منه «1».

5- ما رواه محمد بن الفضيل

عن أبى الصباح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن الرجل يشترط في الحج كيف يشترط؟ قال: يقول: حين يريد ان يحرم ان حلني حيث حبستني فإن حبستني فهي عمرة، فقلت له: فعليه الحج من قابل؟ قال:

نعم «2» و قال صفوان و قد روى هذه الرواية عده من أصحابنا كلهم يقولون: ان عليه الحج من قابل و مقتضي الجمع بين هذه الاخبار و صحيح ذريح المحاربي المتقدم الدال على عدم وجوب الحج من قابل هو ان المقصود من هذه الاخبار ان الاشتراط لا يسقط عنه الحج الواجب و المقصود من صحيح ذريح المحاربي إن صيرورته محصورا و محروميته من إتمام الحج من حيث هي لا توجب وجوب الحج عليه من قابل، فالنتيجة هي التفصيل بين من استقر عليه الحج أو بقيت استطاعته الى العام القابل فيجب عليه الحج و من لم يستقر عليه الحج و لم يبق له الاستطاعة إلى العام القابل أو كان قد أتى بالحج سابقا فلا يجب عليه الحج- كما هو مقتضى القاعدة- و هو المستفاد مما تقدم من خبر عامر بن عبد اللّه فتأمل.

[الثاني التلبيات الأربع]
اشارة

قوله قده: (الثاني: من واجبات الإحرام التلبيات الأربع. إلخ)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدّس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا قال في الجواهر (بلا خلاف في أصل وجوبها في الجملة، بل الإجماع بقسميه عليه. الى ان قال: بل عن المنتهى و التذكرة: الإجماع على عدم وجوب الزائد، بل عن الأول منهما: «انه إجماع أهل العلم). و في الحدائق: فلا ينعقد الإحرام لمتمتع و لا لمفرد الا بها، و هو مما وقع الإجماع عليه نصا و فتوى).

قوله قده: (و القول بوجوب الخمس أو الست ضعيف بل

ادعى جماعة الإجماع

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب- 4- من أبواب الإحصار و الصد حديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 24 من أبواب الإحرام حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 385

على عدم وجوب الأزيد من الأربع).

قد نقل الأول- و هو وجوب الخمس- صاحب الجواهر «قدس سره» عن الاقتصار حيث قال بعد نقل كلامه المتقدم: (لكن عن الاقتصار يلبى فرضا واجبا، فيقول: [لبيك اللهم لبيك لبيك، ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك، بحجة أو عمرة أو بحجة مفردة تمامها عليك لبيك] و ان أضاف الى ذلك ألفاظا مروية من التلبيات كان أفضل) قد نقل الثاني- و هو وجوب الست- بقوله:

(بل عن المهذب البارع ان فيها قولا آخر، و هو الست، و ان كنا لم تتحققه كما انا لم تتحقق القول بالخمس الا لمن عرفت، مع انه محجوج بما سمعت من الإجماع بقسميه و ما تسمعه من النصوص. نعم، في بعض النصوص الزيادة على ذلك، الا انها محمولة بقرينة ما عرفت على ضرب من الندب- كما صرح به في بعضها. إلخ) و كيف ما كان يظهر بيان ما هو المختار في ذيل المسألة.

قوله قده: (و اختلفوا في صورتها على أقوال: (الأول): ان يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك)

قال في المستند: [و هو المحكي عن المقنعة على ما نقله بعض الأجلة، و في الشرائع و النافع و المختلف و المسالك و المدارك و الذخيرة و الكف، و غير واحد من المتأخرين، و يميل إليه في المنتهى (بل في التحرير على ما نقله و هو ظاهر ثقة الإسلام).

قوله قده: (الثاني: ان يقول بعد العبارة المذكورة: [ان الحمد و النعمة لك و

الملك لا شريك لك])

و هو المحكي عن رسالة على بن بابويه و بعض نسخ المقنعة و القديمين و الأمالي و الفقيه و المقنع و الهداية و ظاهر المختلف على ما في الجواهر و يظهر وجهه في ذيل البحث.

قوله قده: (الثالث: أن يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك).

و هو المحكي عن التبصرة و المعتبر و غيرها.

قوله قده: (الرابع: كالثالث الا انه يقول: ان الحمد و النعمة و الملك لك

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 386

لا شريك لك لبيك، بتقديم لفظ: و الملك على لك

و في الجواهر: (و كذا عن جمل السيد و شرحه و المبسوط و السرائر و الكافي و الغنية و الوسيلة و المهذب. الى ان قال: و عن النهاية و الإصباح ذكره بعده و قبله جميعا، و لا ريب في ان الأول أظهر، لقول الصادق (عليه السلام) في حسن معاوية بن عمار و صحيحة) و نذكره بعد قول المصنف الآتي

قوله قده: (و الأقوى هو القول الأول كما هو صريح معاوية بن عمار و الزوائد مستحبة، و الاولى التكرار بالإتيان بكل من الصور المذكورة بل يستحب ان يقول كما في صحيح معاوية بن عمار: (لبيك اللهم لبيك لبيك. إلخ)

و يشير «قدس سره» الى ما روى معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه عليه السلام في حديث قال: التلبية أن تقول: [لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك لبيك ذا المعارج لبيك. الى ان قال: تقول ذلك في دبر كل صلاة مكتوبة و نافلة، و حين ينهض بك بعيرك إذا علوت شرفا،

أو هبطت و أديا، أو لقيت راكبا أو استيقظت من منامك و بالأسحار و أكثر ما استطعت، و اجهر بها، و ان تركت بعض التلبية فلا يضرك غير ان تمامها أفضل. و اعلم: انه لا بد من التلبيات الأربع التي كن في أول الكلام و هي الفريضة و هي التوحيد و بها لب المرسلون، و أكثر من ذي المعارج فان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كان يكثر منها و أول من لبى إبراهيم (عليه السلام) قال ان اللّه عز و جل:

يدعوكم الى ان تحجوا بيته فأجابوه بالتلبية، و لم يبق أحد أخذ ميثاقه بالموافاة في ظهر رجل و لا بطن امرأة إلا أجاب بالتلبية «1» و رواه الكليني عن على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير و عن محمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان عن صفوان و ابن أبى عمير جميعا عن معاوية بن عمار الا انه ترك: لبيك غفار الذنوب و لبيك أهل التلبية و لبيك تستغني و لبيك إله الحق و لبيك ذا النعماء و رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن يعقوب مثله وجه الدلالة هو

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 40- من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 387

قوله (عليه السلام): (و اعلم انه لا بد لك من التلبيات الأربع التي كن أول الكلام و هي الفريضة) فلا يكون قوله: (ان الحمد و النعمة لك. إلخ) واجبا بل يكون داخلا في التلبيات المستحبة، و كيف كان و في صراحة هذا الحديث فيما ذهب اليه المصنف «قدس سره» من القول الأول- و هو ان يقول: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك- نظر لاحتمال

كون المراد من التلبيات الأربع ما قبل الخامسة بأن تكون جملة: ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك). جزء للصيغة الواجبة و تكون هي المسماة بالتلبيات الأربع، بل يدل على ذلك صحيح عاصم بن حميد، قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» يقول: أن رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» لما انتهى الى البيداء حيث الميل قربت له ناقة فركبها فلما انبعثت به لبى بالأربع فقال: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد و النعمة و الملك لك لا شريك لك، ثم قال: ها هنا يخسف بالأخابث ثم قال: ان الناس زادوا و هو حسن «1» هذا بناء على النسخة التي ليس فيها بعد قوله: [ (لا شريك لك)] كلمة: [ «لبيك»] و اما بناء على ثبوتها بعده فلا يدل على ذلك- كما هو واضح- بل يكون من هذه الجهة مجملة كصحيحة معاوية بن عمار المتقدم فالتحقيق: حمل ذكر هذه الجملة على الاستحباب، بقرينة انتفائها في صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد تقول: [لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك ذا المعارج، لبيّك لبيّك بحجة تمامها عليك] و اجهر كلما ركبت و كلما نزلت و كل ما هبطت واديا، أو علوت أكمة، أو لقيت راكبا و بالأسحار «2» قال في المدارك: (و لا ريب ان اضافة قوله: (ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك) الى التلبيات الأربع: أولى و أحوط لاحتمال دخولها في الأربع كما يشعر به قوله:

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 36- من أبواب الإحرام

حديث: 6

(2) الوسائل ج 2- الباب- 40 من أبواب الإحرام: حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 388

(و أكثر من ذي المعارج) إذ ربما لاح منه ان ما قبله متعين «لو ورد هذا اللفظ في كثير من الاخبار الصحيحة المتضمنة لبيان كيفية التلبية، كصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «ع» قال: لما لبى رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قال: لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك لبيك ذا المعارج لبيك و كان يكثر من ذي المعارج.

إلخ) «1» و بما ذكر ظهر مستند القولين الأولين و اما (القول الثالث): فلم نقف له على مستند و كذلك باقي الأقوال و قال صاحب الجواهر «قدس سره» في ذيل المبحث: (و اما القول الثالث على كثرة القائل به بل في الدروس: «انه أتم الصور و ان كان الأول مجزيا و الإضافة إليه أحسن فلم أظفر له بخبر، كما اعترف به غير واحد، لا من الصحيح و لا من غيره، في الكتب الأربعة و لا في غيرها. لا بتقديم لك على الملك و لا تأخيره و لا ذكر مرتين قبله و لا بعده) قال في المدارك (و أما القول الثالث فلم نقف له على مستند مع شهرته بين الأصحاب و قد ذكره العلامة في المنتهى مجردا عن الدليل ثم نقل ما اختاره المصنف (رحمه اللّه تعالى) و قال: «و هو الذي دلت عليه حديث معاوية بن عمار الصحيح» و قال في المختلف بعد أن أورد الأقوال في المسألة من غير احتجاج بشي ء منها: «و الأقرب عندي ما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن

الصادق (عليه السلام) و نقل الرواية المتقدمة ثم قال: «و هو أصح حديث رأيناه في هذا الباب»). و من العجب قول الشهيد في الدروس: (الرابع: التلبيات الأربع و أتمها لبيّك اللّهم لبيّك لبيّك ان الحمد و النّعمة لك و الملك لا شريك لك لبيّك و يجزى لبيّك اللّهم لبيّك لبيّك لا شريك لك لبيّك، و ان أضاف الى هذا: ان الحمد و النعمة لك و الملك لا شريك لك كان حسنا) فان جعلها أتم الصور يقتضي قوة مستندها بالنظر الى مستند القولين الآخرين و الحال ان ما وصل إلينا من الاخبار الصحيحة و الضعيفة خال من ذلك رأسا مع صحة مستند القولين الآخرين و استفاضت الروايات بذلك و هم اعلم بما قالوه و اللّه تعالى أعلم

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 40- من أبواب الإحرام: حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 389

بحقائق أحكامه) مراده من القولين الآخرين هو القولين الأولين المذكورين في المتن

[مسألة 14 اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح و بمراعات أداء الكلمات]

قوله قده: (اللازم الإتيان بها على الوجه الصحيح و بمراعات أداء الكلمات على قواعد العربية فلا يجز الملحون مع التمكن من الصحيح بالتلقين أو التصحيح)

و هو مقتضى القاعدة و الظاهر انه المتسالم عليه بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»

قوله قده: (و مع عدم تمكنه فالأحوط الجمع بينه و بين الاستنابة. إلخ)

أما لزوم إتيانه بنفسه فللقاعدة و اما الاستنابة فيمكن ان يستدل له بخبر زرارة: ان رجلا قدم حاجا لا يحسن ان يلبى فاستفتي له أبو عبد اللّه (عليه السلام) فأمر له أن يلبى عنه فما أفاده المصنف (قدس سره) هو الصواب، لانه به يحصل له القطع بفراغ ذمته عن الواجب.

قوله قده: (و كذا لا تجزى الترجمة مع التمكن و

مع عدمه فالأحوط الجمع بينهما و بين الاستنابة)

ما أفاده (قدس سره) مما لا ينبغي الإشكال فيه أما وجه عدم إجزاء الترجمة عن الواجب مع التمكن فواضح لعدم انطباق المأتي به كذلك على المأمور به و أما ما أفاده (من ان الأحوط الجمع. إلخ) فيظهر وجهه مما تقدم

قوله قده: (و الأخرس يشير إليها بإصبعه مع تحريك لسانه)

هذا ايضا مما لا ينبغي الإشكال فيه لقوله (عليه السلام) في خبر السكوني: ان عليا (عليه السلام) قال:

تلبية الأخرس و تشهده و قرائته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه و لا يخفى انه و ان كان ضعيفا سندا الا ان ضعفه منجبر بعمل الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) ثم انه قال بعض الفقهاء: (و مع عقد قلبه بها) و لكنه لم يذكر ذلك- كما ترى- في الخبر و لذا لم يذكره أكثر الأصحاب، و لعل عدم ذكره فيه للاكتفاء عنه بالإشارة بالإصبع التي لا يتحقق مسماها بدونه كما افاده صاحب الجواهر. الى ان قال: (بل الظاهر كون المراد منه بيان انها منه على حسب ما يبرز من غيرها من مقاصده. و لذا تركها أبو على فاقتصر على عقد

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 390

القلب قال في ما حكى عنه يجزيه تحريك لسانه مع عقده إياها بقلبه. إلخ)

قوله قده: (و يلبى عن الصبي الغير المميز و عن المغمى عليه)

يدل على الأول- و هو الصبي الغير المميز- صحيح زرارة عن أحدهما قال: إذا حج بابنه و هو صغير فإنه يأمره ان يلبى و تفرض الحج فان لم يحسن ان يلبى لبوا عنه «1». و خبر زرارة المتقدم كما انه يمكن ان يقال بشمول خبر زرارة المغمى عليه فتدبر

قوله قده: (و في قوله ان الحمد. إلخ [1])

يصح ان يقرأ بكسر الهمزة و فتحها و الأولى الأول).

قوله قده، (و لبيك مصدر منصوب بفعل مقدر: أى ألب لك إلبابا بعد الباب أو لبا بعد لب أي إقامة بعد اقامة، من لب بالمكان، أو ألب: أى أنام، و الاولى كونه من لب، و على هذا فاصله لبين لك، فحذف اللام، و أضيف إلى الكاف، فحذف النون و حاصل معناه: اجابتين لك و ربما يحتمل ان يكون من لب بمعنى واجه يقال:) داري تلب دارك» أى تواجهها، فمعناه مواجهتى و قصدي لك. و اما احتمال كونه من لب الشي ء: أي خالصة فيكون بمعنى إخلاصي لك فبعيد. كما ان القول بأنه كلمه مفردة نظير: [على] و:

[لدى] فأضيفت الى الكاف فقلبت ألفه ياء لا وجه له، لان [على] و: [لدى] إذا

______________________________

[1] قال العلامة «قدس سره» في المنتهى عن بعض أهل العربية انه قال:

(من قال: «أن» بفتحها فقد خص، و من قال بالكسر فقد عم) و وجهه ظاهر، فان الكسر يقتضي تعميم التلبية و ان شاء الحمد مطلقا، و الفتح يقتضي تخصيص التلبية: أي لبيك بسبب ان الحمد لك) هذا على ما في الحدائق و في المدارك: (يجوز كسر الهمزة من: (ان الحمد) و فتحها) و في الجواهر: (يجوز كسر: «ان» على الاستيناف، و فتحها بنزع الخافض- و هو لام التعليل- و في الأول تعميم فكان أولى).

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 17 من أبواب أقسام الحج: حديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 391

أضيفا إلى الظاهر يقال فيه لبى زيد بالياء [1])

[مسألة 15 لا ينعقد إحرام إلا بالتلبية]
اشارة

قوله قده: (لا ينعقد إحرام حج التمتع و إحرام عمرته و لا إحرام حج الافراد و لا إحرام

حج العمرة المفردة إلا بالتلبية)

قد عرفت في صدر المبحث: ان مقتضى الجمع بين الاخبار هو ان الإحرام عبارة عن ان شاء الالتزام بالتروك و به يتحقق الإحرام و أما التلبية فهي دخيلة في لزومه و عدم جواز نقضه بالإتيان بمحرمات الإحرام قبل إيجابه بها فعليه أن من لم يلب كان له ارتكاب المحرمات على المحرم بدون ان يترتب عليها كفارة و الاخبار الدالة على ذلك كثيرة و قد تقدم ذكر بعضها في صدر المبحث- منها: ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في الرجل يقع على أهله بعد ما يعقد

______________________________

[1] في نهاية ابن أثير: [لبيك اللهم] من التلبية: و هي إجابة المنادي: «أي إجابتي لك يا رب» و هو مأخوذ: من لب بالمكان، و ألب إذ أقام به، و ألب على كذا:

إذا لم يفارقه و لم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير: «أي إجابة بعد اجابة» و هو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت: ألب إلبابا بعد الباب و التلبية من لبيك كالتهليل من: [لا إله إلا اللّه] و قيل معناه: «اتجاهي و قصدي يا رب إليك» من قولهم: «داري تلب دارك» «اى تواجهها» و قيل معناه: «إخلاصي لك» من قولهم: «حب لباب» إذا كان خالصا محضا و منه لب الطعام و لبابه» و قال في القاموس نحو ذلك، و في محكي الصحاح: «نصب على المصدر كقولك: «حمدا للّه و شكرا» و كان حقه ان يقال: «لبالك» و حكي عن سيبويه انه قال: «انتصب: [لبيك] على الفعل كما انتصب سبحان اللّه» ثم ان ما افاده المصنف «قدس سره» بقوله: «و الاولى كونه من لب» فمتين

لانه المناسب للهيئة الثلاثي- كما هو واضح- ثم ان ما أفاده بقوله:

«كما ان القول بأنه كلمة مفردة. إلخ» هذا القول هو المحكي عن يونس على ما ذكره الجوهري حيث قال على ما في الحدائق: «انه كان حقه ان يقال: «لبالك» و ثنى على معنى التأكيد: «اي إلبابا لك بعد الباب، و اقامة بعد اقامة».

الى ان قال: «و في كتاب مصباح المنير أصل: لبيك لبين لك فحذفت النون

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 392

الإحرام و لم يلب؟ قال «عليه السلام»: ليس عليه شي ء «1». و ما رواه حفص بن البختري عن أبى عبد اللّه عليه السلام في من عقد الإحرام في مسجد الشجرة ثم وقع على أهله قبل ان يلبى؟ قال «عليه السلام» ليس عليه شي ء «2» و ما رواه معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه «عليه السلام قال «عليه السلام»: لا بأس أن يصلى الرجل في مسجد الشجرة و يقول الذي يريد ان يقوله و لا يلبى ثم يخرج فيصيب من الصيد و غيره فليس عليه شي ء «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و أما ما روى عن احمد بن محمد قال: سمعت أبى يقول في رجل يلبس ثيابه و يتهيأ للإحرام ثم يواقع أهله قبل أن يهل بالإحرام؟ قال:

«عليه دم» «4» ففيه: ما لا يخفى أما (أولا): فلأنه لم يعلم إسناده الى الامام «عليه السلام» و أما (ثانيا): فلعدم مقاومته للأخبار المتقدمة المعتضدة بالإجماع فلا مجال للعمل به في قبالها لإعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه الموجب لخروجه عن حين دليل الاعتبار مضافا الى انه يمكن ان يقال: ان مقتضى الجمع بينه و بين الاخبار المتقدمة هو حمله

على الاستحباب و لكنه لا يخلو من اشكال لعدم الشاهد له فلا يصار اليه و العمدة هو إعراض الأصحاب عنه و كيف ما كان يقع الكلام في انه هل يجب استيناف النية بعد ارتكابه ما يحرم على المحرم أولا؟

______________________________

للإضافة، قال: و عن يونس: «انه غير مثنى بل اسم مفرد متصل بالضمير بمنزلة:

(على) و: (لدى) إذا اتصل به الضمير» و أنكره سيبويه و قال: «لو كان مثل: (على) و (لدى) ثبتت الياء مع الضمير و بقيت الالف الياء مع الظاهر» و حكي من كلامهم: (لبى زيد) مع الإضافة إلى الظاهر فثبوت الياء مع الإضافة إلى الظاهر يدل على انه ليس مثل: (على) و: (لدى)» و كيف ما كان بعد ما ظهر لك كلمات أصحاب أهل اللغة في المقام فنقول: انه لا طريق إلى إثبات أحد هذه الأقوال و القدر المسلم انها كلمة تستعمل في مقام الجواب للمناري.

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 14- من أبواب الإحرام حديث: 2

(2) الوسائل ج 2- الباب 14- من أبواب الإحرام حديث: 13

(3) الوسائل ج 2- الباب 14- من أبواب الإحرام حديث: 1

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

كتاب الحج (للشاهرودي)؛ ج 2، ص: 392

(4) الوسائل ج 2- الباب 14- من أبواب الإحرام حديث: 14

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 393

يمكن ان يقال بعدم وجوبها ب (دعوى): ظهور الاخبار في ذلك- كما هو مقتضى الأصل- فيكفي الإتيان بالتلبية من دون تجديد النية و لكن صرح المرتضى «رحمه اللّه تعالى» في الانتصار بوجوب استينافها قبل التلبية و الحال هذه على ما حكاه صاحب المدارك «قدس سره» و لعله لانتقاض الإحرام بفعل

المنافي و يمكن ان يستدل عليه بما رواه النضر بن سويد عن بعض أصحابه قال. كتبت الى ابى إبراهيم عليه السلام رجل دخل مسجد الشجرة فصلى و أحرم و خرج من المسجد فبدا له قبل ان يلبى ان ينقض ذلك بمواقعة النساء إله ذلك؟ فكتب: نعم و لا بأس به «1» و لكنه- كما ترى- مرسل لا يمكن الاعتماد عليه مضافا الى أفاده صاحب الجواهر: (من ان فعل المنافي لا يقتضي النقض كما لو فعله بعد التلبية. الى ان قال: و يمكن حمل القنض في سؤاله على ضرب من المجاز. نعم لو أراد إبطال النية الأولى برفع اليد عن أصل الإحرام بناء على ما ذكرنا من ان له ذلك قبل التلبية احتيج لتجديدها لانتقاضها).

و كيف ما كان ظهر مما ذكرنا آنفا انعقاد الإحرام قبل التلبية بصرف ان شاء الالتزام بالتروك نعم انما يتم القول بعدم انعقاد الإحرام بدون التلبية بناء على الجمع الثاني بين الروايات الذي ذكرناه في صدر المبحث لانه بناء عليه يكون الإحرام مركبا من أمرين (أحدهما): ان شاء الالتزام بالتروك. و (ثانيهما): التلبية فعليه لا مانع من القول بعدم انعقاد الإحرام إلا بها.

[إلا في حج القران]

قوله قده: (و أما في حج القران فيتخير بين التلبية و بين الإشعار أو التقليد)

هذا هو المعروف بين الفقهاء (قدس اللّه تعالى أسرارهم) قديما و حديثا قال المحقق «طاب ثراه» في الشرائع: (و القارن بالخيار ان شاء عقد إحرامه بها و ان شاء قلد أو أشعر على الأظهر. إلخ و في المدارك: (هذا هو المشهور بين الأصحاب. إلخ) و نحوه في

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 14- من أبواب الإحرام: حديث 12

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 394

الجواهر لا

ينبغي الإشكال في ذلك و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال «عليه السلام»: يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: [التلبية- و الاشعار- و التقليد] فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة فقد أحرم «1» و صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) تقلدها نعلا خلقا قد صليت فيه و الاشعار و التقليد بمنزلة التلبية «2» و نحوهما غيرهما من الاخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) و بما ذكرنا ظهر ضعف ما نقل عن السيد و ابن إدريس من عدم انعقاد الإحرام مطلقا الا بالتلبية، لأن انعقاد الإحرام بالتلبية مجمع عليه و لا دليل على انعقاده بهما، و ذلك لدلالة الأخبار المتقدمة المعمول بها عند الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» عليه و لكن ما أفاده بناء على مبناه صحيح، و أيضا ظهر ضعف ما نقل عن الشيخ و ابني حمزة و البراج من اشتراط الانعقاد بغيرها بالعجز عنها، جمعا بين النصوص و ذلك لعدم التعارض بينها- كما هو واضح.

قوله قده: (و الاشعار مختص بالبدن و التقليد مشترك بينها و بين غيرها من أنواع الهدي)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم»، بل قيل:

انه صرح به غير واحد مرسلا له إرسال المسلمات قال في الحدائق: (قد ذكر الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» ان الإشعار مختص بالإبل، و التقليد مشترك بينها و بين البقر و الغنم، و علل بضعف البقر و الغنم عن الإشعار. إلخ) قال في محكي القواعد: (و يتخير القارن في عقد إحرامه بها أو بالإشعار المختص بالبدن أو التقليد المشترك بينها) و لكن ظاهرا لم يقم دليل خاص على هذا التفصيل و هو اختصاص الاشعار بالبدن، و اشتراك التقليد بين

البدن و الإبل و الغنم الا ان غالب الأخبار الواردة في المقام في كيفية الاشعار مشتملة على البدن بل تمامها و من أراد الوقوف على ذلك فليراجع الوسائل المجلد الثاني الباب الثاني عشر من أبواب أقسام الحج و سيذكر بعضها في الفروع الآتية ان شاء اللّه تعالى)

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 12 من أبواب أقسام الحج: حديث 20

(2) الوسائل ج 2- الباب- 12 من أبواب أقسام الحج: حديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 395

قوله قده: (و الاولى في البدن الجمع بين الاشعار و التقليد)

في خبر السكوني عن أبى جعفر «عليه السلام» أنه سأل ما بال البدنة تقلد بالنعل و تشعر؟ قال: أما النعل فتعرف أنها بدنة و يعرفها صاحبها بنعله، و أما الاشعار فإنه يحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها فلا يستطيع الشيطان ان يمسها «1» و رواه الصدوق في العلل عن أبيه عن سعد عن إبراهيم بن هاشم. و في ما رواه على بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: البدن تشعر في الجانب الأيمن و يقوم الرجل في الجانب الأيسر، ثم يقلدها بنعل خلق قد صلى فيها «2» و في ما رواه صفوان بن يحيى عن معاوية بن عمار قال: البدنة يشعرها من جانبها الأيمن ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها «3» و نحوها غيرها من الاخبار الواردة (عنهم عليهم السلام).

قوله قده: (فينعقد إحرام حج القران بأحد هذه الثلاثة و لكن الأحوط مع اختيار الاشعار و التقليد ضم التلبية أيضا)

لانفاق جميع الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على الاجزاء حينئذ، فلا بأس به من جهة الخروج عن شبهة الخلاف

قوله

قده: (نعم الظاهر وجوب التلبية على القارن و ان لم يتوقف انعقاد إحرامه عليها فهي واجبة عليه في نفسها)

يمكن ان يستدل على الوجوب بما رواه يونس بن يعقوب قلت: لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: انى قد اشتريت بدنة فكيف أصنع بها؟

فقال: انطلق حتى تأتى مسجد الشجرة، فأفض عليك من الماء و البس ثوبيك، ثم أنخها مستقبل القبلة، ثم ادخل المسجد فصل، ثم افرض بعد صلاتك ثم أخرجا إليها فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها، ثم قل: بسم اللّه، اللهم منك و إليك، اللهم فتقبل منى ثم انطلق حتى تأتى البيداء قلبه «4» لان ظاهر الأمر الوجوب اللهم الا ان يقال: ان ظاهر قوله

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 22

(2) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 4

(3) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 17

(4) الوسائل ج 2 الباب 12 من أبواب أقسام الحج حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 396

(فلب) و ان كان بداعي الجد الا انه يرفع اليد عن ظاهره بواسطة ان أكثر المذكورات فيه آداب و مستحبات لإمكان القول بان وحدة السياق يوجب وهن الظهور فيحمل على الندب فتدبر.

قوله قده: (ثم ان الاشعار عبارة عن شق السنام الأيمن بأن يقوم الرجل من الجانب الأيسر من الهدى و يشق سنامه من الجانب الأيمن و يلطخ صفحته بدمه)

ما أفاده قده بقوله:

(ان الاشعار عبارة. إلخ) هو الصواب لما في خبر الفضيل عن أبى الصباح الكناني قال:

سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن البدن كيف تشعر؟ قال: تشعر و هي باركة و يشق سنامها الأيمن و تنحر و هي قائمة من قبل الأيمن

«1» و لما في خبر يونس بن يعقوب المتقدم.

(فأشعرها من الجانب الأيمن من سنامها) و لما رواه أبان عن عبد الرحمن بن أبى عبد اللّه و زرارة قالا: سألنا أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن البدن كيف تشعر و متى يحرم صاحبها و من أى جانب تشعر معقولة (تنحر) أو باركة؟ فقال: تشعر معقولة و تشعر من الجانب الأيمن «2» و ما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم: (قال: البدن تشعر في الجانب الأيمن) و يقوم الرجل في الجانب الأيسر و أما ما أفاده بقوله (و يلطخ صفحته بدمه) فهو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» الا ان الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» في المقام لا دلالة فيها على ذلك و لكن مع ذلك لا بد من التوقف في نفى الخبر لانه من البعيد ذهاب الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» الى الحكم به بدون مدرك

قوله قده: (و التقليد ان يعلق في رقبة الهدي نعلا خلقا قد صلى فيه)

لما تقدم في صحيح معاوية بن عمار قال فيه: (ثم يقلدها بنعل قد صلى فيها) و في محكي التذكرة:

(و التقليد ان يجعل في رقبة الهدي نعلا قد صلى فيه أو يجعل في رقبة الهدي خيطا أو سيرا أو ما أشبههما ليعلم انه صدقة). يمكن ان يكون نظره في ذلك الى صحيح زرارة عن أبى جعفر

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج: حديث 14

(2) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج: حديث 6

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 397

«عليه السلام» قال: كان الناس يقلدون الغنم و البقر و انما تركه الناس حديثا و يقلدون بخط و سير «1» و لكن فيه

ما لا يخفى، و على فرض تمامية دلالته على المدعى فظاهره اختصاص ذلك بالغنم و البقر، فان التقليد المذكور في صحيحة معاوية بن عمار المشتملة على البدنة انما هو بالنعل و لم يرد فيه ذكر الخيط و السير و انما ذكر في صحيح زرارة المشتمل على تقليد الغنم و البقر فبناء على الاقتصار بظاهرها يقال باختصاص النعل بالبدنة و الخيط و السير بالبقر و الغنم فتأمل.

[مسألة 16 لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام]

قوله قده: (لا تجب مقارنة التلبية لنية الإحرام و ان كان أحوط فيجوز أن يؤخرها عن النية و لبس الثوبين على الأقوى)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا و لكن حالف في ذلك جماعة من الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قال في الحدائق: (قال ابن إدريس باشتراط مقارنتها كمقارنة التحريمة لنية الصلاة و اليه ذهب الشهيد في اللمعة و نقل ذلك في المسالك عن الشيخ على انه تبعهما على ذلك. إلخ) و الأقوى في النظر هو عدم اعتبار المقارنة- كما أفاده المصنف «قدس سره» لما عرفت من ان الإحرام عبارة عن ان شاء الالتزام بالتروك فيتحقق به من دون دخل شي ء آخر فيه، لعدم الدليل عليه فتدبر

[مسألة 17 لا تحرم عليه محرمات الإحرام قبل التلبية و إن دخل فيه بالنية]

قوله قده: (لا تحرم عليه محرمات الإحرام قبل التلبية و ان دخل فيه بالنية. إلخ)

ما أفاده قدس سره في هذه المسألة من أولها إلى آخرها هو الصواب لما عرفته في صدر المبحث عند الجمع بين الاخبار.

[مسألة 18 إذا نسي التلبية وجب عليه العود الى الميقات]

قوله قده: (إذا نسي التلبية وجب عليه العود الى الميقات لتداركها. إلخ)

ما أفاده «قدس سره» من وجوب العود الى الميقات لتدارك التلبية إذا نسيها انما يتم بناء على القول بعدم تحقق الإحرام قبل التلبية لانه بناء عليه يكون نسيان التلبية نسيانا للإحرام و قد

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 12 من أبواب أقسام الحج: حديث 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 398

عرفت في أحكام المواقيت: (انه إذا ترك الإحرام من الميقات ناسيا وجود العود اليه مع الإمكان، و مع عدمه فالى ما أمكن. إلخ) و أما بناء على ما ذكرنا في أول المبحث من تحقق الإحرام بمجرد إنشاء الالتزام بالتروك، قبل التلبية و صيرورته محرما بمجرد القصد فلا موجب للقول بوجوب رجوعه الى الميقات، بل يلبى حيث يذكره. نعم، إذا قام دليل خاص على وجوب التلبية في الميقات كما يجب الإحرام من الميقات فعليه يتم ما أفاده المصنف «قدس سره»، فحينئذ لا بد ان يحكم برجوعه الى الميقات إذا نسي التلبية في الميقات و لكن لم يثبت ذلك.

[مسألة 19 الواجب من التلبية مرة واحدة]

قوله قده: (الواجب من التلبية مرة واحدة)

لا ينبغي الإشكال في ذلك و يدل- عليه مضافا الى اتفاق الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم- إطلاق الأدلة المتقدمة

قوله قده: (نعم يستحب الإكثار بها و تكريرها ما استطاع، خصوصا في دبر كل صلاة فريضة أو نافلة، و عند صعود شرف أو هبوط واد، و عند المنام و عند اليقظة و عند الركوب و عند النزول، و عند ملاقاة راكب، و في الأسحار)

لا ينبغي الكلام فيه و يدل عليه صحيح معاوية بن عمار المتقدم في صدر المبحث و هو ما عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: التلبية أن تقول: لبيك

اللّهم لبّيك لبّيك لا شريك لك لبّيك، ان الحمد و النعمة لك، و الملك لا شريك لك لبّيك لبّيك ذا المعارج. الى ان قال: تقول ذلك: في دبر كل صلاة مكتوبة أو نافلة، و حين ينهض بك بعيرك و إذا علوت شرفا، أو هبطت واديا أو لقيت راكبا، أو استيقظت من منامك و بالأسحار، و أكثر ما استطعت و اجهر بها. الى ان قال: و أكثر من ذي المعارج فان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) كان يكثر منها. إلخ «1» و في صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه قال فيها بعد ان ذكر كيفية تلبية النبي «صلى اللّه عليه و آله» و كان يكثر من ذي المعارج، و كان يلبى كلما لقي راكبا

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 40- من أبواب الإحرام حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 399

أو على اكمة، أو هبط واديا، و من آخر الليل، و في ادبار الصلوات «1» و صحيح عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا أحرمت من مسجد الشجرة فإن كنت ماشيا لبيت من مكانك من المسجد، تقول لبيك. الى ان قال: و اجهر بها كلما ركبت و كلما نزلت، و كلما هبطت واديا أو علوت اكمة [1] أو لقيت راكبا و بالأسحار «2» الى غير ذلك من النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام) الدالة على ذلك فاستحباب تكرار التلبية مما لا مجال للترديد فيه و أما ما أفاده المصنف «قدس سره» من استحبابها عند المنام فلا يخلو من تأمل، لعدم اشتماله النصوص الواردة في المقام كما اعترف به صاحب المدارك و الجواهر «قدس سرهما» بل في كشف اللثام:

(لم أر لمن قبل الفاضلين التعرض للنوم) و قال في الجواهر: (و يمكن ان يكون وجهه ما يظهر من النصوص استحباب تكريرها عند كل حادث- كالنوم، و الاستيقاظ، و ملاقاة غيره- و لعله لذا عبر به الفاضل في القواعد و جعل الأحوال المزبورة مثالا، و ان قال في كشف اللثام: «لم أره لمن قبله» بل لعل من ذلك أيضا ما عن المقنعة و المقنع و المراسم و الفقيه من استحبابها ايضا عند صعود الدابة و النزول منها، أو لصحيح عمر بن يزيد السابق خصوصا بعد التسامح في أدلة السنن و خصوصا مثل هذا السنة التي هي ذكر في نفسها).

قوله قده: (و في بعض الاخبار من لبى في إحرامه سبعين مرة إيمانا و احتسابا اشهد اللّه له ألف ألف ملك براءة من النار و براءة من النفاق)

يشير «قدس سره» به الى ما رواه أحمد بن أبى عبد اللّه عن ابن فضال عن رجال شتى عن ابي جعفر عليه السلام «3» قال قال رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله و سلم»: من لبى. الى آخر ما في المتن.

______________________________

[1] التل.

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 40- من أبواب الإحرام حديث: 4

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 40- من أبواب الإحرام حديث: 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 41 من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 400

قوله قده: (و يستحب الجهر بها خصوصا في المواضع المذكورة للرجال دون النساء)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا قال في الجواهر عند ذكر المندوبات: (رفع الصوت بالتلبية للرجال كما هو المشهور، بل في كشف اللثام: «الإجماع في الظاهر» و لعله كذلك إذ ما في التهذيب: «من

انه واجب مع القدرة و الإمكان» محمول على شدة الندب خصوصا بعد قوله في محكي المختلف: «لم أجد من ذكره فرضا» لكن عن المصباح و مختصره: «و في أصحابنا من قال: «الإجهار فرض» إلا انا لم نتحققه و ان مال اليه بعض المتأخرين، للأمر به في النصوص المحمول على الندب بقرينة الشهرة و غيرها. إلخ) و لكن ذهب صاحب الحدائق «رضوان اللّه تعالى عليه» الى الوجوب للأمر به في صحيح معاوية بن عمار المتقدم قال فيه «عليه السلام»: (و اجهر بها- أي التلبية- و كذلك في صحيح عمر بن يزيد، و في صحيح حريز قال: لما أحرم رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» أتاه جبرئيل، فقال: مر أصحابك: بالعج، و الثج، فالعج رفع الصوت، و الثج نحر البدن قال: فقال جابر: فما مشى الروحاء حتى بحت أصواتنا «1» و ما رواه محمد بن على بن الحسين قال: قال: أمير المؤمنين جاء جبرئيل إلى النبي «صلى اللّه عليه و آله» و قال له: ان التلبية شعار المحرم فارفع صوتك بالتلبية.

إلخ «2» و هذه الاخبار- كما ترى- متضمنة للأمر بها، و هو ظاهر في الوجوب اللهم الا ان يناقش فيها بان بعضها ضعيف سندا و بعضها الآخر ذكر الجهر بالتلبية في عداد ما يكون من المستحبات قطعا الا ان يقال: انه إذا أمر الشارع بأشياء فظاهر الإطلاق كونه بداعي الجد في جميعها ففي أي واحد منها قامت قرينة على الاستحباب فترفع اليد عن الإطلاق بالنسبة إليه دون الباقي، و لكن يمكن ان يقال: انه بعد فرض ذلك نفس وحدة السياق يوجب وهن الظهور الإطلاقي في وجوب الباقي، و كيف كان لا مجال للقول بالوجوب، لان تسالم

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 37 من أبواب الإحرام حديث 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 37 من أبواب الإحرام حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 401

الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» على عدم الوجوب قرينة على رفع اليد عن ظهورها في الوجوب، و أما الاستحباب فلا محيص عن الالتزام به، لعدم الموجب لرفع اليد عنه ثم ان ما أفاده المصنف بقوله: (دون النساء) هو الصواب و لا ينبغي الإشكال فيه و يدل عليه ما رواه فضالة بن أيوب عمن حدثه عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ان اللّه وضع عن النساء الجهر بالتلبية و السعى بين الصفاء و المروة و دخول الكعبة و الاستلام «1» و المراد بالسعي هنا الهرولة، لما يأتي و ما رواه أبى سعيد المكاري عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ان اللّه عز و جل وضع عن النساء أربعا: الإجهار بالتلبية- و السعى بين الصفاء و المروة- يعني الهرولة و دخول الكعبة- و استلام الحجر الأسود- «2» و ما رواه أنس بن محمد عن أبيه جميعا عن جعفر بن محمد عن آبائه في وصية النبي صلى اللّه عليه و آله لعلي «عليه السلام» قال يا علي ليس على النساء جمعة. الى أن قال و لا تجهر بالتلبية «3» و ما رواه أبى بصير عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ليس على النساء جهر بالتلبية «4».

[مسألة 20 ذكر جماعة أن الأفضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء]

قوله قده: (ذكر جماعة أن الأفضل لمن حج على طريق المدينة تأخير التلبية إلى البيداء مطلقا كما قاله بعضهم أو في خصوص الراكب كما قيل. و لمن حج على طريق آخر تأخيرها الى ان يمشى قليلا. و لمن حج من مكة تأخيرها إلى

الرقطاء كما قيل أو الى أن يشرف على الأبطح لكن الظاهر بعد عدم الإشكال في عدم وجوب مقارنتها للنية و لبس الثوبين استحباب التعجيل بها مطلقا و كون أفضلية التأخير بالنسبة إلى الجهر بها فالأفضل أن يأتي بها حين النية و لبس الثوبين سرا و يؤخر الجهر بها الى المواضع المذكورة)

يقع الكلام (تارة): في الإحرام من مسجد الشجرة. و (اخرى): في الإحرام من طريق

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الإحرام حديث: 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الإحرام حديث: 2

(3) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الإحرام حديث: 3

(4) الوسائل ج 2 الباب 38 من أبواب الإحرام حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 402

آخر. و (ثالثة): في الإحرام من مكة.

أما (الأول):- و هو الإحرام من مسجد الشجرة- فلا ينبغي الإشكال في استحباب تأخير التلبية إلى البيداء فيه، و ذلك لصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا فرغت من صلاتك و عقدت ما تريد فقم و امشى هنيعة فإذا استوت بك الأرض ماشيا كنت أو راكبا فلب الحديث «1» و صحيح معاوية بن وهب قال:

سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن التهيؤ للإحرام؟ فقال: في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله و سلم» و قد ترى أناس يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث الميل فتحرمون كما أنتم في محاملكم تقول: لبيك اللهم لبيك «2» و في صحيح منصور بن حازم عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا صليت عند الشجرة فلا تلب حتى تأتى البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش «3» و صحيح معاوية بن

عمار أو حسنه عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: صل المكتوبة ثم أحرم بالحج أو بالمتعة و اخرج بغير تلبية حتى تصعد أول البيداء إلى أول ميل عن يسارك فإذا استوت بك الأرض راكبا كنت أو ماشيا فلب «4» و صحيح أحمد بن محمد بن أبى نصر قال: سألت أبا الحسن الرضا «عليه السلام» كيف أصنع إذا أردت الإحرام؟ قال: اعقد الإحرام في دبر الفريضة حتى إذا استوت بك البيداء فلب، قلت: أ رأيت إذا كنت محرما من طريق العراقي؟ قال لب إذا استوى بك بعيرك «5» و صحيح ابن أبى عمير عن حفص بن البختري و عبد الرحمن بن الحجاج و حماد بن عثمان عن الحلبي جميعا عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا صليت في مسجد الشجرة فقل و أنت قاعد في دبر الصلاة قبل أن تقوم ما يقول المحرم، ثم قم فامش

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 34- من أبواب الإحرام: حديث 2.

(2) الوسائل ج 2- الباب 34- من أبواب الإحرام: حديث 3.

(3) الوسائل ج 2- الباب 34- من أبواب الإحرام: حديث 4.

(4) الوسائل ج 2- الباب 34- من أبواب الإحرام: حديث 6.

(5) الوسائل ج 2- الباب 34- من أبواب الإحرام: حديث 7.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 403

حتى تبلغ الميل و تستوي بك البيداء فإذا استوت بك فلبه «1» و رواه الصدوق «رحمه اللّه تعالى» بإسناده عن الحفص بن البختري و معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج و الحلبي كلهم عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» مثله، و هذه الأوامر و ان كان ظاهرها الوجوب لكنها تحمل على الاستحباب جمعا بينها و بين مصحح إسحاق بن عمار

عن أبى الحسن «عليه السلام» قال: قلت له: إذا أحرم الرجل في دبر المكتوبة أ يلبى حين ينهض به بعيره أو جالسا في دبر الصلاة؟ قال: أى ذلك شاء صنع «2» و خبر إسماعيل بن مرار عن يونس عن عبد اللّه بن سنان انه قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» هل يجوز للمتمتع بالعمرة إلى الحج ان يظهر التلبية في مسجد الشجرة؟ فقال: نعم انما لبى النبي «صلى اللّه عليه و آله و سلم» في البيداء لان الناس لم يعرفوا التلبية فأحب أن يعلمهم كيف التلبية «3» فورود الرخصة- كما عرفت في التلبية في المسجد- قرينة لحمل الأوامر الواردة في الاخبار السابقة على الاستحباب نعم عبر بلفظ: [لا يجوز] في خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر «عليه السلام» قال: سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحل لمن أحرم عندها ان لا يلبى حتى يعلوا البيداء قال: لا يلبى حتى يأتي البيداء عند أول ميل فاما عند الشجرة فلا يجوز التلبية «4» لكن هذا الحديث ضعيف سندا فلا يصار اليه و على فرض تماميته من حيث السند فيمكن الجمع بينه و بين الاخبار المتقدمة بأن يقال ان المراد منه هو انه لا يجوز التلبية جهرا عند مسجد الشجرة و المراد منها هو جوازها فيها سرا فتأمل. ثم ما ذكرنا من استحباب تأخير التلبية إلى البيداء يكون في الراكب أشد و ليس في الماشي بتلك الشدة، و ذلك لصحيح عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ان كنت ماشيا فاجهر بإهلالك و تلبيتك من المسجد و ان كنت راكبا فإذا علت بك راحلتك البيداء «5» ثم انه يظهر من هذه

الاخبار ان المراد

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 35- من أبواب الإحرام حديث: 3

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 35- من أبواب الإحرام حديث: 4

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 35- من أبواب الإحرام حديث: 2

(4) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الإحرام حديث 8

(5) الوسائل ج 2 الباب 34 من أبواب الإحرام حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 404

من الإحرام الذي يجب إيقاعه في الميقات هو خصوص ان شاء الالتزام- كما قد عرفت فيما تقدم إطلاق الإحرام عليه في جملة من الاخبار، و كيف كان لا وجه لحمل أخبار ما نحن فيه على التلبية المستحبة و لا على الجهر بالتلبية و قوله فيما تقدم من صحيح عمر بن يزيد:

(و أجهر بإهلالك و تلبيتك. إلخ) لا تصير قرينة على ذلك- كما هو واضح- و أما (الثاني): و هو الإحرام من طريق آخر غير مسجد الشجرة- فقد ورد النص في خصوص الإحرام من غمرة و من يريد البعث ما يدل على استحباب التأخير قليلا و هو صحيح هشام بن الحكم عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: ان أحرمت من غمرة و من يريد البعث صليت و قلت، كما يقول المحرم في دبر صلاتك، و ان شئت لبيت في موضعك و الفضل ان تمشي قليلا ثم تلبي «1» و لكن التعدي من ذلك الى غير مورده مشكل فلا بد من الاقتصار على المورد. ان قلت: انه يمكن التعدي عن المورد- و هو الإحرام من غمرة و من بريد البعث- الى غيره بتنقيح المناط، قلت (أولا): لا مجال له أصلا و (ثانيا): ان المعتبر منه هو القطعي و غاية ما يحصل منه في المقام هو الظن و

لا دليل على اعتباره، فلا يخرج هذا الوجه عن القياس الغير المشروع عندنا، لاحتمال خصوصية في الإحرام من غمرة و من يريد البعث دون غيرهما، و لا دافع لهذا الاحتمال الا فهم المثالية من غمرة و يريد البعث و لكنها غير مسموعة، لكون الظاهر على خلافها فتأمل و أما (الثالث)،- و هو الإحرام من مكة- فالأفضل في تلبيته أن يؤخرها إلى أن يأتي الرقطاء لصحيحة حفص بن البختري و معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج و الحلبي جميعا عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حديث قال: و ان أهللت من المسجد الحرام للحج فإن شئت لبيت خلف المقام و أفضل ذلك ان تمضى حتى تأتى الرقطاء و تلبي

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 35 من أبواب الإحرام: حديث 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 405

قبل ان تصير الى الأبطح «1» و حسن معاوية بن عمار أو صحيحة عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا كان يوم التروية (ان شاء اللّه تعالى) فاغتسل، ثم البس ثوبيك، و ادخل المسجد حافيا و عليك السكينة و الوقار، ثم صلى ركعتين عند مقام إبراهيم أو في الحجر، ثم اقعد حتى تزول الشمس، فصل المكتوبة، ثم قل في دبر صلاتك كما قلت حين أحرمت من الشجرة، و أحرم بالحج، و عليك السكينة و الوقار، فإذا انتهيت الى الرقطاء دون الردم فلب، فإذا انتهيت الى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى «2» هذا و في رواية زرارة قال، قلت: لأبي جعفر «عليه السلام»: متى ألبي بالحج؟

فقال: إذا خرجت إلى منى. ثم قال إذا جعلت شعب الدرب على يمينك و العقبة على يسارك

فلب بالحج «3». و لكن في قبال هذه الأخبار ما يفصل بين الراكب فيلبي إذا نهض به بعيره و الماشي فيلبي عند المقام، و هو صحيح عمر بن يزيد عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال:

إذا كان يوم التروية فاصنع كما صنعت بالشجرة، ثم صل ركعتين خلف المقام: ثم أهل بالحج، فان كنت ماشيا فلب عند المقام و ان كنت راكبا فإذا نهض بك بعيرك و صل الظهر ان قدرت بمنى «4» فحينئذ يقع التعارض بينه و بين الأخبار السابقة الدالة على استحباب التأخير إلى الرقطاء و يمكن الجمع بتخصيص الأخبار السابقة بهذا الحديث، فعليه يحكم باختصاص استحباب التأخير بالراكب، و يحمل اختلاف مقداري التأخير على اختلاف مراتب الفضيلة، فالأفضل أن يؤخر إلى الرقطاء و دونه ان يلبى إذا نهض به بعيره، و يمكن حمل هذا الحديث على عدم تأكد استحباب التأخير بالنسبة إلى الماشي بخلاف الراكب و كيف ما كان فلا ينافي أفضلية التأخير ما في خبر أبى بصير عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 46- من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 1 من أبواب الإحرام و الوقوف بالعرفة حديث: 1

(3) الوسائل ج 2- الباب- 46 من أبواب الإحرام: حديث 5

(4) الوسائل ج 2- الباب- 46 من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 406

في حديث قال: إذا أردت أن تحرم يوم التروية فاصنع كما صنعت حين أردت أن تحرم.

الى ان قال ثم تلبي من المسجد الحرام كما لبيت حين أحرمت «1» فإن هذا الحديث محمول على الجواز- كما لا يخفى- ثم انه يستحب الإجهار بالتلبية إذ انتهى الى الردم و أشرف على الأبطح،

لما تقدم من حسن معاوية بن عمار أو صحيحة قال (عليه السلام) فيه: (إذا انتهيت الى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية) و نحوه حسنة الأخر و صحيحة عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: إذا انتهيت الى الردم و أشرفت على الأبطح فارفع صوتك بالتلبية حتى تأتي منى «2» ثم انه قال المصنف (قدس سره) ان البيداء أرض مخصوصة بين مكة و المدينة على ميل من ذي الحليفة نحو مكة و الأبطح مسيل و ادى مكة و هو مسيل واسع فيه دقائق الحصى أوله منقطع الشعب بين وادي منى و آخره متصل بالمقبرة التي تسمى بالمعلى عند أهل مكة و الرقطاء موضع دون الردم يسمى مدعى و مدعى الأقوام مجتمع قبائلهم و الردم حاجز يمنع السيل عن البيت و يعبر عنه بالمدعى قوله قده: (المعتمر عمرة التمتع يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة في الزمن القديم، و حدها لمن جاء على طريق المدينة عقبة المدنيين و هو مكان معروف) هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» قديما و حديثا بل قيل: «انه مقطوع به في كلام الأصحاب» و ادعى بعض: «الإجماع عليه» لا ينبغي الإشكال في ذلك و يدل عليه جملة من الأخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» منها صحيح معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: إذا دخلت مكة و أنت متمتع فنظرت الى بيوت مكة فاقطع التلبية، و حد بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن فاقطع التلبية و عليك بالتكبير و التحميد و التهليل و الثناء على اللّه عز و جل ان استطعت «3» و منها

صحيح الحلبي عن أبى عبد اللّه عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 46 من أبواب الإحرام: حديث 3

(2) الوسائل ج 2- الباب- 46 من أبواب الإحرام: حديث 4

(3) الوسائل ج 2- الباب- 43 من أبواب الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 407

قال: المتمتع إذا نظر الى بيوت مكة قطع التلبية «1» و خبر حنان بن سدير عن أبيه قال:

قال أبو جعفر و أبو عبد اللّه (عليه السلام) إذا رأيت أبيات مكة فاقطع التلبية «2» و خبر عبد اللّه بن سنان عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: سألته عن تلبية المتمتع متى يقطعها؟

قال: إذا رأيت بيوت مكة «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم عليهم السلام و لكن تقع المعارضة بين ما تقدم من صحيح معاوية بن عمار الدال على التحديد بعقبة المدنيين و ما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر الدال على التحديد بعقبة ذي طوى بناء على كون عقبة المدنيين غير عقبة ذي طوى [1] و هو ما عن ابي الحسن الرضا «عليه السلام» انه سأل عن المتمتع متى يقطع التلبية؟ قال «عليه السلام»: إذا نظر الى أعراش مكة عقبة ذي طوى قلت: بيوت مكة؟ قال: نعم «4» الا انه يمكن الجمع بما افاده السيد و الشيخ (قدس سرهما) على ما حكاه عنهما صاحب الجواهر (قدس سره) و هو حمل الأول على من دخل مكة على طريق المدينة و الثاني على من دخل مكة على طريق العراق و تبعهما الحلي و الديلمي و عن الصدوقين و المفيد تخصيص الثاني: «بمن اتى على طريق مدينة» و يمكن ان يكون ذلك لأجل أن للمدينة طريق آخر غير متعارف قال الشهيد

(رحمه اللّه تعالى) في الدروس: (وحدها: عقبة المدنيين و عقبة ذي طوى) و نحوه في اللمعة و شرحها و لكن قيد الأول بما إذا دخل مكة من أعلاها و الثاني بما إذا دخل مكة من أسفلها على ما نقل عنه صاحب الجواهر) قدس سره) و حكى عن المسالك و الروضة فمنشأ الاختلاف في ذلك هو الاختلاف في الجهة و اختلاف الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) يمكن ان يكون

______________________________

[1] في الجواهر: «عن مصباح المنير: [و ذو طوى واد بقرب مكة على نحو فرسخ في طريق التنعيم و يعرف الآن بالزاهر]. و نحو منه عن تهذيب الأسماء الا انه قال: [موضع بأسفل من مكة] و لم يحدد ما بينهما بفرسخ أو غيره».

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 43- من أبواب الإحرام: حديث 2

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 43- من أبواب الإحرام: حديث 5

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 43- من أبواب الإحرام: حديث 6

(4) الوسائل ج 2- الباب 43- من أبواب الإحرام حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 408

لأجل اختلاف الأزمنة في ذهابهم إلى مكة المكرمة من جهة الطريق فعليه لا معارضة بين صحيح معاوية بن عمار و بين ما رواه أحمد بن محمد بن أبى نصر فتدبر ثم انه يمكن ان يقال بثبوت المعارضة بين الاخبار السابقة الدالة على لزوم قطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة و بين خبر زرارة الدال على ذلك عند الدخول في بيوت مكة و هو ما عن أبى عبد اللّه (عليه السلام) قال: سألته أين يمسك المتمتع عن التلبية؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكة لا بيوت الأبطح «1» و لكنه لا يقاوم للمعارضة مع الاخبار المتقدمة: أما (أولا): فيما أفاده

صاحب الجواهر (قدس سره) من ضعف السند و أما (ثانيا): فلا مكان حمله على إرادة الأشراف- كما أفاده ايضا قدس سره- و أما (ثالثا): فلاعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه الموجب لخروجه عن حين دليل الحجية و الاعتبار و لكن لا يخفى ان العمدة هو الاعراض و أما ضعف السند فليس بمسلم و أما حمله على ما ذكر فلا يمكن المساعدة عليه لكونه- كما ترى- خلاف الظاهر و أما خبر زيد الشحام عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: سألته عن تلبية المتعة متى تقطع؟ قال: حين يدخل الحرم «2» فيمكن حمله على الجواز و ما سبق على الاستحباب- كما أفاده الشيخ قدس سره على ما حكى عنه- و لكن لا يخفى ما فيه، لعدم الشاهد له فلا يصار اليه، و العمدة هي إعراض الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) عنه الموجب لسقوطه عن الحجية، فتدبر ثم ان صحيح معاوية بن عمار- كما ترى- يدل على الإكثار من التكبير و التحميد و التهليل و الثناء بعد قطع التلبية قوله قده: (و المعتمر عمرة مفردة عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم و عند مشاهدة الكعبة ان كان قد خرج من مكة لإحرامها) هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) قديما و حديثا و اليه ذهب الشيخ (قدس سره) و من تبعه على ما حكى عنهم في الحدائق و لكن الأخبار الواردة في المقام مختلفة، لدلالة بعضها

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 43- من أبواب إحرام حديث: 7

(2) الوسائل ج 2- الباب 43- من أبواب إحرام حديث: 9

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 409

على انه يقطع التلبية عند مشاهدة الكعبة المعظمة و بعضها

عند الدخول في الحرم اما (ما دل على الأول): فهو صحيح عمر بن يزيد عن ابى عبد اللّه «عليه السلام» قال في حديث: و من خرج من مكة يريد العمرة ثم دخل معتمرا لم يقطع التلبية حتى ينظر إلى الكعبة «1». و صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام»: من اعتمر من التنعيم فلا يقطع التلبية حتى ينظر الى المسجد «2». و اما (ما دل على الثاني): فهو ما رواه معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حديث قال و ان كنت معتمرا فاقطع التلبية إذا دخلت الحرم «3» و صحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه «عليه السلام» من دخل مكة مفردا للعمرة فليقطع التلبية حين تضع الإبل أخفافها في الحرم «4» و حسن مرازم عن أبى عبد اللّه (عليه السلام): يقطع صاحب العمرة المفردة التلبية إذا وضعت الإبل أخفافها في الحرم «5» الا انه يمكن الجمع بينهما بحمل ما دل على الأول على ما إذا خرج من مكة لإحرامها و حمل ما دل على الثاني على ما إذا جاء من خارج الحرم و من هنا يمكن المناقشة في كلام الصدوق حيث ذهب الى التخيير الذي من شرطه التنافي و لكن يعارضها الأخبار الدالة على لزوم قطع التلبية عند النظر الى بيوت مكة و هي: صحيح 1- أحمد بن محمد بن أبى نصر، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الرجل يعتمر عمرة المحرم من اين يقطع التلبية؟ قال: كان أبو الحسن «عليه السلام» يقول: يقطع التلبية إذا نظر الى بيوت مكة «6» 2- موثق يونس بن يعقوب، قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن

الرجل يعتمر عمرة مفردة من اين يقطع التلبية؟ قال «عليه السلام»: إذا رأيت بيوت مكة ذي طوى فاقطع التلبية «7» و رواه الصدوق بإسناده عن يونس بن يعقوب مثله الا انه ترك قوله: (من اين يقطع التلبية). 3- خبر الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 8

(2) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 4

(3) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 1

(4) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 2

(5) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 6

(6) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 12

(7) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب الإحرام: حديث 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 410

(عليه السلام) قلت: دخلت بعمرة فأين اقطع التلبية؟ قال: حيال العقبة عقبة المدنيين، فقلت: أين عقبة المدنيين؟ قال: بحيال القصارين «1» الا انه يمكن الجمع بينها بحمل ما دل على قطعها عند النظر إلى الكعبة على ما إذا خرج من مكة للعمرة المفردة، و حمل ما دل على ذلك عند دخول الحرم على من جاء إلى مكة من غير طريق العراق و المدينة، و حمل ما دل على ذلك عند عقبة المدنيين على ما إذا جاء من طريق المدينة، و حمل ما دل على ذلك عند ذي طوى على من من جاء من طريق عراق و لكن لا يخفى انه بناء على تمامية هذا الجمع لا يتم ذلك بالنسبة إلى صحيح احمد بن محمد بن أبى نصر- كما لا يخفى- فيقع التعارض بينه و بين ما دل على لزوم القطع عند دخول

الحرم و لكن يمكن أن يقال عدم المعارضة بينه و بينها، و ذلك لكون صحيح احمد بن محمد بن أبى نصر مطلقا و هذا بخلافها، لاختصاصها بالمحرم من الميقات فيخصص بها ثم أنه يمكن ان يجمع بينها بالتخيير- كما أفاده الصدوق «رحمه اللّه تعالى»- و لكن يمكن المناقشة فيه بان القول به انما يكون في فرض التنافي بين الاخبار و هنا ليس كذلك لاختصاص صحيح عمر بن يزيد بمن خرج من مكة للعمرة و لا تشمله الأخبار الدالة على لزوم القطع عند دخول الحرم، لكون إحرامه من أدنى الحل فموردها انما يكون من كان إحرامه من الميقات دون أدنى الحل. نعم، تقع المعارضة بين باقي الطوائف من الاخبار هذا كله مع الغض عن إعراض الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و الا فالظاهر لا مجال للقول بمعارضة ما دل على لزوم القطع عند دخول البيوت مع غيرها لاعراضهم ظاهرا عنها و لكن هذه المسألة من أولها إلى آخرها بعد يحتاج إلى التأمل قوله قده: (و الحاج بأي نوع من الحج يقطعها عند الزوال من يوم عرفة.، إلخ هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» بل الظاهر انه المتسالم عليه بينهم و يدل عليه جملة من النصوص الواردة عنهم «عليه السلام»- منها: 1- صحيح محمد بن مسلم عن أبى جعفر «عليه

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 45 من أبواب الإحرام: حديث 11

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 411

السلام» انه قال: الحاج يقطع التلبية يوم عرفة زوال الشمس «1». 2- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: قطع رسول اللّه «صلى اللّه عليه و آله» التلبية حين زاغت الشمس يوم عرفة و

كان على بن الحسين «عليه السلام» يقطع التلبية إذا زاغت الشمس يوم عرفة قال أبو عبد اللّه «عليه السلام»: فإذا قطعت التلبية فعليك بالتهليل و التحميد و التمجيد و الثناء على اللّه عز و جل «2» 3- صحيحة الآخر عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» إذا زالت الشمس يوم عرفة فاقطع التلبية عند زوال الشمس «3». الى غير من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و قد عقد في الوسائل بابا لهذا الحكم و قد ذكرت فيه روايات كثيرة قوله قده: (و ظاهرهم ان القطع في الموارد المذكورة على سبيل الوجوب. إلخ لا ينبغي الكلام فيه قوله قده: (إذا شك بعد الإتيان بالتلبية انه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحة) لا ينبغي الإشكال في ذلك للقاعدة قوله قده: إذا أتى بالنية و لبس الثوبين و شك في انه أتى بالتلبية أيضا حتى يجب عليه ترك محرمات الإحرام أو لا يبنى على عدم الإتيان بها فيجوز له فعلها و لا كفارة عليه) هذا ايضا مما لا ينبغي الإشكال فيه للأصل فلا مانع له من فعلها لما عرفت في صدر المبحث من دلالة الاخبار على أن موضوع الجواز هو عدم التلبية قوله قده: (إذا أتى بموجب الكفارة و شك في انه كان بعد التلبية حتى تجب عليه أو قبلها فان كان مجهولي التاريخ أو كان تاريخ التلبية مجهولا لم تجب عليه الكفارة و ان كان تاريخ إتيان الموجب مجهولا فيحتمل أن يقال بوجوبها لأصالة التأخر لكن الأقوى عدمه لأن الأصل لا يثبت كونه بعد التلبية) لا ينبغي الإشكال أيضا في ذلك أما في ما أفاده بقوله: (إذا كان مجهولي التاريخ. إلخ) فلأصالة البراءة عنها بعد القول

بعدم جريان الأصل في مجهولي التاريخ أو للتعارض بين الأصلين و أما ما أفاده بقوله (أو كان تاريخ التلبية. إلخ) فهو أيضا لأجل الأصل العملي و هو أصالة عدم التلبية الى

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 44- من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل: ج 2- الباب- 44- من أبواب الإحرام: حديث 2

(3) الوسائل: ج 2- الباب- 44- من أبواب الإحرام: حديث 5

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 412

حين ارتكابه الفعل و أما ما أفاده بقوله: (و لكن الأقوى. إلخ) فهو لأجل ان التأخر أمر حادث فلا يمكن إثباته بالأصل- كما هو واضح- فليس في البين مانع من الرجوع الى الأصل العملي و هو البراءة عن الكفارة و لكن هذا كله بناء على عدم انتقاض الإحرام بارتكاب محظورات الإحرام قبل التلبية و أما بناء على نقضها له فيتحقق في مفروض المقام علم إجمالي بين انتقاض إحرامه و ثبوت الكفارة عليه فان كان المورد مورد استصحاب عدم التلبية- كما في فرض مجهولية خصوص تاريخ التلبية- وقع التعارض بين هذا الاستصحاب و استصحاب عدم انتقاض الإحرام و يتساقطان و حينئذ تصل النوبة إلى البراءة عن الكفارة و الاحتياط بتجديد الإحرام و أما ان لم يكن المورد مورد جريان استصحاب عدم التلبية- و ذلك كما لو كان خصوص ارتكاب المحظور مجهول التاريخ أو كان كلاهما مجهولي التاريخ فحينئذ تقع المعارضة بين استصحاب عدم انتقاض الإحرام و البراءة من الكفارة و تصل النوبة إلى الاحتياط بتجديد الإحرام و إعطاء الكفارة.

[الثالث لبس الثوبين]
اشارة

قوله قده: (من واجبات الإحرام لبس الثوبين،. إلخ)

هذا هو المعروف بين الأصحاب (رضوان اللّه تعالى عليهم) بل في المدارك: (هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب، بل قال في المنتهى:

«انه لا يعلم فيه خلافا». إلخ) و في الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه. الى ان قال: بل في التحرير: «الإجماع على ذلك». إلخ) يمكن الاستدلال على وجوب لبس الثوبين بوجوه:

(الأول)- ما ادعى من الإجماع عليه. و (فيه): انه على فرض ثبوته فلا يمكن الاعتماد عليه، و ذلك لما ذكرنا مرارا و كرارا: ان الإجماع المعتبر هو التعبدي الموجب للقطع بصدور الحكم عن المعصوم «عليه السلام» لا المدركى، و في المقام ليس كذلك لاحتمال ان يكون مدركه بعض الوجوه الآتية، فالعبرة بالمدرك ان تم دونه، فلا يصار اليه، الا إذا صار موجبا للاطمئنان فيكون الاطمئنان حجة.

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 413

(الثاني)- السيرة المستمرة و فعل المعصومين «عليهم السلام» و (فيه)؟ ان ذلك لا يدل على الوجوب فلعله كان ذلك فعلهم «عليهم السلام» من باب الاستحباب.

(الثالث) الاخبار الواردة في المقام- منها:

1- صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا انتهيت الى العقيق من قبل العراق أو الى الوقت من هذه المواقيت و أنت تريد الإحرام «إن شاء اللّه تعالى» فانتف إبطيك و قلم أظفارك، و أطل عانتك، و خذ من شاربك. و لا يضر با ذلك بدأت ثم استك، و اغتسل، و البس ثوبيك «1» 2- ما رواه معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن التهيؤ للإحرام؟ فقال: أطل عانتك، فإنه طهور، و تجهز بكل ما تريد، و ان شئت استمتعت بقميصك حتى تأتى مسجد الشجرة، فتفيض عليك من الماء، و تلبس ثوبيك «ان شاء اللّه تعالى «2» 3- ما رواه زيد الشحام عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: سأل عن امرأة حاضت و هي تريد الإحرام

فتطمث؟ قال: تغتسل و تحتشي بكرسف و تلبس ثياب الإحرام و تحرم فإذا كان الليل خلعتها و لبست ثيابها الأخرى حتى تطهر «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليهم السلام» و لكن يمكن المناقشة فيها: بأن بعضها ضعيف سندا و بعضها الآخر ذكر لبس الثوبين في عداد المستحبات. اللهم الا ان يقال: انه إذا أمر بأشياء عديدة فظاهر الإطلاق كونه بداعي الجد في الجميع، غاية الأمر انه إذا قامت قرينة على الاستحباب بالنسبة إلى الجميع فترفع اليد عن الظاهر و يحكم باستحبابها، و اما إذا قامت

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 6- من أبواب الإحرام: حديث 4

(2) الوسائل ج 2- الباب- 7 من أبواب الإحرام حديث: 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 48 من أبواب الإحرام حديث: 3

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 414

قرينة على استحباب بعض فترفع اليد عن الإطلاق بالنسبة إليه بخصوصه، و أما بالنسبة إلى الباقي فلا، لعدم الموجب لذلك، الا ان يقال: ان نفس وحدة السياق مع فرض استحباب ما ذكر فيه توهن الظهور الإطلاقي في وجوب الباقي، فإن الظهور الإطلاقي ينتفي بأدنى شي ء و كيف كان لا بد في مقام الفتوى من الاحتياط بلبس الثوبين فتدبر.

قوله قده: (و الأقوى عدم كون لبسهما شرطا في تحقق الإحرام بل كونه واجبا تعبديا)

لا ينبغي الإشكال في ذلك، لما عرفت من ان الإحرام عبارة عن ان شاء الالتزام بالتروك، فبه يتحقق الإحرام مضافا الى ما في صحيح معاوية بن عمار المتقدم قال (عليه السلام): يوجب الإحرام ثلاثة أشياء: التلبية، الاشعار، و التقليد فإذا فعل شيئا من هذه الثلاثة و قد أحرم «1» (بدعوى): أن إطلاقه يقتضي نفى شرطية لبس الثوبين- كما لا يخفى-

قوله

قده: (و الظاهر عدم اعتبار كيفية مخصوصة في لبسهما فيجوز الاتزار بأحدهما كيف شاء و الارتداء بالآخر أو التوشّح [1] به أو غير ذلك من الهيئات لكن الأحوط لبسهما على الطريق المألوف. إلخ)

ما أفاده قدس سره في المقام هو الصواب لأن الأخبار المتقدمة لم نتعرض فيها كيفية لبسه، هذا مما لا كلام فيه انما الكلام في انه هل يلزم

______________________________

[1] قال في الحدائق: «و التوشح: «تغطية أحد المنكبين» و الارتداء: «تغطيتهما معا» و به صرح في المسالك و الروضة. الى ان قال: و الذي صرح به أهل اللغة في معنى التوشح هو انه عبارة عن إدخال الثوب تحت يد اليمنى و إلقاء طرفيه على المنكب الا يسر، قال في المغرب:

«توشح الرجل» و هو أن يدخل ثوبه تحت يده اليمنى و يلقيه على منكبه الا يسر- كما يفعل المحرم- و كذلك الرجل يتوشح بحمائل سيفه فتقع الحمائل على عاتقه اليسرى فيكون اليمنى مكشوفة، و قال في كتاب مصباح المنير: «و توشح بثوبه» و هو ان يدخل تحت إبطه الأيمن و يلقيه على منكبه الأيسر- كما يفعل المحرم-».

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 12- من أبواب أقسام الحج حديث: 20

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 415

التعدد أو يكفي و لو كان ثوبا واحدا طويلا بحيث اتزر ببعضه و ارتدى بالباقي، يمكن ان يقال بالأول، لعدم صدق لبس الثوبين المأمور بهما على ثوب واحد طويل- كما لا يخفى- و من هنا ظهر ضعف ما ذهب اليه الشهيد الأول في الدروس حيث انه بعد ان أوجب لبس الثوبين فيه قال: (و لو كان الثوب طويلا فاتزر ببعضه و ارتدى بالباقي أو توشح اجزء).

قوله قده: (و يكفى فيهما المسمى و ان

كان الاولى بل الأحوط أيضا كون الإزار مما يستر السرة و الركبة و الرداء مما يستر المنكبين)

أما كفاية المسمى منهما فمما لا ينبغي الإشكال فيه للأصل العملي- و هو البراءة- و أما ما أفاده من ان الأحوط كون الإزار. إلخ فهو معروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و لكن الظاهر لم يقم عليه دليل خاص فاللازم فيه الرجوع الى العرف و أما ما أفاده: (من ان الرداء مما. إلخ) فصدق الرداء على ما لا يستر المنكبين مشكل جدا و أما صدقه على ما يستر المنكبين فقط فهو ايضا محل تأمل.

[مسألة 26 لو أحرم في قميص عالما عامدا أعاد]

قوله قده: (لو أحرم في قميص عالما عامدا أعاد لا لشرطية لبس الثوبين، لمنعها- كما عرفت- بل لانه مناف للنية، حيث انه يعتبر فيها العزم على ترك المحرمات التي منها لبس المخيط. إلخ)

ما افاده قدس سره من التعليل تماميته مبتن على القول بكون الإحرام هو توطين النفس على ترك المحرمات أو كون ذلك من الإحرام و الا لم يكن ذلك منا فيا له، فتدبر.

قوله قده: (و لو أحرم في القميص جاهلا بل أو ناسيا أيضا نزعه و صح إحرامه أما إذا لبسه بعد الإحرام فاللازم شقه و إخراجه من تحت. إلخ)

و ذلك لصحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: إذا لبست قميصا و أنت محرم فشقه و أخرجه من تحت قدميك «1». و صحيح ابن أبى عمير عن معاوية بن عمار و غير واحد

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 45- من أبواب تروك الإحرام حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 416

عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في رجل أحرم و عليه قميصه؟ فقال: ينزعه و لا يشقه، و ان

كان لبسه بعد ما أحرم شقه و أخرجه مما يلي رجليه «1» و خبر عبد الصمد بن بشير عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» في حديث ان رجلا عجميا دخل المسجد يلبى و عليه قميصه؟ فقال لأبي عبد اللّه «عليه السلام»: انى كنت رجلا أعمل بيدي و اجتمعت لي نفقة فحيث أحج لم أسأل أحدا عن شي ء و أفتوني هؤلاء أن أشق قميصي و انزعه من قبل رجلي و ان حجى فاسد و ان على بدنة؟ فقال له: متى لبست قميصك أ بعد ما لبيت أم قبل؟ قال: قبل ان ألبي قال فأخرجه من رأسك، فإنه ليس عليك بدنة و ليس عليك الحج من قابل أى رجل ركب أمرا بجهالة فلا شي ء عليه، طف بالبيت سبعا، و صل ركعتين عند مقام إبراهيم «عليه السلام» واسع بين الصفاء و المروة، و قصر من شعرك فإذا كان يوم التروية فاغتسل، و أهل بالحج و اصنع كما يصنع الناس «2» و خبر خالد بن محمد الأصم قال: دخل رجل المسجد الحرام و هو محرم فدخل في الطواف و عليه قميص و كساء فاقبل الناس عليه يشقون قميصه و كان صلبا فرآه أبو عبد اللّه «عليه السلام» و هم يعالجون قميصه يشقونه فقال له: كيف صنعت فقال: أحرمت هكذا في قميصي و كسائي؟ فقال: انزعه من رأسك ليس ينزع هذا من رجليه انما جهل فأتاه غير ذلك فسأله فقال: ما تقول في رجل أحرم في قميصه؟ قال: ينزع من رأسه «3» و ظاهر الخبر الأخير اختصاص النزع من الرأس بالجاهل، لكنه ضعيف سندا فالصحيح شمول الحكم للعالم العامد كما ان الظاهر عدم بطلان إحرامه فيه لعدم كون الإحرام عبارة

عن توطين النفس على ترك المحرمات و عدم دخالة ذلك في الإحرام ثم التفصيل بين ما إذا كان لابسا للقميص قبل الإحرام أو بعده بنزعه من فوق في الأول و إخراجه من تحت قدميه في الثاني تعبد صرف و ليس على طبق القاعدة من حيث كون عدم نزعه في الثاني من باب التحرز عن التضليل و التغطية، فإنه (أولا) لو كان الوجه في ذلك هو التحرز عن

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 45 من أبواب تروك الإحرام: حديث 2

(2) الوسائل ج 2- الباب- 45 من أبواب تروك الإحرام: حديث 3

(3) الوسائل ج 2- الباب- 45 من أبواب تروك الإحرام: حديث 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 417

التضليل أو التغطية لم يكن ذلك مختصا بصورة اللبس بعد الإحرام، لما عرفته من صحة إحرامه في فرض لبسه قبله خصوصا إذا كان جاهلا أو ناسيا و (ثانيا): لا يكون النزع مستلزما للتغطية فإنه يمكن نزعه بوجه لا يغطى به رأسه كما انه ليس مستلزما للتظليل المحرم، لان التظليل انما يحرم حال السير كما سيجي ء بيانه في محله و يمكنه ان يقف عن السير و ينزع القميص.

[مسألة 27 لا يجب استدامة لبس الثوبين]

قوله قده: (لا يجب استدامة لبس الثوبين بل يجوز تبديلهما و نزعهما لازالة الوسخ أو للتطهير)

هذا هو المعروف بين الفقهاء «قدس اللّه تعالى أسرارهم» قديما و حديثا و في المستند: (الظاهر كما صرح به جماعة منهم في المدارك و الذخيرة و غيرهما- عدم وجوب استدامة اللبس لصدق الامتثال و عدم دليل على وجوب الاستمرار) لا كلام لنا فيه و يدل عليه- مضافا الى الأصل- رواية زيد الشحام المتقدم.

قوله قده: (بل الظاهر جواز التجرد منهما مع الأمن من الناظر أو كون العورة مستورة

بشي ء آخر)

لا ينبغي الكلام في ذلك، للأصل بعد عدم دليل على وجوب الاستمرار

[مسألة 28 لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام]

قوله قده: (لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام و في الأثناء للاتقاء عن البرد و الحر بل و لو اختيارا)

هذا هو المعروف بين الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» و قد نفى عنه الخلاف و ادعى عليه الإجماع و في صحيح الحلبي قال: سألت أبا عبد اللّه «عليه السلام» عن المحرم يتردى بالثوبين؟ قال: نعم، و الثلاثة ان شاء يتقى بها البرد و الحر «1» و رواه الشيخ بإسناده عن موسى بن القسم عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن الحلبي نحوه و في صحيح معاوية بن عمار عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه و بين غيرها التي أحرم فيها؟ قال «عليه السلام» لا بأس بذلك إذا كانت طاهرة «2» و أنت- كما ترى- يدل حديث الأخير على جواز الأزيد منهما و لو اختيارا.

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب- 30 من أبواب الإحرام: حديث 1

(2) الوسائل ج 2- الباب- 30 من أبواب الإحرام: حديث 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 418

بقي الكلام في أنه هل الإحرام جزء للأعمال أو شرط لها يمكن الاستدلال على الأول- و هو الجزئية- بما في رسالة المحكم و المتشابه نقلا عن تفسير النعماني بإسناده الآتي عن علي «عليه السلام» في حديث قال: و اما حدود الحج فأربعة و هي: [الإحرام- و الطواف بالبيت- و السعى بين الصفاء و المروة- و الوقوف في الموقفين و ما يتبعهما و ما يتصل بهما- فمن ترك هذه الحدود وجب عليه الكفارة و الإعادة «1» لكن التحقيق: ان صرف كون الإحرام من حدود

الحج لا يدل على جزئية لها، لأن غاية ما في الباب كونه نظير ما ورد: من ان الصلاة: [ثلثها- طهور- و ثلثها ركوع- و ثلثها سجود-] مع انه من الواضح عدم كون الطهارة جزء للصلاة لكونها شرطا لها، و لعل التعبير بما ذكر في ما نحن فيه و في هناك كان لأجل الأهمية، و كيف كان لا دلالة للحديث المذكور على المدعى و على فرض تسليم دلالته عليه لا عبرة به، لكونه ضعيفا سندا.

يمكن الاستدلال على الثاني- أي الشرطية- بوجوه:

(الأول)- موثقة إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم «عليه السلام» عن جارية لم تحض خرجت مع زوجها و أهلها فحاضت و استحيت ان تعلم أهلها و زوجها حتى قضت المناسك و هي على تلك الحال فواقعها زوجها و رجعت الى الكوفة فقالت لأهلها:

قد كان من الأمر كذا و كذا؟ فقال: عليها سوق بدنة و الحج من قابل و ليس على زوجها شي ء «2». و رواه الكليني عن أبى على الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيى تقريب الاستدلال بها هو انه- كما ترى- حكم فيها بثبوت الكفارة عليها لأجل المواقعة مع بطلان حجها و بها يستكشف بقاء إحرامها، لأنه لو كان يبطل إحرامها ببطلان حجها لما كانت عليها كفارة،

______________________________

(1) الوسائل: ج 2- الباب- 2- من أبواب أقسام الحج حديث: 31

(2) الوسائل ج 2- الباب 57- من أبواب الطواف حديث: 1

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 419

يمكن المناقشة فيه بما دل على ان نفس ترك طواف الحج جهلا موجب للكفارة و هو ما رواه عبد الرحمن بن الحجاج عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف

الفريضة؟ قال: ان كان على وجه الجهالة في الحج أعاد و عليه بدنة «1» و ما رواه علي بن أبي حمزة قال: سأل عن رجل جهل ان يطوف بالبيت حتى يرجع الى أهله؟ قال: ان كان على وجه الجهالة أعاد الحج و عليه بدنة «2». فعليه كما يحتمل ثبوت الكفارة عليها لأجل المواقعة كذلك يحتمل كون ذلك لأجل تركها طواف الحج جهلا بناء عن القول بدلالتها على ذلك، حيث ان ما أنت به من الطواف في حال الحيض كان لم يكن فعليه تصير الموثقة مجملة فلا يمكن الاستدلال بها لما نحن فيه.

اللهم الا يناقش فيهما: أما (في الأول) فلكونه من الصحاح غير معلوم. و أما (في الثاني): فلضعف سنده و انجباره بعمل الأصحاب «رضوان اللّه تعالى عليهم» غير معلوم و سيجي ء تحقيق الكلام عن ذلك «ان شاء اللّه تعالى» في البحث عن الطواف.

(الثاني)- ان من الواضح ان غاية الإحرام تختلف ف (تارة): تكون الحج و (اخرى): العمرة و (ثالثة): نفس دخول مكة، لما بين في محله وجوب الإحرام لمن أراد دخول مكة فكما لا يكون الإحرام جزء للغاية الأخيرة بل يكون شرطا لجواز دخول مكة فكذلك للغايتين الأوليتين و لكن فيه مناقشة واضحة، لأنه في الغاية الأخيرة لا يمكن تصوير الجزئية و هذا بخلاف الأولتين- كما لا يخفى.

(الثالث) ما دل على أن من فاته الموقفان جميعا فليتحلل بعمرة مفردة و هو صحيح حريز عن أبى عبد اللّه «عليه السلام» عن رجل مفرد للحج فإنه الموقفان جميعا؟ فقال له الى طلوع الشمس يوم النحر، فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج، و يجعلها عمرة

______________________________

(1) الوسائل ج 2- الباب 56 من أبواب الطواف حديث:

1

(2) الوسائل ج 2- الباب 56 من أبواب الطواف حديث: 2

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 420

و عليه الحج من قابل «1» و خبر محمد بن فضيل قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن الحد الذي إذا أدركه الرجل أدرك الحج؟ فقال: إذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له و ان لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له فان شاء اقام و ان شاء رجع و عليه الحج من قابل «2». و موثق إسحاق بن عبد اللّه قال: سألت أبا الحسن «عليه السلام» عن رجل دخل مكة مفردا للحج فخشي أن يفوته الموقف؟ فقال له: يومه الى طلوع الشمس من يوم النحر فإذا طلعت الشمس فليس له حج فقلت له: كيف يصنع بإحرامه؟ قال: يأتي مكة فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفاء و المروة، فقلت إذا صنع ذلك فما يصنع بعد؟ قال: ان شاء أقام بمكة و ان شاء رجع الى الناس بمنى و ليس منهم في شي ء و ان شاء رجع الى أهله و عليه الحج من قابل «3» الى غير ذلك من الاخبار الواردة عنهم «عليه السلام» و سيأتي البحث عن ذلك مفصلا في البحث عن الوقوف ان شاء اللّه تعالى.

و كيف كان إذا ثبت جزئيته أو شرطيته فهو و أما إذا فرض الشك في ذلك- كما إذا شك من صار حجه باطلا في خروجه من الإحرام و عدمه- فيمكن أن يقال بثبوت الإحرام عليه بالأصل- و هو الاستصحاب- و ذلك لتحقق أركانه من اليقين السابق و الشك اللاحق أما الأول فللعلم بتحقق الإحرام منه و أما

الثاني- و هو الشك في بقائه- فمن جهة انه يحتمل كونه جزءا و ارتفع ببطلان الحج فحينئذ ببركة الاستصحاب يثبت إحرامه و يترتب عليه آثاره.

و يمكن ان يقال بعدم ثبوت الإحرام عليه، لعدم جريان الاستصحاب في حقه و ذلك لانه كان جزءا فبترك الجزء المتأخر يكشف بطلان الجزء الأول من أول الأمر لأن صحته بناء عليه كانت متوقفة على الإتيان بجميع الأجزاء اللاحقة، لما عرفت في محله

______________________________

(1) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 1

(2) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 3

(3) الوسائل ج 2 الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر حديث: 4

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 421

ان كل جزء جزء في نفسه و شرط لباقي الاجزاء، فعليه يمكن ان يقال برجوع الشك في المقام الى الشك في أصل وجود الإحرام، فلا يبقى مجال بناء عليه للقول بجريان استصحابه بل يجرى استصحاب عدمه، و سيتضح لك تحقيق الكلام فيما إذا بطل حجه بتركه الطواف ان شاء اللّه ثم أنه بناء على القول بثبوت الإحرام في ما إذا بطل حجه يقع الكلام في انه هل يترتب عليه جميع آثار الإحرام أو لا و سيجي ء البحث عن ذلك ايضا مفصلا في المحل المزبور.

هذا آخر ما أوردنا إيراده في الجزء الثاني، و به تم شرح كتاب الحج من العروة الوثقى و أسأله تعالى:- التوفيق- لإتمام باقي الاجزاء و قد وقع الفراغ منه في جوار مرقد مولانا الإمام أمير المؤمنين علي «عليه السلام» في [12] شهر شعبان المعظم من سنة: [1382] بقلم مؤلفه العبد الفاني محمّد إبراهيم الجنّاتى و الحمد للّه أولا و آخرا و صلى اللّه على محمد و

آله الطيبين الطاهرين المعصومين و يتلوه الجزء الثالث [إن شاء اللّه تعالى] (شكر) لا يسعني إلا ان اكرر شكري و تقديري لإدارة:

مطبعة القضاء- في النجف على اهتمامها في إخراج الجزء الثاني بأقصر مدة و بهذا الشكل- من الضبط و الجودة- آملا لها التقدم و الازدهار في خدمة العلم و العلماء و اللّه سبحانه و تعالى ولي التوفيق.

«المؤلف»

كتاب الحج (للشاهرودي)، ج 2، ص: 422

تنبيهات 1- أحببت أن أشير هنا الى ان الجزئين: [الأول- و الثاني] من كتابنا: (كتاب الحج) هما أشبه بالمقدمات لمباحث الحج الآتية- ان شاء اللّه تعالى- لأنهما لم يكونا مستوفيين للمهم من مباحث الحج، و ذلك جريا على ما في العروة الوثقى، و ستتبعهما بقية الأجزاء ببحوث مهمة جدا، و منه سبحانه: استمد العون و التوفيق، و هو نعم المولى و نعم النصير.

2- كان اعتمادي في استخراج أرقام الآيات الكريمة في هذا الجزء و الذي قبله على:

«كشف الآيات» المطبوع في طهران، سنة: [1368] و لأجله قد لا تكون الأرقام مطابقة لبعض طبعات المصاحف السائدة.

3- طلب منى بعض الاخوان تصدير هذا الجزء بموجز عن ترجمة سيدنا الأستاذ- دام ظله- و لضيق المجال و عدم استكمال بعض جوانب الموضوع أرجانا الحديث عن ذلك الى الجزء الثالث.

(اعتذار) بالرغم من الجهود التي بذلت في تصحيح هذا الجزء: وقعت اخطاء مطبعية لا تخفى على القارئ- الكريم العارف بمجاري الكلام- و لهذا لم أضع فهرسا للخطإ و الصواب اعتمادا على القارئ في تصحيحها. و من المؤسف انه حدث تكرار: [في ص- 12].

[ «المؤلف»]

________________________________________

شاهرودى، سيد محمود بن على حسينى، كتاب الحج (للشاهرودي)، 5 جلد، مؤسسه انصاريان، قم - ايران، دوم، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.